إشكالية توظيف الموسيقى العالمية في عروض المسرح العراقي المعاصر (جوليت بغداد أنموذجا)/ قيس عودة قاسم الكناني

جامعة البصرة
كلية الفنون الجميلة
قسم الفنون الموسيقية
 
عنوان البحث
 

إشكالية توظيف الموسيقى العالمية في عروض المسرح العراقي المعاصر

(جوليت بغداد أنموذجا)

 

المدرس الدكتور                 

                                                                                                                                قيس عودة قاسم الكناني

                                                                                                                                 2019/2020
مشكلة البحث
تعد الموسيقى في المسرح شكل من أشكال الفنون ذات الاستقلالية في التعبير الفني والجمالي, فهي من العناصر الأساسية المكونة لخصوصية العرض المسرحي, ويُكمن دورها الوظيفي في تجسيد هوية العرض وتوحيد الخطاب والفني والجمالي, لذلك دائما ما تقوم بربط المشاهد والأحداث الدرامية مع بعضها, كونها تمثل “المحور الرئيسي للموضوع فهي تشد عناصره إلى بعضها وتدخل بفاعلية الحدث وتتحمل قسطا لا بأس به من الجو العام” ([1])وعلية لابد ان يكون توظيف الموسيقى في العرض المسرحي ضمن الجو العام للعرض أي إنها يجب ان ترتبط بموضوع وفكرة ورؤية العرض الجمالية.  وعليه لابد ان يكون التوظيف أكثر انسجام مع شكل العرض وطبيعته الفنية والفلسفية والجمالية وحتى التاريخية لان ” فن الموسيقى أكثر الفنون إمعاناً في الشكلية, تراه يتطور في الزمان وفقا لمنطق داخلي على كل فنان  ان يخضع له”([2])وبالتالي فأنها قادرة على ان تعبر عن قيمتها الجمالية من خلال أفكارها الموضوعية وإيقاعاتها وألحانها وأفكارها وخطاباتها الجمالية ومستوى انسجامها وترابطها مع صورة العرض المسرحي, وهذا الترابط الجمالي بين والموسيقى والأداء المسرحي يشكل انسجاما جماليا اذا ما صّيغ بطريقة فنية محبوكة ومنتظمة فانه يخلق نوعا من التكوين والتوافق الجمالي بين العناصر المكونة للعرض المسرحي نتحسسه لحظة المشاهدة على خشبة المسرح. ([3])
إلا ان بعض العروض المسرحية تلاقي إشكالية في توظيف الموسيقى, وفي آلية اختيار نوع الموسيقى وجنسها وشكلها وسرعان ما يذهب بعض المخرجين لاختيار مقطوعات من موسيقى عالمية لا علاقة لها بروح العرض وأهدافهِ وأفكاره الفنية والجمالية, كونها تنطلق وفق جماليات مختلفة الأفكار والأهداف, كما انها تختلف في البناء التاريخي الذي كتبت فيه الموسيقى, وهذه الإشكالية تضعف من قيمة العرض المسرحي لأنها جاءت على اعتبارات غير مدروسة وغير دقيقة .
ومن خلال ما تقدم يطرح الباحث سؤال مشكلته: هل ان الموسيقى العالمية بكل أصنافها وأنواعها تنسجم مع طبيعة المشهد الدرامي في المسرح العراقي ام ان هناك اشكالية في التوزيف  ؟ للاجابة على هذا التساءل لابد من دراسة هذا الموضوع تحت عنوان (( اشكالية توظيف الموسيقى العالمية في المسرح العراقي))
اهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث في تسليط الضوء على:

  1. إشكالية توظيف الموسيقى العالمية في عروض المسرح العراقي المعاصر ،
  2. معرفة الآراء الفنية للموسيقى وعناصرها وآلية توظيفها في المسرح ومدى العلاقة التاريخية بين الموسيقى والمسرح.
  3. تسليط الضوء على طبيعة الصورة الدرامية في الموسيقى العالمية.
  4. محاولة تفيد الباحثين والدارسين في مجال الموسيقى والمسرح.

هدف البحث :
الكشف عن الإشكالية في توظيف الموسيقى العالمية في العرض المسرحي العراقي.
حدود البحث :
الحدود المكانية : بغداد/ المسرح الوطني
الحدود الزمانية : 2016
الحدود الموضوعية : إشكالية التوظيف بين الموسيقى العالمية والعرض المسرحي
تحديد المصطلحات:
الإشكالية لغوياً :

  • تحليل الفعل من الإشكالية ، هو : ( أَشْكَلَ ، إِشْكَالاً ) ، وكذلك ( شَكَّلَ ) : أي الأمر
    ( إلتبس ) ، وشَكَّلَ الكتاب : قيّده بالحركات . ويُقال : ( أُشْكِلَتْ عليَّ الأخبار ) شَاكلهُ ومُشاكلهُ : ماثَلهُ ، و ( الشاكلة ) مؤنّث ( الشَّاكل ) و ( الشَّواكل ) أيضاً : الطرق المُتشعّبة عن الطريق الأعظم ، يُقال : هذا الطريق ذو شواكل : أي يتشعّب عنه طرق كثيرة([4]) .
  • وجاء في لسان العرب لـ( ابن منظور ) ، إن الشَّكل بالفتح : الشَّبه والمثل ، والجمع : أَشكال وشكول . وأشكل الأمر : أي التبس ، وأمور أشكال : أي أمور مُلتبسة ([5]) .

ب. اصطلاحاً :

  • جاء في المعجم الفلسفي أن الإشكال هو : الالتباس ، ويُطلق على ما هو مُشتبه ويقرر دون دليل كافٍ، ومن ثمّ يبقى موضع نظر. والإشكالية عند الفلاسفة صفة لقضية لا يظهر فيها وجه الحق، ويمكنها أن تكون صادقة إلاّ أنه لا يقطع بصدقها ([6]) .
  • والإشكالية هي : منظومة من العلاقات التي تنسجها داخل فكر معين مشاكل عديدة مترابطة، لا تتوفر إمكانية حلّها منفردة ، ولا تقبل الحل من الناحية النظرية إلاّ في إطار عام يشملها جميعاً ([7]).
  • كما ورد في كتاب ( عصر البنيوية ) أن إشكالية : مصطلح أشاعه ( لوي ألتوسير ) ، يُشير إلى العناصر المبنية في مجال إيديولوجي، لمواجهة مشكلات وتساؤلات يطرحها الزمن التاريخي على نحوٍ يتكشّف عن إطار داخلي لبنية توحّد كل العناصر ([8]) .

