المسرح رهين الاعتقال في زمن الكورونا اللعينة / بقلم : منصف الإدريسي الخمليشي
المسرح سيظل ضالتنا، نحن المسرحيون نهيم فيه بوجداننا و بإحساساتنا المرهفة و مع تنامي هذه الحرب البيولوجية تجمدت الحركة المسرحية التي كانت نشيطة جدا و في شهر الاحتفال بأب الفنون و سيدهم, المسرح, في كل شهر مارس من كل سنة و حسب الاعلان الهيئة الدولية للمسرح فيوم 27 مارس هو عيد المسرحيين, يجتمعون في فضاءات مختلفة و زمن مختلف و يحملون رسالة واحدة مترجمة لكل اللغات, تقرأ و تلقى في احتفال أممي عالمي دولي, فالباكستاني شاهد نديم الذي كتب هذه الرسالة في زمن الكورونا, عنون هذه الرسالة الموجه لفناني العالم بأسره “حين يصبح المسرح ضريحا”
طبعا لم تكذب أيها الباكستاني الأسيوي الغيور, فالمسرح هو ضريحنا الذي اشتقنا لزيارته فمنذ أن اعتلى وباء وصفه المختصون بالجائحة و اجتاح أزيد من 165 دولة, و نحن متقاعسين عن نشاطنا.
المساجد هجرت حقا, و المكتبات كانت مهجورة فـصبحت خلوة, الأزقة, و المسارح توقفت, أصبح مفهوم الثقافة موقوف التنفيذ إلى إشعار آخر فما يلزمنا نحن العرب هو الثقافة و العلم. فالمسرح سأظل أنا الداعي لممارسته لو أحب من أحب و أما الكارهون فنحن المسرحيين لا ننصت لهم, لأن الخطاب الديني لا يجب مزجه بالخطاب الثقافي لأن في نهاية المطاف الدين جزء من الثقافة قد يختلف الدين و لكن الثقافة لها مفهوم واحد و وحيد, لكن الاجبار على الامتناع من ممارسة الفرجة في زمن الكورونا فهو مسألة احترازية كانت خطوة مدروسة في كل العالم, و لكن الخطوة التي لم تكن ممتعة هي ظهور بعض من يدعون امتلاكهم الدين و الحكمة و قولهم “المسرح حرام فهذا سخط الله”,
فنحن لسنا في وضع سؤال الحلال و الحرام بقدر ما أننا في وضع سؤال “أين الحل الذي سيعيد الكرة الأرضية إلى نشاطها؟”
فنحن كمسلمين نشهد أن لا إله إلا الله و نشهد أن محمدا عبده و رسوله و نومن بالملائكة و الرسل و الكتب و القضاء و القدر خيره و شره, كنا ندعوا في أعمالنا إلى الالتزام بقيم انسانية.
تقاعس المسرحيين الفقراء, و بخل السينمائيين البخلاء, صمت بعض المغنيين (الجهلاء) و رمي بالحجارة إلى الوزراء اللطفاء, غياب وزارة الثقافة و الشباب و الرياضة في صندوق الجائحة العالمية ما هو إلا دليل صغير على نوع من الجشع و الاحتكار.
المسرحي فقير المادة, لكنه غني المعنى, عند حلول الأزمة في بداية الأمر كان الأمر إجابته سخرية, عند اشتداد الوضع خرج الفنانون ليقدموا دور الارشاد للمواطنين الغير مواطنين. في اليوم العالمي للمسرح, حارت التنظيمات الفنية على ما الذي يجب فعله, كما أن المسرح هو عملية فضح للمشاعر فهو أيضا عملية تأثيرية في الأفراد و ممارسة الضغط على هؤلاء أعطى أكله.
مصطلح المسرح هل هو لصيق بمصطلح العولمة و هل العولمة جزء من المسرح أم المسرح جزء من العولمة, كلها أسئلة يجب أن تطرح على طاولات نقاش, حيث و في ظل انقسام العالم أو توزيعه إلى مجموعة كتل فالإجابة على السؤال تعتبر مسألة ملحة من أجل ولوج العالم الغير مرئي, فالمسرح رهن العدالة و حكم عليه بممارسة الفن و لكن مع وقف التنفيذ, فوقف التنفيذ سيصيب الحركة بشلال مؤقت و هذا الشلال هو الآخر حبيس التنفيذ, فوقف التنفيذ هو يمثل قوم عاد و ثمود اللذين كفروا.
أحكام مع وقف التنفيذ لمسرح أبيح فيه الحلال و حرم فيه المكروه, و حلل الحرام و حرم الحلال, انقلبت آيات الحكم لم يعد عدل في عصر الكورونا التي ذاق العالم جزء من معاناة المسرحي, فالكورونا تشبه ذلك المسرحي الذي يطلب دعما لمسرحية فينتظر الشهور و يمدونه ببعض السنتات و كأنه متسول أمام المسجد, فأيضا الكورونا هي ذاك الامام الذي يعيش من تبرعات الزبناء من المصلين و كأنهم يستأجرون الإمام فالمفاهيم اختلت و الكل لم يعد يفهم, كانت هذه الحيرة هي كورونا, فالكورونا أيضا هي حارس المقهى الثقافي الذي لم يجد درهم لشراء سيجارة.
الكورونا كتعريف شمولي نسقطه على المسرحي الذي شلت طاقته, المسرح و المسرحي و الثقافة و الأدب في خبر كان, فكل شيء في كان و أين الآن الذي غاب, فكل الأزمنة و الضمائر غابت و غيبها الاعلام فمبادرات النبل في عصر الكورونا, كورونا جاءت و في المنزل أركنونا و كأننا سيارة. يا أيها الحميد اللطيف كن لطيفا, فالمسرحيين الكورونيين ضاق بهم الحالة, يريدون أن يصرخوا و لو في مسرحية, يريدون البكاء و لو في ارتجال, يريدون التنفس و لو في ذاكرة انفعالية.
المسرح الفاضح للمكنونات و الأحاسيس و الذي يريح النفوس الكورونا ابتلع كل الطاقات…و بعد كل ضيق فرج….