مونولوج الحجر الصحي/ حيدر سلمان

المونولوج : هو حوار لشخص واحد موجه إلى المستمع او الى نفسه .
وبتفصيل أدق هو مجموعة صراعات نفسية داخل الشخصية المسرحية التى تحاول أن تكتشف حقيقة ما .حيث يوضح للمتلقي معرفة ماحدث أو ما سوف يحدث . ويعتبر المونولوج مقطع قصير من العرض المسرحي بأكمله .. ويختلف عن مسرحية الشخص الواحد بما يسمى (المونودراما) .
الحجر الصحي : هو مكان يعزل فيه أشخاص قد تحمل خطر العدوى . وتتوقف مدة الحجر الصحي على الوقت الضروري لتوفير الحماية في مواجهة خطر انتشار المرض.
تعيش الكرة الأرضية الان حالة من الرعب بسبب ظهور وباء الكورونا (COVID-19) والذي سبب معاناة كثيرة للإنسان منها توقف حركة الإنسان الاعتيادية كالعمل الذي يعتبر الشي الأهم بالنسبة للإنسان على وجود الأرض . بل سبب أيضا خسارة الكثير من العوامل المؤثرة حياة من يريدون العيش باقل شي ممكن . حيث توقفت عجلة الحياة بأكملها . وأصبح الإنسان منعزلا انعزالا تاما لايستطيع أن يعمل شي . يمكننا أن نقول أصبح الإنسان يحمل الكثير من المونولوجات التي يريد أن يبوح بها لكي يتخلص من هذه الأزمة ويعود إلى حياة مشرقة تعمل على النمو والتطور في جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها . لكن لمن يبوح وهو في عزلة وفي مكان لايوجد فيه سوى ظله . ولا يوجد متلقي سمعي أو بصري .حيث أصبح يعيش دراما داخلية تحمل الكثير من التساؤلات والغموض المثير للجدل وهو داخل غرفة أشبه بولادة عسيرة ويريد البدء بحياة خالية من الأذى النفسي ..
الممثل بين خشبة المسرح والحياة الطبيعية :
لا شك أن ما يقدمه الممثل على خشبة المسرح هو مأخوذ من الحياة البسيطة التي يعيشها الإنسان في الواقع . حيث يقوم بتقديم الأفعال والحركات التي تعبر عن ماهية الأحداث الإيجابية والسلبية التي ترافق الإنسان . هناك مجموعة عناصر فنية بين الممثل في الخشبة والإنسان في الحياة . في المسرح هناك الأداء المشحون بالعواطف والرؤية البصريه التي تشمل المنظر المسرحي والإضاءة والأزياء والاكسسوارات وايضا عمل المخرج على صياغة الأداء التمثيلي وأسلوب المؤلف الذي يستمد نصوص من الواقع بطريقته الخاصة .. والاكثر أهمية وتوضيح أن هناك ستار للمسرح يفتح في بداية العرض المسرحي ويغلق في اخر مشهد .. يمكننا القول إن العرض المسرحي ماهو الا فترة زمنية محددة تخلص ما أراد أن يوضحه المؤلف والمخرج وكل عناصر العرض ..
اما المسرح في الحياة فهو عرض زمني مدى العمر ويقوم الإنسان في تأدية أدواره الطبيعية في كل زمان ومكان ويعتمد على البساطة والعفوية وعمل الأفعال بطرق تلقائية . عندما يذهب لمكان ما ويتحدث عن موضوع ما فهو يتقمص ويتعايش مع الحالة نفسها لكي يبين لنا الدراما الواقعية .. كلنا نعرف أن ما يقدمه الممثل (الإنسان) من فعل حركي وحوار هو الدراما . فالإنسان يحمل الكثير من المونولوجات في الحياة التي يعيشها ..
كيف سيكون المونولوج في الحجر الصحي ؟
يمكننا وصف مكان الحجر الصحي بالغرفة المسرحية ونحن تحدثنا على أن المسرح ليس فقط خشبة وستار ومجموعة عناصر التي تجتمع بما يسمى مسرح العلبة وانما المسرح في كل مكان ..
فنحن نريد أن نعتبر مكان الحجر الصحي هو مسرح يقدم فيه حدث معين يعيشه الإنسان المنعزل في الحجر .. ماذا سيكون الأسلوب والتعامل مع الحالة التي يمر بها الانسان .. ماهي نظرية الأداء التمثيلي التي سوف يتبعها .
لا شك أنه سوف يسلك اسلوب التمثيل الذاتي الذي اعتمده المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي في كتابه الشهير (إعداد الممثل) والتي اعتمد فيه على مجموعة عناصر في تحضير الشخصية المسرحية ومنها:
الذاكرة الانفعالية :
اكد ستانسلافسكي على الذاكرة الانفعالية في تحضير الممثل . وهو استدعاء موقف من حياته يكون مشابه للدور الذي يقوم بتقديمه لكي يكون لديه شعور وإحساس جيد يعزز موقفة قبل البدء بالتمثيل
الافتراضية :
على الممثل أن يفترض و يتخيل الحالة التي يمر بها خلال الدور المسرحي . وإن يكون على صدق تام بما يعيشه لكي يصل إلى اكتشاف الحقيقة من خلال الشخصية التي يقوم بأدائها كما لو كان شيئا ما يحدث فعلا . فهو الان داخل غرفة الحجر الصحي وتحطيه اربع جدران .. بماذا يفكر ؟؟
إنه يفكر في كل الأحداث التي مرت بحياته من إيجابيات وسلبيات .. وعلاقاته مع الآخرين قبل دخول هذه الغرفة .. بل يفكر بأبعاد شخصيته الطبيعية والنفسية والاجتماعية .. ماهو المونولوج الذي يعيشه الان .. بالطبع أنه يعيش حالة من الهدوء لكي يعرف ما سوف يحدث له خلال فترة العزل .. أنه يتغنى بايامه السابقة .. ايام العمل والحركة ورؤية الاصدقاء والاقارب والمجتمع بصورة عامة .. كل هذه التساؤلات موجودة حاليا داخل غرفة الحجر الصحي التي يمكن أن نعرفها من خلال الإنسان (الممثل) المنعزل .. ولكن عليه أن يتقن البساطة والعفوية والدقة في تقديم المشهد .
من سيكون المتلقي :
لاشك أنه الإنسان في غرفة الحجر الصحي هو بعيد كل البعد عن ما يحطيه من نفوس بشرية وذلك من أجل عدم انتقال العدوى الوبائية .. إذن من هو المتلقي ؟ المتلقي هنا سوف يكون هو نفسه الممثل حيث يعيش شخصيتين في شخص واحد (المرسل والمستلم) اي بمعنى يتقمص شخصية المتلقي ويدرك ما يقدمه من خلال خطط توجيهة .. وتكون العملية أشبه ببروفات لتحضير المشهد . حينها ستكون المشاعر أقرب وغنيه جدا في أهميتها من خلال هذه العملية المتبادلة التي تحملها شخصية واحدة.
 

حيدر سلمان (مخرج مسرحي عراقي)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت