كتاب الخميس (الحلقة الثالثة عشر)/ عرض وقراءة: صادق مرزوق
اسم الكتاب : أنساق التعبير الجسدي للعنف في المسرح
الكاتب: د.نور سعيد
لأهمية هذا الكتاب جاءت قرائتنا له كونه يعتمد على حالة انفعالية رافقت الخليقة منذ انطلاقتها الاولى وحتى يومنا هذا، والمتمثلة بحالة العنف البشري ودوافعه الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وما يتناوله المسرح منذ نشأته من صراع نفسي ومجتمعي يجسد حالة العنف لدى الانسان. وهذا الصراع العنفي هو أساس البنية المسرحية باعتبار أن المسرح انطلق من الانسان وفي الانسان والى الانسان .. كذلك فان لهذا الكتاب أهمية اخرى في تناوله للانساق التعبيرية للجسد وتباينها من مخرج لآخر، ومن مسرحية لأخرى…
يطرح المؤلف الدكتور نور سعيد كتابه “أنساق التعبير الجسدي” في ثلاث فصول .. ينطلق الفصل الاول بمقاربات لتعريف العنف باعتبار ان هذه الكلمة متحركة من حيث للتفسير حسب الاتجاه المحرك لها ومن تلك الاتجاهات ما يتعلق بالبعد السيكولوجي أو السيسلوجي وربما يتم تعريف كلمة عنف على وفق المعطيات التربوية او الفلسفية او الاعلامية .. ويشير الدكتور سعيد الى العنف باعتباره سلوك فردي أو جماعي يفرض سيطرته على الآخر ويحجم دوره او يمارس معه الاقصاء او الالغاء.. العنف هو علاقة سلبية بين الأنا والآخر .. بين القوة والضعف ويكون الأضعف هو المعنف .. والهدف من العنف هو تغيير سلوك الشخص المعنف نحو ما يرده الذي يستخدم العنف.. وهنا اشارة المؤلف ان الهدف من العنف هو التغيير عن طريق العنف كأن يكون تغيير سلوك او تغيير وضع اجتماعي أو تغيير ارادات للافراد أو الشعوب.. وتحقيق أهداف وغالبا ما تكون هذه الأهداف غير مشروعة.. وبالرغم من أن الطريقة التي يتم فيها تغيير السلوك عن طريق العنف هي أسهل الطرق الا انها مرفوضة اجتماعيا وقانونيا.. ويوصف الانسان الذي يستخدم العنف لتحقيق أهدافه هو إنسان عاجز عن الوصول للهدف عن طريق التحاور بالطرق السلمية .. وتعد لغة العنف هي آخر وسيلة يمارسها الانسان في التخاطب بعد عجزه عن إيصال صوته عن طريق الحوار السلمي .. لذلك يصف الدكتور سعيد العنف على انه استجابة تتميز بصفة إنفعالية تنطوي على انخفاض مستوى التفكير والبصيرة .. او يكون العنف استجابة لمحفز خارجي تؤدي الى الحاق الضرر بالآخر .. يشير المؤلف في صفحة 22 من الفصل الأول الى نيوتن في قانون الفعل ورد الفعل ( لكل فعل رد فعل بساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه ويقعان على خط فعل واحد) ويقارب هنا الدكتور سعيد بين هذا القانون والعنف وربما لم تكون القاربة هنا موفقة حيث ان العنف غالبا ماتكون فيه ردة الفعل اقسي من تأثير الفعل.. نعم توجد اشارة في الكتاب الى تلك الشدة لكن اصلا المقاربة لم تكن واردة في سياق الكتاب.. كما ان العنف يولد عنفا مضادا وغالبا ما يكون العنف المضاد هو الأكثر شدة وقسوة من العنف الأصل .. والهدف من العنف المضاد هو الحاق الضرر والأذي بالأشخاص والممتلكات وتصل الى القضاء على حياة الآخر انواع العنف :
يضع المؤلف عدة انواع للعنف على وفق طبيعة استخدامه ومنها:
1- العنف الجسدي : وهو اكثر انواع العنف وضوحا لما يخلفه من أثر مادي وتتعدد طرائقه باستخدام الاسلحة المختلفة او بالايدي او عن طريق الركل والعض او الحرق الخ..
2- العنف اللفظي: وهو اكثر انواع العنف استعمالا في المجتمع ويتمثل برفع الصوت لدرجة الصراخ والكلام القاسي والجارح لتعنيف الطرف الآخر ومايسببه من آثار نفسية واجتماعية
3 – العنف النفسي : ويتمثل بالمعاناة الناتجة للشخص المعنف جراء الاعتداء الجسدي او الففظي عليه
4 – العنف الاجتماعي : وهو حرمان الآخر من حقوقه الاجتماعية والشخصية واقصائه أو تهميشه ويحدث هذا العنف احيانا داخل الاسرة بين الازواح او بين افراد المجتمع
5 – العنف السياسي : ويتمثل بالممارسات القمعية من قبل السلطات باتجاه الشعب..او بالعكس في حالة الثورات والانتفاضات ضد السلطات الحاكمة ..او في حال الانقلاب عندما تنقلب فئة سياسية عسكرية او مدنية ضد السلطة الحاكمة.
6 – العنف الجنسي: وهو يشمل جميع الممارسات الجنسية القسرية على الطرف الآخر دون رغبته بالممارسة وغالبا ماتخلف هذه الممارسات آثارا جسدية ونفسية واجتماعية
7- العنف الثقافي : ويتمثل غالبا بالقمع الذي تمارسه بعض الحكومات الشمولية ضد الحقوق الثقافية لمواطنيها ..الى غيرها من انواع العنف حسب الدكنور نور سعيد.
ثم يعرج المؤلف على المفاهيم المرتبطة بالعنف ومنها الارهاب وما يخلفه من آثار سياسية واجتماعية وجسدية ونفسية، وان الارهاب يوقع اكبر عدد من الضحايا من قتل وتعذيب وتشريد. ويقارن المؤلف بين العنف والارهاب على ان العنف حالة انفعالية وهي عبارة عن ردة فعل لحدث واقع..اما الارهاب فهو عنف منظم ومدروس وياتي على وفق مخطط لنيل اغراض سياسية وتحقيق اهداف مادية ومعنوية.
المفاهيم المرتبطة بالعنف:
اولا : الارهاب وهي كلمة حديثة في اللغة العربية بالرغم من جذورها اللغوية في القرآن الا انها كمصطلح يدخل في علوم السياسة لم يظهر الا على اعتاب الثورة الفرنسية حسب اشارة المؤلف لما يمثله من ممارسة قسرية تجسدت بمفهوم الرعب. لكن الارهاب كمظهر هو موجود على مر التاريخ منذ بداية الخليقة ويرتبط بممارسة سلوك العنف لتحقيق اهداف سياسية او افتصادية او اجتماعية.. وما يترتب على ذلك السلوك من آثار نفسية تخص من وقع عليه فعل الارهاب ..ويعتبر العنف الوسيلة والاداة الاولى للارهاب..
ثانيا: العدوان وهو الاقرب لمفهوم العنف ..وتختلف تعاريف العدوان حسب الاختصاصات المختلفة .فمنهم من يرى العدوان هو سلوك شاذ في المجتمع ، ويرتبط بالمرض النفسي .. فيما يؤكد عالم النفس فرويد على ان العنف والعدوان هما سلوك غريزي موجود في نفس الانسان منذ الولادة . كذلك يذهب ابن خلدون الى ان العنف هو جزء من الطبيعة البشرية .وهو سلوك مكتسب
ثالثا: القوة ويشير المؤلف الى ان القوة تشير الى فرض ارادة شخص ما ، والتحكم بالآخرين سواء بطرق شرعية أو غير شرعية ، وفي العادة الاشخاص الاقوياء يفرضون الارادة على الضعفاء
رابعا: التطرف، يعرف الدكتور سعيد التطرف على انه” الحنوح فكرا وسلوكا من أقصى اليمين الى أقصى اليسار.. وهو ينشأ من التناقض في المصالح أو القيم .. مع توافر الرغبة بالاستحواذ على مواضع لاتتفق مع رغبات الآخرين..مما يؤدي الى استخدام العنف الذي يؤدي الى تدمير الجانب الحضاري في تاريخ البشرية”
خامسا: الصراع الاجتماعي وهو التصارع او التقاتل او التنافس بين طرفين أو أكثر من ضمن مكونات المجتمع . ويكون العنف هو لغة الصراع بين الاطراف المتصارعة
العنف في المنظور النفسي (السايكولوجي)
يرى علماء النفس ان العنف هو نمط من انماط السلوك ينتج عن حالة احباط ويكون مصحوبا بعلامات التوتر ، ويحتوي على نيه مبيته لالحاق ضرر مادي أو معنوي بالآخر.. وكما تم الاشارة في سطور سابقة ان فرويد وكذلك بعض العلماء الى أن العنف يفسر على أنه مرض نفسي نتيجة حصول خلل او صراع نفسي أو اضطراب بعض المشاعر المؤدية الى استخدام العنف .. ومن أهم هذه الأمراض هو العصاب ..كذلك الذهان .. وهناك من يشير ان خبرات الطفولة المؤلمة وماتسببه من عقد نفسية يؤدي الى امتهان العنف كردة فعل تجاه الآخرين بواعز انتقامي وتعويض عن خبرات الطفولة الصادمة..
