قراءة في مسرحية (على سطحنا طائر غريب) لعبدالرزاق الربيعي/ د.عزة القصابي
البيت بؤرة صراع، ومسرحا للأحداث، والنزاعات المتوالية في البيت العراقي الكبير
” رشا: لقد أصبحت أرضنا خصبة لبذور الموت
الأم: البذور أنبتت وصارت أشجارا وارفة الظلال”
يتجدد عطاء الكاتب والشاعر عبد الرزاق الربيعي عبر نتاجاته الشعرية والمسرحية، التي تعرضت لموضوعات مختلفة عن الإنسان والوجود والوطن . وصدر للكاتب عبر مسيرته الإبداعية عددا من النصوص، منها: الحاقا بالموت السابق، حدادا على ماتبقى، موجز الأخطاء، جنائز معلقة، وطن جميل، وديوان الشعر العراقي الجديد . وكتب عدد من المسرحيات ، منها: الصعاليك يصطادون النجوم، ايتها العاصفة، البهلوان، رسول الصغير ، سقراط، الكأس، أمراء الجحيم، حلاق الأشجار.وكتابه المسرحي الذي حملعنوان (على سطحنا طائر غريب) الذي ضم بين جنباته سبع مسرحيات: العالم ليْس مجرد أزْرار، خطوة ومنحدر، حي على طريق الموت، لا شمس في الدائرة، أبيض مثل حد السيف، رأس خارج على القانون، أمراء الجحيم، على سطحنا طائر غريب، والذي صدر عن دار بيت الغشام عام 2013،و ترجمه الدكتور عامر الازرقي استاذ المسىح في إحدى الجامعات الكندية إلى الإنجليزية ونشر في بريطانيا
وفي إصدار الربيعي المسرحي (على سطحنا طائر غريب) يتحدث عن قصة أسرة تعيش أيام التواجد الأمريكي في العراق. وهي تتكون من فتاة (رشا) مدرسة لغة انجليزيةتعيش مع أمها بعد موت أخوين لها، واختفاء أخيها الثالث زياد.ووظف الكاتب الربيعي الحوار المسرحي ليكون همزة وصل بين النص والجمهور، فبواسطته يستطيع الحضور إدراك تفاصيل الحكاية والتعرف على كُنه الشخصيات ومواقفها وأبعادها في ضوء الموضوع المطروح. ويعتبر الحوار وسيلة طيِّعة في يد المؤلف لفك غموض النص الدرامي، وتفسير الصراع الظاهر والباطن بين شخصيات المسرحية1.
وقام الحوار بدور وسيط فعليفي مسرحية (على سطحنا طائر غريب) ، وساهم في نقل رسالة النص، وتصاعدالاحداث، عندما جاءت سيارة الجنود الأمريكان إلى منزل رشا وأمها. وبعد الانتهاء من التفتيش تركوا أحدهم في السطح للحماية كنقطة مراقبة في المنطقة .
حينئذ، بدأتالأم وابنتها تعيشان حالة قلق وخوف، وأصبحتا تشعران بأنهما مراقبتان، وبدأت الاحداث في السير نحو التأزم بفعل تواجد الجندي الأمريكي القابع على السطح. وتأزمت الاحداث في المسرحية بعد أن علمت الجماعات الرافضة للتواجد الأمريكي بوجود الجندي الغريب في منزل والدة رشا. وتتصاعد الاحداث، ويشتد التوتر في حياة الأم والابنة وصولا إلى حادثة قدوم الجنود الامريكية لاسترجاع الجندي وإخراج الأم والابنة من المنزل، لأنه أصبح هدفا، يمكن تفجيره في اية لحظة لذلك وجب عليهما مغادرة المنزل!
“العراق” برؤية سياسية مسرحية
اختزل نص مسرحية (على سطحنا طائر غريب) الواقع السياسي في العراق، راصدا انعدام الأمان وتدني المستوى المعيشي للسكان. وسعي الشعب العراقي إلى الديمقراطية الوهمية في ظل حكومات غير قادرة على تحقيق الأمنين السياسي والغذائي… بعد دخول القوات الأمريكية العراق ، فإن الأمر زاد سوءا بدخول الجماعات الارهابية. وأصبح هناك صراعا بين الجنود الأمريكان والرافضين لهم، ليصبح الضحية البلد!
وحملت شخصيات هذه المسرحية كما من الدلالات التي تعبر عن معاناة الشعب، في ظل تدني الأمن، ومستوى المعيشة، بينما الصراع على النفط لا يزال مستمرا، دون إيجاد حلول وسطى. وتبين ذلك من خلال قصة رشا وأمها، اللتين كانتا بمثابة رمزا مباشرا وصريحا للشعب المغلوب على أمره، كما يمكن اعتبار بيت والدة رشا رمزا للأرض أو الوطن المتنازع عليه.
وترفض رشا وجود الجنديالأمريكي قائلة : “رشا: اسكتي لئلا يسمعك الجندي الأمريكي
الأم: ليسمعني.وليعرف انه يحتل سطح بيتنا”
وهذا فرض على الأم وابنتها نوعا من الخوف والذعر من الغريب، المحتل لسطح البيت، حتى وأن برر أسباب وجوده بطلب الحكومة: رشا: يبدو ان الحرب على هذه البقعة من الأرض لا تنتهي ما دامت تحت هذه البقعة تجري أنهار الذهب الأسود”
وظلت رشا (الشعب) تتذمر وتندد بالحكومة التي تستعين بالغريب: “رشا: لأننا الطرف الخاسر فيها لذا نهنأ بالخسارة، لا يوجد شيء نخاف عليه وحدهم المنتصرون يحرسون نصرهم غنائمهم، ونحن من هذه الغنائم”
وفي مقطع حواري آخر، تطالب رشا برحيل الجندي. وتؤكد بأن الجنود الغرباء جاؤوا فقط لحققول النفط، وليس الشعب: ” رشا: دعونا واذهبوا ونحن نحمي أنفسنا. ثم اننا لم نطلب المساعدة منكم
” الجندي : لقد طلبها منا قادتكم ..
رشا: بل قادتكم الذين يفكرون في شيء واحد ..كيف يضعون النفط في خزاناتهم ؟ كيف يسلبون منا كل شيء ؟لنظل نتخبط في الفقر والكساح الحضاري ؟
الجندي : يبدو ان الحوار بيننا مقطوع ”
وتسببت الأوضاع السياسية في هجرة المواطنين الشرفاء الذين لاذوا بالفرار:”رشا: هذا هو الحل المتاح لنا، فزياد هرب وبيتنا استبيح، لم يبق لنا سوى أن ندير ظهورنا للبلد ”
“الاستشهاد” من أجل الوطن
امتزجت عناصر كثيرة عزفت على قيثارة الحزن والألم في هذا النص، واصفة حال شعب يعيش سلسلة حروب، يفتقدون الأمن والاستقرار. يبرز اقتران النص المسرحي بالبعدين الفلسفي والجودي من خلال تشرُّبهبتيمة الموت واليأس والحرمان7، وذلك من خلال سرد قصة استشهاد أخوة رشا فداء للوطن:“الأم : عاد ملفوفا بعلم ونشيد وطني، ووسام بطولة، لكنه لم تعد ضحكته التي كانت تملا علينا البيت،ما جدوى الوسام ؟ وما جدوى البطولة ؟ ثم فقدت ابني الثاني في حرب الخليج الثانية …استشهد في غارة أمريكية…كان جسده ممزقا “
لقد اختفى زياد أخ رشا الثالث اختفى، ولم تعرف الأسرة أين ذهب: “رشا: لقد تأكدوا من ان زيادا لاأثر له، ربما غادر البلاد، ونحن لا نشكل تهديدا على أمن البلاد ولا خطرا صارخا على العالم ”
وبذلك يبقى الشعب ثائرا يقدم أبنائه، فداء للوطن الذي توالت عليه الحروب والأنظمة البائسة التي باعت الوطن، وظلمت الشعب، الذين أصبحوا لا يعلمون أيهما أفضل الديكتاتورية أم الحرية الوهمية، التي لا وجود لها .
شخصية رشا بين الواقع والرمز
ظهرت شخصية (رشا) الأبنة وهي تندد بقوى الغرباء على اعتبار أنهم اجسام غريبة، يصعب التصالح معهم : “رشا: صارت أرضنا غابة موت ”
واضطرت رشاللتضحية برأيها عندما طلب منها ترجمة الحوار من أجل مصلحة الشعب الجائع الذي يستفيد من خدمات الهلال الأحمر، رغم خوف والدتها عليها: ” الأم : يعرفون إنها معلمة تؤدي واجبها وتعود للبيت . أنت تعرفين ماذا يعني الاقتراب من الأمريكان، ان واحدهم كنافخ الكير شراره يؤذي ورائحته عفنة. الرائحة الطيبة لا تأتي من أناس يحملون السلاح بوجه العزل ، رائحة السلاح ملطخة بالدم”
ويتبلور حوار سياسي آخر بين الجندي(قوات الاحتلال) ورشا أو الشعب المغلوب على أمره، والذي يعلن رفضه لبقاء الجنود الغرباء في أرضه:” الجندي: جئنا لكم بالديمقراطية و لنحرركم من الديكتاتورية
رشا: لقد استثمرت مصلحتكم ظرفا تاريخيا حرجا مررنا به، فجئتم بدباباتكم لإخراجنا من ذلك الظرف الحرج، لكن لماذا بقيتم ؟لماذا سمحتم للفوضى أن تنهش جسد البلاد الذي أنهكته الحروب والحصار والظلام ؟
وينقلنا الشعب (رشا ) إلى واقع الحياة في المجتمع العراقي، والذي رغم السيطرة الأمريكية على البلد،و على حقول النفط، إلا أن الشعب كان يتضرع جوعا ويتلقى المساعدات من المنظمات الإنسانية:
” رشا: عندما وصلت كانت حشود الناس تؤكد وجود مجاعة …مجاعة في بلد النفط …
الأم : علينا ان ننسى هذا الوباء الاسود
رشا : وماذا عن الخيرات والمياه العذبة ؟
الأم : المياه تلوثت وجفت ضروع الارض
رشا : الجفاف وصل الثأر ارواحنا…مرعب أن تجف الروح !!
الأم : لكن مشهد الدبابات الامريكية اكثر رعبا”
وتكتمل الرؤية السياسية لحال الشعب (رشا) في ظل التواجد الأمريكي، عندما تكالبت قوى الإرهاب للنيل من الشعب ، وأصبحت رشا وأمها هدفا لهذه القوى:
“رشا : ان أصحاب زياد يرون أن الامريكي دنس البيت ويحذروننا من البقاء فيه وينوون نسفه
الأم : نسفه؟ نسف بيتنا ؟ أمعقول هذا ؟ إنهم كمن يسدد اطلاقة مدفع لقتل ذبابة تحط بأرجلها الرفيعة على انف نائم
رشا : ياامي ..انهم يريدون رأس الامريكي بأي شكل من الأشكال ..حتى لو هدموا عشرة بيوت”
وهكذا تعيش الأم ورشا (الشعب) في حالة ذعر، بسبب تدهور الوضع الأمني في البلاد:
” الأم: لكن يا ابنتي احذري المفخخات وأصحاب الأحزمة الناسفة
رشا: لا تخشي ياأمي، سأكون حذرة وأتجنب الزحام والله هو الحافظ”
“إنسانية” الواقع السياسي
نقطة تحول عاشتها والدة رشا عند قدوم الجندي الغريب، ومكوثه على السطح. وبمرور الزمن كان على رشا وأمها، أن يتصالحا مع الواقع، ويكتشفان أن (الطائر الغريب) الذي زج به هو الآخرلا ذنب له، وإنه جاء لأنه تلقى تعليمات :
