تباين الأداء التمثيلي في مسرح الشارع/ بقلم: حسام الدين مسعد
….في مقالي السابق بعنوان «السينوغرافيا بين مسرح الشارع والمسرح الملحمي »كانت التعليقات التي اثنت علي فكرة المقال «والذي حاولت فيه ان أعرج علي ثلاث محاور من أجل صنع مقاربه بين مسرح الشارع والمسرح الملحمي والتشكيل في الفراغ بكل منهما والإختلافات الجليه التي كانت سبب للخلط الشائع التي لا تتداركه بعض عروض مسرح الشارع في عالمنا العربي» .تثير سعادتي الشديده ولكن كان اهمها علي الإطلاق ما اثاره الاستاذ الدكتور (ابو الحسن سلام ) المخرج والأستاذ المسرحي المصري الكبير حين سألني في نهاية تعليقه «إلي أي منهج تمثيلي يقف ممثل مسرح الشارع ؟ » وهنا أدركت مغذي السؤال الهام جدا فالمقصود من السؤال هو بنية الأداء التمثيلي في مسرح الشارع .
يتباين الأداء التمثيلي بتباين مناهج التمثيل ، فمنها ما يركز على تجسيد الصفات الداخلية الشعورية باعثا على تجسيد الصفات الخارجية للدور المسرحي (ستانيسلافسكي)، ومنها ىما يركز على الفعل _ الصفة الخارجية للحركة الآلية مولدا للشعور (مايرهولد)، ومنها ما يجنب المعايشة ويقصر الأجداء على تصوير الصفة الاجتماعية الطبقية التي تنتمي إليها الشخصية (التغريب الملحمي البريختي) ومعنى ذلك أن الأداء التمثيلي يتفرع في عدة فروع أحدهما يعايش الشخصية بمشاعرها حتى يصدق في تجسيد أفعالها ، والثاني يفعل آلية الحركة لدي الشخصية وسيلة لإظهار الشعور . ومنهج ثالث يشخص الصفة الاجتماعية للشخصية بمعنى تصويرها عن بعد باعتبارها نائبة عن طبقة إجتماعية ما تنتمي إليها، ولكن يثور أمر هام بعد هذا الموجز المختصر لمناهج التمثيل وهو متي ينبغي علي الممثل اختيار أي الأدائين «التشخيصي أو التجسيدي » ؟
ويفرق د. أبو الحسن سلام في دراسة بحثية له بين مادة التشخيص ومادة التجسيد في فن التمثيل ” نحن حين نتكلم عن التشخيص أو التجسيد في دور مسرحي،فإننا نبدأ من حيث المادة التي سينبني عليها أي من الأدائين ( التشخيصي ، والتجسيدي ) فالممثل يؤسس إبداعه على مادة أبدعها غيره من قبل (النص) وتوجيهات المخرج الذي يعد عمله أيضا مؤسسا على مادة سابقة (إبداع المؤلف) ، فهما كتناغمان التشكيلي الذي يبدأ عمله من حيث وجود مادة خام – مع الفارق طبعا – من هنا فإننا نؤكد أن الممثل لا يشخص إلا موقفا أو شخصيه بنيت لتؤدى بالتشخيص، وهو إذ يجسد شخصية أو موقفا أو شعورا – يعايش ذلك – تأسيسا على موقف أو على شخصية كتبت لتجسد لا لتشخص ” ولكن هل يختلف السؤال المطروح بالنسبة لممثل مسرح الشارع ؟ فهل تقنية الاداء في مسرح الشارع تختلف عن غيرها؟
الإجابة علي هذا السؤال تتطلب معرفة ماهي تقنيات الإداء التمثيلي اولا والتي تتلخص في تسع تقنيات هي (الجسد- الصوت- الإيقاع- والانتباه والإصغاء -التكيف-الذاكره الإنفعاليه -التركيز- الإرتجال- إلإنتقال من حالة تشخيصيه إلي حالة تشخيصيه اخري ).