ج. إجرائياً :
من خلال ما تقدم، يعرّف الباحث الإشكالية : بما يتلاءم مع مقتضيات الدراسة وهدفها ، بأنها: (الالتباس والتشعّب والتعارض وعدم الانسجام تاريخيا وفكريا وبيئياً بين طبيعة الموسيقي والعرض المسرحي).
 

الفصل الثاني

الإطار النظري

المبحث الأول:  الموسيقى واشتغالاتها في  المسرح العالمي
المبحث الثاني: الوظيفة الدرامية في الموسيقى العالمية

************

المبحث الأول: الموسيقى واشتغالاتها في  المسرح العالمي
إن طبيعة الموسيقى في المسرح  بعيدا عن تجريدها الصرف وآلية اشتغالها مع عناصر العرض المسرحي الأخرى كعمل فني متكامل يعتمد الوحدة الدرامية المتوازنة والمنسجمة والمنصهرة بينها وبين العناصر الأخرى المكونة للمسرح، اذ تحتوي كل مفردة من مفردات البناء الموسيقي والمسرحي على صورة افتراضية مستوحاة من الواقع والطبيعة التي نعيشها، تمتاز بها عن باقي الألوان الدرامية، حيث تمنحها بعداً جمالياً خاصاً في عملية إنتاج العمق الفني كونهما يحملان لغة قادرة على ان تصل بمفهومها الجمالي الى بناء الشكل المسرحي ذات القيمة الفنية المنسجمة والمتكاملة, وان هذا الانصهار يضع اللغتين (الموسيقى والمسرح) يظهران في نسق بارع يحمل تأثيرات جمالية متعددة حيث تحمل هذه التأثيرات عند المتلقي صورا حسية للواقع الذي ينتمي إليه فيفترضها في خياله لينتج منها مفهوماً صورياً قادر على ان يصل الى الصورة الواقعية التي اختزل منها المتلقي صورته الافتراضية فـ” الموسيقى نسق مركب من انساق متآلفة هي: الألحان والأصوات، البشرية، والأصوات الآلية”([9]) وما يهمنا في هذا الموضوع هو نسق الألحان واشتغالاتها في منظومة العرض المسرحي لأنه بنية من التراكيب النغمية نواته الجملة والصياغة اللحنيتان والتي تصور من خلال انسجامها مع بعضها أولاً ومكونات العرض المسرحي ثانياً صورة افتراضية حسية تعمل سوية في إنتاج واقع المشهد الدرامي، والتي تمنحه صورة جمالية متكاملة للعرض المسرحي، مؤكدا على دور وظيفة الموسيقى في إشباع حواس الممثل في انجاز دوره في العرض المسرحي وإكسابه الثقة بنفسه، وتنمية خياله والتعبير عما بداخله للتواصل مع المتلقين.
فان للموسيقى ارتباط وثيق الصلة بالمسرح، فهي تبلور شكل المسرحية عامة، وتعمل على دفع وتصوير الحدث الدرامي وإيجاد صورة مناسبة له، ودائما ما تبحث عن الصورة الصادقة المخفية وراء كل ما يدور من أحداث فهي دائما ما تفك رموز وشفرات العرض المسرحي عبر نغماتها وإيقاعاتها المنتظمة التي تصور ما تخفيه تلك المشاهد الدرامية من خلال عقمها الفلسفي الذي يتجسد في البحث عن الصور الحسية التي تثيرها الألحان والإيقاعات الدرامية، والتي تعمل على تصوير فترات الصمت المختلفة وهنا تكون الموسيقى مسؤولة عن ضبط الإيقاع الزمني لتك الأزمنة الصامتة وتكون بديلة عن الحوار اللفظي لأنها لغة مسموعة حسيا ومفهومة، وبالتالي تخلق عنصر الأهمية في الحوار والصمت والكلمة، لذلك يجب على الممثل ان يعمل على تذوقها وفهمها والإحساس بها كصورة درامية لا ان تكون موسيقى عابره ومجردة لإن ” الإيقاع واللحن يهيئان محاكاة للغضب والرقة، وكذلك الشجاعة والاعتدال وكل الصفات المضادة لهذه”([10]) وغيرها من الصفات الشخصية، فهي تصور تصويرا دقيقا لرسم معالم الشخصية وهذه المحاكاة لا تكاد تختلف عن الانفعالات الأصلية إلا قليلاً إذ أن سماعنا للموسيقى يحدث في نفوسنا تغييرات تتحول عن طريق العقل والخيال الى  صور من الواقع أحياناً، هذا الشعور إزاء الأشياء الواقعية التي تصورها الموسيقى، وفي حال لم يجد العقل الافتراضي التوافق بين ما نسمعه من موسيقى ومن طبيعة الواقع يتحول الخيال الى ماكنة من الافتراضات الصورية بحثا عما يناسب الفكرة الموسيقية التي نسمعها، أي أن المحاكاة الموسيقية لا تقتصر على الأحوال الشعورية فحسب بل تشتمل الصفات الأخلاقية والاستعدادات الذهنية أيضاً لأن الموسيقى تؤثر في سامعيها إلى حد بعيد .
وبقيت الموسيقى تلعب دوراً فعالاً وبارزاً في إنجاح العرض، وفي تكوين الصورة الافتراضية للمكان وذلك بحسب دورها وفاعليتها واشتغالها وطريقة توظيفها، وهذا يعتمد على مدى نجاح اختيار الموسيقى او المؤلف الموسيقي المناسب الذي يرى ان الدور المسرحي يتطلب نوع مناسب ومنسجم من التأليفات الموسيقية التي تتوافق او تنسجم مع الصورة الدرامية في العرض المسرحي، وقد يختلف دورها باختلاف الجماليات السائدة عبر التأريخ وبتطور الذائقة العامة في تلقي الموسيقى وفهمها فدور الموسيقى في المسرح ” تارة عنصراً عضوياً يعطي العرض إيقاعه، وتارة عنصراً مرافقاً له وظيفة جمالية، وتارة عنصراً درامياً يلعب دور في تشكيل المعنى” ([11]) وهذه الأدوار تسهم في تكوين الشكل الجمالي (سمعي وبصري) للصورة  الدرامية في العرض المسرحي بوصف ان الموسيقى هي فن سمعي إلا إننا حين نسمعها نرى صورا جمالية خيالية ـــــــافتراضيةـــــــــ ترافق إحساسنا بتلك النغمات الجميلة التي تساير وترافق الحدث الدرامي، فهي لغة إنسانية لها العديد من الوظائف البيولوجية والسيكولوجية والاجتماعية، باعتبار ان النغمات لها تأثيرها على الإنسان لانها تمنحه دفعة شعورية غير طبيعية ولأنها لغة سريعة النفاذ الى الوجدان والعواطف وتصل الى أعماق النفس البشرية وهذا ما ساعدها بان تكون جزءا فعالاً في المسرح، لما لها من قوة تعبيرية وتصويرية بل هي من أقوى وسائل التعبير الموحي.
لذلك تلازمت الموسيقى مع المسرح منذ نشأته، حيث ارتبط بالضربات الإيقاعية وبالغناء والموسيقى وكانت ومازالت الموسيقى جزاءا أساسياً في تشكيل العرض المسرحي، لذلك تعددت وظائفها واشتغالاتها فمنها ما اخذ دور الوظيفة التأطيرية والتي تستخدم خلال افتتاح العرض المسرحي حيث تكون كمقدمة موسيقية قبل العرض او في ختامه، وغالبا ما تكون هذه الموسيقى مختارة من أعمال موسيقية معروفة تنتمي الى مدرسة جمالية معينه مثل الموسيقى الكلاسيكية او الرومانسية حسب روحية العرض وجمالياته ,وهناك بعض الموسيقى اخذت دوراً درامياً يساعد  في نمو وبناء الفعل المسرحي كما تلعب دورا في تحديد إيقاع العرض وإبراز مفاصله الأساسية او التأكيد على موقف درامي او الإعلان عن طبيعة مكان الحدث الدرامي او ربما تكون نوعا من الفواصل بين المشاهد المسرحية, كما تستخدم بعض انواع الموسيقى في المسرح كوسيلة تعبيرية حيث تكون الموسيقى في هذه الحالة مؤلفة خصيصاً للعمل المسرحي وبناءً على طلب المخرج حيث تتلاءم مع قراءته الخاصة للعرض، وفي هذه الحالة تدخل في صميم مضمون النص فتبرز الحالات التي تعيشها الشخصيات وبيئتها، وفي بعض الأحيان تؤكد على الجو الذي يهيمن على المسرحية ولذلك تسمى أيضاً الموسيقى التصويرية، الذي عدّها المخرج الروسي (ستانسلافسكي) نوعاً من الديكور السمعي([12]) .
وقد تكون الموسيقى دالة على المكان او الشخصية التي تصاحبها او ترافقها أثناء الأداء على خشبة المسرح فتكثف فرحها او حزنها او غضبها، فهي تتميز بقدرة غنية على التأثير في ادق انفعالات الإنسان والتعبير على إحساسه وعواطفه، وبما ان العرض المسرحي يعتمد على اشتغال حاستي السمع والبصرة فيكون للموسيقى دور كبير في الجانب السمعي، حيث انها تشد الانتباه لمتابعة الحوار وتنقلات الممثلين، كما يمكن للموسيقى ان” تحدد زمن الشخصية وعصرها اذا كانت كلاسيكية او تراتيل كنائسية في العصور الوسطى او موسيقى حديثة، وقد تساعد ممثل دور ما ان يكسر تدفق بناء هذا الدور او تعمل على ان يخرج الممثل من اندماجه لاستثارة الجوانب العقلية أكثر من العاطفية في ادائه للشخصية من اجل جماليات تلقي ليست وجدانية بل عقلية انتقادية كاشفة للتناقض القائم في المجتمع” ([13]).
كذلك أن الموسيقى في المسرح هي اللغة التي تعطيك الإحساس بأجزاء العرض وتساعد على اغناء عناصر وصور ومكونات العرض المسرحي وإيصال الأفكار الجمالية الى مدركات المتلقي وعليه ينبغي ان تتوفر لدى المتلقي خبرة جمالية افتراضية سالبة ليكون قادرا على فهم العمل الفني وإدراكه واستيعابه وفك الرموز والشفرات التي تبثها الموسيقى التصويرية عبر منظومة العرض المسرحي لتتحول هذه الخبرة الافتراضية السالبة الى خبرة افتراضية موجبة من خلال الفهم والاستيعاب والإدراك الفني حيث تسهم في بناء التجربة الجمالية والمعرفية . ([14])
المبحث الثاني: الوظيفة الدرامية في الموسيقى العالمية
ساهم العديد من مؤلفي الموسيقى العالمية بوضع قواعد حقيقية لتطوير الصورة الموسيقية المتخيلة وعلى ضرورة ان تكون الموسيقى ذات صور درامية يتخيلها المتلقي عند  سماعها ويتصور مضامينها الفكرية والجمالية،  لذلك ابرع هاندل في اختيار نوع المقامات الموسيقية حسب انسجامها مع الشخصية الدرامية والجو العام للعرض المسرحي من خلال الربط الدرامي بين الموسيقى وتصوير المزاج النفسي للشخصية, حيث اتبع نظام سيكولوجي يسهم في تصوير عواطف الشخصيات من خلال افتراضات الموسيقى المثالية اذ يجعل  الشخصية الدرامية تكتشف أسرارها وتصور تطلعاتها النفسية, وان هذه الطريقة تعمل على تقديم العواطف الخاصة بالشخصيات بطرق تركيبية تعطي المتلقي الأفاق الواضحة لتكوين أفكاره عن النفسية التي تمر بها الشخصية لتصبح هذه الطريقة جوهر التعبير عن العاطفة وتوضيح العوامل العاطفية التي تحكم البناء المشهدي لا سيما المسارات اللحنية الميلودية الأساسية, ومن هنا استطاع هاندل تصوير شخصياته الدرامية بأنماط أخلاقية متنوعة وبطريقة يفهمها المتلقي بسهولة وعمق مبتعدا بذلك عن الرمزية في الموسيقى التي تؤدي الى صعوبة الفهم الدرامي, وان هذا التعبير العاطفي الدرامي يفتح القدرة على التنوع في تصوير الشخصيات وتنوع عواطفها بأسلوب درامي مؤثر وبطريقة سيكولوجية فاعلة فضلا عن ترغيب المتلقي ونقله الى دراما تعبر عن الطبيعة الأولى للإنسان بكل سياقاتها وأنماطها النفسية حيث كانت كتاباته الموسيقية “ذات تأثير اروع , متحررة من قيود المسرح الفعلي, وتقاليده وأصوله ([15]).
وامتازت موسيقى هاندل إلى الدقة في البناء الموسيقي والتصوير الدرامي ورسم الشخصيات الدرامية التي امتازت بالرصانة والبناء الهارموني المتدفق من خلال تناسق البناء الإيقاعي مع اللحن الميلودي،  بينما اتسمت مؤلفات ( جلوك ) الموسيقية بانها أكثر عقلانية اذ تعامل معها بروح التوازن والتناسق خدمة لخطاب ورؤية الصورة الدرامية، وأصبحت الموسيقى تأخذ شكلاً من أشكال الإنتاج الفني الذي يدعو الى معالجة النص الدرامي بموسيقى مؤثرة تؤكد عملية الانسجام والتوازن،  كما وضع (خريستوف جلوك) موسيقى والحان الكثير من الأعمال الدرامية وبرزت شخصيتهُ التأليفية من خلال مؤلفاتهِ الموسيقية ومن ابرز ابتكاراته الفنية هو إبعاد سلطة المغنيين الانفراديين في العرض، وتحويل الموسيقى من موسيقى مصاحبة الى موسيقى تخدم الفكرة الدرامية وتصورها تصوريا يقترب الى المحاكاة، وهي ليست من قبيل التسلية وإنما كجزء متمم أساسي للفكرة الدرامية، كذلك رفض جلوك الموسيقى حسب الأشكال الفنية الجاهزة من قبل، أي انه جاء بالحان موسيقية جديدة ومبتكرة من رحم الطبيعة الدرامية التي رافقتها الموسيقى .
اما (موزارت) فقد حاول تصوير الشخصيات الدرامية بوضع موسيقى تنسجم مع النظام الحركي والتمثيلي لكل شخصية وقد لاقت نجاحا في التعبير عن الطبيعة البشرية وتصويرها، كما اتسمت موسيقى موزارت بالواقعية لا بالسخرية، وقدم من خلالها تحذيرا ونصيحة بأن الفوضى التي يضعها الإنسان في داخله يفعلها بنفسه، وان الكون والخليقة شيء منظم. كما تجلت العناصر الدرامية والموسيقية عند موزارت من خلال التعبير المشترك الذي وضعه في دراما ( دون جيوفاني ) التي وضع فيها كل إمكانياته على مستوى استخدام الاوركسترا واستخدامه الصوت البشري الغنائي في الأحداث الدرامية، وبالتالي رسم صورة درامية واضحة من خلال موسيقاه التي كانت تصور الأحداث الدرامية .
ولهذا وصف( تشايكوفسكي) بأنه مؤلف الموسيقى التي يغلب عليها طابع الحزن،  لذلك تميزت أعماله الموسيقية بانطباعات درامية تعبر عن طبيعتها وعن قدرته في تأليف المواقف الدرامية وتصويرها من خلال التفاعل والتمازج بين عناصر الموسيقى وبين مكنونات أفكاره الدفينة التي تنبض بها أعماله الموسيقية، كذلك اتسمت موسيقاه برسم شخصيات درامية وتصويرها تصويرا دراميا ابرزها (هملت) حيث صاغ افتتاحية موسيقية واعتمد في تعبيره الموسيقي على تحليل شخصية هملت نفسيا اكثر مما اعتمد على احداث المسرحية لانه وجد من الصعب تحويل تلك الأحداث الى صور موسيقية درامية وبالتالي ركز على شخصية البطل التي تفسر الجو العام للعرض حيث انها تمثل المحور الذي تدور الشخصيات حوله، لذا فقد عمد تشايكوفسكي على ترجمة الأحداث الدرامية من خلال فعل التأثير الموسيقي فيعبر عن مقتل ابيه على يد عمه وفجأة يصدح لحن هادئ من آلة (الكلارنيت) الرقيق ليصور هدوء حبه لاوفيليا، ومن ثم يصدح لحن موسيقي صاخب للتعبير عن قتل هملت ل(ليولونيوس) والد اوفيليا ثم تتعالى الموسيقى الصاخبة ثم تنتهي الموسيقى بتصوير مشهد موسيقي من لحن المارش- المسير العسكري الجنائزي الذي يصور موت الجميع أنها لغة درامية تكشف حقيقة وجوهر القدرة الموسيقية في تصوير الأشكال الفنية وتكشف عن مخبوءات الرؤية والفكرة المسرحية بما يتلائم وتوظيف الموسيقى في المسرح .([16])
اما (ديبوسي) الذي حاول إيجاد صورة درامية بصرية تُجسد الروح الجديدة للدراما والموسيقى انطلاقا من مفاهيم(فاجنر) في هذا المجال، وقد تبلور هذا التطلع عندما جعل الموسيقى اداة توضيحية للدراما.
 

الفصل الثالث

إجراءات البحث

عينة البحث:
تم اختيار عينة البحث للأسباب الآتية :

  • توافقها مع هدف وأهمية البحث.
  • احتواءها على اكبر مساحة زمنية وفنية لمشكلة وهدف البحث.
  • توفر المصادر الأرشيفية عن العروض المسرحية لعينة البحث إضافة للمشاهدة الحية لبعضها والمقابلات.

عينة البحث

ت اسم المسرحية المخرج مكان العرض سنة العرض
3 جوليت بغداد حازم عبد المجيد       بغداد       2016

 
3- منهج البحث:
اعتمد الباحث المنهج الوصفي في دراسة بحثه للعروض المسرحية.
4- أداة البحث:
قام الباحث بإعداد معيار تحليلي يخدم موضوع البحث في تحليل نماذج الموسيقى العالمية التي رافق العروض المسرحية (عينة البحث) وتضمن المعيار الفقرات الآتية :

  • التونينا : وهي المقامية وتحديد الأجناس الموسيقية الرئيسية.
  • تحديد النغمات وإظهار العلاقة بينهما من خلال :

أولا: نغمة الابتداء : وهي النغمة الأولى في كل جزء لحني من المقطوعة الموسيقية.
ثانيا : النغمة المركزية :وهي النغمة الأكثر أهمية في أجزاء اللحن الموسيقي وهي نواة اللحن القوية والصلبة والتي حولها يتحرك اللحن الموسيقي.
ثالثا : نغمة الانتهاء : وهي النغمة الختامية في اللحن وتكون أكثر رسوخا واستقرار.
ج-   تحديد المسار اللحني: ويشمل جميع النغمات الموسيقية التي ظهرت في عينه البحث وتدوينها في النوتة الموسيقية على المدرج الموسيقي.

  • المدى اللحني : ويشمل أعلى واخفض نغمة في المسار النغمي وتدوينها وحساب البعد الفاصل بينها .

هـ – تحديد السرعة المطلقة :
و _ تدوين النموذج الإيقاعي:
أولاً: تحديد السرعة النسبية المسجلة بجهاز مترونوم.
ثانياً : تحديد (الدليل الزمني) وهو الرقم الكسري في بداية كل مدرج.
ثالثاً : تحديد نوعية الإيقاع (الضرب الإيقاعي) وتدوينه بالنوتة الموسيقية (ان وجد في موسيقى العينة).
5 ــ صدق المعيار :
لغرض التأكد من صدق المعيار التحليلي تم عرض فقراته على عدد من الخبراء المختصين في مجال الموسيقى( * ) لبيان مدى صلاحيته لتحليل عينة البحث، وكانت نسبة الاتفاق عليه هي 100% بعد إجراء التعديلات المقترحة من قِبل لجنة الخبراء ، بحسب معادلة كوبر (**)
6 -مستلزمات البحث:
عند عملية تحليل العينة استخدم الباحث المستلزمات الآتية :

  • جهاز لابتوب لمشاهدة عينه البحث وتحليلها .
  • برنامج (Guitar Pro five ) لتدوين المقطوعات الموسيقية .
  • جهاز مترونوم لقياس السرعة الزمنية لكل مقطوعة موسيقية .
  • آلة الكمان الشخصية لغرض عزف المقطوعات الموسيقية والتأكد من صحة التدوين.
  • الأدبيات والمقابلات التي تخص عينة البحث.

 
تحليل العينة  :
مسرحية جوليت بغداد
إعداد وإخراج : حازم عبد المجيد
عُدت عن مسرحية (غدا يجب ان ارحل)  لجليل القيسي .
جهة العرض : نقابة الفنانين فرع البصرة/ كلية الفنون الجميلة جامعة البصرة.
مكان العرض : المسرح الوطني / ضمن فعاليات مهرجان الحشد الشعبي الثاني ضد الإرهاب.
سنة العرض : 2016
فكرة العرض :
هي صراع الحاضر وارث الماضي … تتجسد في إرهاب النفس .
الرؤيا الإخراجية للعرض :
تجسدت الرؤية الإخراجية للعرض عبر أدوات المخرج لمكنونات منظومة العرض المسرحي حيث جسد أدواته باللعب على ثنائية الهدم والبناء بين الماضي والحاضر.. فالحاضر هو ما يعيشه الإنسان العراقي تحت خيمة الإرهاب والدمار المقيتة والماضي ذلك الزمن الجميل بذكرياته وأحلامه، منطلقا من خلال أجواء الموسيقى والغناء التي وظفهما المخرج مع لوحات الرقص الدرامي بين الراقصين اللذان وضعهما المخرج في مشاهد القطع الفاصلة بين الماضي والحاضر ليظهران في جو راقص على أنغام وأغاني الفلكلور العراقي مستعينا بالكتل الديكورية المتحركة والتي شكلت جزءا من سينوغرافيا العرض المتحول بين الحين والأخر لينتقل بنا من حالة الموت والدمار التي نتلمسها في حياتنا اليومية الى حالة الفرح والأمل التي فقدناها منذ زمن بعيد وأصبحت مجرد ذكرى ..
تحليل النماذج الموسيقية لمسرحية جوليت بغداد :
لغرض الوقوف على إشكالية توظيف الموسيقى العالمية التي جاءت مرافقة للعرض المسرحي يسعى الباحث لمعرفة الأمور الآتية:
أ- التونينا(المقامية) : نهاوند ( ماينر)
جاء المقام النغمي في الموسيقى العالمية التي رافقت العرض المسرحي من مقام( ماينر) ما يقابله في الموسيقى الشرقية مقام( النهاوند ) اي إن المخرج ومنفذ الموسيقى ابتعدا عن المقامات الشرقية التي ربما تخدم فكرة العرض أكثر من المقامات العالمية التي تحتاج الى توظيف دقيق ومنسجم مع مكونات العرض المسرحي العراقي كما انها تحتاج الى قدرة كبيرة من الاستيعاب لفهمها من قبل المتلقي العراقي كونها مقامات من الموسيقى العالمية لم يعتاد الإنسان الشرقي على سماعها باستمرار وبالتالي فإنها تبتعد عن بيئة وتاريخ العرض المسرحي الذي يحاكي واقع المجتمع العراقي ومعاناته مع الإرهاب والدمار وبما إن مفهوم الموسيقى لا يعبر عن الظواهر ولكن يعبر عن الماهية الباطنية او جوهر الظواهر كلها اي الإرادة وبالتالي اذا ما كانت الموسيقى التي ترافق العرض المسرحي من نفس البيئة والطبيعة والفكرة التي جاء بها المخرج تكون الموسيقى قد خرجت من منظومة الانسجام بينها وبين العرض المسرحي وعليه فان الموسيقى يجب ان تكون مكملة للعرض المسرحي وتابعة لفكرته وفلسفته ورؤيته الإخراجية التي من اجلها تسعى عناصر العرض المسرحي للوصول اليها .
ب– تحديد النغمات :

