الممثل والمـنـصـة…(الحلقة: 8) / بقلم: عبدالصاحب ابراهیم اميري
لا یکفي أن یکون الممثل علی بینة لما فیه من دوره والشخصیة التمثیلیة التي یؤدیها بل یجب أن یکون علی معرفة تامة حتی بالجزئیات والمکان الذي یؤدي فیه الدور ( المنصة ) والملابس التي یرتدیها وقطع الاکسسوارات التي یتعامل معها ، والا وجد نفسه وهو علی الخشبة غریباً عن الجمهور والمکان الذي هو فیه ، ولا یعرف سر ذلک .
یؤسفني أن أقول إننا نشاهد وفي أغلب مسرحیات الشباب أن قطع الأکسسوار وحتی أحیانا الدیکور یعیشان عالم الغربة مع الممثل فهو یخاف الأقتراب عن قطع الأکسسوارات المنتشرة علی خشبة المسرح حتی إنه یجهل التعامل معها وإذا أردنا أن نسأل أنفسنا عن سبب هذا التعامل الغریب نری أن الممثل وحتی رفع الستارة لم یکن یعرف شیئاً عن قطع الاکسسوار ، قرر مصمم الدیکور بالإتفاق مع المخرج علی نثرها هنا وهناک لسد الفراغ علی الخشبة وللتخلص من هذا الداء الذي یکون بمثابة السبب الرئیسي في ضعف العرض الفني للعمل المسرحي یجب أن تتم علی الأقل التدریبات النهائیة مع قطع الإکسسوارات والملابس وحتی الماکیاج کي لا یشعر الممثل بالغربة من ملابسه التاریخیة العریضة ولحیته الطویلة ویحسن التعامل حتی مع رداءه ولحیته وعصاه … وأن یعرف کیف یستفید من قطع الأکسسوارت لتصعید الحدث .
إن أغلب الفرق المسرحیة وقبل العرض بلیلة واحد تقوم بالتمرینات النهائیة مع قطع الأکسسوار والملابس والماکیاج الأ أن لیلة واحدة لاتکفي ( بأعتقاداتنا ) لخلق الجو الکامل عند الممثل ، وحتی لا یصطدم الممثل بقطع الإکسسوار المنثورة علی الخشبة دون علمه ، وأن یعرف جیداً منافذ دخوله وخروجه من الخشبة ، فهو لو عرف ذلک سیبقی حتی نهایة دوره في الشخصیة والا سیضطر لترکها لحظة أو أکثر بحثاً عن منفذ ویخرج منه ، لذا فأن علی الممثل الشاب یطلب من المخرج ویسأله عن رداءه الذي یجب أن یرتدیه ،ویقوم فعلا بارتداءه قبل العرض کي یتأکد من ملائمته لمقاییس جسده وأن الخیاط قد أستطاع تحضیر الثیاب وفق المقاییس الصحیحة ، ویختبر لحیته علی وجهه ( إختبار الماکیاج ) ، وهنا لابد لي من الاشارة الی أمر وقع لي شخصیاً فقد کنت قد إنتخبت النص المسرحي کما إنتخبت الممثلین من بین مجموعة کبیرة وقضینا فترة القراءة والتدریبات حتی حان موعد العرض ، وکنا قد أنجزنا کل شيء وفق الأصول العملیة للعرض المسرحي ، الا إنني لم أنفذ عملیة إختبار الماکیاج علی الممثلین وعند لیلة العرض کنت مجبراً علی حلق رأس إحدی الشخصیات التي تمثل ( عامل الخیر ) في المسرحیة ، وعندما قمنا بحلق رأس تلک الشخصیة وفقاً للدور المرسوم لها فوجئت بانقلابها الی شکل شریر ورهیب فتملکتني رهبة وخوف عجیب لآن الشخصیتین الرئیسیتین في المسرحیة عامل الخیر وعامل الشر إنقلبنا فجأة الی شخصیتین شریریتین وهو ما یناقض أصول نصنا المسرحي وهنا تحتم عليّ أن أتصرف والاّ واجهت الفشل الذریع المرسوم مقدما، عندها أصابني مغص شدید وألم في الکلیة ، نقلوني الی المشفی في سیارة إسعاف ، وأجریت لي عملیة الکلیة .
وتأجل العرض المسرحي وانتخبت شخصیاتي من جدید. وهنا أذکر ثانیة ، یجب علی الممثل أن یعرف کیف یتصرف علی خشبة المسرح ولا یشعر بالغربة من قطع الاکسسوار. ویتعامل معها عند التمارین . إحدی المرات شاهدت عرضا مسرحیا لفرقة شابة ومنظراً لغرفة تعذیب في سجن معین، لقد لاحظت انّ الممثل الذي کان یؤدي دور المحقق لم یتمکن حتی من التقرب لوسائل التعذیب واستعمالها، وعند انتهاء العرض سألت الممثل الذي أدی دور المحقق ببراعة فائقة عن سبب عدم استعماله لهذه القطع البدیعة من الاکسسوار والتي کان من الضروري استعمال بعضها؟ ..
اجابني :”ان المخرج لم یطلب مني لذلك، بل صبّ کل جهده وتدریباته في الفعل والحوار ورسم الشخصیة، حتی انه لم یخبرني بانه یرید استخدام کل هذه القطع من الاکسسوار، وعندما سألت المخرج عن هذه الفجوة في العمل أجابني”
قائلاً :” إني لم أفکر حتی لیلة العرض أن أستفید من هذه الوسائل بل انّ مصصم الدیکور اقنعني فجأة باستعمالها. ولم نتفق علیها مسبقا ویالیتني لم أدعه ینشرها علی المنصة، فقد ظلت هذه القطع التي ینبغي أن تکون حیة متحرکة في العمل، ظلت میتة وغریبة حتی عن الممثل. عندها دفعني الفضول لسؤال مصمم الدیکور عن سبب استعماله لتلك القطع وبتلك الصورة”
وأجاب : “لقد شعرت وعند انتهائي من نصب الدیکور علی المسرح بان هناك فراغا کبیرا یجب أن أعمل ما في وسعي لاشغاله، لذا قررت أن أسده بتلك القطع من الاکسسوار”.
نستنتج من تلك المحاورة الجمیلة ان کل شئ في المسرحیة یجب أن یتم الاتفاق علیه قبل بدء التمرینات وعند التمارین الأولی یجب أن نستعمل بعض الأشیاء التي تدل علی الشئ الحقیقي نفسه حتی یعتاد الممثل علی تلك الاشیاء وعندما تقترب لیالي العرض علینا أن نتمرن وکأننا أمام عرض کامل.
قلنا ان کل شئ له حساباته في العمل الفني، فان حرکة الممثل تحتاج الی دافع، وان انتخاب الرداء المعین للشخصیة المعینة تحتاج الی دافع وان وقوع الفعل في اللحظة المعینه تحتاج الی دافع، لذا فان انتخاب قطع الاکسسوار هي الأخری یجب أن تتم بذکاء کبیر.. وانها کالموسیقي والمؤثرات الصوتیة یجب أن تساهم في تصعید الفعل لا قتله.
عبد الصاحب ابراهيم أميري