المسرح و السياسة / بقلم د. أحسن تليلاني
المسرح هو أكثر الفنون تعبيرا والتصاقا بالسياسة، فالمسرحية ومهما كانت طبيعتها أو توجهاتها الفنية، هي أرضية لنشر الوعي السياسي وتعميقه، وبالتالي فهي دعوة مفتوحة للتغيير السياسي، ثم إن المسرح لا يكرس علاقة الإنسان بالورق كما نجد ذلك في الأدب مثلا من خلال فعل القراءة كسلوك فردي، ولكنه يفعل علاقة الإنسان بالإنسان كسلوك جماعي، فالمسرح مواجهة كبرى بين الإنسان [ العرض ] والإنسان [ الجمهور ] . وإذا كان “سعد أردش”يشبه المسرح بالبرلمان الشعبي الكبير الذي تطرح فيه قضايا الأمة، ويستشرف فيه مستقبل الشعب بمواجهة السلطة، فإن “آرثر ميلر” أكثر من ذلك كان يطالب المسرحي بأن يكون هو حزب المعارضة .
إن السياسة ملتصقة بالمسرح وفي كل الأحوال ، سواء تحدثنا عن مسرح البيان Le théatre de manifeste وما كتبـه “بيثر فايس” في هذا الإطار من أن وظيفة المسرح هي التحريض على الثورة والتمرد السياسي، أو تحدثنا عن تلك الهزليات الهادفة إلى الإضحاك وتلهية الناس عن الشأن السياسي، فهي أيضا مسرحيات سياسية ولو بطريقة عكسية. إلتصاق المسرح بالسياسة هو الذي يعلل تلك المشادات العنيفة والمظاهرات التي كان يقوم بها الجمهور بعد مشاهدة مسرحيات “موليير” زمن الثورة الفرنسية، وهو الذي يعلل أيضا ملاحقة “هتلر ” للمسرحي “برتولد بريخت” لأن الجبهة السياسية التي فتحها هذا المسرحي لوحده على النظام النازي كانت أثقل وأقوى على “هتلر” من جبهة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. لقد أدركت الأنظمة خطورة المسرح، فسعت إلى احتوائه ومراقبة نشاطاته وعروضه، فكان أهون على الاستعمار أن تصدر الكتب والدواوين والمقالات المنددة به، من أن يكون هناك مسرح يقدم عروضا مناهضة له.
فالمسرح الجزائري مثلا نشأ في كنف النضال السياسي المناهض للاستعمار، فقد ألقت على عاتق الفرقة الفنية التي أنشأتها جبهة التحرير الوطني بقيادة “مصطفى كاتب رحمه الله، مهمة التعريف بالقضية الجزائرية وحتى بعد الاستقلال استمر المسرح الجزائري في نهجه الثوري التحرري وكان “تشي غيفارا ” يشيد بهذا المسرح ويثني على جهوده ورغم أن السلطة الوطنية قد استطاعت تدجين المسرح الجزائري وتسخيره لمباركة خياراتها وشعاراتها فخفت حدة النقد السياسي في العروض المقدمة، إلا أننا بالمقابل نجد أصواتا مسرحية واصلت نضالها السياسي بجرأة كما هو الحال في مسرحيات : “كاتب ياسين” و “سليمان بن عيسى” صاحب : “بابورغرق” و “بوعلام زيد القدام ” ومن الفرق الهاوية نذكر فرقة “الدبزة” هذا رغم أن حضور السياسة في بعض العروض هو حضور شعاراتي مملوء بالصراخ السطحي الفاقد للتحليل العميق والمعالجة القوية، مما جعل المسرحي السوري “سعد الله ونوس”يرفض مصطلح : السياسة في المسرح ويقترح بديلا عن ذلك مصطلح : التسييس في المسرح ، وهو يرى أن السياسة مصطلح عام وفضفاض، وليس المهم أن نجد في المسرحية سياسة لأن السياسة لصيقة بالمسرح في كل الأحوال ، وإنما الأهم أن نجد في المسرحية تسييسا وهو يعني الدفع بالمتفرج إلى اكتساب وعيه السياسي بنفسه وبطريقة فنية تساعده على التحليل والتفكير الذاتي ، وليس أن نقدم له وعيا سياسيا جاهزا وعاريا من العناصر الفنية .
وسواء كانت سياسة في المسرح أم تسييسا، فإن التصاق المسرح بالجماهير هو الذي يفسر مقولة أحدهم : أعطني مسرحا أعطيك شعبا عبقريا ، إنه السؤال الذي أصبح اليوم يطرح بإلحاح عن دور المسرح بمواجهة الأنظمة وعن أهميته النضالية والسياسية في عصر العولمة.
الباحث المسرحي الجزائري الدكتور أحسن تليلاني