بؤس الحياة عند علي العبادي / علاوة وهبي

عن منشورات دار الورشة الثقافية للطباعة والنشر والتوزيع في العراق صدرت مؤخرا المجموعة الثالثة لنصوص الكاتب (علي العبادي) المسرحية، هذه المجموعة تعد فارقا في مسار هذا الكاتب المسرحي الذي يسعي لإضافة الجديد الي متن الكتابة المسرحية في العراق. ومنه الوطن العربي ولما لا العالمي .لأن النظرة الإنسانية لا تتوقف عند وطن محدود بحدود جغرافية وسياسية مفروضة علي الشعوب بل تتخطاها إلى آفاق أوسع، لأن الكتابة لا تعترف بهذه الحدود والكاتب وعالمه لا تحده الخطوط التي يرسمها الحكام للحد من حريته، بل هو المسافر في الخيال والمتفاعل مع قضايا الإنسان حيثما وأينما كان، خاصة الذي يكتب للمسرح والذي حتى وأن كان ينطلق من محيطه إلا أنه يتجاوز ذلك بفكره ويحتضن مأساة الانسان ويعبر عنه وعنها، ذلك لأن المسرح حياة، والحياة مسرح، والفن هو الروح التي بها يحيا ويتنفس ويتحرك ليفعل ويتفاعل مع ما حوله . إذن المسرح لا يعرف الحدود ولا يعترف بها لأن موطنه هو موطن هذا الإنسان الذي طحنته الأقدار وهذه الساسة وقهره الطغاة واغتالته الحروب .

تلتزم نصوصه (علي العبادي) في اغلبها بهذه القضايا وبأسلوب فلسفي أحياناً وروح عبثية أحياناً أخرى لأن الحياة الراهنة تفرض هذه العبثية ولكنها غير العبثية عند روادها الكبار؛ بل هي عبثية جديدة فرضتها الظروف الجديدة في هذا العالم الجديد والمتجدد ، والعبثية عند العبادي ليست عبثية مجانية؛ بل هي عبثية خلاقة غالباً ما تدفع إلى التساؤل عن الذي حدث أو يحدث وتطرح الاسئلة الوجودية التي قد لا نجد لها أجوبة؛ لكنها تخلخل ما بداخلنا من قيم ومفاهيم ربما لم تعد صالحة الآن.تساؤل (وجودي .فلسفي .عبثي خلاق) .

ضمت المجموعة نصوص تتفاوت في الجودة؛ ولكنها جميعها كتبت بشكل التسارع في تبادل الحوار بين الشخصيات ودون وجود الترهلات اللغوية أو الحوار المجاني الذي لا يقول شيئاً، فعلي يحسب جيد جمله وكيف تنطقها الشخصية لتجعلك تتفاعل معها، ولا يستجدي تعاطفك بل يرغمك عليه لأن ما يصوره لك لن تجد نفسك غريباً عنه فهناك الانفصامية، وهناك الاحباط، وهناك الضياع، وهناك العبثية، أنه باختصار يعمل علي توثيق الحياة التي يعيشها وهو فيها، لا يختلف عني أو عنك لذلك تحس أن شخصياته معروفة عندك وأنك ربما التقيتها ذات صباح وربما تحدثت معها أو حدثتك عن همومها وأحزانها .
هذه النصوص التي جمعها في مجموعة (مبغي)لا تختلف كثيراً عن نصوص مجموعتيه السابقتين (براد الموتى، تفو) . ويعتمد فيها علي الثنائية والفردية، بحيث جاءت في شكل ديودراما ومونودراما وحتى ثريو دراما .
ان الانسان عند علي البادي ووفق نصوصه هذه انسان مخبط ومنفصم بائس وساخر وغير قادر علي التغيير..ولكنه يحرضك او يحرصنا نحن المتفرجين علي التغيير . والثورة ضد القهر والظلم وضد من سرقوا حريتنا حياتنا .
 
( حمام نسوان) ونلاحظ دخوله هذه المرة الي مكان محرم على الرجال دخوله وقت تواجد النساء فيه وهو الحمام؛ وبذلك يكسر أحد التابوهات اذ لم يسبق حسب قراءاتي لنصوص من المسرح لكتاب عرب أن دخل احدهم الي هذا الفضاء ليجعل منه مكان الحدث في عمله باستثناء نص وحيد أذكر عنوانه ولا أذكر أسم كاتبه وعنوانه(دخول الحمام مش زي الخروج منه)وهو لكاتب مصري من الرعيل الأول إذن أختار (العبادي) حمام النساء مكاناً لأحداث نصه وإقامة العزاء لقتيل تم طعنه عدة طعنات، لا تتفق النساء على عدد الطعن لأنه احتج على من كانوا يتجمعون عند باب سكنه للسكر وهم من الرجال المسلحين . وهنا لا شك أشارة منه إلى ذلك الجو المرعب الذي خلقته الميليشيات المسلحة سواء أكانت من النظام أو مما يعرف (بالدواعش) وهناك إيحاءات في النص تقول (اتهموني)، الغالب من (الدواعش) لأنهم فرضوا على أم القتيل(كغيلته)لأنه في الحقيقة ليس أبنها وهي تعترف بذلك، إذ فرضوا عليها التطهر في الحمام؛ لأنها متهمة بأنها عاهر، هنا نوع من الغرائبية كذلك في نصوص (العبادي)؛ لكنها غرائبية تمد العمل بالجمال وتزيد من عمقه كما هنا أشياء من التناص في أعمال أخرى بالمجموعة وخاصة في نص (تحريق) إذ يتناص فيه مع قصة (الامام الحسين)، أي الاستناد إليها لقول الحقيقة عن الحاضر . إن الإنسان عند (علي العبادي) ووفق نصوصه هذه إنسان محبط ومنفصم بائس وساخر وغير قادر علي التغيير؛ ولكنه يحرضك أو يحرضنا نحن المتفرجين على التغيير والثورة ضد القهر والظلم وضد من سرقوا حريتنا حياتنا .
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت