نص مسرحي: "بقـايـــــا "/ تأليف: حسين العراقي
الشخصيات :
- السجين .. بقايا إنسان وحيداً في زنزانةٍ ..ساقته الأقدار لها لأنه شاعر يكتب للحرية .
- السجان .. شخص غادر الإنسانية وتحول ألى آلة تعذيب
الزمان .. أين ما كان الاستبداد
المكان.. زنزانة مهجورة تحت الأرض تنفث منها رائحة الموت وعفونة الأجساد. سلاسل معلقه على الجدران وفي وسط الجدار علق سوط وبقايا ملابس .
(صدى صوت يأتي من غور بعيد. سلاسل . مفاتيح . وقع أقدام. صراخ . أنين . وسجان ينزل من سلم ألى الزنزانة وهو يرتدي ملابس غريبة الألوان وعلى صدره (جعبة) الرصاص ويحمل بيده سلاح وعلى وجهه (قناع وقاية ) لكثرة الرائحة في ذلك المكان . يتفقد أرجاءه صوت صرير يخترق الصمت والظلام تنفرج أضاءه خافته جدا . كتب ممزقه وأوراق كثيرة منثورة على الأرض. يجول بالمكان كأنه يستذكر زمن ماضي بهذا المكان يبحث في الزوايا والأركان . )
السجان : يا لصمت المكان بعد أن كان يضج بالآنيين والتوسل والصراخ. لم يتبقى من كل ذلك العناد والإصرار إلا بقايا أجساد عفنه وتلك الرائحة التي تزكم الأنوف.أيها المتجبر هذا مكانك لا غير هذا اخرج من رأسي لقد خسرت الرهان ..لم يتبقى منك سوى تلك الأوراق الباليه الناقعة بالبول والقذارة ..هكذا كانت نهايتك مجرد كلمات على ورق .سأخرجك من رأسي نعم أخرجك من رأسي. (بغضب) نعم اعترف لك كلماتك مثل عيناك تطاردني في كل مكان ين أنت يا هذا من كل تلك الأشلاء (يبحث بين ملابس مرمية على الأرض) أين أنت أيها الشاعر المغرور.سأحتفل على بقايا جسدك واحرق كل أوراقك كي لا تطاردني كلماتك (يلتقط من الأرض ورقه من الأوراق ينظر لها ويهم بسرعة يلتقط أوراق أخرى وهو يقرأ في الأولى بصمت ويقرأ أخرى وأخرى ثم صوت يخرج كأنه من ذاكرته . صوت يقرأ ما مكتوب على الورق ..)
الصوت : لا تزال الحرب تأكل رغيفنا ولا تزال تراوغ فجر الحياة تلتهم بوقاحة أرواح الصبية سحنتها أخذت لون الموت بقباحة وجهها باقية لا تنوء (يرمي الورقة خلفه وهو يجوب الزنزانة بغضب ويقرأ ورقة أخرى) للروح سكينه يستحضرها القهر رغم أني ما عادت تؤلمني فينتفض مذعورا سجاني
السجان : (يردد) فينتفض مذعورا سجاني .. يا لوقاحتك أنا لم أذعر يوما منك انهض كي ترى كيف أقتلك ألف مره . أنا هنا لأجل أن تنهض. نعم .انهض ..انهض .(يصرخ ويجثو على ركبتيه ) وأقتلك مره أخرى وأخرى وأخرى وأخرجك من رأسي وأتخلص من هذا الأنين وتلك الكلمات التي تعشش في رأسي (يدور داخل الزنزانة وهو يصرخ وينثر ببدلات المتبقية من السجناء الذين قتلهم ) اخرج من رأسي كي أتخلص من هذا الأنين.. اخرج من رأسي .
(يركع على ركبتيه ويضع وجهه بين يديه وهو يردد اخرج من رأسي ) تخفت الإضاءة جدا ثم تبدأ تستعيد توهج بسيط يظهر خلف السجان في عمق الزنزانة شيء مغطى بقماش ابيض تحت أضاءه خافته يدور السجان ألي الخلف وهو مذعور يتقدم نحوه يرفع القماش يظهر شخص نصف عاري بوجه شاحب وجسد متهالك
السجان: ها انك مازلت حي لم تموت كنت أعرف أنك لن تموت بقتلك مره واحده بل تحتاج ألف قتله . بل أُقطع جسدك وأرميه إلى الكلاب حتى أتخلص منك .
السجين : (يضحك )
السجان : على ماذا تضحك وأنا سوف أقتلك ألف قتله ..
السجين : بل قتلتني بحقدك حين ارتعدت فرائصك خوفا من رجل سجين مسلوب الإرادة والقوة . ساقته الأقدار أن يكون بين يديك الملطختان بدماء الأبرياء.
السجان : بعنادك وصمتك قتلت نفسك .لأنك لا تريد أن تعترف
السجين : لأنكم أغبياء. ولأني ليس صديقا مع الحظ . كنت في المكان والزمان الخطأ هذا كل ما اقترفته من جرم.
