نص مسرحي: "عدوٌ آخر" / تاليف : د. فاتن حسين ناجي
(موندراما في زمن الكورونا)
كتبت مريضة سرطان قبل موتها جراء فايروس كورونا بيومين ، على التويتر الخاص بها “لقد أستنفذت جُل طاقتي في محاربة السرطان ، حتى أنني أوشكت على الإنتصار عليه ، لولا تدخل الفايروس لكنتُ الآن أحتفل مع صديقاتي بسبب آخر جرعة كيماوي أتلقاها .. سيكون القدر غير عادل في إصابة شخص أستنفذ جُل ذخيرته في حربً ضد عدو ، ليحتله عدواً آخر”
____________
المكان :غرفة عمليات في مستشفى
ديكور الغرفة : طاولة العمليات لها أذرعاً جانبية لوضع الذراعين عليها خلال العملية. جهاز ضوءالعمليات فوق الطاولة مباشرة يتدلى من السقف، وجهازالتخدير يحتوي على الكثير من الأزرار, جهاز للتنفس الاصطناعي،. انابيب واسلاك, خيوط وادوات جراحية وموادالتعقيم والشاش واللاصق الطبي.
الشخصيات: (مريم) في العشرين من عمرها.. ترتدي قفازات بيضاء وروب شفاف ازرق وكمامة بيضاء وعلى راسها غطاء ازرق شفاف .
اصوات من خلف باب غرفة العمليات
الضوء يذهب يمينا ويسارا, ظل واقف في وسط المسرح يتأرجح حوله الضوء , ظل ثاني اسود يعبر امام الضوء ثم يختفي , ظل ثالث يقف بجانب الظل الاول ,الضوء يتحرك بسرعة ثم يرتكز على باب زرقاء كبيرة.
اصوات كثير , صراخ , صوت باب تغلق بقوة اشياء تسحب على الارض بسرعة ضجيج كبير بكاء توسل . ثم تظهر فتاة تغلق الباب بقوة .صوت من بعيد به صدى
ادركت انه متوجه نحوي بدا يتقدم ويتباعد ثم دار دورتين حول راسي وغفى تحت الوسادة.
تظهر مريم في غرفة العمليات توصد الباب بقوة تضع عدة كراسي خلف الباب
مريم: (تصرخ باعلى صوتها ) ابتعدوا جميعكم عني حتى لاتصيبكم العدوى ابتعدوا انا الان لااحتاج شفقتكم احتاج هروبكم …(تغلق فتحة مفتاح الباب باصبعها)هذا الهواء الي ازفره ملوث, بل كل الهواء حولي ملوث الان اخشى حتى ان انفث الهواء خارجا حتى لاتموت اجزاء الهواء حولي .
(تتعالى الاصوات ثم تختفي فجاة تتطلع مريم حولها لاتجد امامها سوى طاولة العمليات )
مريم: حتى هذه ارحم منه (تشير نحو طاولة العمليات), هي تعطيك امل في ان هنالك ضوء سوف يشرق غدا . احسدهم يتوجهون نحوها وينامون نومة هادئة ثم, يفيقون ويتباكون, لاتصدقوهم هي دموع السعادة في انهم وجدوا النور مجددا.
الا انا لم اجد السعادة يوما لا اعلم هل جمعت الالهة حطبا وشيدت من نيرانها معبدا في داخلي هل انا احترق الان؟ واتحول الى رماد ام اجثو على نيراني؟ . وابدا بالاحتراق من جديد واجثوا على نيراني من جديد لكن لااعلم ان كان هنالك احتراق ثالث (تضحك بالم) هي كل امنياتي .