إن مهمة الممثل عموما هي مهمة مزدوجة ، فعليه أن يكون هو نفسه ويكون ذاته في نفس الوقت وعليه أن يبدو شخصاً آخر, أي يتظاهر وأن يخفي ذاته تحت الشخصية المؤدية ، وعليه أن يوازن وأن يفكر بالتوازن عبر تقنيات الأداء, وهذا التقنيات قابلة للتغيير لكي تصنع استمرارية من أرسال العلامات الى المتلقي والتي هدفها أثارة الجمهور فكرياً، أنه مجموعة من الوضعيات الفعلية الجسمانية والصوتية كلها تدخل في عملية التمثيل, وعلى الممثل أن يسقط قناعة بين الفينة والأخرى ويكشف عن وجهه الحقيقي, ولكنه لا يستطيع أن يبقي القناع بعيداً عن وجهه لمدة طويلة إذ سرعان ما يرتديه من أجل أرسال علامة أخرى مكملة للعرض في اللحظة الأنية .
ولكي نصنع صورة جمالية تشد المتلقي في عروض مسرح الشارع إذ علينا أن نصنع جسد مرن وسريع الاستجابة لمكونات العرض من خلال قدرته في خلق صورة متناسقة قائمة في صناعة فرجة مسرحية إذ ” على جسد الممثل أن يثبت في العرض المسرحي قدرته الحكائية والتمثيلية عن طريق تأكيد فرديته او الخلاص منها
أن عروض مسرح الشارع تبحث على استجابة المتلقي من خلال أثارة العواطف الذي يتحقق من خلال القدرة الصوتية , إذن من خلال التقنية الصوتية يكمن تحقيق عنصر التواصل الفكري مع المتلقي مع تناسق بين أدوات الممثل إذ لا يمكن أن تحقق أداء حركي غير منسق مع الصوت , إذ أن الصوت في عروض مسرح الشارع يحتاج الى قدرة أعلى بكثير من الصوت والألقاء في الفضاءات المغلقة إذ أن الفضاءات المفتوحة تكون مملؤة بالضجيج من أصوات السيارات وغيرها من الأصوات التي نسمعها في حياتنا اليومية , لذلك الممثل في مسرح الشارع يكون في أمس الحاجة للتميز بطريقة الألقاء الذي يعرف بأنه ” فن تشكيل الصوت الخام أو هو فن النطق بالكلام على صورة توضح ألفاظه ومعانيه ” والصوت يشترك كعامل منظم مع تقنيات الإداء الصوتي (التركيز -التنويع-التقطيع-التنغيم ).
ولذا لابد للممثل أن يضع في الاهتمام المكان الذي يقدم فيه العرض لكي يستطيع استخدام صوته ودفعة بالشكل السماعي الجيد الى المتلقي. إذ أن الصوت يعتبر حلقة تواصلية بين الممثل والمتلقي, لما له قدرة تعبيرية تساعد في إيصال الأفكار والعواطف. إذ ” تتحرك الأصوات داخل المسرح بهدف درامي ويساعد التركيز للممثل في الإصغاء وإيصال أفكاره الى المتلقي من خلال التركيز على موضوع ما, إذ يجد هناك تجاوب معه من خلال دخول الأفعال و ردود الأفعال الجمهور فيسترعي الانتباه على هذا التداخل ويتحاور معه الممثل في استخدام طاقته في التجاوب مع المتلقي من خلال فعل فني صادق.
إن قدرات الممثل الذهنية تساهم في أقامت علاقات جديدة تختلف عن العلاقات المحيط به في الحياة العامة, من خلال تبني الدور في سلوكها ومظهرها.
إذ تأتي أهمية التكيف من خلال المشاركة وتقبل سلوك الدور بكل جوانبه الأدائية من تكنيك وانفعالات ضمن القدرات الحسية والأيمان والصدق الأدائي وعلية إذ أن ممثل الشارع يجب ان يكيف نفسة وأن يهيئ نفسة داخلياً وخارجياً للظروف المحيطة به , إذ أحدثت أخطاء أثناء العرض أو كان الممثل الذي أمامه قد نسى حواره فعلية الممثل أن يكيف قدراته من خلال الاستعانة بالارتجال لردم الفجوة التي تحدث أثناء العرض إذ يساهم التكيف في جمع قدرات الممثل الأدائية والحفاظ على استمرارية العرض, إذ أن عروض مسرح الشارع تبحث عن حالة التفاعل المنتج بين المؤدي والمتلقي.
