الحيوية والعطاء/ بقلم: جاسم عاصي

لا تنعكس الحيوية إلا من خلال الأداء المباشر والمثابرة غير المتقطعة. فلكل عمل انتاجي فكرة، تتجمع لتكون مجموعة أفكار، يتداولها العقل المبدع، من خلال اثارة مناطق ابداعه. وفي هذا يواجه المنتج نوع من الحراك الذي تنشط من خلاله وحدات الانتاج لصالح  تركيز المعنى. وهذا يشمل معظم الفعاليات المنتجة لهذه النوع من الابداع او سواه. الامر يتعلق بعلاقة هذا النوع بالواقع .
سقت هذه الملاحظات التي اجد اني اغفلت الكثير غيرها في حقل الإنتاج، فأثناء مشاهدة العمل المسرحي الذي قدمته نخبة من الشباب المتطلع الى المساهمة في الحياة، وان يكون لهم دور في الوجود بشكل عام. المسرحية بعنوان (الحقائب السود) سيناريو وإخراج (علي العبادي) وهي معدة عن قصيدة بهذا العنوان للشاعر(اديب كمال الدين) وبمشاركة مجموعة من الفنانين هم (صفاء اسماعيل، امير العبيدي، حيدر الهلالي، احمد العربي، حسن كريم، غزوان السعيدي) هؤلاء شكلوا فرقة تحت مسمى (فرقة كربلاء المسرحية) قدموا عبر تاريخها مجموعة من الاعمال المتميزة . ما اود طرحه هنا ليس مداخلة لمناقشة ما طرحه العمل، من رؤى عالجت واقع البلد وهو يعاني من مجموعة مشاهد تخص الجانب الاجتماعي والسياسي والإرهاب الاسود، على الصعيد الداخلي والعربي والعالمي. لقد كان العمل ذي علاقة جادة بهذا. لكن ما يهم في رأيي هو البناء الفني للعمل، الذي اعتمد مسرح البانتومايم (الصامت) من خلال تفعيل الجسد، كظل وليس كحضور مباشر، ثم شاشة العرض كوسيلة سردية للتعبير عن مجريات ما يحدث في الواقع . ففي جانب الأداء الصامت، نرى ان لغة الصمت استطاعت ان تستغني عن لغة الحروف . وهذا كان بالطبع موصولا بلغة الجسد ، التي امتازت بقوة الأداء ، وتحريك الاجزاء وانسجامها عبر التركيز وتكثيف الحركة، لكي لا يكون ثمة زائد يبعثر القصد او المعنى الموصول بمعاني كثيرة. ان الحركة للجسد تثابر لكي تكون كمفردة تعبير متصلة بمجموعة الحركات ، سواء كانت من خلال الجسد الواحد، او مع الاجساد المؤدية الاخرى، وبما يشكل الجملة في النص المسرحي. ان مجموعة المتواصلات بين هذه الاجزاء شكل لغة فريدة، مما اتاح لنا فرصة القول ان الاداء الجسدي كان على بلاغة فائقة. هذا من جهة، ومن جهة اخرى ساهمت رشاقة الاجساد لا مرونتها في الأداء على ان تكون الجمل متوازنة في نقل المعنى، بعيدا عن العشوائية والاضطراب والتبعثر والتعثر. اننا بإزاء سمفونية موحدة، تعرف الاطراف (الاجساد) وظيفتها الاساسية . وهذا كما اراه متأتي من وعي هذه اللغة المعوضة عن لغة الحروف. اننا بإزاء لغة فيها التعقيد في التلقي، حاولت الاطراف ان تسهل المهمة، باختيارها لمفردات اكثر رشاقة وشفافية . ولا تفوتني الفرصة في ان اشيد بجهد الفنان (علي العبادي) معدا ومخرجا ومؤديا. وقد لاحظت مثل هذا على نتاجاته التي سبقت هذا العمل. كما وأبارك لأعضاء الفرقة مثل هذه المثابرة التي لا تصب سوى في مجال خلق واقع مشرق ومثابر للفرقة أولاً، ثم تدوين تاريخ لها بمداد الحقيقة التي لا تفرط بعقالها عن هموم واقعها ثانيا.
 

جاسم عاصي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت