المراوغة في نص «مزاج» لجان بيتر مارتينيز & ترجمة لعلاوة وهبي/ بقلم: حسام الدين مسعد
إن المراوغة الهيرمينوطيقيه التي يتحدث عنها «إنجاردن» هي التناغم القائم علي التعدد الذي يجعل إنتاج عمل جمالي ممكنا وهذا التناغم هو الإتفاق بين أربع طبقات للعمل الأدبي هي (اصوات الكلمات -ومعاني الكلمات -والأشياء التي يمثلها النص – والجوانب التخطيطيه) ومهما بلغ وصف المبدع الجمالي فسوف يغفل ذلك الوصف اي يفشل في تحديد جزء منه ومن ثم يترك للقارئ وفهمه محاولة تحديد مالم يحدده هو في وصفه ومن ثم فإن النصوص الأدبيه تترك الأشياء التي تقدمها او تمثلها في حالة عدم تحديد لأنها تقدم مجرد مخططات .
إن النص المسرحي (مزاج) لمؤلفه جان بيتر مارتينيز والذي قام بالترجمه الناقد الجزائري علاوة وهبي الذي لم يعرفنا بالكاتب الذي أزعم انه فرنسيا من اسمه ولم يتطرق المترجم للتعريف بتاريخ النشر الأول للنص او اي عام تمت كتابته مما يجعل القارئ في حالة من التجريد الزماني خلقت حالة من الديالكتيك بين القارئ والنص الذي هو عبارة عن حوار بين الشيطان (الثاني) وبين إنسان (الأول) في تناص واضح وصريح لفكرة «فاوست» الذي يبيع روحه للشيطان مقابل المال لكن في نص ( مزاج ) الشيطان يعرض عرضا مقابل حصوله علي روح (الأول) يتمثل في الحب والنصر والجمال بل يضيف الي عرضه الشباب ايضا ويتم توقيع العقد بينهما وينتهي النص.
إن ترجمة نص ما من لغته الأصليه الي لغة اخري يمثل بالدرجة الأولي مسؤلية المترجم أمام قرائه في اللغة الجديده، فالمترجم مسؤول علميا واخلاقيا أمام قارئه في توصيل الرسالة الصحيحه من خلال ترجمة تدرك المعني او المعاني الصحيحه ولكي يستقيم المعني يجب ان لا يكون الكلام متراس يستعصي علي فهم القارئ إن المترجم استطاع ان يؤكد علي معني النص منذ ترجمة العنوان «مزاج»والتي تعني معجميا. «ما رُكِّب عليه البَدَن من الطَّبائع والأَحوال الصِّحِّيَّة أو المَرَضيَّة أو ما فُطِر عليه من الصِّفات، طَبيعة. “مِزاج سَوْداويّ” .
وتعني ايضا «اسْتِعداد نَفْسيّ يكون طيِّبًا أو سَيِّئًا ويبدو في الهيئة واللَّهْجة والحَرَكات والتَّصرُّفات. “كان رائِقَ المِزاج”
اي أننا أمام حالة مزاجيه تتجلي للقارئ من خلال الهيئة واللهجة والحركات والتصرفات. ولذا فإن التجهيل بشخصيتي النص وعدم التقديم لهما يتسق مع عنوان النص ليجعل القارئ يغوص سريعا في حوار النص والفاظه ليكتشف الدال الذي يقوده حتما للمدلول . فحين يبحث القارئ عن الدال لتفكيك شخصية (الأول)
«أدخل لثانيتين من فضلك ليس عندي وقت »شخص متوتر متعجل لديه اهتمامات اخري وحين يسأله الثاني «ماذا تفعل وأنت متعجل ان يوم الاحد هو يوم الرب » فتكون اجابته «لا..لا اعرف » وهنا تتكشف لنا حقيقة ان الأول لا يعرف ان يوم الأحد هو يوم الرب وبالتالي فإننا أمام أكثر من أمر. أما أنه لا يعتنق المسيحيه وإما انه يعتنق دين آخر وإما انه ملحد لا يعترف بوجود إله او أما أنه مسيحي ويخشي تشدد جماعة الإنجليين والذي هو التخمين الأقرب للتفسير لا سيما انه ورد في حواره مع الثاني «لن تحدثني عن الانجيل ..علي الاقل»
ثم تأتي جملة «اخفتني.. اعتقدتك شاهد جيه وفاه » لتفسير هذه المراوغة الزمنيه التي تعمد الكاتب والمترجم إخفاؤها علي القارئ لتقود الأخير ومن خلال إشارة المترجم عن حركة الإنجليين في الولايات المتحده الامريكيه.
تعود جذور الكنائس الإنجيلية التبشيرية والمنتمون إليها إلى حركة النهضة البروتستانتية في القرن الثامن عشر، وهي فترة تميزت بازدياد النشاط الديني، وظهرت تسمية “الإنجيلية” كتمييز للكنائس الأكثر تشدداً من بين الكنائس البروتستانتية، وفي فترة لاحقة ومع تصاعد حركة الاستقلال والتحرر الأمريكية تحوّلت الإنجيلية إلى عامل توحيد لسكان المستعمرات الأمريكية في مواجهة المستعمرين الإنجليز، بحيث باتت ديانة مُوحِّدة للأمريكيين ومميزة لهم.
وفي القرن التاسع عشر، جاءت “الصحوة الكبرى الثانية”، في الفترة الممتدة من عام 1800 إلى عام 1840، وذلك مع سيطرة الإنجيليين على المؤسسات الثقافية والتعليمية، بما فيها المدارس والجامعات، ولاحقاً امتد النفوذ الإنجيلي إلى الإعلام. ولعبت دورا كبيرا في تشكيل المفاهيم الديموقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية. كما لعبت الحركة الأنجيلية سنة 1740 تحت تأثيرها دورا بارزا في الأعداد للثورة الأمريكية مما عجل بسياسة فصل الدين عن السياسة. ويؤكد الإنجيليون التبشيريون على التجربة الدينية الشخصية والاهتداء الفردي ودراسة الكتاب المقدس (بعهديه القديم والجديد) ودور جمهور المؤمنين من غير رجال الدين في نشر المعتقدات الدينية وضرورة ممارسة الأخلاق الحميدة المرتكزة إلى العقيدة الدينية في الحياة العامة،
وبالتالي فإن هذه الإشارة التاريخيه تقودنا الي زمان حدوث النص والذي يغيب عن القارئ ويراوغ الكاتب في تحديده، فتارة يشعر القارئ ان زمن النص هو ما قبل حركة النهضه البروتستانتينيه وتارة يشعر ان هذا النص حداثي لوجود الإنترنت والقنوات التليفازيه المتعدده.
إلا أن التناص بين فاوست وبين النص في فكرة بيع روح الأول لهذا الشيطان العصري تخلق ديالكتيك ما بين القارئ والنص لا سيما الجمله الحواريه التي يجيب فيها الأول علي سؤال الثاني ماذا سيفعل بالروح ؟لتكون إجابة الاول «حقا في هذه الفتره لا شئ افعله بها » والتي تقود القارئ الي الدور المحدد للوجود الإجتماعي بالنسبة للوعي الإجتماعي في زمن النص والذي اصبح دور التكنولوجيا والبرمجة هو المهيمن والمسيطر والمحدد للدور الإجتماعي وغاب الإنسان بمثاليته وروحه التي كانت تشكل الوعي الإجتماعي.
ولذا فأن النص بأصوات كلماته ومعانيها والأشياء التي يمثلها وما قدمه من مخططات أدت الي المراوغه التي يسعي القارئ لفك شفراتها فالفهم البسيط للنص ثفقة ماديه ملموسه بين الشيطان والإنسان لكن المعني المضمر هو غياب دور الوجود الإجتماعي الإنساني المثالي بالنسبة للوعي الإجتماعي الحداثي.
لقد كان القارئ أمام نص حداثي هو حالة مزاجيه وجدلية فلسفيه بين القارئ والنص رجحت كفة الأخير دالة علي جودة النص
حسام الدين مسعد (مصر)