الجمهور غذاء أو مصل العرض المسرحي (الحلقة: 14) / عبد الصاحب إبراهيم أميري
تمهيـــــــــــد:
قبل الدخول في محاور البحث، لابد من أن نقدم تعريفا للجمهور
أصل لفظة (جمهور) في اللغة اللاتينية Publicus ومعناها مجموعة المشاهدين والمستمعين باي عرض فني، سواء في الفنون الدرامية او التشكيلية او الموسيقية.
والجمهور – مهما كانت شاكلته واعياً أم غير واع، مثقفاً كان أم متخلفاً – هو الحكم الحقيقي والفعلي على مختلف الانتاجات الفنية في اي فن من الفنون.
ففي العروض المسرحية الحديثة يمكن ان يقوم الممثل بالتمثيل وممارسة فنه او مهنته وسط صالة الجمهور بما يتشابه مع بعض العصور القديمة كما في دراما (السوق)
علاقة الجمهور بالعرض المسرحي
إنَّ البدایات الأولی للمسرح ، مشاهد القنص التي کان یعیدها القناص بعد صید فریسته ، یحتفل مبتهجاً عند أهالی القریة بمفاخره ، وکیف تمکن من صید فریسته ، یمثل دور القناص وآخر من الأهالي دور الفریسة ، ویدخل في جلدتها وتبدأ المطاردة والجمهور ( الأهالي ) یشکلون حلقة دائریة ، یحتضنون بها الفریسةِ والقناص ، والقناص یحاول بشتی الوسائل ، أصطیاد الفریسة، الفریسة تهرب منه وتهجم علیه أحیاناً وبالنتیجة تقع بین یدیه ، وترتفع أصوات الجمهور فرحین بالنهایة السعیدة ، یعید القناص صیاغة المشهد بلحن عذب للجمهور المجتمع حوله ، هذه هي کانت بدایات المسرح ، واول من ادخل المسرح للبلاط الكاتب الانجليزي وليام شكسبير، نقل المسرح للبلاط، ليس هذا فقط بل شخصوصه من البرجوازيين، والقادة، (هملت، ماكبث، عطيل) ، ورويدا رويدا، خرج المسرح من البلاط وبات للجميع.
المسرح والجمهور
شعر المسرحيون، ان لا معنى للعرض المسرحي من دون جمهور، فهو غذا ومصل المسرح، ومن دونه تغلق أبواب المسارح، والا يحدث الذي لا يحسن، عقباه، فادخل الكاتب الإيطالي الجمهور في العرض المسرحي. ليجعل من المتفرج ممثلا. كما شاهدنا ذلك في مسرحيته، ست شخصيات تبحث عن مؤلف،
أما الكاتب المسرحي، برشت، أوجد طبقة جديدة من جمهور المسرح، الا وهم عمال المصانع، وذهب بعرضه إليهم، وانتخب أبسط الطرق للوصول إلى قلوبهم. الا وهو كسر،طوق التمثيل ، والمواجهة بالحدث دون رتوش،، والتي تطورت علی مر العقود حتی آلت إلیه الیوم ، فتنوعت المسارح، وإزدادت مدارسها ، وأزدهرت ، وأخذت أشکالا متنوعة
يمكن ان يقوم الممثل بالتمثيل وممارسة فنه او مهنته وسط ، او في اتصال بينه وبين الجماهير المشاهدة كما في درامات كوميديا الفني في عصر النهضة.
اما اليوم فبالامكان ان يحدث العكس، بمعنى ان تصعد الجماهير او بعض منها لتحتل مكانها كمشاهدة على خشبة المسرح، ويحدث ذلك بطبيعة الحال في مسرحيات وعروض يبرر مفهومها الدرامي مثل هذا الشكل الفني في الإخراج المسرحي الحديث.
جمهور النظارة spectators
والمقصود بجمهور النظارة الجماهير الحاضرة فعليا Actually في العرض المسرحي تصل هذه الجماهير الى مقاعدها المحددة في الصالة او في المقصورات بناء على معرفة مسبقة بالكاتب الدرامي او المسرحية او عنوان المسرحية او قائمة الممثلين او من جراء الاعلانات عن العرض المسرحي واحيانا ما يصل جمهور النظارة نتيجة قراءة مسبقة للنص المسرحي وخصوصا في حالة الدرامات الكلاسيكية بغية التعرف على الفروق بين القراءة للنص والعرض المسرحي له.
من المنطقي والمعقول ايضا ان من مهمات المسرح او الفرقة المسرحية تعريف الجمهور بعصر الدراما (الزمن الذي تسير فيه الاحداث) ومضمونها، والتواريخ السابقة لعرضها
باطفاء انوار صالة الجمهور يصدر من المسرح اول توجيه للجمهور للانتباه الى بداية العرض المسرحي، وهي اول خطوة نفسية تجاه توجيه الجماهير للتركيز على مكونات العرض من كاتب الدراما الى الممثلين والفنيين, خطوة حاسمة يعتبرها علم النفس المدخل الى عالم الدراما والعرض معا, لماذا يا ترى؟ لان بهذه الخطوة تبدأ عملية استرسال المسرح في ميلاد المعايشة، وايصال الانطباعات والتأثيرات الواحدة بعد الاخرى الى بؤرة الاتصال وأعني بها خشبة المسرح، عشرات من التأثيرات بين الحزن والبكاء والضحك والدموع والترفيه والاستحسان ثم التصفيق في نهاية المطاف اذ ان الجمهور – وبخاصة في المسرح – بحضوره الحي وتفاعله مع الآني من الاحداث يمتص مفاهيم وأهداف العرض المسرحي فيبدو منفعلا بما يراه ثم متأثرا، فمبادرا للوصول الى حالة (المبادلة) وهي رد فعله على الفعل الماثل امامه على المسرح لحظة بلحظة وبلا تأخير او تسويف.
وجمهور المسرح الذي يتعايش لحظة بلحظة مع انسياب العرض المسرحي ليس جمهورا منتظما او متسقا اذ لا وجود للاتحاد بينه قبل بداية العرض،
المسرح مدرسة الشعوب
لوتتبعنا مسرح الخمسينات من القرن الماضي، لوحدنا واجهته المعلنه هي المواجهة للحصول على حقوق الشعوب.
وان هذا القول الماثور. ردده المسرحيون.
-اعطني مسرحا، اعطيك شعبا واعبا. نفهم من هذا ان المسرح. كان ولا زال،. حتى فترة ليست بعيده مدرسة للتثقيف
وصناعة الوعبي. وخير مثال،مسرحيات برشت. ،مسرحيات بيتر فايس، يوجين تونيل، وحتى صموئيل بكت الذي اختفى حول مسرح اللامعقول، فهو انشغل بصناعة الوعي. وخير مثال مسرحيته، اميديه. فظهرت السینما والتلفزیون الی جانب المسارح وهي ولادات المسرح الطبیعیة بالتالي ولادات القناص وفریسته .
تعددت وسائل الاعلام المرئية والمسموعة تعدداً یصبح من العسیر أحصاءها وخرجت من بین الجدران الأربعة ودخلت البیوت ، لیس هذا فحسب بل أصبحت محمولة مع الإنسان عن طريق الحاسوب او النقال. یرى من خلالها أفلامه ومسلسلاته وبرامجه التلفزيونية والسینمائیة والمسرحیة. ویتصل من خلاله بذویه ویحصي أمواله، بل إن هذا الجهاز السحري الصغیر بات کل شيء بالنسبة له .فتشتت شأن الأسرة و من الصعب أن تلتقي الا بمناسبات الدعوة والأعیاد ، في المساجد وقاعات الإحتفالات .وعندما یلتقون ، تبدأ علامات الإستغراب ، یسأل بعضهم بعضا من هذا ومن ذاک ، شغلتهم مسائل الحیاة ، حتی نسوا أقرب الناس إلیهم . فأوشکت الزیارات علی الإحتضار .وإذا صادف أن إجتمعت أسرة حول التلفزيون لتری فيلما أو مسلسلا تلفزيونياً ، الا اذا كان الفيلم يتميز بميزة خاصة من ناحية الابداع الفني وهو حدیث الساعة ، فالإبداع شریطة الإجتماع ، شریطة الرؤیا في حین قبل ستة عقود مضت ،کان الإجتماع یتم من أجل الصورة ، أي صورة کانت ، أي فیلم کان ، المهم أن تکون الصورة ، وأن یکون الفیلم ، فتجتمع العائلة ، لیس وحدها فحسب ، بل عوائل الجیران والأقارب والمعارف ، وکل أبصارهم مصوبة حول الجهاز السحري ( بدایة ظهور التلفزیون ) وهذا من طبیعة تطور الحیاة المستمر ، فمن الصعب الیوم ملاحقة التقنیة والتقدم التقني ، فنیاً .
نفهم مما تقدم ، إننا في یومنا هذا یصعب علینا محاصرة المتفرج وجبره أن یکون متفرجنا في حین إن المئات من القنوات التلفزیونیة باتت في جیبه ، وتقلصت کراسي دور العرض وتعددت الدور وأزدهر الفیلم لیحقق مکسباً وأصبح الفیلم بالألوان وبالأحجام وأزدادت الصور إبداعاً ، حتی باتت تدخل الی قلب المتفرج وهواه، بدأ یتنفس الشریط السینمائي وأبعاد الفیلم تعددت
، کل هذه التقنیات یحملها الإنسان أینما یذهب ، فهي معه، تلاحقه وتدعوه ، وأن وجد وقتاً کافیاً إضافیاً للتمتع بالمشاهدة فهو یبحث عن ضالته ، عن التي تغنیه ، ویجد في طیاتها إبداعاً
المسرح يفقد جمهوره
بعد موجة التواصل الاجتماعي. وتركيبة الحياة المزدحمة ، ضاعت هوية المسرح الحقيقية. وضاع جمهوره،. في تركيب المنتديات وغيرها، ومحطات التواصل الاجتماعي، بالطبع الحديث عن المسرح الملتزم، كانت هناك جماعات، استهدفت المسرح للكسب
وبات المسرح محلا للهلو والسخرية والضحك على الذقون. وضاعت رسالة المسرح المقدسة الا وهي خلق الوعي. وتقديم الواقع بطريقة نقدية صحيحة. لتدرس ويجري التعديل اذا كان ممكنا.
المسرح اليوم بات مسرح مهرجانات، تعرض المسرحية أياما معدوده، يحضرها أصحاب الفن. وهذا امر ان استمر. علينا أن نقرأ السلام على هذه الظاهره الثقافية. نشهد اليوم موتها
عبد الصاحب ابراهيم أميري