الواقع في فنجان "علي العبادي" ….على طاولة مجموعته المسرحية "تفو"Lط.د الأستاذة: رفيدة بوبكر

تأخذنا النصوص الغير مكتوبة إلى واقعٍ غير معلن، تتحكم في زِمام سَردِه جملة الدلالات الثقافية ذات المفاهيم المتعددة، حيث يلعب من خلالها المؤلف لعبة تحريض المقاصد ضمن شفرات دورانية المفهوم، تتيح للمتلقي خوض الاشتغال المفاهيمي للدلالة الواحدة..
لا يمكننا الهروب إلى متن النصوص، دون أن نُشَاكس بشكل أو بآخر تلك العناوين التي ينتقيها الكاتب بدقة تامة، لتكون بابا من أبواب دخول النصوص أو مقصدا أولي يستجمع بداخله جملة من المقاصد، فقد اختار ما يدل على واقعيته الصارمة وغربلته الدقيقة لمصطلحات ثقافية ذات معانٍ اجتماعية صرفة، كالذي نَقتَنصُهُ من العنوان الرئيس للمجموعة المسرحية “تفو” والعناوين الداخلية للنصوص المسرحية كـ” مقبرة، مرحاض، تفو ، أنتروبيا”.
إذ انفتح عنوان المجموعة المسرحية” تفو” على دلالات ثقافية متباينة، يحتاج إلى كَمٍّ من المفاهيم الواقعية لتحليلها وتثبيت جزئيات دلالاتها، ما يجعل القارئ يتوقف عن مَلْءِ خزان لغته لينتقل إلى فرض دلالة معينة تَحويها رسالة واقعٍ مَا، داخل عرضٍ مفصل يُنشِئُ في كَنفِه رسالة بذاتها دون غيرها.
دور الجوكر الذي لعبه الكاتب في حدِّ ذاته، كان كَافيًا لنقل مقاصده إلى بداية التقاء القارئ مع النص، ما يجعلنا ندرك مدى عمق تحويل الصراع بإشارات تصويرية وأخرى تركيبية تعطي للمتلقي فُسحَة التَّسقِيطِ والتي يعتبرها الكثير أنها إشارات مثيرة للجدل، كالمشاهد الانتقالية في النص المسرحي ” مقبرة “، بين الشخصيات الثلاث (الدفان الأول، الدفان الثاني، الدفان الثالث).
يَستنهض في نصه المسرحي ” أنتروبيا”، تشكيلات تزول معها الروابط المنطقية ليخاطب بها جمهور واقع بذاته دون غيره، وهو أمر طبيعي، مادامت الدلالات العامة المشكلة لسياقات النص، تحتاج إلى هَدْأَةٍ تشكيلية من نوع خاص، يعيد علي العبادي صياغتها من خلال لَمِّ شتات المصطلحات العامة والخاصة لِتنزاح بأبعادها الفنية عن اللغة المألوفة والجاهزة، على عكس نصه المسرحي المونودرامي “تفو” الذي يقوم على تشكيلات منطقية ذهنية مباشرة بين أركان التركيب الدلالي والحد الذي تكاد فيه الدلالة أن تنزاح، فاللغة في هذا السياق لا تعبر عن ذاتها بل تعبر عن خارجها[1] .
     لقد تطلبت القراءة المضمرة والخفية داخل سياقات النصوص ،إلى تسليط ضوء التحليل التفاعلي الاجتماعي بطريقة ترتكز على محتويات عديدة، تبدأ باستظهار المُحَدِّدات التي تكون مستترة على العموم في نظام اجتماعي ما ، فتتحرك الدلالة بتحرك الشخصيات ذات السلطة والأيديولوجيا المُوسّعة للتلفظ، حيث يترتب منهج هذا التبادل الموضوعي من شخصيات محددة إلى عامة الشخصيات الواقعية، انطلاقا من التوظيف الاستبدالي لفروع تتكامل وتصورات الترميز المفصل لاتصالٍ يتبعه كيان قابل للإدراك والتمثل، كالذي نستشفه من شخصية “هي” في النص المسرحي المونودرامي “تفو”  المرأة التي جلدتها الدنيا مرات عديدة، عانت كثيرا من فرط المعاناة والألم التي وقعت ضحية أنياب الظالمين…، ثم بعد ذلك يأخذنا إلى التوظيف الاستبدالي للشخصية فيكون تأملها لبيت أهلها الذي لم يبق منه سوى أطلال مجرد ترميز دال لمفهوم مضمر يظهر عند أول دلالة خطها الكاتب في قوله: “…تخنقها الحسرة والألم وهي تتجول بعينها في باحة البيت”.
نحن إذن أمام إطلالات دلائلية، يتشظى المتن فيها إلى ما يربو على دقائق كانت – في كثير من الأحوال- سمات مميزة لخطاب الكاتب لا علي العبادي فحسب بل في التجارب المسرحية ذات الطابع الواقعي بشكل عام.
 
 
[1] (ينظر، محمد بنيس: الشعر العربي الحديث،ج3،ط1،دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، 1990، ص86،87،90.) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت