عبدالقادر علوله شروع في كسر الهيمنة الغربية للمسرح/ بقلم: حسام الدين مسعد (مصر
عبدالقادر علولة مسرح في الشارع ام مسرح شارع؟
لاشك أن تجربة عبد القادر علوله في الجزائر هي شروع وتجريب محمود نحو كسر الهيمنة الغربيه علي المسرح في عالمنا العربي وإستلهام للتراث العربي وتوظيف جديد «للحلقه» في محاولة إيجاد قالب مسرحي يحمل هوية عربيه خالصه وتقديم شكل ومضمون مسرحي يتناسب مع ثقافة مجتمعاتنا العربيه . ولد عبد القادر علوله الكاتب الجزائري يوم 8 يوليو 1939 في مدينة الغزوات بولاية تلمسان في غرب الجزائر، ودرس الدراما في فرنسا. وانضم إلى المسرح الوطني الجزائري وساعد على إنشاءه في عام 1963 بعد الاستقلال.
أعماله عادة كانت بالعامية الجزائرية والعربية منها : «القوَّال» (1980) و«اللثام» (1989) و«الأجواد» (1985)، و«التفاح» (1992) و«أرلوكان خادم السيدين» (1993)، وكان قبل مقتله في يناير 1994 يتهيأ لكتابة مسرحية جديدة بعنوان «العملاق»، ولكن يد الإرهاب الأعمي اغتالته في شهر رمضان في 10 اذار / مارس 1994، على يد جماعة مسلحة.
في محاضرة له ألقاها في برلين سنة 1987 في المؤتمر العاشر للجمعية الدولية لنقاد المسرح، يتحدث عبد القادر علولة عن الطريق التي قادته إلى اكتشاف مسرح الحلقة، ويبدو من حديثه أنه اكتشف هذا الشكل بالمصادفة، وبالتحديد عن طريق احتكاكه بالواقع الحي حين أصبح يتنقل بفرقته في جولات فنية لتقديم العروض خارج صالات العرض المعروفة، أي على طلاب الثانويات والجامعات، وعلى عمال الورشات والمصانع، وعلى الفلاحين في الحقول، مع العلم أنه كان قد أحس من قبل بضرورة البحث عن شكل جديد يبعد العروض المسرحية عن التكرار الممل، وعن طغيان الخطاب السياسي المباشر الذي يكاد يحولها إلى بيانات سياسية.
ويقول علولة شارحا تجربته الجديدة التي قادته إلى اكتشاف مسرح الحلقة: «وفي خضم هذا الحماس، وهذا التوجه العارم نحو الجماهير الكادحة، والفئات الشعبية، أظهر نشاطنا المسرحي ذو النسق الأرسطي محدوديته، فقد كانت للجماهير الجديدة الريفية، أو ذات الجذور الريفية، تصرفات ثقافية خاصة بها تجاه العرض المسرحي، فكان المتفرجون يجلسون على الأرض، ويكونون حلقة حول الترتيب المسرحي ، وفي هذه الحالة كان فضاء الأداء يتغير، وحتى الإخراج المسرحي الخاص بالقاعات المغلقة ومتفرجيها الجالسين إزاء الخشبة، كان من الواجب تحويره. كان يجب إعادة النظر في كل العرض المسرحي جملة وتفصيلا».
* التجريب في مسرح عبد القادر علولة:
يتخذ التجريب في مسرح عبد القادر علوله مستويات اساسيه هي:(المضمون والشكل والفضاء والأداء)، ومما لا شك فيه أن اعتناق علوله لمذهب سياسي إشتراكي كان له أثره الهام في دفع علوله نحو تجسيد مبادئ الإشتراكيه في المجتمع الجزائري إذ يتحقق عبرها مبدأ المشاركه الفعليه والوجدانيه للجمهور من خلال الفن والذي سيقنع المتلقي بما يسوقه العرض المسرحي بطريقة جماليه وفنيه .
وهذا جعل عبد القادر علوله يضفي مبادئ تتعلق بكيفية تحقيق مشروع مسرحي متكامل بالتركيز علي الأداء وتوظيف التراث وإستلهام اشكاله والتجريب عليها.
إن تجربة علوله تجربة رائده عن اشكال تعبيريه اساسها التراث الشعبي الذي هو وليد بيئة حضاريه تتناسب وثقافتنا من خلال العودة إلي الاشكال الفنيه الشعبيه وتبني اسلوب (الحلقه) والراوي الذي يعتمد علي مخاطبة الأذن التي بدورها تستدعي الخيال.
لقد كان إحساس عبد القادر علوله العالي جدا بالجمهور المتلقي هو الدافع لإقدامه علي التجريب من أجل هذا الجمهور الذي كان يشارك بإستمرار في تقويض العرض وبنائه من خلال مناقشات علوله مع الجمهور عقب العرض وإستنتاجاته والملاحظات الدقيقه التي كان يستنبطها من حديث الجمهور والتي ارتبطت بشكل تفاعلي مع الجمهور عقب العرض .
لقد كان التجريب في مسرح علوله اقوي علي مستوي الشكل الذي بحث فيه عن القالب المسرحي الذي لا ينوء بحمل المضامين الفكريه فكانت الحلقه مطية اساسيه وحضور السارد او القوال كان قويا عبر نموذج الممثل الجيد، واستثمر علوله التجريب علي مستوي الأداء بتطوير ممثل من نوع اخر يستجيب في قدراته ومواهبه لمطالب المشروع المسرحي لعلوله والذي هو مزيج بين التراث الشعبي المتمثل في فضاء الحلقه وإستثمار فنون السرد علي حساب الحوار وتشخيص الممثل واستخدام التراث المسرحي علي غرار المسرح الملحمي لبريخت ومبادئ إستنسلافسكي في تدريب الممثل والكشف عن طاقاته الكامنه .
واخيرا فإن تجربة علوله تجربة ثريه نحو إيجاد قالب مسرحي ذو هوية عربيه.
*هل مسرح علوله مسرح شارع؟
إن مسرح عبد القادر علوله ليس من قبيل عروض مسرح الشارع فهذا المسرح لم يستهدف جمهور الشارع المجتمع بشكل عشوائي ولكن كان الجمهور يعلم بموعد العرض مسبقا هذا فضلا عن التفاعلية التي تنتج عن العرض في الحلقه هي تفاعلية تسامعيه لا تحدث حالة الديالكتيك التي هي السمة المميزة لمسرح الشارع فضلا عن مسرح علوله كما ذكرنا يستثمر فنون السرد علي حساب الحوار وتشخيص الممثل ومسرح الشارع يكترث الي الحوار مع المتلقي لخلق حالة الديالكتيك التي تجعل المتلقي يتجادل مع قضايا العرض من أجل بلوغ غايات دلاليه في لحظة تتمحور حولها أبعاد قيميه وإنسانيه .