نص مسرحي:"قصة حب وثنية" / تأليف: سعد هدابي

مونودراما

(الى آدم المخبوء في اوردتنا مثل قافية بقصيدة شعر صوفية )

 
(الخطاب المسرحي)
التأثيث المكاني عبارة عن مشغل لصناعة الدمى  في احد المصانع  وبما يشبه القبو فيه انواع من مشاريع لدمى  هجينة لم تكتمل بعد .. ووعاء .. ومهد خشبي ..وحبل يمتد الى السقف …يبدأ الخطاب ونحن نشاهد الفتاة الخرساء ( ياقوت ) التي يعلو رأسها جديلتان بما يظهرها وكأنها صبية وهي تجلس الى ماكنة خياطة  بساق واحدة ..وقد امتد القماش الابيض الى مايحيطبها وبذات الوقت نشاهد ( صفوان ) وهو يفترش الارض وراح يقص القماش بواسطة مقص لعمل تصميم … يزداد صرير ماكنة الخياطة ويزداد تدفق القماش الابيض حول ( صفوان ) وتحتدم حركة (صفوان ) فيضيق بما يحدث حد الانفجار  ….. ونراه يصرخ ..بيد ان ( ياقوت ) تستمر                                             
صفوان : كفى .
ياقوت : ( تستمر )
صفوان: كفى قلت ..!!
ياقوت : ( تستمر )
(ينفعل صفوان وينتفض واضعا المقص حول رقبة ياقوت فتجمد حركتها )
صفوان : قلت كفى. كفى.. كفى (تجمد حركته هو الاخر ويحل الصمت ثم ينفجر ضاحكا)هل اخفتك حقا ياقوت..؟ أنا ..أنا اسف ..ابدا ماكان يصح ان اتصرف معك كبغل مفزوع .. لكن هذا الصرير المكرور لهذه الماكنة اللعـينة يستنزف كل شيء بروحي..انه يدمي خاطري الى الحد الذي لااقوى فيه على رسم فصال واحــد بهذا المقص .. صرير موخز تماما كسرف الدبابات وهي تعبر فوق سطوحنا لتبصق الخوف في نفوسنا ..فتدفع بنا للاختباء بين مخابيء الارض الخانقه.. انا ببلاهتي ..وانت بكل هذا الخرس الذي يتكيء على ساق واحدة..وهذا المقص الماجن الذي لايشبع من الرقـص على سطوح ما تخيـطه يداك الناعمتان.. نعم ياقوت..انا وانت.. والمقص (يلتف ويشهر المقص امام  ياقوت)
صفوان : انه مقص لايعرف السكون …مقص شـره وشيطاني  بنصل حــــاد مثل اية مقصلةعطشى للرقاب .  
(ياتي الى الاسماع مؤثر تمزيق قماش من الخارج .. فتصم ياقوت على أذنيها  وتغادر الماكنة ..  ) 
صفوان: حذاري ان تصـغي اليه .. مازال يعــاني هوسه المعتاد كل ليلة.. انه يختلي الى نفسه ويعاني الوحدة .. وهو شره الى الحد الذي  يطلـــق فيه  العنان  لخياله المريض  ليصطاد  ضالته .. ربما يكون قد نسينا هاهــنا بعد ان اوصـد الابواب وغادرنا آخر مرة .. نعـم ..غادرنا بعد ان اودعنا خارطة شقائنا بهذا القبو وعاث بكل هذا الجمال فسادا وتركنا نحن الاثنين كريشة تحت  المطر .
( تضرب ياقوت بواسطة العكاز على الارض)
صفوان : لاعليك.. ساكمل ما كان يجب ان يكون ..وساصنع  لك ساقا جميله كما وعدتك  هذه الليله .
(يندفع صفوان ويقوم بجمع ما تبقى من شرائط الاقمشة بغية عمل سائق لياقوت ويجلس خلف ماكنة الخياطة)
صفوان:نعم.. ساعمل على ذلك الان..وسنرقص معا حتى نملأ  فضاء هذا القبو الخانق فرحا.. نعم..لابد من شبح فرح  يدفعنا الى مغادرة هذا الجحيم وبلارجعة. ولتعلمي ابدا ان لاشيء يجبرني على المكـوث في هذا القبو سواك.. ومن اجل هذا ساصنع لكساقا لنعبر كل هذه الوحشة والغياب هناك ياقوت سنبدأ دورة ايامنا من جديد انا وانت.. وبلا مقص
(يقوم صفوان بعملية الخياطة فينبعث صرير الماكنة.. وتقوم ياقوت بالضرب على الارض بواسطة العكاز بغضب .. فيتوقف صفوان عن العمل)   
صفوان:هل انت غاضبه ياقوت..؟؟ مازلت اراهن ان باستطاعتي ان امتص هذا الغضب حتى تنفرج اساريرك.. ما رايك في ان اصنع لك الليلة طفلا بلون الورد ..؟!
( تتجه ياقوت الى المهد في الجانب الاخر وتهزه برفق )
صفوان: طفل يملأ جحيم ايامنا صخبا ويتقافز بين هذه الدمى الجامدة  كقط مشاكس .
(تترنم ياقوت بارجوزة من اغاني الامهات لاطفالهن وتهز المهد )
صفوان: الليله ساطلق العنان لهذا المقص حتى يبتكر اروع فصال لطفل جميل وسنخيطه نحن الاثنين بخيـوط من شغاف القلب.. تماما كما يفعل الآدميون ولكن بطريقة مختلفة ..
(تجمد حركة ياقوت … ثم تضرب على المهد بجزع )
صفوان: نعم ياقوت..لابد وان يكون بطريقة مختلفة . اعرف انك عندما تنامين كل ليله كنت تتوسدي امنية ان يكون لك طفل من هذا البغل الماثل امامك وكالعادة اهمس لك …البغال لاتلد الرجال يا حبيبتي .
( تتذمر ياقوت وتنهار بين الدمى )    
صفوان: فاذن ليس امامي الا ان اسرد لك الحكايات مثل كل ليلة حتى تنامـين ويغفو في خاطرك السؤال لاني ببساطة لااملك اجابة محددة لما يحدث كل ما اعرفه اني اعيش معك فاجعة فرضية مبهمة.. ربما كنا قد سقطنا من غيمة عابرة عبر تلك الفتحة النائية في السقف تباعا في شتاء ممطر وربما يكون الحال ابعد من ذلك بكثير ..وليس بعيدا ان  يكون الامر حدثا مركبا خارج كل الاحتمالات والتصورات وينطوي على سر دفين.. لكن لاعليك..ساحكي لك حكاية من الف حدث وحدث… 
( يمسك صفوان باحدى الدمى ) 
صفوان : ماذا تود السيدة ان اسرد لها الليلة.. اطلبي ما تشائين سيدتي ففي جعبتي كل ما يطيب لك من خرافات  الاولين والآخرين..لقد الهمتني فطرتي ان اعرف كل الاسماء ..وان ادخر في ذاكرتي ابجديات كل الاشياء.. حتى اول            بزغ لدهشتي بك حين افقت يوما لاجدك تتوسدين وحدتي هنا في هذا المكان الاصم  دون ان اعرف من انت مازلت احفظ ادق تفاصيلها.. خيل الي يومها انك من كوكب آخر..اتودين ان اسرد لك ماكان يعتريني لحظتها …؟
( ياقوت تطرق براسها )
صفوان : حسنا..ما رايك في ان احدثك عن الجزيرة التي لطالما حلمت ان اقيم لك فيها وطنا من  شموس لاتغرب … جزيرة مننهارات دائمة .. كل الفصول فيها نهارات .. وكل العصور نهارات .؟
ياقوت : ( لاترد…)
صفوان : اعرف انها اضغاث احلام.. طيب. ما رأيك في ان احدثك هذه الليله عن آخر مرة نظرت فيها الى خارج هذا القبو عبر تلك الفتحة النائية في السقف .
  ( موسيقى توجس من داخل راس ياقوت وتنظر الى الاعلى )
صفوان: في تلك الليله الغائمة..والعائمة خارج كل تقويمات الازمنة  كنت قد صنعت هذا الحبل وتسلقت الى السقف ونظرت الى الخارج (يمسك بالحبل ويحركه) ياه …هالني ما رأيت…وماسمعت  ياقوت .. لقد رأيته.!!