السجان : أنت قنبلة موقوتة خطر..يكمن خطرك بكلماتك وما تكتب
السجين : حتى وأنا ميت أنت خائف مني
السجان : لكنك حي لم تموت .كلماتك تطاردني وعيونك مزروعة في كل مكان على الأبواب على الجدران .
السجين : هذا شبحي يسكن في رأسك المتجبر . لن يفارقك حتى يذل جبروتك وظلمك ..
السجان : سأجعلك تجتر الألم علفا يوميا
السجين : أتعرف أيها السجان أني أشفق عليك.
السجان : بل أنا من يجعلك لن ترى الحياة مرة أخرى
السجين : يكفيني أني عشتها بكرامة ولن تستطيع لحظة إذلالي
السجان : ستكون هذه الزنزانة العفنة هي قبرك وعالمك
السجين : لا بأس أن كان العالم الحقيقي يمتلكه أسيادك
السجان : كنت تتوسلني أن أرحمك عندما تغير لون جلدك من ضربات سوطي .
السجين: بل كنت كل يوم أهزمك بصبري أذلك.لا تصدق أن سوطك كان يخدر جسمي ويغدو ريشة أو فراش من حرير..حينها تتحول أنت كلب مسعور..
السجان : كفاك ثرثرة .. لا تتكلم فأنك تفجر رأسي بكلماتك
السجين : أنا لم أتكلم .. هذه أوهامك التي سوف تذلك تصرخ في رأسك.
السجان : اخرج من رأسي !
السجين : يا لك من وضيع وغبي .
السجان : ( بغضب ) أنا يا ابن الزنا .
السجين : أنت وأسيادك وسوطك الذليل اللعين .
السجان : (يضحك بألم) سأبتكر طرق جديدة لعذابك
السجين : لا اعتقد هناك طرق أفظع مما فعلتموه
السجان :نحن كل يوم نبتكر طرق حديثة لإذلال أمثالك
السجين : أن استطعت أن تخرجني من رأسك .أعلم أنا قدرك ستظل روحي تطاردك .
السجان : سأحرق كل بقاياك .. وما تبقى من جسدك الهش حتى جدران المكان أن كانت تحمل لك اسما أو كلمه
السجين : أنا سنبله أن سقطت على الأرض تنبت ألاف السنابل.
السجان : (بغضب) سأمحو كل أثارك ستكون في غياهب الماضي .لا ذكرى لك ولا عنوان .
السجين : (يضحك بقوه وألم )
السجان : ما الذي يضحكك أيها الشبح الحقير .
السجين : أنا أشفق عليك أيها الأحمق ما أنت ألا سجين أبدي داخل هذا المكان . لا تعرف إلا السوط والدم وتتلذذ بعذاب الأبرياء ..
السجان : بل أجمل لحظات حياتي حين يرقص سوطي على أجسادكم العفنة . انتم من تسمون أنفسكم سجناء ألكلمه ..كل الكلمات لا تشفع لك عندي ..
السجين : رزقك مغلول في سجني تخدمني وتحرسني وأنت مسجون مثلي.تلازمني كظلي . لست حر بل كلب مملوك مثل كل كلاب أسيادك .
السجان : كفى أيها العفن كفاك ثرثرة .. عليك أن تدرك انتهى كل شيء .
السجين : لا لم ينتهي كل شيء بل ابتدأ كل شيء .
السجان : بعد كل هذا التبجح والكذب ماذا صنعت لنفسك أيها الثرثار .
السجين : لقد صنعت مركبا .
السجان : ( يضحك بقوه ) وأين هو كي اجلبه لك .
السجين: مركبي هو زنزانتي هذه تفاديت فيها الغرق بعالم تستعبدون فيه الناس فأبحرت حرا .
السجان : أي وقاحة تحمل يا هذا ..
السجين : ليس وقاحة . بل روح اغتالت معنى الخوف
السجان: (يرفع ورقه من الأرض ويقرأ) في بلدي غادرنا كل شيء مجاني إلا مجانية موت الإنسان فالحاكم في بلدي يقتلك أن طلبت رغيفا يملأ بطن طفلا جوعان أو تقتل عن شيء ترسمه أو حرف تكتبه سهوا على الجدران (يضحك بقوه) في كل مكان دليل لخيانتك . أليس هذا كلامك
السجين : بصوت مهزوزا سألني منكسرا مرعوب سجاني ألا تخاف الموت ببطء بسياط رجال السلطاني قلت ما عادت تؤلمني لسعات سياطك وقطع لساني
السجان : (يقاطعه) لن اقطع لسانك بل سأقطع رأسك العفن هذا
السجين : أتعرف يا هذا سوف اصب كل كلمات إشعاري في رأسك وأنت تنقلها ألى خارج هذه الزنزانة رغم انفك سوف ترتلها كي يسمعها الجميع .