ج – تحديد المسار اللحني:
ظهر اللحن الأساسي الذي جاء في مقدمة المقطوعة الموسيقية والتي لازمت اللحن من البداية ومع دخول الآلات الإيقاعية الضخمة من حيث نوع الآلات وصوتها، بجملة متكررة وهي جملة موسيقية إيقاعية النبر حاول المؤلف الموسيقي ان يخلق جوا حماسيا من خلالها يسهم في ترسيخ الضغط الإيقاعي عند المستمع، كما في المدونة الموسيقية أدنا.

اما المسار اللحني للمقام الموسيقي في المقطوعة الموسيقية عينة البحث، حيث ظهرت الدرجات الموسيقية للسلم الموسيقي لمقام (الماينر)على درجة (سي B) طبيعي وهي من الدرجات الموسيقية التي نادرا ما تستخدم في موسيقانا الشرقية مع مقام (النهاوند) ودائما ما تركز الموسيقى الشرقية على درجة (دو C) او (صول G) او (ري D) مع مقام النهاوند الذي يقابله مقام (الماينر) في الموسيقى الغربية وبالتالي فان هذه الدرجة قد يكون استساغها ضعيفا من قبل المتلقي لا سيما الممثل كونه المتلقي الأول في العرض المسرحي وبالتالي قد تسبب ازعاج او عدم استقبال طبيعي او ربما تصل الى درجة النشاز عند بعض المتلقين المهتمين للموسيقى والمسرح كونهم يهتمون بتفاصيل الموسيقى وطبيعة اختيارها وبنائها وبذلك يتحسسون الدرجات الموسيقية التي تُلائم الجو العام لذا فان اختيار الدرجات الموسيقية المناسبة لكل مقام موسيقي (شرقي او غربي) تعد إحدى هذه الإشكاليات في توظيف الموسيقى الملائمة للعرض المسرحي لأن هذه الاختيارات العشوائية للموسيقى تخلق عدم دراية بنوع وقيمة الدرجة الموسيقية، وبعض من هذه الدرجات لم تعتاد الأذن الشرقية على سماعها فالموسيقى في المسرح ليس لغرض التزيين بل مهمتها دعم فكرة العرض وتوضيح الرؤية الإخراجية الرئيسية التي جاء بها العرض المسرحي لأن الموسيقى في المسرح اذا جاءت بشكلٍ جديد وغير مستخدمة سابقا او موسيقى لم  تكن معروفة عالميا فإنها تخدم فكرة العرض وتقود الموقف الدرامي ليصل إلى الحل، وعليها أن لا تصاحب او ترافق فقط، بل أن توضح الهدف الرئيسي للمسرحية وتكشف عن خفايا الرموز التي تحتاج الى فك شفراتها وتفسر المواقف الدرامي التي تحتاج لوجود الموسيقى فيها.
                
لغرض الوقوف على المدى اللحني في هذه المقطوعة الموسيقية فان هذا المدى اللحني من المديات الضعيفة التي لا تغني ولا تسهم في دعم العرض المسرحي بقيمة فنية او جمالية لأنها من المديات القصيرة وذات مساحة ضيقة لا تمنح قيمة جمالية او فنية بسبب ضعف المسافة التي تحيط بالمدى اللحني مما تجعل الفكرة الموسيقية ناقصة وخالية من الزخارف اللحنية والصور التعبيرية التي تنتجها موسيقى العرض المسرحي بمفهومها الجمالي وحتى الفلسفي التي ربما يعول عليها المخرج في بث شفرات العرض المسرحي والكشف عن خفايا الرموز التي تحتاج الى فك لشفراتها وتفسير المواقف الدرامي وبالتالي هذه إحدى إشكاليات اختيار وتوظيف الموسيقى العالمية في المسرح العراقي بسبب اختيار مقطوعات موسيقية دون دراية او دون الاستعانة بمختص يفهم مجالات الموسيقى وكيفية اختيار أجزاء موسيقية من مقطوعات عالمية طويلة تبدو وكأنها تامة في بنائها الميلودي والهارموني وحتى اللحني وهذا ما سبب إشكالية في توظيف هذه المقطوعة الموسيقية مع ما جاء في صورة العرض المسرحي وفكرته لأنها لم تنتهي بالدرجة الموسيقية التي من المفترض ان تستقر عليها الجملة الموسيقية وحسب قانون المقام الموسيقي التي تنتمي إلية المقطوعة الموسيقية وبالتالي لم تعطينا انسجام تام واستقرار تحسه الإذن دون نشاز او ازعاج.

ثانيا : نوع الإيقاع : هو ثلاثي من فصيلة ميزان3/4 الإيقاعات الراقصة (فالص) إلا إن هذا الإيقاع جاء بميزان مضاعف 6\8 الموازين المركبة وتكون فيه السرعة أكثر جريان وغالبا ما تكون علاماته الموسيقية في المازورة من نوع كروش (      )  التي تشكل سرعة في الضغط الإيقاعي للمازورة الواحدة كما انه من الإيقاعات الغربية التي تمتاز بالسرعة والجريان والتدفق الذي يعبر عن سرعة الإيقاع الموسيقي الذي يرافق اي عمل فني وبالتالي يحتاج هذا النوع من الإيقاع يحتاج الى توظيف دقيق ومبرر من خلال السرعة التي يقودها الإيقاع مما يحتم على المخرج المسرحي الاستسلام لإيقاع القطعة الموسيقية وبالتالي يفقد العرض المسرحي خصائصه البنائية والتكوينية كون المسرح هو المحرك والمحور لتقنيات العرض الأخرى التي تتجمع وتنصهر تحت مسمى فكرة العرض ورؤيته الفلسفية والفكرية وهنا يكون العرض تابع للموسيقى كونها موسيقى عالمية تحمل خصائص ومميزات تعبر عن طبيعتها كموسيقى صرف لها أسلوبها وطريقتها وخطابها الفكري والفلسفي الذي ينطوي تحت مسمى الموسيقى الصرفة او موسيقى الالآت دون الحاجة الى فن آخر  يعبر عن حالتها وهذه من إشكاليات توظيف الموسيقى في المسرح، لان في المسرح يجب على كل التقنيات والعناصر ان تتبع الرؤية الإخراجية والفكرية للعرض فالموسيقى هي عنصر مكمل للعرض المسرحي وتابعة له لا إن يكون العرض تابع الى الموسيقى وبالتالي ان يكون توظيف الموسيقى نابع من موضوع وفكرة العرض المسرحي ليسهم في تعزيز أداء الممثلين ومكملاً لعناصر وتقنيات العرض الأخرى، ولان انسجام الإيقاع مع طبيعة العرض المسرحي يخلق بعدا جماليا معياره الميزان الإيقاعي الذي يقوده الإيقاع حسيا وحركيا ولأجل توظيف مناسب للموسيقى من خلال ميزانها ونغماتها مع الأداء الحركي التعبيري يجب مراعاة تدفق الإيقاع والإحساس بنبضاته الثقيلة (دم) ومراعاة الضغط الخفيف (تك) وحساب وقته والتعرف بالمسافات التي تفصل بين (الدم والتك) .
وفي مشهد الرقص الدرامي للثنائي(هبة الله وحسام باسم) كانوا قد تقيدوا بتعليمات المخرج مما سبب ذلك عدم تركيزهم وإحساسهم بقيمة المقطوعة الموسيقية كونها جاءت بإيقاع غربي (عالمي) لم يعتادوا على سماعه او التدريب عليه إلا من خلال تدريبات العرض المسرحي على عكس الإيقاعات الشرقية التي تشبعت مخيلتهم بها وبالتالي ضعف الانسجام بين الموسيقى والمشهد الحركي لان انسجام طبيعة العرض المسرحي (حركيا) مع الإيقاع الموسيقي المتمثل بـ(الوزن والضغط ونوع الإيقاع) يخلق بعدا جماليا في تكوين الخطاب الجمالي والفلسفي للعرض ككل إذا ما تحقق التوافق والانسجام في عناصر البناء الموسيقي الذي يخدم فكرة العرض المسرحي بيئيا وتاريخيا وفلسفيا وكذلك الدرجة الصوتية للمقام الذي يرتكز عليها جاءت بعيدة عن فهم المتلقي الشرقي الذي لا يدرك بعض الارتكازات للموسيقى العالمية وهذا بسبب ان الموسيقى العالمية كانت قد عدت بمفهوم ربما بعيد عن مفهوم العرض المسرحي الذي ترافقه وكذلك تحمل أفكار ومعايير لا تمت للعرض بأي صلة لا من حيث البناء الفكري ولا حتى البناء التاريخي الذي نشأت فيه لأنها جاء على اعتبارات موسيقية مدروسة ضمن سياق علمي له قواعده وبناءه وبالتالي أحدثت إشكالية في انسجامها مع مسوغات العرض المسرحي .
 

الفصل الرابع

نتائج واستنتاجات البحث ومناقشتها

  1. توظيف الموسيقى العالمية في المسرح العراقي جاء في الأغلب على اعتبارات غير مدروسة من حيث القيمة الموسيقية للأجناس والمسارات اللحنية, لان الموسيقى لم تكن على علاقة بروح العرض وطبيعته الفكرية.
  2. الإيقاعات الغربية في الموسيقى العالمية قد شكلت إشكالية نسبية في ضبط الحركات الراقصة التي رافقت المشاهد الدرامية وعدم انسجامها مع الضغط الإيقاعي لانها إيقاعات لم تنتمي للبيئة الشرقية وبالتالي شكلت عائقا فنيا وجماليا للعرض. وهذا ما يفسر بان الإيقاعات الغربية لم يستوعبها المتلقي العربي الشرقي وبالتالي كان على المخرج ان يشير على منفذ الموسيقى بان يتم اختيار موسيقى من روح البيئة تسهم في ربط المشاهد من منظور بيئي, كما ان الممثل العراقي لم يعتاد على موسيقى عالمية ولم يتكيف معها مما شكلت عدم القدرة في مرونة جسده مع إيقاعات الموسيقى العالمية.
  3. المساران اللحنية الميلودية الأساسية جاءت على اعتبارات عشوائية لأنها لم تكن ضمن الحسابات الدرامية بل كانت وفق اعتبارات تجريدية لانها لا تخدم الفكرة الدرامية ولم تستطيع ان تصور الحدث الدرامي, ان سبب عدم انتظام المسارات اللحنية كونها قد قطعت بشكل مونتاج ولم يراعي المصمم الموسيقي نغمة الابتداء والانتها ولم توضح شخصية المقام الموسيقي ولا المسرات اللحنية وهذا ما يعد إشكالية فنية في التوظيف.
  4. اغلب المقطوعات الموسيقية المختارة للعرض المسرحي وظفت بالشكل الخاطئ لانها جاءت على شكل مقاطع متنوعة من حيث الألحان والأنغام والإيقاعات, بحيث لا يستوعبها المتلقي ولم يتمكن من الاندماج معها بسبب اختلاف نغمة الابتداء والانتهاء والاستقرار.

 
قائمة المصادر

  1. ابن منظور : لسان العرب ، والمحيط . إعداد : يوسف خياط ونديم مرعشلي. المنجد الثاني، دار لسان العرب ،. بيروت: دار الكتاب اللبناني, ب ت.
  2. ثيودروم فيني، تاريخ الموسيقى العالمية، ترجمة: سمحة الخولي ومحمد جمال عبد الرحيم، .القاهرة:دار المعرفة ، مطابع الأهرام التجارية،1970.
  3. جميل صليبا ، المعجم الفلسفي ، ج2.بيروت: دار الكتاب اللبناني  ، 1982.
  4. جوزيل بروليه,جماليات الابداع الموسيقي,ترجمة :فؤاد كامل.بغداد:دار الشؤون الثقافية العامة ,ب ت.
  5. جوليوس بورتنوي ، الفيلسوف وفن الموسيقى ، ترجمة : عبد الرحيم الجلبي .بغداد: سلسلة المأمون مطابع الحرية، 1990.
  6. رضا غالب. الممثل والدور المسرحي.القاهرة: اكاديمية الفنون ،2006
  7. صوفيا اليسا.جماليات موسيقى الافلام.ترجمة :غازي منافيخي.دمشق: وزارة الثقافة ,1997.
  8. عبد الغفور النعمة , عندما تتكلم الموسيقى الوصفية.دمشق: منشورات تموز,2011
  9. عبد المعطي الخفاف .فن الاوبرا وقصصه. ط1 .بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة,2010.
  10. فوزي كريم ، الموسيقى والرسم ،ط1، .عمان :دار نون للنشر،2015.
  11. كولتائي توماش، قضية الاوبرا بين التقليدية والتجديدية، ج 1.القاهرة: مطابع المجلس الأعلى للآثار،ب ت.
  12. لويس معلوف . المُنجد في اللغة والأدب. المطبعة الكاثوليكية . بيروت: دار الكتاب اللبناني ، 1908.
  13. ليسلى اورى ” الاوبرا في القرن العشرين ” ترجمة : عزة مدين، مجلة الفن المعاصر . القاهرة ، العدد 1، 2000.
  14. محمد عايد الجابري ، نحن والتراث ، .بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر ، 1985[1]- أديث كيرزويل ، عصر البنوية من ليفي شتراوس إلى فوكو ، ترجمة: جابر عصفور .بغداد : دار آفاق عربية ، 1985.
  15. نوال بنيراهيم، جماليات الافتراض من اجل نظرية جديدة للابداع المسرحي.الرباط:منشورات دار الامان,2009.
  16. نادية عبد العزيز .دراسات حديثة عن الاوبرا.مجلة عالم الفكر .الكويت,1979
  17. جوليوس بورتنوي, الفيلسوف وفن الموسيقى،ترجمة : فؤاد زكريا، .القاهرة :الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1974

الملاحق
 
قائمة الخبراء
 
الاسم الخبير                              الاختصاص

  1. ا.د ناصر هاشم بدن تقنيات موسيقية
  2. ا.د احمد ابراهيم محمد تربية موسيقية
  3. ا.د محمد كريم الساعدي إخراج مسرحي
  4. ا.م.د حازم عبد المجيد إخراج مسرحي
  5. ا.م.د عدنان خلف ساهي دراما موسيقية

الهواميش:
[1])) صوفيا اليسا,جماليات موسيقى الافلام,ترجمة :غازي منافيخي(دمشق: وزارة الثقافة ,1997)ص63
[2])) جوزيل بروليه,جماليات الابداع الموسيقي,ترجمة :فؤاد كامل(لغداد:دار الشؤون الثقافية العامة ,ب ت)ص20
[3])) ينظر: عبد المعطي الخفاف ,فن الاوبرا وقصصه, ط1, (بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة,2010)ص11
 ([4])لويس معلوف ، المُنجد في اللغة والأدب، المطبعة الكاثوليكية ( بيروت: دار الكتاب اللبناني ، 1908) ص 409 – 410 .
 ([5])ابن منظور : لسان العرب ، والمحيط ، إعداد : يوسف خياط ونديم مرعشلي، المنجد الثاني، دار لسان العرب ،( بيروت: دار الكتاب اللبناني, ب ت) ص 348 .
 ([6])جميل صليبا ،  المعجم الفلسفي ، ج2(بيروت: دار الكتاب اللبناني  ، 1982) ، ص 378 .
([7])محمد عايد الجابري ، نحن والتراث ، (بيروت: دار التنوير للطباعة والنشر ، 1985 )، ص 27 .
([8]) أديث كيرزويل ، عصر البنوية من ليفي شتراوس إلى فوكو ، ترجمة: جابر عصفور (بغداد : دار آفاق عربية  ، 1985) ، ص 284 .
[9])) نوال بنيراهيم، جماليات الافتراض من اجل نظرية جديدة للابداع المسرحي.الرباط:منشورات دار الامان,2009، ص146
([10])جوليوس بورتنوي ، الفيلسوف وفن الموسيقى ، ترجمة : عبد الرحيم الجلبي (بغداد: سلسلة المأمون  مطابع الحرية، 1990) ص46.
[11])) ماري الياس وحنان قصاب،المعجم المسرحي، مصدر سابق، ص490
[12])) ينظر: ماري الياس وحنان قصاب، مصدر سابق، ص492
[13])) رضا غالب، الممثل والدور المسرحي،(القاهرة: اكاديمية الفنون ،2006)ص198
[14]))ينظر: عثمان عبد المعطي،عناصر الرؤيا عند المخرج المسرحي، مصدر سابق،ص192
[15])) ينظر هوجو لايختنتريت، المصدر السابق. ص263-264
 ([16])ينظر:عبد الغفور النعمة، عندما تتكلم الموسيقى الوصفية،(دمشق: منشورات تموز,2011)،ص54ص55
*  أنظر ملحق رقم (1،2) ، أسماء لجنة خبراء تحديد صلاحية المعيار التحليلي مع استمارة فقرات المعيار التحليلي .
**   معادلة كوبر للتعرف على نسبة الإتفاق بين الخبراء :
عدد مرات الإتفاق
معادلة نسبة الإتفاق = ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ × 100
عدد مرات الإتفاق + عدد مرات عدم الإتفاق
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت