التنمية المستدامة وصناعة العرض المسرحي/ حيدر سلمان

ان مصطلح التنمية في العروض المسرحية نقصد به تعزيز وتطوير العروض. لكن مايحدث الان في بعض العروض المسرحية من جانب التمثيل والاخراج وربما حتى النص المسرحي .. ليس له علاقة  بتنمية الذائقة الفنية  !!
في الحقيقة هناك تجارب مسرحية يقدمها مسرحيون وهي محاولة لتقليد قواعد معينة .. لكنها تحتاج  الى محاولة جديدة من اجل تنمية العرض المسرحي وعناصره وخلق عنصر الدهشة عند المتلقي .
ان الحكمة هنا في التنمية المسرحية هي طرح نوافذ جديدة للعرض وادخال عدة ملامح تبين لنا تطورات في كل عناصر العرض .. كلنا نعرف هناك ثوابت في المسرح لكن هذه الثوابت تحتاج الى تطوير وتنمية حتى تصبح اداة بحث على التجريب الذي خلق من اجل تطوير الثوابت، فكل العروض المسرحية التجريبية ليس لها شكل ثابت وتتعامل مع أدوات جديدة وهي نتاج عملية بحث مستمر لإيجاد صيغ متعددة من خلال الورش او المختبرات المسرحية
 
التنمية المستدامة والمخرج
كل انسان يريد ان يصنع منجزا يستند على قدراته الذهنية والخطط الفكرية في تكوين الجانب الفني لصناعة المنجز
فالمخرج لديه مجموعة مقومات يستند عليها من خلال التجارب السابقة والبحوث المسرحية والمدارس الإخراجية هذا من الجانب النظري والتطبيقي ومن ثم يشغل أدواته الحسية والذهنية حتى يخلق المشهد المسرحي بصورة ابداعية
ان تنمية الرؤية الإخراجية عند المخرج تتطلب مجموعة أدوات تتيح له القدرة على صناعة العرض المسرحي، وبالتالي عليه ان يكون لديه الحلول والمضامين لكي ينمي ويغذي روحية المشهد وأن يكون خطط كاملة لإيجاد الرؤية المناسبة لمشهد ما . وان يكون لديه السرعة البديهية في مواجهه الآخرين في حال التشابه او ما شابه ذلك, وأن يكون قادرًا على تحليل الشخصية وفهم مضامينها
وعلية ان يكون صاحب معرفة تامة في الوضع العام للعرض المسرحي ومتابعة مشاعر الآخرين وعلاقاتهم مع بعض .
المخرج هو القائد والمفكر للعمل المسرحي هو من يختار النص المسرحي بما يناسب أفكاره وخططه الإخراجية، وهو الذي من يضع عينة على ممثلا قادرًا ان يلبي مايحتاجه منه خلال فترة العرض.
فالمخرج مهمات كثيرة وكل منها تحتاج الى تنمية وتركيز وتفاصيل ادق من اجل نجاح العمل اولا وايصال مضمون العمل ثانيا .
المخرج المسرحي يلجأ الى عدة مفاهيم تنمي أفكاره وتشغل مخيلته اكثر وأكثر، فيقوم بقراءة النص بعدة طرق ومنها سطحيا ودراميا وكذلك يصل الى مرحلة بحث مابين السطور واظهار المعنى الحقيقي المبطن النص المسرحي (القيمة الفكرية ) ومن هنا نستطيع ان نقول وصلنا الى صناعة عرض مسرحي يحمل رؤية إخراجية تنموية
 
التنمية المستدامة والممثل
اعتمد بعض المخرجين على تقديم عروضهم المسرحية اعتمادا صريحا على جسد الممثل دون الكلمة،  وأصبحت لغة الجسد هي الوحيدة في العرض المسرحي هناك حالات مسرحية لاتستند كثيرا للنص اللغوي وإنما تقوم بالاعتماد على التعبير الحركي كوسيلة بدلا من الخطاب المسرحي
وهذا يعود بِنَا للمسرح التقليدي يجب علينا ان نبحث عن سليقة المخرج التي قام بطرحها
البعض يقدم مجموعة رقصات كيروكراف أشبه بعروض الاستعراض وهذا لاينتمي إطلاقا للمسرح وحلوله في معالجة الواقع كوّن المسرح يحمل معالجات تخدم المجتمع. والحل يجب ان تكون هناك توليفة تجمع بين الأداء الحركي والمعنى المقصود في العرض .
على الممثل ان يبحث عن الظواهر المعاصرة ودراستها جيدة من اجل اكتساب انطباعات جديدة متنوعة لإغناء فكره وأحاسيسه وبالتالي اكتشاف وسائل تعبيرية جديدة. ان الممثل اذا كان بدون بحث ودراسة تامة على القيام بوظائفه الفنية سيبقى وحيدا عاجزا (نمطي) فاقد حواس التعبير
ينبغي على الممثل ان لايعتبر التمرين المسرحي وظيفة برامجية جامدة تكون في وقت محدد عليه ان يبحث باستمرار على شي جديد كل يوم حتى في العرض المسرحي.
عندما يكون الممثل امام تأدية دورا معينا يتسائل مع نفسه لماذا امثل لمن اقدم واحرق دمي وأتلف اعصابي وأتحمل كل شي؟؟ لمن أوجه خطابي والكل من حولي لايهتم ولايقدر عملي ؟؟ لمن اعرض عملي وانا أبيع جسدي شيئا فشيئا.
إذن الجمهور يحتاج الى تنمية والكل يساهمون في توصيل الرسالة وبالتالي كل عناصر العرض مهمة بدءا من فتحة الستار الى خروج اخر شخص من الجمهور .
 
التنمية المستدامة والشخصية المسرحية
كلنا نعرف ان الشخصية هي التي تجسد من خلال الطابع الدرامي للنص المسرحي، فهي تشتغل عنصر مهم لعدد من المؤهلات التي لا تملكها الشخصيات الاخرى الا بشكل متفاوت
أن تنمية الشخصية الدرامية في النص المسرحي تتطلب العديد من المعطيات ومنها تمييز كل ملامح الشخصية وادخال عنصر الدهشة .. ومنها تجريد البنية السطحية .. كل هذا يقوم على تطوير المهام الاساسية عند الممثل لكي يأخذ على عاتقة توظيف المستويات وتحسين سمات الشخصية وعناصرها الدلالية ..
ان الشخصية المسرحية قائمة على شبكة علاقات، فالدراما تقدم العلاقات الانسانية وما يفعله الناس والعلاقات الواقعية وغيرها وهذا نقول ان الشخصية تبنى وتحلل المفاهيم التي نريد نجسّدها في العرض المسرحي .. ومن هنا نعتبر ان مهمة الشخصية تتمفصل الى اصغر العناصر وتوضيح كل صفاتها اي انها تظهر وتبرز الصفة الدرامية النصية .
 
التنمية المستدامة والسينوغرافيا
المسرح بمفهومه العام هو فن بصري وكل مايقدم على الخشبة هو قابل للرؤية وله دلالات وعلامات تحمل معاني ورموز ومضامين العرض المسرحي ومن ضمن هذه العلامات الرموز هي عناصر الصورة التي تتكون من المنظر المسرحي والاضاءة والاكسسوارات والأزياء كل هذه تكون في بوتقة السينوغرافيا وحتى الموسيقى جزء من السينوغرافيا فهي تساعدنا على كشف معالم البيئة المكانية للمشهد المسرحي نحن لانختلف جمعيا على ان السينوغرافيا هي جزء مهم من صناعة العرض المسرحي
لانها تحمل الشكل الخارجي للعمل وتكون العنصر الأهم للصورة الأخراجية بالنسبة للمخرج .
لاشك ان المخرج يعتمد اعتمادا كبيرا على على الجانب في صناعة العرض من اجل توصيل ملامح العرض والشفرات المخفية في النص المسرحي من خلال السينوغرافيا, هناك رسائل في بعض النصوص لا يمكن للمتلقي فهمها الا من خلال الدلالة الصورية .
ان مفهوم التنمية في السينوغرافيا يتطلب دلالات الحس العقلي حسب رؤية النص والمخرج لذا على المصمم ان يتعامل مع كل مفردة في تكوين الصورة بأدق التفاصيل ودارسة مساحات الخشبة وتوظيف كل ماهو على خشبة المسرح هناك العديد من العروض تعرض على الخشبة وتكون ذات صورا مسرحية لايعي المخرج والمصمم مدى تأثير بعض الدلالات ربما تضع العرض في مأزق وربما تضعه من افضل العروض وهذا اُسلوب خاطىء من الطرفين
ان المتلقي لايريد صورا ومناظر خلاقة ليس لها معنى بالنص ولا العرض باكمله ربما يذهب العرض في اتجاهين مختلفين وهذا بحد ذاته تشتت عند المتلقي
الصورة المسرحية هي التي من تحمل كل مضامين الفكرة ولو في قطعة ديكور واحد ومجموعة مساقط ضوئية كافية. هناك العديد من العروض تختصر الصورة المسرحية بمنظر واحد تحمل كل رسائل العرض وهناك ايضا عروض تكون مكثفة بالديكور والأدوات الاخرى لكن موظفة توظيف يليق بالعرض
فتنمية الضوء في العرض المسرحي له معاني ورموز و ليس اعتباطا وضعت الألوان كل لون له معنى خاص
اما تنمية الأدوات الاخرى فهي تأتي حسب معايير النص المسرحي، كل ما اريد توضيحه من خلال تنمية السينوغرافيا هو ان تتوافر عوامل الإدراك الحسي والعقلي وصولا الى مرحلة الجمال المسرحي
 

** حيدر سلمان / مخرج مسرحي عراقي