السجان: سوف اطمر كل كلماتك التي كتبتها . هنا داخل هذه الزنزانة. تحت الأرض التي لا يصلها غيري ..
السجين : أنت لا تستطيع أن تخرجني من رأسك سوف تطاردك روحي في كل مكان وكلماتي ترددها أين ما تذهب انا ليس فقط جسد يفنى بل كلمات وفكر لا تستطيعون دثره ..
السجان : حروفك بالية امتصها الليل وارتشفتها تلك الجدران القذرة
السجين : كم من الأحاسيس الدافئة قد أهدرت وراء قضبانكم الرمادية وتحت أحذيتكم القاسية ونتانة أنفاسكم الباردة الخالية من العاطفة. إلا ألكلمه لا تستطيعون قتلها .
السجان: (يخرج علبة دخان ويضع سيجارة في فمه ويشعلها وينفث في وجهه) لا يحيط بك ألا بضع جدران هزيلة باليه .ألا تدرك ذلك
السجين : لأنك لا تعرف بل تجهل خواطري ورغبتي وأمنياتي .؟
السجان : أسمع يا هذا نحن السجانون نعرف ما تكتبونه جيدا. ننتظره حرفا بحرف. وتهزنا حروفكم وتقهرنا ثم تسلبنا الدفء ولا ننام . لكن لا نطلب الرحمة منكم كي لا تكتبون ..بل نسحقكم انتم وأقلامكم .
السجين : سوف تأتي أجيال من بعدنا ستقف بوجوهكم وستركلكم بأرجلها يوم ما .
السجان : سيدركون أن السلطة هي الأصل. وان لا قوة لهم بدون السجان
السجين : الأطفال لا يعون سواد القلوب وضحكاتهم هي من تعطي الأمل بالخلاص منكم سنقف بوجوهكم وسلاحنا ضحكاتهم .
السجان: ( يضحك بقوه ) سلاحكم ضحكات أطفالكم وسلاحنا هم أطفالكم حين يكبرون..
السجين: مهما يطول ليلكم وظلمكم واضطهادكم .سوف تكون لكم نهاية قاسيه تركعون على الأرض كي تقبلوا الأقدام ترجياً وخوفاً .
السجان: هذه أحلامكم النتنة التي كذبتموها على أنفسكم وصدقتم بها نحن باقون للقضاء على كل أفكاركم التي تلوث العقول من شعارات حرية وديمقراطيه وخزعبلات كلاميه ..
السجين: سقطت كل الأقنعة وانكشفت كل وجوهكم وانكشفت عوراتكم وبان هزالكم واستبان عجزكم. ومارستم القتل بكل أشكاله.
السجان: لنا الغلبة ما انتم إلا أصوات نشاز محرضه على راعي نعمتكم وحامي أعراضكم ودياركم وتنكرون الجميل وتضربون اليد التي تطعمكم . بلا مقابل. وتتصورون أنكم تتغلبون بشعاراتكم وكلماتكم
السجين : بوجودكم غادرنا كل شيء مجاني إلا مجانية موت الإنسان ..
السجان: (يصرخ به ) أصمت يا هذا اصمت . لقد تعبت من طنينك كفى واغرق في ظلام وحدتك وأجوائك النتنة
السجين : أضحى الظلام أصلًا والخوف طبيعة والحياة استثناءً والأمل جثة ملقاة على قارعة سفالاتكم .
السجان: لا ينفع معك سوى شد لسانك بالسوط وسحبه أيها البالي حتى لا اسمع صوتك بعد ألان (يأخذ سوطه المعلق على الجدار ويدور باتجاه السجين فلم يجد احد فقط هو يقف وسط الزنزانة ويصرخ وهو يدور في أرجاء السجن )
السجان : أين أنت هل كان وهم الم تخرج وتكلمني .. هل تخاف من سوطي أين أنت (يضرب على رأسه) اخرج من رأسي اخرج لا تحاول أن توهمني بوجودك أني قتلتك بتلك اليدين وأنا لا اخطأ في عملي من أين خرجت لي أيها الشاعر السجين من أي زاوية في رأسي . اخرج فلم يتبقى منك ألا هيكل عظمي . كيف عدت مرة أخرى . هل تريد أن تأخذ بثأرك .سأقتلك قبل أن تبدأ (يرمي بالسوط ويخرج مسدس) كلماتك تهشم رأسي وعيناك تخترقني سأقتلك حتى وان كنت في رأسي (يبدأ صراع جسدي مع نفسه ..يد تمسك المسدس وتصوبه نحو رأسه ويده الأخرى تحاول أبعادها)
السجان: لا تستطيع أن تمنعي أيها المتجبر بكل الحالات سوف أقتلك وأحرق كلماتك التي تعشش في داخلي ( يقاوم نفسه بيد والأخرى تضع المسدس على صدغه ) اخرج من رأسي اخرج (تطفي الإضاءة صوت أطلاقه واحده )
ظـــــــــــــــــلام
تمــــــــــــت
حسين العراقي