إن الذاكرة الانفعالية تعني هو كل ما يظهر من مشاعر و أحاسيس مرت سابقاً علي الممثل وخزنتها ذاكرته وهنا يحاول الممثل في مسرح الشارع أن يستخدم هذه التقنية في كسب ود الجمهور من خلال التعاطف معه وتذكيرهم في الحدث , إذ أنها تعتبر ركيزة مهمة في استرجاع الأشياء التي مضت وجعلها تصاغ من جديد بأثر التقنيات الأخرى من خلال التركيز , الانتباه , الذاكرة ,معتمداً على مدركاته الحسية والشعورية في استرجاعها من أجل كسب ود الجمهور الية في عروض الشارع .
أن الممثل في مسرح الشارع يعزز حضوره من خلال كسر الرتابة والملل عند امتلقي من خلال إيقاع متنوع يسهم في جعل المتفرج مندهش في متابعة الأحداث, إذ أن أداء الممثل يرتبط ارتباطاً وثيق بإيقاع العرض, حيث تحقق العلاقة الجسدية ضمن زمان ومكان العرض في مسرح الشارع من خلال تنظيم الحركي للمثل وصناعة السيطرة التامة في الشارع من خلال الصمت والترقب المفاجئ وخلق إيقاع يتوافق بين الإحساس ونسق العرض في الشارع.
ونظرا. للظروف للمستجدات الحاصله أثناء العرض في عروض مسرح الشارع يعد الارتجال من أهم التقنيات الأدائية في عروض مسرح الشارع لكون الشارع محمل بالمفاجئات التي تطرأ أثناء العرض لذلك على الممثل أن يتكيف وينسجم مع تلك الظروف والمستجدات الحاصلة أثناء العرض.
إن الممثل في مسرح الشارع منوط بإدراك ووعي شديدين حين ينتقل من حالة تشخيصيه إلي حالة تشخيصية اخري لأن هذا الوعي هو ما يخلق حالة التباين الأدائي ويعطي دفعة إستمراريه للعرض تجذب وتدهش المتلقي للتفاعل مع العرض في مسرح الشارع.
واخيرا :
هناك تقنيات أخرى يستخدمها الممثل في عروض مسرح الشارع وتساهم في فاعلية الصورة المشهدية في العرض ومن هذه التقنيات الديكور, المكياج, الأزياء, الموسيقى, والإضاءة ومن المنطقي أن يستغني ممثل مسرح الشارع عن التركيبات الديكور, وأجهزة الإضاءة, لأنه يقدم مسرحاً بسيطاً في شكله ومضمونه, وحتى يسهل عليه نقله للجماهير في الأماكن المختلفة, لكنه يستعيض عن ذلك بتوظيف الأزياء البسيطة, والمكياج, والدمى, والأقنعة, أن تطلب العرض ذلك, وغيرها من الأدوات البسيطة التي يسهل نقلها وتركيبها في مكان العرض, إذ تعد هذه الأشياء من عوامل جذب الجمهور وإثارته.
أننا في سبيل التأسيس لمسرح الشارع في عالمنا العربي نسعي جاهدين للإطلاع علي كل ماهو جديد من دراسات بحثيه في مسرح الشارع ولا اخفي عليكم انني استعنت في كتابتي لهذا المقال بما اطلعت عليه في دراسة بحثيه للباحث المسرحي العراقي/امير صبيح الذي قدم دراسة بحثيه هامه في مسرح الشارع جميعنا يحتاج إلي الإطلاع عليها والإستزادة منها حتي نزيل المفاهيم والخلط الشائع في مسرح الشارع.