(تزحف على الارض تصعد على طاول العمليات تقرب جهاز الضوء فوق راسها الى وجهها تغمض عيناها بشدة )
مريم : لن تطفأ السماء نورها اذ لم اصعد لها, لماذا السماء تريد ضوئي, قد ترهق العيون من الضوء وتحتاج الى الظلام. سوف اعقد مع السماء صفقة, استعيري جزءا من ضوئي لايجب ان تخمديه الى الابد, لاازال احتاج الظلام الذي تتوسدني به ذراعه لااريد ان اتوسد ذلك الثعبان الذي لف جسده حول الجميع حتى لاينجو احد (تبعد الضوء عن عينها تتكور جانبا على طاولة العمليات) هذا عزائي الوحيد في اني لست الوحيدة هو يلتف حول الكثيرين .. يمزح معي ذلك الممرض الذي اعطاني القفازات والكمامة والبسني هذه الثياب الزرقاء النتنه يقول انه هنالك ثلاث اشخاص قد تماثلوا للشفاء عندما سالته هل كان لهم عدو اخر قبله سكت وقال انت قوية تغلبتي على الاصعب هذا هو الاصغر (تنزل على الارض تعلق يديها على مساند طاولة العمليات تبدو كانها قد صلبت نفسها) وهل كل حياتي اقضيها في الحروب لابد من استراحة محارب يوما ما. ام ان صعودي الى السماء تاخر قليلا ؟ لكنه لم يتاخر كثيرا
مريم : القمر مريض هل تشاهدون وجهه؟ انه مبقع. الشمس ايضا مريضة تعاني من الشلل لذا هي لاتتحرك تحتاج الى كرسي متحرك.وهل تصدقون ان العصفورة التي كانت تقف على نافذتي لم تعد تاتي بعد هي مريضة لاتقوى على الطيران لكن كانت تكابر ولربما زادت حالتها سوء لربما ماتت,, لا ,لا لم تمت المريض لايموت بل يشفى مع تاخر قليل بالوقت. لا بل تاخر كبير بالوقت, تاخرلاينتهي بالوقت. ربما لايشفى ابدا.. كل يوم اشاهد تلك الغيمة في الغروب تتباعد عن اولادها لترتب لي مكان بقربهم وادرك انها ليلتي الاخيرة ..ثم اصحوا واجد ان الغيوم قد تلاشت. واركض نحو قلم احمر الشفاه واتزين وابتسم واحتسي حساء المشفى اللذيذ بل يكون حينها لذيذ جدا لانه حسائي الجديد .واقول مع نفسي (تقف على قدميها ترمي من على راسها الغطاء تظهر بلا شعر) استطيع ان اخلق يومي, لكن لااستطيع ان يجعله يعيد نفسه كل صباح واضع احمر الشفاه كل صباح اهداني هو اربع اقلام شفاه , وسبع كرات صوف ملونة قال لي اصنعي منها قوس قزح صرخت به امي بل قوس الله وهو يصرخ قوس قزح وهي تصرخ قوس الله فتحت انا شباك نافذتي رميتها الى الاعلى تكورت على الاشجار علقت الخيوط وراء الشجر وانحلت نحو الارض ظفرتها ضفيرة طويلة كي اتسلق بها نحو السماء وتمزقت .وكل يوم اتطلع صوبها ولااجدلاقوس قزح ولاقوس الله. ولم يعد يرسل لي الهدايا (تضع راسها على الجدار) لربما يرسلها لاقواس تستطيع ان ترمي السهام بقوة. المياه كلها عذبة الناس يلقون اكوام الملح فيها.
اصوات طرقات خفيفة على الباب : اخرجي من هنا لابد ان تاخذي علاجك المرض لايعرف الوحدة او العزلة هو يدرك انه محارب جيد لك.
مريم : اتركوني الان انا وهو لوحدنا ,, انت ياكورونا تعال الى هنا اريد اسالك هل انت رجل ام امراة؟ لابد ان تعلمني بنوع جنسك حتى اعد لك صيغة التفاهم , لو كنت رجل ساضع لك احمر شفاه ولو كنت امراة لاظهرت لك راسي الاصلع . لنقول انك رجل تعال اجلس بجانبي (تنزع الروب الازرق وتفرشه على الارض) تعال اجلس هنا نعقد صفقة انا وانت , سبق ان عقدت مع السماء صفقة ومازالت قيد التوقيع . صفقتي انا وانت هي , انا اقول اني ميتة واوصي اهلي ان يدفنوا جثتي وانت ترفع رايات الانتصار وتحتفل مع من ارسلك لي ولهم , وتطرقون كؤوس السمر. وهنا تكون صفقتك رابحة مئة بالمئة. ادرك انك لن تجيبني لاني صريحة معك وتخشى ان تسرسل معي بالكلام فتفصح عنهم ..ما بالك لا ترد .جبان انت ولا احد يدرك انك جبان الا انا .(تصفق بقوة) كشفتك ياجبان ولم يكشف جبنك احد قبلي. (ترفع الكمامة) ابصق بوجهك الان الا تحاول ان تعيد البصاق بوجهي (تضرب بيديها في الهواء) اضربك رد لي الضربة يا جبان,
(تقوم بتنفيذ حركات الشهيق والزفير تزفر نحو الروب المفروش على الارض بقوة وتبصق بقوة مرة واثنان وثلاث تبصق بسرعة وبانفعال شديد)
هاا انا اعطيك جزء مني اعطيك ذاتك لتعود لك لتدرك كم انها قبيحة صغيرة حقيرة تركب فوق ذرات البصاق تنزوي ايام عدة تحت الظلام حتى تظهر مثل اللص تسرق حتى الهواء اين انت لماذا لا تجيب على بصاقي ببصاق مثله تخاف ان ينفذ ما بداخلك من قاذورات .. ابصق نحوي اكتفي بي دعهم يرتشفون من نور الصباح انا اعتدت على الغيوم التي تنزوي لاجلي كل ليلة هم مازالوا يحلمون بالمال والبنين . انا اكتفيت باوهامي. (تعود الى غرفة العمليات الكبيرة) لن ابكي لان الارض ليست لي وليست لنا , هي لهم كل يوم ياتي احدهم ليملكها ويتصدق علينا بفتات الطيور عجبي انك ايها اللص المنزوي تحت اذرع البصاق عجبي انك لم تطرق ابوابهم هم لديهم غذاء كثير اكثر من جسدي الذي اعتاش على الجرعات القاتله , اذهب لهم ستعيش في حجر الملوك وسيزورك الجميع لن يخشوا من سلطانك لانه يملك , ويعود مرة اخرى ليملك , ونحن نقول له الم تكتفي بما تمتلك ونبصق عليه ولا يرد , هو يشبهك يتحمل كل شيء حتى البصاق ليمتلكنا, ليسرق زهورنا الضاحكة, لن ابكي لان سنين عمري التي سفحت لم يكن لها ذنب سوى انها عقدت معي صفقة , كل شيء في حياتي بدى صفقات خاسرة .
(تتطلع صوب قطع الشاش واللاصق حولها تجمعها امامها تصنع منها كعكعة تضع اثنان من المقصات في وسط الكعكة) .
تعال اقترب نحوي لنقيم احتفال سوية, الجميع خلف الباب قد سأموا الانتظار ورحلوا ليتهيؤوا غدا لحرق هذه الغرفة, فقد باتت جرثومة كبيرة في المشفى بسبب بصاقك وعطاسك يا منزوي, اقترب قبل ان يبدأ صياح الديك, هل تخشى صياح الديك؟ هل تخشى صراخ الام؟ هل تخشى بكاء الطفل؟ ام انك لاتخشى سوى الظهور.اقترب فلم يعد غيرك يقترب, تعال نطفأ هذه المقصات مقص اثنان ناولني ذلك المقص الثالث لم يعد للامر بقية, تتوجه الى باب الغرفة تهمس, قبل ان تقطعوا كعكة الاحتفال تذكروا اني كنت اتمنى ان اطفأ الشموع .
* د. فاتن حسين ناجي/ العراق- بابل ( اذار _2020)