“الأم: ماذا يحصل في الأعلى؟
رشا: يبدو ان الجندي ينظف سلاحه
الأم: لينظف نفسه أولا
رشا: الماء الذي يعطونه له لا يكفي لشرابه”
لقد بدأت والدة رشا تتعاطف مع الجندي، واتضح ذلك من خلال حوارها الذي يدل على تعاطفها معه،” يحمل الحوار المسرحي جانب إنساني يعبر عن رغبة الفرد وأحاسيسه”16، ويمكن استضاح ذلك من حديث الأموكأنها تخاطب ابنها:” الأم : أهكذا علموك في الجيش أن تسدد الرصاص على قلوب الأمهات ؟ الا توجد لك أم …الم تفكر بك ؟ كيف ؟ لماذا أساله وهو لا يفهم لغتي وأنا لا افهم لغته؟ وهاأنت تريد أن تقتلني …اقتلني …ياولدي، اقتلني وخذ وساما اهديه لأمك . أمك التي تنتظر عودتك مثلما ننتظر عودة زياد. أنت صغير…وجميل كيف تطيق امك ابتعادك عنها ؟
وأمام تساؤلات واستنكارات الأم يضعف الجندي، ويصف الربيعي ذلك:“الجندي يخلع نظارته السوداء وخوذته التي يضعها جانبا .يبكي صامتا ..مرددا (I am sorry (في هذه الاثناء تحط حمامة بالقرب من الخوذة .تنتبه الام ترمي لها الطعام .ترمي له الطعام ، يساعدها الجندي الذي يفرغ قنينة ماء ويضعها في اناء.تبتسم الام بمرارة )
( تنهض بصعوبة حين تنظر في الاسفل ترتعبيحاول الجندي مساعدتها. ترفض .تتحرك ..تعثر ..تكاد أن تسقط على وجهها لكن الجندي يمسكها بقوة ، ويساعدها على النزول برفق حين يصلا يرى الفوضى التي خلفها هو ورفاقه ..يتطلع اليها بخجل وعيناه تفيضان بالاعتذار)
وتبدأ الأم بالتعاطف مع الشاب الجندي بعد أن تبين لها إنه إنسان قبل أن يكون جندي، وأنهيعمل في الجندية من أجل المال، وهناك في بلاده أم تنتظره:” الام : أنا ياابنتي . لقد صعدت الى السطح لأستطلع أمر طيور زياد، ولم أستطع النزول فمد الي هذا الجندي يد المساعدة
رشا: علينا أن نقلده اذن وسام البطولة أليس كذلك؟
الأم : انه انسان وله أم تبكي دما لفراقه الان “
وفي مقطع حواري آخر:” الأم: اغسل وجهك من الدموع قبل ان تصعد. اغسله جدا واشرب ماء من الثلاجة – كأنها تكلم نفسها لأنه لا يفهم العربية لكنها تحاول أن تفهمه الحوار المتبقي بلغة الإشارات-“
هكذا بدت الأم تتلمس الجانب الإنساني في حياة الجندي الأمريكي، الذي ساقه القدر إلى منزلها، في ضوء الأوامر والتعليمات التي تلقاها من القادة والضابط. ولكنه كإنسان لا يحمل الضغينة أو العداوة ضد الشعب/ رشا وأمها. واتضح ذلك من خلال تعاون الجندي مع الأم ، لأنها تراه بعين الأم، التي فقدت ثلاثة من أبنائها الشباب. واراد الربيعي أن يفضح صناع الحروب ، ويثبت أن الشعوب هم الضحايا أو القرابين الذين تقدم ارواحهم وقودا لتحقيق المصالح الدولية.
“رشا” تستجيب لإرادة الشعب
استمرت (رشا) بمعاداتها للطائر الغريب(الجندي الأمريكي)، ولكن حدثت نقطة تحول في شخصيتها، عندما اضطرت لتلبيةنداء الشعب(أهل الحي)، بعد أنطلب منها التدخل للترجمة، لكونها مدرسة لغة انجليزية:“الجارة : والله لا اعرف ماذا أقول لك ؟ لقد جاءت لجنة من الهلال الأحمر لتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين وماان رأى الناس صناديق اللحوم حتى هجموا على مقر اللجنة وكسروا الأبواب وحاصروا اللجنة داخل المبنى وبدأوا يقفزون الأسوار ولما لم تتمكن الشرطة من إيقاف الفوضى استدعت الأمريكان لكن لم نجد من يستطيع ان يتفاهم معهم بلغتهم لذا نريد رشا ان تأتي “
واستجابت رشا لنداء الشعب(أهل الحي)، وتخلت عن موقفها المعادي للمحتل الغريب. وهذا جعلنا نتساءل من هو العدو؟ هل هو الأمريكي الغريب ام من ينهب خيرات البلاد، ويتاجر بالنفط ويصدره إلى الخارج، بينما الشعب العراقي يتضور جوعا.
وقبيل الانتهاء من المسرحية تأزمت الاحداث وبلغ الصراع أوجه، ليصبح صراعا من أجل المنزل الذي يحمل دلالة الوطن، عندما جاءت القوى الأمريكية، لاسترجاع الجندي الذي يقبع على سطح المنزل:” الضابط : أنقل لك تحيات امر الفرقة على نباهتك وانضباطيك العالية
الجندي : شكرا سيدي ..
الضابط : وجئنا هنا لحمايتك اولا ..
الجندي : شكرا سيدي
الضابط : ( يواصل ) وثانيا لنصب كمين للإرهابيين الذين جئنا للقضاء عليهم.ومطاردة فلولهم في كل مكان من أجل أمن امريكا والعالم .لهذا سننسحب كلنا بعد ان نزرع الالغام في البيت فاذا اطمان الارهابيون الى ان البيت أصبح مهجورا سيأتون اليه وسينفجر بهم.هل لديك سؤال ؟
وأصيبت رشا وأمها بصدمة عندما طلب الضابط الأمريكي منهما مغادرة المنزل، قبل تفجيره من قبل الإرهابيين:
الجندي : وماذا عن الام وابنتها سيدي ؟
الضابط : ستغادران البيت حفظا لسلامتهما طبعا
الجندي : لكن أين ستجدان مأوى لهما؟
الضابط : سنمنحهما خيمة مجهزة بالأغطية
الجندي : خيمة ؟
الضابط : لا تكثر من طرح الأسئلة أيها الجندي .الجندي الجيد لا مكان للعاطفة قلبه… المصلحة العامة تتطلب منا هذا. لو تهاونا بهذا لأصبحت الان في عداد الموتى.المسألة بالنسبة لنا ، حياة او موت أما نقتل أو نُقتل”
“مكانية” الحدث المسرحي
تسند المفاهيم اللسانية في النص المسرحي على الحوار الذي يشكل جزءاً من بنية الحدث الدرامي، ويساعد في الكشف عن أبعاد الشخصيات، وهو يخلق الجدل المبتغى من العملية المسرحية بين عنصري الزمان والمكان24، واقترن عنصر المكان في مسرحية (على سطحنا طائر غريب)بالحدث والشخصية، ووردت الكثير من المفردات المكانية، نسوقها كالآتي :
البلاد: ذكرت هذه الكلمة عند الحديث عن الوطن الذي ينتمي إليه الأفراد، وفي النص اتصلت بالجندي الذي هاجر بلاده، وجاء إلى العراق لتأدية الخدمة الإجبارية.
الأرض أو بقعة الأرض:دلت هذه المفردة المكانية على العراق/ الحرب، كون العراق أصبح ميدانا للحروبالمتعاقبة.
الطريق: اقترنت هذه المفردة المكانية في النص بمكان وقوع التفجيرات وانعدام الأمان فيها.
محلات بيع الملابس: ارتبطت هذه المفردة بالحياة الاجتماعية للناس.
مقر اللجنة، داخل المبنى: اقترنا هذين المكانيين بلجنة المساعدات من الهلال الأحمر، وجاءا ضمنا عند الحديث عن النزاع من أجل الحصول على صناديق الطعام لتوزععلى الشعب.
امريكا والعالم:اقترن هذين المكانين بالتواجد الأمريكي.
السطح:اقترن هذا المكان بأعلى بيت رشا وأمها، وهو يرمز أيضا للوطن الذي يحتله الغريب.
البيت أو البيوت: هي أكثر مفردة مكانية تكررت في النص؛ أولا لارتباطها بحياة رشا وأمها، وثانيا لبعدها الافتراضي والرمزي، الذي يعني الوطن، ويفترض أن لا تطأ قدم الغريب ساحته، ونسرد مقاطع من النص تكرر فيها ذكر البيت:
(فلليل قدسيته وللبيوت قدسيته ، احد منهم ان يدخل البيت، خربوا البيت أن أنقذ البيت، وخنقت هذا الجربوع المعلق في سقف بيتنا، دون مراعاة لحرمات البيوت، ان يدخل البيت …كفى هذا بيت، لا يبقون في البيت حجرا على حجر، وهل بقي في البيت شيء في مكانه؟ ، بقاؤنا في البيت أكبر تحد للجربوع، الى الجندي الأمريكي المزروع في بيت زياد، نامت الاسلحة في بيتك ايها الحمام ، لمساعدة أمي عندما كنت خارج البيت، في بيت ام زياد ، انه يسرح ويمرح في البيت وكأنه بيت ابيه لابد أن نوقف حدا لهذه المهزلة، لنهدم البيت على ساكنيه ، لكنه بيت رفيقنا زياد، نسف بيتنا ؟ مغادرتنا للبيت ستجعل الأمريكان يشكون بنا أكثر…، لكنهم سيفجرون البيت، لعله يقنع قادته بالانسحاب من البيت، منذ دخل الأمريكان البيت …مصيبة..البيوت فتاة ، في هذا البيت حياتنا كلهم ، نريد منك الان ان تطلب من الام وابنتها مغادرة البيت)
دونما شك، أن تكرار مفردة (البيت) في الكثير من الجمل التي تضمنها النص، حولت /البيت/ إلى مسرحا للأحداث، فهو مكان استقرار رشا وأمهاالذي يشعران فيه بالأمان والطمأنينة. وبعد دخول الجندي البيت، والصعود إلى السطح كشفت الاحداث أن (البيت) أصبح ميدانا لتصفية الحسابات، وساحة للحرب، وهو مكان قابل للتفجير، خاصة بعد معرفة الجماعات الإرهابية أن الأمريكان اتخذوا من سطح البيت نقطة للمراقبة والسيطرة. وصولا إلى مرحلة إجلاء رشا وأمها بعد طلب الجنود منهما مغادرة البيت لأنه أصبح خطر على حياتهما.
ختاما، لا يزال عطاء الكاتب عبدالرزاق الربيعي متدفق، في كتاباته الشعرية والمسرحية. ورصدت مسرحية (على سطحنا طائر غريب) واقع الشعب العراقي منذ أكثر من عشرين عاما. الذي أصبح مكانا للصراعات والنزعاتالمتوالية . ورغم تعاقب عدد من الحكومات عليه، واستمرار التواجد الأمريكيإلا أن الشعب العراقي ظل يعاني من عدم وجود نظام سياسي ديمقراطي حقيقي، يوفر الأمنين، السياسي والغذائي…ولا يزال الشعب يسعى إلى التغيير والإصلاح ، في محاولة لأبعاد الطائر الغريب،لتبقى العراق حره تبنى بإرادة الشعب وليس بالأنظمة السياسية الشكلية.
المراجع:
- الغانمي، سعيد، اللغة والخطاب الأدبي، المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1992م، ص48
- الربيعي ، عبدالرزاق، مسرحية ( على سطحنا طائر غريب)، دار بيت الغشام للنشر، 2017م، ص2
- ينظر: الخطيب، حسام، آفاق الإبداع ومرجعيته في عصر المعلوماتية، بيروت، دار الفكر، 2001، ص191. وينظر: العريني، ظاهرة التأثير والتأثر في الأدب العربي ـ مرجع سابق، ص85.
- بيكوتون، ديريك، (ترجمة: محمد زياد)، النشر العلمي والمطابع، الرياض، 2001م، ص5
د. عزة القصابي