مسرح الشارع ام مسرح في الشارع؟/ بقلم: حسام الدين مسعد
مقاربة مفاهيمه
انه في سبيل الإجابة علي هذا السؤال الجدلي الذي نتج للخلط واللبس بين العروض المسرحية التي تقدم في الشارع وبين ما يقدمه صناع مسرح الشارع من عروض ينبغي أولا ان نعقد مقاربات بين الأشكال الفرجويه التي تقدم في شارعنا العربي وبين عروض مسرح الشارع
ونستدعي سؤال هام جدا وهو ما الهدف وما القيمة من خروج المسرح الي الشارع ؟
فإن كانت القيمه التي ننشدها من تقديم العرض المسرحي في فضاء مغاير للفضاءات التقليديه هي ان يذهب المسرح الي الجمهور حيثما وجد وأينما كان . ومن اجل تحويل هذا الجمهور من مشاهدين الي متلقيين يعوا ويفهموا الغايات الدلاليه للعرض.
اي ان الذهاب بالمسرح الي الشارع مقصده الأول والمباشر إستهداف المتلقي وقيمته تتمثل في تبصير وتوعية هذا المتلقي
اي ان قرار ذهاب المسرح للجمهور في شارعنا العربي المعاصر جاء يحمل قيمة وليدة الحياة الإجتماعيه, فالجماعة تدفع الفرد للإتصاف بمبدأ الغيريه الذي يحقق نسيان الذات والتجرد من المصلحة الشخصيه والمضي نحو تحقيق الغايات المشتركه بين الجماعة بروح ملؤها النزاهة والإخلاص ونبذ الذات
ولذا فالغاية المشتركه بين انصار العرض المسرحي في الشارع وبين صناع مسرح الشارع هي خلق مشاهد يعي ويفهم ويصل الي الغايات الدلاليه من العرض المسرحي, لكن المناهج اختلفت في بلوغ هذه الغاية النبيله. فنري في تجربة عبد القادر علوله في الجزائر (مسرح الحلقه) او القوال او السارد
إن الفرجه المسرحيه عند عبد القادر علوله تعتمد علي السرد وتوظيف التراث الشعبي في تجريب مسرحي تأثر بالفكر الإشتراكي الذي كان يعتنقه عبد القادر علوله كما تأثر بالتباعديه البرختيه وكانت علاقة السارد او القوال او الحكاء او الملقي بالمتلقي علاقة تشاركيه وجدانيه لا علاقة ديالكتيكيه
«ويقول علوله عندما تخلينا عن الديكورات في العرض داخل الحلقه وجدنا المتلقي يعطي ظهره للعرض ولكنه يصغي جيدا لحديث القوال او السارد بل إنه عقب العرض حين تم النقاش معه حول مضمون العرض قام بسرد مقاطع كامله من حديث القوال وكأنه يحفظها عن ظهر قلب » ومن حديث علوله نستخلص ان مشاركة المتلقي في عروضه اقتصرت علي المشاركه التسامعيه بدليل انه ذكر ان المتلقي يعطي ظهره للعرض ويصغي جيدا لحديث القوال وهذه التجربه التي قدمت في الشارع إن كان هدفها الأول ان تكسر سطوة الهيمنه الغربيه للمسرح التقليدي بتوظيف التراث العربي في عروضها إلا أن هذه التجربه لم تبلغ الغاية من العرض في الشارع بجعل المشاهد يعي ويفهم الغايات الدلاليه من العرض في الشارع
فالمشاركة التسامعيه لم تجعل من ذاك المشاهد الذي يعطي ظهره للعرض عند علوله متلقي وإن حفظه لبعض مقاطع من حديث القوال او السارد هو تفاعل لحظي لا يؤكد فهم او وعي المشاهد المستمع للغايات الدلاليه من العرض وبالتالي يفقد هذا العرض الناطق باللغة العربيه التواصليه مع جمهور غير ناطق للعربيه او جمهور لا يستطع كسر عوائق اللهجات وبالتالي يفقد التفاعلية الإجتماعيه
وهنا يثور السؤال هل التفاعل الذي ننشده من مسرح الشارع هو التفاعل اللحظي للمتلقي الذي يثبته التصفيق او الإعجاب او حفظ بعض مقاطع من العرض أم التفاعل الإجتماعي الإيجابي الذي يغير من طريقة تفكير المتلقي في تناول القضايا المطروحه داخل العرض المسرحي الذي يقدم في الشارع؟
إن كنا نسعي للتفاعل الإجتماعي الإيجابي فإن هذا سيقودنا حتما إلي إستثمار الطبيعة الخاصه بالمكان (الفضاء المادي الطارئ) الغير ممسرح هذه الطبيعة الخاصه بإنفلاتاته الجغرافيه وطابعه المعماري وكذا طابعه الإجتماعي والمتمثل في دراسة القضايا اليوميه للمتلقي والتي ستكون بمثابة المدخل الأول في تكوين روابط العلاقه الثنائية بين ممثل مسرح الشارع والمتلقي هذا الأخير الذي ينتقل العرض المسرحي الي فضائه العام مراعيا وضعه الجديد كمشاهد في فضاء طارئ يتم مسرحته أثناء العرض وتنتهي الحالة الطارئه عقب انتهاء العرض . وهذا يحتم علي العرض المسرحي الذي يذهب الي الشارع ان يناقش قضايا المتلقي اليوميه وبمهارات خاصه هي مهارات التفاعل الإجتماعي واهمها الحوار الديالكتيكي الذي يخلق متلقي يتجادل ويفكر في القضايا المطروحة داخل العرض فينعكس تفكيره كفرد علي ذاته أولا ثم ينعكس علي المجتمع ثانيا
إن تجربة التفاعل الإجتماعي الإيجابي لن تتحقق في عروض مسرح الشارع إلا من خلال بلوغ القيمة الإجتماعيه للمتلقي والديالكتيكيه التي ستقوده الي بلوغ الغايات الدلاليه للقضايا التي يناقشها العرض فيشعر او يزج به بطريق غير مباشر للمشاركة الإيجابيه في هذا العرض الذي جاء من أجل مد يد العون له لتبصيره وتثقيفه وتمييز صحيح الفكر من فاسده
ولقد كنت مراقبا لتجربة مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي علي مدار أربع دورات إنعقدت دورته الأولي في ظروف بالغة التعقيد حيث انه قبل انعقادها بأشهر قليله تم تفجير طائرة روسيه في حادث إرهابي غاشم راح ضحيته ما يقارب مائتي شخص واصيبت مدينة شرم الشيخ بتوقف تام في نشاط السياحه الذي هو مصدر الرزق الوحيد لجميع سكانها . فجاء المهرجان بمحوره التجرببي وقت ذاك وهو محور مسرح الشارع والفضاءات الغير تقليديه الذي استقطب وقتها بعض العروض المحليه والعربيه والتي تفاعلت معها جماهير الشارع الشرماوي ليحصد المهرجان ثمرة هذا التفاعل الإجتماعي الذي بلغه المتلقي من خلال رسالة مفادها أن المدينة آمنه وإن ماحدث ارهابيا هو حادث عرضي تنفيه العروض التي قدمت في الشارع لسكان المدينه فأثمرت ان يكون هذا التفاعل الإجتماعي إيجابيا فأصبح هذا المحور مستهدف من سكان المدينه اللذين سعوا له عام تلو عام بتوفير الدعم اللوجستي لهذا المهرجان لأنه حمل قضيتهم الذاتيه وحاول السعي لإيجاد حلول لها فنتج التفاعل الإجتماعي الإيجابي من المتلقي .
إن فكرة الخروج بالعرض المسرحي الي الشارع في عالمنا العربي ينبغي أن لا تكون تقليدا اعمي لما طرحه الغرب في شارعه الذي يختلف حتما عن الشارع العربي ومتلقييه ايضا
ولذا فإن ذلك يقودنا إلي سؤال هل مسرح الشارع إحتجاج ام إحتياج ؟
في الحقيقة أن خروج المسرح الي الشارع كان احتجاج في العصور الوسطي حين طرد المسرح من الكنائس بدعوي الوثنية والإلحاد فأحتج صناعه وقدموا عروضهم في الشارع لكن محاولات بروتولد بريشت ومن بعده اوجستوبوال هي ما اكدت ان مسرح الشارع إحتياج ننشده في شوارعنا العربيه لتبصير وتثقيف المتلقي العربي الغير قادر على الذهاب للمسرح بأن يصل المسرح اليه حيثما وجد
لكن ونحن نسعي لسد هذا الإحتياج اختلطت عروض مسرح الشارع بعروض مسرحيه تقدم في الشارع لا تحمل القيمة ولا التفاعل الإجتماعي الذي ننشده بل إنها انتجت سؤال جدلي نتج عن غياب الوظيفة والمفهوم والتفاعل الإجتماعي لعروض مسرحيه تقدم في الشارع
ارجع ذلك الي عمومية تعريف مسرح الشارع التي أدت إلي هذا الخلط الشائع فإقصار التعريف المعجمي لمسرح الشارع بأنه «كل عرض مسرحي يقدم خارج العمارة المسرحيه»
فإن هذا التعريف العام هو ما احدث الخلط الشائع بين عروض مسرح الشارع وعروض المسرح في الشارع .لكن التمييز بينهما ينحصر في خصائص مسرح الشارع التي تميزه عن اي شكل فرجوي آخر يقدم في الشارع إذ أن مناقشة القضايا اليوميه للمتلقي ومصادفة العرض له وخلق حالة ديالكتيكيه بينه وبين العرض محدثة تفاعل إجتماعي هي ابرز سمات مسرح الشارع ولن تثمر هذه الخصائص في التمييز بين مسرح الشارع ومسرح في الشارع إلا بالدراسة العلميه السابقة علي تحديد الأفكار التي يناقشها عرض مسرح الشارع وهذه الدراسات العلميه(ديموجرافيه-سيسيولوجيه-سيكولوجيه)للمتلقي ولقضاياه اليوميه هي بمثابة اللبنة الأولي لعرض مسرح الشارع الذي يشتغل على الإرتجال من خلال الحوار الديالكتيكي احدي مهارت التفاعل الإجتماعي
ولذا فأنا اري أن الأشكال الفرجويه التي تقدم في الشارع وتفتقد الي المصادفة والديالكتيكيه وتفتقر للدراسات العلميه المسبقه للعرض هي عروض مسرح في الشارع
واري ان مسرح الشارع هو «كل عرض مسرحي يصادف المتلقي خارج العمارة المسرحيه ويناقش قضاياه اليوميه خالقا حاله ديالكتيكيه تجعل من المتلقي مشارك في بلوغ الغايات الدلالية للعرض»
وقد يري البعض اني بهذا التعريف احصر واضيق الخناق علي مسرح الشارع ولكنني حاولت ان احدد هوية و أهم خصائص مسرح الشارع والتي تميزه عن باقي الأشكال الفرجويه التي تقدم في الشارع