(ضربة موسيقية..يعود مؤثر تمزيق القماش من الخارج وبشكل اشد وتصاب على أثرها ياقوت بالتشنج وترتجف هلعا)
صفوان : نعم لقد رايته  ياقوت..بأم عيني رأيته وهو يضع آخر اللمسات لخارطة العباد وهم يهجعون بصمتهم الابدي  في الاقبية الاخرى..كان يزرع الخوف في اوردتهم ومضى مترنحا الى مخدعه.. اظنه كان ثملا.. او يخيل الي انه كان على قدر كبير من النشوة على اقل تقدير.. لقد..لقد شممت رائحة  القهر من بطون الاقبية الملاصقة  لهذا القبو..انها  اقبية اخرى تشبه الى حد كبير قبونا الأزلي هذ ..لكنها اكثر سرية واشد غموضا..وبين الحين والاخر كنت أراه وهو يسعى الى اختراق قشور ادمغتهم لينظر ما فيها من احلام مشروعة فهو يخشى المؤامرة ويحرص في ان يعلم شوارد الامور..شعرته  مرعوبا وهو يحصي أنفاسهم  في كل حين ..كانوا يسفون خوفهم بصمت كما البالوعات حينما ينهمر المطر مدرارا ..ويحتشدون في زوايا الاقبية اللزجة وبأنفاس مرتجفة.. وقلوب واجفة..كنت اسمعتهم لاغطين بهمس خفيض..ربما كانوا يقرأون التعاويذ..اوربما  كانوايصلون صلاة الوحشة على انفسهم.اقبية .. وقرود  .
( تجمد حركة ياقوت  كمن صعقت .. يتحدث صفوان بصوت خفيض)
صفوان: نعم انها قرود ياياقوت..قرود عقيمة هزيله خلاف صورتنا انا وانت ويقف هو وبكل عنفوان جنونه يحف به  سماسرة من شياطين..لقد رايته وهو ينظر من شرفته ويلعق النشوة كما يجتر الخنزير لعابه.. وبين الحين والآخر كنت اسمع ضحكاته الداعرة  الشوهاء وهو يسعل من فرط سجائره  المستوردة من وراء الاكوان وينفث الدخان..كان مدمنا  حد السفاهة ويعب الخمرة في جوفه غير آبه بالعباد..كانت المسافه بيني وبين الشرفة تكفي لانعاش الرغبة في ان اراه على حقيقته.. لم يكن مهيبا كما اطنب المداحون من الشعراء..والاجراء..وذوي الاقلام الماجنة..وحين اقتربت اكثر  من شرفتة الفضية العائمة كغمامة في كبد السماء زادني ذلك وضوحا فتبحرت فيه..عيناها كفوهتي بركان تمطران  شهبا.. وتقذفان بالحمم وهو يتطلع الى كل جهات الارض..و كانمحاطا بالجواري الحسان والولدان ويقف على يسار  شرفته سياف وبمرآى مفزع حد الهلع..وعلى يمين الشرفة يقف سمسار لقيط..دبق. سمعته وهو يعلن بلسان عار من كل حياء عن مزاد للبيع ..
(يتناول صفوان احدى الدمى الهجينة ويقلد صوت السمسار )
صفوان: من يشتري قرودا ناطقة ايها السادة.. من يرغب بأقتناء قرد يتحدث فيؤنس وحشته..هذا قرد مهرج يمتهن السرد بطرافه.. وهذا قرد يحفظ اسراركم.. وتلك قردة للاستخدام الشخصي.. وهذا قرد وليد سيعيد اليكم ومضات من طفولتكم التي انسلت من بين اناملكم كالرمل.. وهذا قرد على قدر كبير من الاتزان يسرد لكم الحكايا والملاحم والاسمار فلا ضجر بعد اليوم ولاسأم.. هلموا ياسادة.. اقتنوا ما تشاؤون من القرود..نقبل الشيكات.. والتقصيد المريح …والبيع بالآجل.. وبلا كفيل .
