الدراما وتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها/ خالد أحمد
“التعليم فن والمعلم فنان، وكما ينحت المثّال من الحجر الأصم تمثالاً بالشكل الذي يريده،فيصوغ منه ما يشاء من رموز الحياة ومعانيها،كذلك يفعل المعلم”أعجبتنى هذه المقولة التى قالها أحمد سامح الخالدى فى كتابه أركان التدريس 2002 مركز القطان رم الله
ونستطيع أن نبنى على هذه المقولة مقالتنا ونتخذها مدخلا للبداية ، نجد أن دمج الفنون وتسخيرها فى خدمة تعلم مهارات واكتساب معارف حياتية أمر مرغوب فى العملية التعليمية ،التى باتت مع تطور العصر تحتاج أن تكون اكثر جذبا وتشويقا خصوصا مع وجود تحديات عديدة فى مجال التعليم عامة ، أما بالنسبة لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ،فالأمر حتما أن تكون عملية التعليم أكثر تشويقا ومن خلال مهارات اتصالية حقيقية أو شبه حقيقية لجذب المتعلمين للغة الهدف ، فالمعلم الفنان هو الذى يستطيع أن يبهر طلابه بما يقدمه ،ويجعلهم سعداء بتعلمهم للغة جديدة على ثقافتهم ،ومن ثم أجد أن “دراما تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ” ميدان لم يأخذ حقه كما حدث فى باقى اللغات العالمية، فاللغة الأنجليزية على سبيل المثال تجد أن هناك شركات انتاجية ضخمة تتبنى عملية إنتاج المسلسلات الدرامية التى تعنى بتعليم اللغة لغير الناطقين بها ولك أن تتخيل عزيزى القارئ حجم الأموال التى تضخ فى مثل هذا العمل ، وتكاليف الأنفاق التى تمنح لكتاب سيناريو متخصصين فى هذا المجال ” الدراما التعليمية” ، وممثلين على درجة من الاحترافية والتخصصية لجعل العمل على المستوى المطلوب ليخرج بأبهى صوره معبرا عن ثقافة اللغة الهدف وعن بيئتها وشعوبها وطريقتهم وحياتهم اليومية أن مثل هذه الأعمال ليس الغرض منه الربح المادى فحسب وإنما العائد الثقافى التى تجنيه اللغة الهدف ،وهو ما يطلق عليه ” القوة الناعمة ” التى تستميل الشعوب الأخرى فى دراسة هذه اللغة وتقليد شعوبها .
مفهوم الدراما التعليمية :-
دعونا نتعرف على مفهوم الدراما التعليمية بشكل أكثر دقة ،فعرفت نهاد صليحة الناقدة والكاتبة الدراما بشكل عام بانها” نشاط معرفى حركى تمثيلى ،يستحضر تجربة ماضبة استحضارا واعيا مصطنعا “ ، أما بالنسبة للدراما التعليمية مسرحة المناهج والبرامج والمقررات الدراسيةلخدمةالطفل المتعلم،وتحقيق الوظائف التربوية والتعليمية من وراء تقديم الخبرات التعليمية داخل الفصل الدراسي. ومن هنا، تنبني الدراما التعليمية على شرح الدروسو تفسيرها على ضوء آليات تنشيطية درامية كاستخدام الألعاب،وتبادل الأدوار، وتقليد الشخصيات، ولعل مفهوم الدراما بهذا الشكل يستوجب من المختصين فى مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بعيرها أن يعكفوا على دراسة المناهج النمطية وتحويلها إلى أشكال مختلفة من الفنون والأجناس الدرامية كالمسلسلات والمسرح وغيرها ، وهذا يحتاج لكتاب سيناريو متخصصين فى هذا المجال ، بل وبذل الجهد والوقت من أجل الخروج بأعمال تليق بقيمة الثقافية والحضارية والدينية للغة العربية ، التى حرمت من مثل هذه الأعمال التى تقدمها للعالم كونها لغة حية ولغة معاصرة ولغة علم أيضا ، الأمر يحتاج أيضا للكوادر الأكاديمية فى المجال لعمل المزيد من الأعمال البحثية التى تلقى الضوء على الدراما التعليمية للغة العربية للناطقين بغيرها .
استراتيجيات درامية تطبق رقميا عبر اليوتيوب لمتعلمى اللغة العربية الناطقين بغيرها:-
الدراما الابداعية فى تعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها :
ـ يقصد بالدراما الإبداعية النشاط التمثيلي لمتعلم اللغة العربية للناطقين بغيرها أو ما يسمى بببادل الأدوار،حيث يقوم الطلاب المتمدرسون أو غير المتمدرسين بأداء مجموعة من الأدوار الاجتماعيةمثل: الأب، والأم، وتمثيل ضابط الشرطة، والطبيب، ورجل الأعمال،و المهندس،والمدرس…وتتوقع كل ثقافة أنماط سلوك محددة من الناس الذين يقومون بهذه الأدوار الاجتماعية…والنوع الآخر من الأدوار هوا لأدوار الفردية أو الشخصيةحيث ينمي الناس أدوارا فردية مع العائلات والأصدقاء عن طريق تشخيص أدوار حياتية متقابلة كدور المباهاة والافتخار عند البعض ودور الضحية عند البعض الآخر، وهذه الأدوار قدت كون حقيقة أو متخيلة.
قومات الدراما الإبداعية:-
ترتبط الدراما الإبداعية بمتعلمى اللغة العربية للناطقين بغيرها أو تتلاءم مع مرحلتي : المرحلة الواقعية المحددة بالبيئة الحسية، والمرحلة الخيالية الإيهامية الحرة،.وترتكز الدراما الإبداعية على الارتجال، والتمثيل التلقائي، وممارسة اللعب بمختلف أنواعه. ومن ثم فالقاعدة الأساسية في هذا النشاط:” هي ما يفعله المتعلم، لأن الدراما هي الفعل، وليس الجلوس والمراقبة، والهدف من هذا النشاط ليس تخريج ممثلين، بل ان يخرج المتعلم من النمطية إلى الحرية الفعالة فى تعلم مواقف اتصالية بشكل يشوبه المرح والابداع ، لذا يكون من الضروري إشراك جميع الطلاب في هذا النشاط. كما أن عنصر المشاركة يساعد على تنمية قدرات الطلاب اللغوية، وعلى تنمية مهاراتهم، في حل المشاكل والإبداع، مما يعطيهم صورة مرضية عن النفس ويقوي لديهم الوعي الاجتماعي اللغوي ويوضح لهم القيم والمواقف المختلفة.” ويعني هذا أن الدراما الإبداعية ترتكز على التمثيل التلقائي، والارتجال العفوي الطبيعي، والإكثار من الألعاب الفطرية المتنوعة المبنية على المحاكاة والتقليد، والاهتمام بالتخييل الإيهامي، والميل إلى مسرح تبادل الأدوار، والانسياق وراء التشخيص الذاتي الاعتباطي، والتحرر من كل مقومات المسرح المدرسي على مستوى الكتابة والتمثيل والإخراج والسينوغرافيا.ومن هنا يمكن الحديث عن مجموعة من الدرامات الفرعية المندرجةتحت الدراما الإبداعية ( كالدراما الارتجالية، والدراما الإيهامية،والدراما اللعبية “الألعاب الدرامية” ،ودراماا لتقليد والمحاكاة، والدراما التمثيلية،ودراما تبادل الأدوار)….على الرغم من كون هذه الدرامات لها بعض الخصوصيات والمميزات الفنية والجمالية التي تفردها وتبعدها عن الدراما الإبداعية سواء من قريب أم من بعيد.
ثالثاً : أهداف الدراما الإبداعية:-
للدراما الإبداعية مجموعة من الأهداف العامة والإجرائية التي تخاطب في المتعلم جوانبه الذهنية والعقلية والوجدانية والحسية الحركية، كما أن هذه الدراما تجمع بين الفائدة والمتعة، وبين التعليم والتسلية، وبين الإقناع والترفيه. فالهدف – إذا – من الدراما الإبداعية هو إشراك المتعلم للغة الهدف بالحصيلة اللغوية التى تعلمها من درس معين في اللعبة الدرامية الارتجالية، وتنمية القدرة على ملاحظة الظواهر، وتذوق مظاهر الجمال، والثقة بالنفس، وإتقان الحركات والرقص، والتعبير عن هذه الخبرات أمام أعضاء الجماعة الصغيرة، وتحقيق الذات، والتدريب العملي على التعاون في جو يغلب عليه روح اللعب الجماعي.
يبدو أن الهدف الأساسي من الدراما الإبداعية هو تدعيم ثقته بنفسه واستعماله للغة الهدف ،فالحصيلة اللغوية التى تمكنه من ابداع الدراما مع مجموعته من الممكن أن يدعمها المعلم بشكل غير مباشر ، فتقليده لمشهد رآه أو حوار دار لايعنى أن يحقظه كما هو بل يبدع فى استخدام الألفاظ والحوار حتى يتخلص من الجمود اللغوى ،ويكسر حاجز الخوف من التحدث باللغة ، من أهداف هذا النوع من الدراما هو عدم التعلم بالطرق التقليدية التى تسهم فى زيادة الملل داخل الفصول .
ومن حسن حظى منذ عام تقريبا حضرت ندوة على هامش مهرجان القاهرة للمسرح وكانت هذه الندوة بها ثلة من الاكاديمين المتخصصين فى الدراما وكانت بعنوان ” تعليم الدراما فى المؤسسات الجامعية” وحاضر فيها الأستاذ الدكتور سيد على اسماعيل استاذ الأدب العربى والدراسات المسرحية بجامعة حلوان والدكتور احمد عامر استاذ المسرح والدكتور أيمن الشيوى رئيس قسم الفنون المسرحية جامعة بدر ،والأستاذ الدكتور احمد مجاهد رئيس قسم الدراسات المسرحية بجامعة عين شمس
وكانت هذه الندوة من أروع الندوات الاكاديمية المتخصصة بهذا الشأن، حيث تم النقاش حول أهمية الدراما ،والتأكيد على ضرورة الأهتما بتدريسها وفق معايير ،وأطر منهجية ،ومقومات الأستاذ الاكاديمى بمجال الدراما ، والمناهج وتلائمها مع الدارسين فى أقسام الدراما ، والمعايير التى تبنى عليها هذه الأقسام المتخصصة ، وطبيعة الدراسة ،الأسس التى يكون عليها خريجين الأقسام المتخصصة بمجال الدراما ،وكم أسعدنى أن تناقشت مع السادة الأساتذة فى مجال توظيف الدراما التعليمية فى برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ، وتحدثت عن سمات كاتبى السيناريو التعليمى فى هذا المجال ومن ضمن هذه السمات :
ـ أن يكون لديه خبرة تعليمية بمجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها .
ـ أن يكون مؤهلا للعمل ككاتب سيناريو تعليمى من خلال دراسة اكاديمية .
ـ أن يكون لديه مهارات إبداعية فى عملية الكتابة بشكل عام .
ـ تمتاز لغته بالسهولة والشيوع والقدرة على التخيل .
فى ختام مقالتى أحب أن أشجع المهتمين والدارسين والباحثين فى مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ،أن يخوضوا ويدرسوا فن الدراما التعليمية ، فالمجال لازال خصبا ،ويحتاج البحث والدراسة حتى يثمر عن أعمال مستقبلية تعبر عن اللغة العربية وثقافتها وتجذب العديد من أبناء الجنسيات الأخرى لدراسة اللغة العربية.
خالد أحمد .