ويشير علماء النفس الى بعض السلوك الانساني الذي يميل الى استخدام العنف واهمها:
* السادية: هي تمثل التلذذ بالقسوة والكلمة مشتقة من (دي ساد) احد اقطاب الحركة الثورية في فرنسا الذي انقلب على الثورة وبدأ بالتحول الى سياسة العنف والعنف المضاد وصار يتلذذ بتعذيب منوائيه .. والسادية تمارس في أمور عدة ومنها التلذذ ببمارسة العنف مع الشريك في العملية الجنسية
* المايوشية : وهي تتمثل بالرغبة في الرضوخ والتلذذ بالقسوة الذي يمارسها الآخر بحق الشخصية الماسوشية .وصاحب هذا المرض يميل الى التلذذ لايلام النفس من قبل شريكه السادي او غير السادي . وصاحب الغريزة الماسوشية هو على العكس تماما من صاحب الشخصية السادية .وفي الحالة الجنسية صاحب هذه الشخصية يتلذذ بالعنف الذي يمارس عليه من قبل الشريك..
العنف في المنظور الاجتماعي
يشير المؤلف الى ان نظرة علماء الاجتماع للعنف على انه نظرة تحليلية .تحاول ان تفسر ظاهرة العنف داخل المجتمع للوقوف على اسبابها والحد من انتشارها ، لأن عدم السيطرة على العنف يحول المجتمع الى غابة يكون فيها البقاء للأقوى .. ويرى منظرو الماركسية ان الدولة قامت بالاساس من أجل تحقيق مصالح طبقية وارغام الجماهير من أجل الرضوخ لسلطتها وعدم الخروج عليها وأتى العنف الاجتماعي كنتاج لذلك الاستغلال .لذلك تعتبر الماركسية ان العنف هو حاصل نتيجة الصراع الطبقي والظلم والتهميش فب ظل النظام الرأسمالي الذي سحق كرامة الانسان ولابد من الثورة على النظم الرأسمالية والبرجوازية لتحقيق كرامة الانسان.
فيما يرى علماء الاجتماع أن الصراع بين الأديان والمذاهب المختلفة هو أحد مولدات العنف داخل المجتمع نتيجة الخلاف العقائدي الذي يتحول تدريجيا الى صراع واقتتال في بعض الأحيان.. وقد فسرت بعض النظريات العنف منها:
1- نظرية التحليل النفسي
2- نظرية التعلم الاجتماعي
3- نظرية الدوافع
4- نظرية ثقافة العنف
المبحث الثاني: العنف في المسرح …نبذة تاريخية
كما هو معلوم أن المسرح ومنذ انطلاقته الاولى اتخذ من الانسان مادة له..فهو انطلق من الانسان وفي الانسان والى الانسان واحد مشكلات الانسان الضاربة في القدم هي مشكلة العنف ولذلك كان مفهوم العنف قائما منذ بداية المسرح الاغريقي وحتى يومنا هذا. لأن الاساس في المسرح هو مبدأ الصراع والعنف هو أحد موجبات الصراع..حيث لا تخلو مسرحيات اسخيلوس وسوفوكلس ويوربيدس من ذلك الصراع وممارسة العنف من خلال الاحداث والشخصيات .. وهكذا الحال في المسرح الروماني ومسرح القرون الوسطى الى مسرحنا الحالي .
المبحث الثالث: انساق التعبير الجسدي للعنف في المدارس الاخراجية
يؤكد الدكتور نور سعيد على ان العرض المسرحي ينظر اليه نظرة كلية وشمولية كنسق فني متكامل يحمل مجموعة من الدلالات وان هذا النسق الكلي يحمل أنساق فرعية وان نجاح العمل الفني المتكامل يعتمد على نجاح كل نسق فرعي يعمل ضمن المنظومة الكلية للعرض.. وان انساق التعبير المسرحي تحتوي على عدد لايحصى من الحركات والمضامين الفكرية والجمالية فهناك انساق خاصة بالممثل واخرى خاصة بالاضاءة. وانساق للموسيقى والزي والمكياج وعموم المناظر المسرحية وتاتي اهمية كل نسق كونه النظام الذي يسير ويفعل كل الاطراف العاملة في انتاج العرض المسرحي .
وان انساق التعببر الجسدي التي يستخدمها الممثل تختلف من فعل الى آخر ومن موقف الى آخر ، حسب الحالة الانفعالية للحدث الذي تمر به الشخصية .. ولابد من توفر ثلاث أسس يجب أن تتوفر عند الممثل كي يستطيع التعبير بنسق واعي عن حالات أو حركات العنف:
1- الأساس المعرفي: حيث يكتسب جسد الممثل معارف اجتماعية وجمالية فضلا عن اكتسابه لعدد من المهارات التي تهيئ جسده للتعبير بوعي وادراك
2- الأساس الفيزيقي: وهي تعتمد على دراية الممثل بميكانيكية الجسد وتشريحه.. وهذا ماعمل عليه مايرهولد في البيوميكانيك وانطلاق الحركة من مبدأ ( الاوتكاز)
3– الأساس العاطفي : حينما ترتكز الحركة على دافع نفسي حسب معطيات الشخصية ويستشعره الممثل..
ويتطرق المؤلف في هذا المبحث لانساق التعبير الجسدي للعنف عند المخرج ستانسلافسكي على وفق منهجه في اعداد الممثل وتهيئة قدراته للتعبير باستخدام الظروف المعطاة، ولو السحرية ، والخيال والتخيل، والذاكرة الانفعالية وغيرها من ادوات الممثل في الوصول الى تجسيد العنف على وفق نظام (نسق) تعبيري. كذلك يتطرق الممثل الى انساق التعبير لدى مايرخولد حيث يعتمد هذا المخرج على الأداء النابع من الخارج الى الداخل على العكس من منهج ستانسلافسكي .. حيث يرى مايرخولد أن الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص عملية نسقية تنظيمية هندسية .لذلك تكون الحركات التعبيرية للعنف لديه ذات طابع خارجي مصممة بشكل دقيق تحمل سمات التنسيق والتنظيم والابهار .وهو يبتعد عن انساق التعبير المعهودة في الحياة الطبيعية..وهكذا يشير الدكتور سعيد الى الانساق التعبيرية للعنف لدى آرتو وبرخت وجروتوفسكي ضمن هذا المبحث .ويعتبر الاخير من اهم المخرجين والمنظرين لانساق الأداء التمثيلي المسرحي .حيث يعتمد انساق التعبير لدى الممثل بعد استغنائه عن كافة انساق التعبير التقني . ثم ينتقل الى انساقة التعبير الجسدى للعنف لدى المخرح ايوجينيو باربا صاحب مسرح الاودن حيث يعمل الممثل لدى باربا ضمن شبكة من القواعد المنظمة (الأنساق) ونسق التعبير الجسدي للعنف لدى باربا يعتمد على عملية تثقيف الممثل بثقافة العصر وكذلك مكان الحدث ودراسة الجانب الانثروبولوجي للشعب المراد التعبير عنه.
الفصل الثاني
وهو الانموذج التطبيقي بتناول فيه المؤلف عدد من العروض منها:
ـ مسرحية “فتاوي للايجار” تأليف موفق محمد أبو خمرة واخراج عباس التاجر ..
ـ ومسرحية “أجساد تبحث عن رؤوسها” تأليف واخراج عباس حنتوش ..
ـ ومسرحية “هاملت” تأليف : وليم شكسبير اخراج: محمد حسين حبيب
ـ ومسرحية”الاسكافي” تأليف واخراج : عقبل مهدي يوسف..
ـ ومسرحية” جليد” تأليف:جان لويس كالفرت اعداد واخراح: صميم حسب الله
الفصل الثالث
يتناول الدكتور سعيد النتائج والاستنتاجات.