(يلقي صفوان بالدمية ويتحدث)
صفوان: كم هو مؤلم ان يلوك آدميتك سمسار موتور…ويلقي بها الى المسافل وبتفويض مطلق من وثنمخمور..وكم هو بغيض ان تعلن استسلامك  لقواد مأفون وابن أبيه..كان الجميع يصفق يا ياقوت ليبدأ المزاد…فغادرت مكاني وانسللت بتؤدة حتى وجدتني بين قطيع القرود.. كانوا يشبهوني الى الحد الذي كنت فيه على يقين من ان لااحد يستطيع ان يكتشف فرقا بيننا..وفي اللحظة التي أمر فيها السمسار قردا ان يتفوه ترويجا لبضاعته الكاسدة, صرخت انا باعلى صوتي..لعل احدهم يبتاعني لاغادر محنتي فلا اعود الى هذا القبو فصرخت بقوة…
(يطلق اصوات تشبه اصوات القردة ويتصرف كقرد وهو  يتسلق الحبل وسط القبو ويتأرجح  )
صفوان : أنا قرد ياسادة.. قرد حكواتي يمتهن السرد..وساسرد عليكم الحكايا أنا قرد وابن قرد..وسليل امة قردية تمتهن التهريج بامتياز.. اغني وارقص بمجون.. لقد خلقت و بما يطيب لكم في ان اكون مجرد اضحوكة ..فمسخت على ما انا عليه من ضعة وانحطاط  فلا اعرف للعزة طريق.. انا قرد يحترف التملق لسيده حتى يشبع خيلاءه فيمسح على راسه ليزيد..انا عصارة ذل وانكسار..لم تعلمني امي ان اغادر قرديتي التي فطرت عليها..بل حرصت على ان  تطعمني مع حليبها كل فروض الطاعة والخنوع فاحدود بظهري فما عدت ارى غير اقدامكم الثقيلة ياسادة وهي تركلني فالثمها حتى ادمنت شأني ..واوصاني ابي المخضرم بالقردية حتى النخاع ان العق بلساني كل ما يتساقط من جبروتكم من فتاة عطف وبفم مخاطب الخرس.. من يشتريني ياسادة.. فأنا  قرد معروض للبيع مذاب صرت الدنيا .
( تزداد حركة صفوان القردية ويطلق التصويتات فتجهش ياقوت بالبكاء فيترك صفوان الحبل ليسقط  على الارض ويتحدث بانكسار ولوعة )
صفوان: ابكي ياقوت..ابكي.. فليس امامنا سوى الدموع لنغسل ما تقترفه احلامنا المشروعة من مآس ندفع ضريبتها من آدميتنا دفعا للشبهات..كدت ان انجح ليلتها في ان اصيب قلب غايتي لولا ان نظرني هو شزرا فابتسم بمكر بعد ان اكتشف حقيقتي..صفق.. وضحك ملأ شدقيه..ثم ثم همس في اذن السمسار بعض كلمات اوقدت بعينيه كل الحرائق حين نظر الي..فادركت المغزى وهربت.. وصار السمسار يطاردني من مكان الى آخر كسهم مجنون.. كان يطير خلفي بجناحين من لهب ودخان ويعبر الازمنة بلمح بالبصر..وصوت هو يمزق الحجب مزمجرا …
(ياتي الى الاسماع مؤثر تمزيق قماش فتصم ياقوت على اذنيها وكذلك صفوان.. لحظات ويجلس صفوان منكسرا )
صفوان: انا مطارد الان ياقوت.. مطارد حتى آخر حفيد..مطارد لاني اكتشفت الحقيقة بعد ان غادرت هذ ا القبو سعيا مني للظفر بأجابة عن سؤالي اليتيم..وسيتم اعتقالي باية لحظة..وسأحاكم لاني رفضت ان انتمي الى هؤلاء الذين صاروا مطية الولاءات لأوثان الارض.. لكم تخيلت اني ساقف في قفص الاتهام بين يدي وثن تحتشد في قبضته كل العناوين.. فهو الخصم والحكم..ولامفر من ان اجلد.. او ارجم.. او يهدر دمي.. كل ذلك كان يعتمل براسيحين اطلقت للريح ساقي سعيا للخلاص..ليلتها كنت حاذقا بالهروب من اجل التمويه فتنكرت ببلاهتي كعابر سبيل حتى قادتني        قدماي الىمالا اتوقع ان ارى ياقوت …
( تنتاب صفوان ارتجافة في جسده )
صفوان: فحين سلكت الشوارع الخلفية للمدن البعيدة التي تغط  بالخدر والفجور رايت اكثر من هو..اوثان وشرفات لا حصر لها تمتد الى ما لانهاية وتطل على الاسواق..والساحات.. والطرقات.. وكل وثن كان يتربع على عرش من التابعين..ويدق مسامير سطوته في الرؤوس المجوفة كطبل..وتابعون بمختلف الاجناس يسجدون  ويجلدون اجسادهم بسياط من الخنوع  ولانكسار والمهانة.. والكل كان يهتف تبعا لهذا  لوثنه..وكلما توغلت اكثر كلما زادت الشرفات انتشارا.. كان البعض يقدم القرابين..والبعض الاخر يهتف مسعورا لشبح وثن حين يظهر امامهم في الشاشات الكبيرة مخافة ان يستهدف..وثن يخاف الموت..!! وآخرون يرقصون على المعازف وهم عراة امام نصب وثن مات قبل قرون والبعض الاخر كان منهمكا في تصنيع وثنلم يولد بعد .. اما الاغرب من كل هذا حين  مررت بقوم يعبدون انفسهم ..انه مهرجان الاوثان..وثن يلعب القمار.. وآخر يصطاف بشلالات نياكرا كلما فرغ  من احكام قبضته على تابعيه..وثن آخر له حسابات في كل بنوك العالم  ويتابع البورصه ..وآخر له جزر تغتص بما يكفي من الحور ..ووثن  يكره ملاحيد الولاء..ويبغض فكرة الخوض في الانعتاق لذا يعمر الاوطان بالاقبية..ويقيم مأتما بالمشانق للمنشقين وذوي الكرام.. فما كان امامي ليلتها الا ان احتمي عند سقيفة اول وثن.. فوضع السيف على نحري وطالبني بالبيعة حتى آخر حفيد , وثن يحرم الحلال ويبيح كل ما يتقاطع مع الفطرة..فهربت ثانية لاحتمي بسقيفة وثن آخر..لم امكث طويلا بين يديه ..كان بارعا في الاخصاء وطالبني ان ارقص كغانية …فهربت خلسة حتى وجدتني بين يدي وثن معتوه آخر حديث عهد بالطغيان.. لكنه نزق ومراهق.. نازعني في ان يختم على جبهتي لاكون له مملوكا حتى الموت فهربت.. كل ذلك يحدث وكان السمسار يقتفي أثري..كان يريد ان يظفر بي حيا او ميتا  لينال الجائزة حتى وصلت الى مقبرة حبلى بالاسرار.. عندذاك انحسر دور الاوثان.. فلا اوثان تقيم في المقابر يا ياقوت.. وحدهم الموتى يسلكون الطريق الى السماء.. ليس سوى شواخص لأناس ماتوا في الحروب والازمات والبعض مات منتحرا ..رايتهم يجلسون في حلقات وهم يقرأون الصحف دون سمسار او وثن…ويندبون حظهم العاثر ويهرسون ارواحهم ندما  في ابدية  شقائهم ….نظروني فضحكوا ملأ الاشداق  قالوا وبلسان عربي فصيح وبلا ادنى عجمة..اياك ان تموت مناجل دجاجة او بيضة..!! دنوت منهم بتردد…فقال اقدمهم هلاكا لاتخف.. خذ اقرأ ..أقرأ..أقرأ صحف الاولين والاخرين لتعرف من انت ياصفوان..كانوا يعرفون اسمي يا ياقوت..اتعلمين لم..؟ لانكل واحد منهم كان صفوانا في سابق عهد والاغرب مما هو اغرب ياقوت.. ان كل شواخص القبور من حولي كانت تحمل اسم صفوان..وكل الصحف بين اياديهم تتحدث عن صفوان.. في كل مكان هنالك صفوان.. في الاضرحة..في المزارات.. وكل ماجيء به بتابوت في تلك الليلة كان باسم صفوان.. ورايتك وانت تقدين الثياب كأمرأة ثكلى فقود خلف كل جنازة تبحر في المنون وهي تحمل اسمي. نعم…لقد رأيت ليلتها الف ياقوت وياقوت في المقبرة ..كن جميعا  يتوشحن بالسواد ويشعلن البخور ..ويوقدن الشموع وينثرن الشعور, يحدو بهن شيخ طاعن بالويل ماانفك  يردد وبلا انقطاع ( كل من عليها فان ) …
( يشهر صفوان من بين ثيابه احدى الصحف  ويريها الى ياقوت )
صفوان : كل شيء مكتوب في هذه الصحيفة من قبل ان نلتقي  ياياقوت..ومن قبل مدون في اللحظة التي تبدأ فيها هذه الماكنة بالدوران وايعاز من اصحاب الشرفات .
(يضغط صفوان على الماكنة بقدمه فيزداد الصرير وترتجف ياقوت .. فينتفخ بطنها .. ثم  يحل الصمت )
صفوان: ياألهي.. كلما جلست أنا الى هذه الماكنة ينتفخ بطنك..ثم ياتي دور المقص لأبقر ما يكتنز هذا البطن  بولادة قيصرية املا في مخلوق يشبهنا وكالعادة تراني لا أحصد الا خيبة  اخرى مضافة لهذه الخيبات.
 ( تزحف ياقوت  تجاه المهد ..فيصرخ صفوان )
صفوان : كفي عن هذه الولادات القيصرية  ياقوت ..!!
(يزداد هز المهد  من قبل ياقوت فينتفض صفوان )
صفوان : كفي عن هذا الجنون..!! انني ارفض ان امنحك طفلا يقاسمنا  كل هذا البلاء ؟احتفظي برحمك نقيا ..ينبغي ان يكون رحما  طاهرا لا ينبت فيه الا ما هو آدمي بدلا من هذه الانتفاخات  الشيطانية.. الاتجزعين من فكرة المحاولة؟؟ الا تخجلين من فشلك الذريع  في كل مرة؟ لكم تخيلت ان يأتي  هذا الطفل الدنيا بساق واحدة اومفقوء عين  او غارقا بالخرس, لذلك ينبغي ان نتخلص من هذه  الذرية الهجينة التي لا تشبهنا .وسأحرق هذه المسوخ ثأرا   لآدميتنا ….
(يقوم صفوان  بجمع الدمى ووضعها داخل الوعاء الكبر فتنفجر ياقوت  بالعويل والتصويتات  فيتحدث صفوان بتهكم وهو يشير الى الدمى)
صفوان: علام تنوحين  يا امراة.. انها مجرد وقود  للحرائق التي لا تنتهي.. كل دمية هي مجرد رقم..رقم من بين الارقام لا لشيء الا ليستمر دور الوثنية البغيضة بماكناتهم اللعينة وشرفاتهم الفضية لبسط سطوتهم حدقي مليا بهذه الدمى.. انها مسوخ لا تشبهنا في شيء.. وسأعمد على احراقها..ليس هذا فحسب..لقد قررت ان اتخلص من هذا المقص وسأرمي به عبر تلك الفتحة في السقف .. واحطم  هذه الماكنة اللعينة .
(يقوم  صفوان  بتسلق الحبل ويرمي المقص في فضاء المكان فيختفي ) 
صفوان: (يصرخ  معلنا) انا الان بلا مقص ياأمراة..!! وبلا فتوحات… انا عقيم حد الخنث .
(ياتي الى الاسماع مؤثر تمزيق قماش من الخارج … ينظر ياقوت الى السقف حيث الفتحة )
صفوان : أتسمعين..؟  كلما احرقت مسوخا يسهر هو كل ليلة ليبتكر ما يشاء من الفصالات.. ومن ثم يأتي ليجلس عند هذه الماكنة اللعينة.. كل شيء في هذه الماكنة طوع امره ورهن اشارته..ماكنة تدور بلا هوادة مذ ادركنا انه هو من يقف وراءكل ما يحدث …  انه يملأ الدنيا بكل ما هو هجين لايشبهنا  .
(يختفي مؤثر التمزيق … ويهدأ كل شي . يتحدث صفوان بلوعة)
صفوان: انا وانت فقط نشبه بعضنا الى حد كبير..لا فرق بيننا سوى هذا الخرس الذي يتكئ على عكاز..وهو ..انه مرابي وبخيل..نعم..لقد كان بخيلا الى الحد الذي لم يصنع لك فيه عكازا لما انت عليه من ركود..ولولاي لما استطعت ان تتحركي خطوة واحدة.. انا وحدي من ابتكر لك ساقا بهيئة عكاز ولطالما فكرت في ان افتح  لك بالمقص ثغرافي وجهك الجميل لأسمع صوتك.. لكني عدلت عنالفكرة.. اتعلمين لم؟ ذلك لأني لا أحمل في جعبتي اجابات لأسئلة اخرى ستولد على لسانك حتما.. لكم تمنيت ان افعل ذلك لحظة نومك لأعرف من انت على الاقل.. لكني تراجعت. كنت جبانا حينما داهمني شعور مباغت ذات شقاء دفعني للتفكير في ان اقطع لساني..وان ابتر احدى ساقي حتى لا  تشعرين انت بالنقص.. لكني تراجعت ايضا..فمن يصرخ لأجلنا ان فعلت ذلك؟ (يصرخ بقوة)انني ادخر في روحي صرخة  من ثكل بعزيز لاجلك ياقوت..واعاني من احتباس الزفرات في رئتي منذ الف عام.. انا نحتاج الى كوكب آخر نعيد فيه ما تساقط من آدميتنا علنا ننقذ ما تبقى منها..انني خجل ياقوت..خجل الى الحد الذي سابيع فيه ذكورتي على قارعة الطريق.. وخجل الى الحد الذي ساعلن فيه برائتي من دمي.. لقد كان الرهان علينا ان نكون ياقوت..لا ان نكون مطية الاخر..كل شيء هناك مستباح.. كل شيء.. الارحام  والفطرة والدروب.. لا درب الا وقد  اوصد بالمحرمات.. لاباب نطرق الا ويفضي الى قبو اشد حلكة من سابقه .. فكيف نفر من هذا البلاء..؟
(يجلس صفوان منكسرا ويتحدث صفوان بهدوء مشحون)
صفوان: قبل ان تظهري انت بحياتي.. كنت وحيدا في هذا المكان الموحش..أشعر بالبرد الرهيب وهو ينخر عظامي  حد التحجر واليباس.. و كنت انظر حولي فلا  اجد غير حيرتي وسؤالي اليتيم  وماكنة الخياطة اللعينة هذه ومقص  بنصل حاد يتضور جوعا بحثا عن قطعة قماش عذراء  كل ليلة تماما مثل شهريار المغرم بالفتوحات.. كنت اتسكع بخيالاتي حتى ايقنت للحظة اني مخلوق بالصدفه , محض طفرة عابثة ليسالا.. او مجرد خطأ في فرضية الوجود.. كنت افتش عن مرآة  اتمرى بها لارى صورتي  فلم اجد ما يسعف آدميتي الغرقى بالضباب..كم هو مؤلم ان لاتعرف من انتولا على اية صورة خلقت..فتشت في كل ما يحتويه هذا القبو من جدران فلم ارى غير رسوم باهتة موغلة بالقدم لايتضح منها سوى راس بغل ..!!
(ينفجر صفوان ضاحكا)
صفوان : بغل..!! نفرت واقشعر بدني مما رايت..!! حين تخيلت اني مجرد بغل وحيد في كهف منسي ..جربت الصهيل ولم افلح..حاولت ان انهق بكل ما اوتيت من ملكات ولم انجح..!! ادركت ان النهيق يحتاج الى مهارات استثنائية واستعداد بهيمي..ان تنهق هذا يعني انك قد بلغت ذروة بهيميتك بلا شك..ولك الحق  في ان تنهق لتعلن من انت  ..
(يضحك ساخرا)
صفوان : كل محاولاتي  التي كانت على قدم وساق  باءت بالفشل الذريع ولم انل وساما يؤكد بهيميتي..حتى ظهرت انت..عند ذاك تغير كل شيء في وعاء هذه الراس المفجوعة بالسؤال, وتأكد لي اني مخلوق بقصد وليس مجرد بغل  يحمل اسما في قائمة المبيعات…ورقماوتوصيات وتفاصيل اخرى.. وعبارة افزعتني حد الهلع (المباع لا يستبدل  ولا                          يرجع )
( ينفجر صفوان  بالضحك الملتاع  ومن  ثم يقترب من ياقوت كمن يشكو  )
صفوان:هل ادركت الان حقيقة ما يجري من حولنا ياقوت..؟ ارجوك غادري ما تجهلين واركبي معي في قارب المحاولة لنتسلق هذا الحبل معا علنا نصل الى بر الامان وننتشل آدميتنا التي تآكلت بين هذه الجدران.. ان هي خطوة صغيرة واحدة حتى وان  كانت  بساق واحده  .
( تزحف ياقوت الى الوعاء الكبير وتطوقه بذراعيها وتنوح )
صفوان : يا الهي متى تفهمين..؟ متى تدركين اننا في الضفة الاخرى من كل الاشياء ينبغي العبور وبأسرع وقت … حدقي في هذه الصحف.. طوابير من العابرين غادروا هذه الاقبية بحثا عن اجابة  هناك..عند اله يتماهى في قلب كل سؤال..يا ألهي متى..؟ متى نفوز ولو بالحد الأدنى من الانعتاق لنصلي معا لاله لم تره أعيننا لكننا نشعر به وهو يسوح في مساماتنا كالروح..اله مثل قافية بقصيدة شعر صوفية. أنه يحتل رؤوسنا دون صداع.. نقرأ عنه في رسائله فيولد من أكبادنا الفل نوح ونوح.. اله يانع في خوطرنا كالثمر، ندعوه فيدنو من مخافاتنا..يرقبنا بحنو ونحن نبحر حالمين  تحت  ضوء القمر.. بلا قرابين ..بلا هتاف.. وبلا قدر.
(يمسك صفوان بالحبل)
صفوان: لذا ينبغي ان نؤجل كل شيء ياقوت..الحب. والاولاد.. والاحلام حتى نغادر جحيم هذا المكان, هناك سنلد ابناء اللهو بأحسن تقويم.. اولاد تسجد لهم الملائكة..وتعرج بهم الفطرة الى ملكوت الحب والانعتاق.. كل شيء يجب ان يؤجل و يدفن في مقبرة الحظر.. الا فكرة الهروب والانعتاق.. ينبغي ان تكون منهج  تفكير ومشروعية بقاء..انا وانت وبلا مقص.. خلاف هذا سأجدني مضطرا ان اضع حدا لحياتي وأدامني لهذه المهزلة الوثنية اللعينة في ظل شرفات هؤلاء المسوخ..ونغادر وثنيتنا  المقيتة.. ينبغي ان نحاول وان فشلنا فسنكسب شرف المحاوله هات يدك ياقوت .. هات يدك ارجوك …!!
(يتم قطع الحبل من الاعلى فيسقط  فينفجر صفوان بالضحك الملتاع )
صفوان : لقد آن الاوان لاعتقالي يا ياقوت.. بدأت اسمع ملأ اليقين وقع خطوات ذلك السمسار وهو يقترب ومن دوني ستبقين وحيده ياياقوت ..
(تاتي الى الاسماع  مؤثر وقع خطوات ثقيلة من بعيد )
صفوان : هذه الخطوات الثقيلة ستجعلك تتوشحين بالسواد من بعدي لعصور وستسكنين المقابر..وستبكين الى الحد الذي تسمل فيه عيناك..خرساء عمياء.. وبساق واحده.. ليس امامنا سوى فرصة اخيرة  ياقوت.. انها           الخطوة التي ستمنحنا انجع الحلول  واكثرها انعتاقا..( يصرخ بوجع ) انه الوعاء ….!!!
( يشير صفوان الى الوعاء الكبير ثم يتجه  الى داخله )
صفوان : هذا الوعاء يا ياقوت هو السبيل الوحيد الذي سيهبنا مشروعية انعتاقنا وسيحفظ سرنا للابد.. تعالي ياقوت.. تعالي الى هذا الوعاء فهو كفيل بان يدفن ماتبقى من بقايانا..وبعود ثقاب صغير .
( يستخرج  صفوان علبة كبريت ويشعل عود ثقاب )
صفوان : تعالي ياقوت..تعالي لنحرق غربتنا ونرسم بالموت غدا اكثر آدمية هناك سنشكو لله خليفته  الذي احرق الضرع وامات الزرع..هناك.. سنعود اطفالا في رحاب أب حنون.. نلهو في اقطار سماواته التي لا حدود لها بسلطان عشقنا وفطرتنا التي جبلنا عليها..وحين نتعب ننام برحاب اية مجرة سابحة في ملكوت أبوته بلا سماسرة  او خلفاء عاقين انا .. وانت…وبلامقص .
(تزحف ياقوت لتجلس الى المهد خشبي وتهزه ..وتبدأ بالترنيمات من الاغاني الشعبية  للامهات .. فتنتفخ تدريجيا بطن صفوان داخل الوعاء.. وكلما ازداد اهتزاز المهد كلما زاد انتفاخ بطن صفوان.. تصل الترنيمات الى ذروتها  ويرافقها مؤثر تمزيق القماش من الخارج.. وتكبر بطن صفوان فيجن جنونه و ينتفض صارخا)
صفوان : (يصرخ  بهلع) ياالهي…..ماهذا ..؟
( تزداد ترنيمات ياقوت  وتهز المهد … فينتفخ بطن صفوان اكثر )
صفوان : مالذي يحدث …؟  ساجن ..!!
( تزداد ترنيمات ياقوت وتهز المهد  فينتفخ بطن صفوان اكثر )
صفوان: كفى ..؟
( تزداد ترنيمات ياقوت وتهز المهد  فينتفخ بطن صفوان اكثر )
صفوان : قلت كفى .
( تزداد ترنيمات ياقوت وتهز المهد  فينتفخ بطن صفوان اكثر )
صفوان :  ( يصرخ ) ….. الي بالمقص ياياقوت…..!!
(مع مؤثر سلاسل يفتح الباب ..فيختبيء صفوان في الوعاء وتجمد حركة ياقوت… لحظات ويظهر رجل كبير في  السن تدل هيئته على انه خياط  وهو يحمل ساقا من قماش.. وشريط مقاس حول رقبته وبنظارتين دائريتين فيلقي بالساق قرب الماكنة.. ثم يقترب من ياقوت ..فيقوم بقياس ساقها ثم يسحبها الى الماكنة مثل دمية ويبدأ بخياطة ساقها.. يسري  صرير الماكنة.. وبذات الوقت تشب النار من داخل الوعاء)
                                               ( ستـــــــــــــــــــــــــــــــــار )
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت