بعد زوبعة الدعم الاستثنائي للفنانين.. وزارة الفردوس بين كماشة الفايسبوك و طاحونة اليوتوب/ إسماعيل بوقاسم
اكتسح إعلان نتائج دعم وزارة الثقافة للفنانين، مسافات واسعة على ظهر سَفينَة الإنترنيتْ، وأشْعَلَ زيتهُ صفحاتهَا ومجموعاتها اشْتِعَالاً كاسحا، وَسَرَى في شراينها بِسُرْعَةِ الضَّوْءِ، ويُمكن القول إنه تجاوز سرعة الصوت في الإنتشار عبر المواقع الإلكترونية، وتسلل من خلال نوافذها إلى الفضاءات والساحات العمومية، وامتد صداه إلى علم شريحة كبيرة من المغاربة عبر العالم.. وبالرغم أن الزوبعة التي أثيرت حول نتائج هذا الدعم، حركتها دوافع شعبوية ومزايدات اعتقَدَ مُروجوها أنها تنتصر لطرف على آخر، في حين أنها تكرس صورة سيئة عن الجميع، وتعمق أزمة الثقة بين المجتمع وفنانيه وصُنَّاع فُرجاته. علما أن المقاصد الكبرى لفلسفة الدعم هي من أجل دور مجتمعي لابد أن تقوم به الثقافة والفنون من خلال تقديم خدمة عمومية للجمهور المغربي.. للأسف، تم النزول بحدث جدي غاية في الأهمية وفي ظرف حساس جدا إلى منزلة التحريف والتضليل والافتراء…
الدعم الذي نحن بصدده، تقدمه وزارة الثقافة للمسرحيين منذ عام 1998 وللموسيقيين والمطربين منذ عام 2008، هو دعم عمومي يؤطره دفتر تحملات وفق قرار مشترك بين وزارتي الثقافة والمالية، وتحكمه طلبات عروض كسائر الصفقات العمومية التي تعجُّ بها البلاد.. لا علاقة لهذا الدعم بصندوق “كورونا” لا من بعيد أو قريب، كما أنه ليس كما اعتقد البعض “صدقة توزع على فقراء الفنانين”.
بلاغ وزارة الثقافة ولأول مرة في تاريخ بلاغاتها، ولغرض في نفس (يعقوب) غابت أسماء أعضاء اللجن ورؤسائها ومُقرريها.. كما غابت عن الدعم صفة “الاستثنائي” التي كانت سببا مركزيا في الخلط الذي حال دون قراءة نتائجه قراءة سليمة، سواء بالنسبة للمستفيدين وغير المستفيدين، أو بالنسبة للفاعلين في القطاع، وكذلك بالنسبة لسكان الفايسبوك وانستغرام وتويتر وتطبيق التراسل الفوري “واتساب” وعامة الناس…
عبارة “استثنائي” فسَّرها سكان مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة “الفايسبوك” على أنه دعم من “صندوق كورونا” فتوزعوا بين دروب وقبائل الفايس وشوارع الإنترنيت، داخل عالمهم الافتراضي ينددون، يتوعدون، يفترضون، يلعنون ويطلقون ذخيرة رشاشاتهم في الهواء… و… و…
عبارة “استثنائي”، ذهبت باعتقاد الفنانين غير المستفيدين أنه على الوزارة أن تدعم جميع العروض المرفوعة على موائد لجانها بدون استثناء…
العبارة نفسها (استثنائي)، فسرتها بعض الفرق المسرحية التي قدمت عروض مشاريعها للمنافسة، بأن الوزارة ستعمد بحكم “استثنائية الدعم” إلى مُضاعفة عدد العروض المسرحية التي دأبت على إعلانها في النتائج السابقة، وراودها حلم تقديم 10 عروض بدل 4 أو 5 المُعلنة. ما يعني أن مُهندسي فكرة إلصاق عبارة “استثنائي” بالدعم، تسببوا في خلق أجواء مشحونة على مجموعة من المستويات، ما تزال تداعياتها تلوح بتصعيدات في الأفق، قد تجعل كثيرا من المسؤولين يتحسسون رؤوسهم ويحسبون أصابعهم..
أكيد أن رياحا في كَواليسِ الوزارةِ، تَجْريِ بِما لا تَشْتَهييهِ سَفينَةُ الوزير، وهي الرياح نفسها التي تأبطت تحت جلبابها الوزير “لحسن عبيابة” ودفعت به إلى خارج الصف، واستمرت تسري كالسم داخل أحياء وزارة الثقافة، تلبس الحق بالباطل بواسطة بعض الألسنة المسْلولة التي تؤثث مُحيط الوزير”عُثمان”، تفتعل الضجيج وتُحَوطه بإطارات تمثيلية خاوية على عروشها، وتُشهر في المقابل “سيوف مُعاوية” في وجه الفاعلين الحقيقيين في القطاع، وتصُدهم عن المشاورات في جميع محطات النقاش التي تهم القطاع.
أبرز عناوين هذه الحملة الشعبوية التي تدور رحاها داخل العالم الافتراضي وحسابات الفايسبوك وفيديوهات اليوتوب، تستهذف تحقير وتبخيس دور الفنانين المغاربة داخل مجتمعهم، عبر افتعال الضجيج وصبّ زيت البلبلة بين سكان الفضاء الأزرق، وزرع فتيل الفتنة بين أفواج الفنانين أنفسهم، وتأليب الرأي العام ضد الدعم العمومي الذي تقدمه الدولة للفنانين مقابل الخدمات العمومية التي يستفيد منها الشعب المغربي بجميع فئاته.
درءًا لانتشار دخان الإشاعة التي يُراد بها تبخيس دور الفنان داخل مجتمعه، يجدر التذكير بأن الفنان المغربي لَعِبَ أَدْواراً مُهمة في مُواجهة جَائِحة “كورونا” بالممْلكة، شَأْنُهُ في ذلك شأْنَ الطبِيب ورجل الأمْنِ والعسكري ورجل السلطة ورجل الوقايةِ المَدنية… و… و… حَيْثُ عاش معهُ جميع المغاربة على امتداد مَسافَةِ الحَجْرِ الصِّحي بمَنازِلهم، أوْقاتا مُمْتِعَةَ وأُخْرى تَشُّدُ الأَنْفَاسِ منْ خِلالِ تَتَبُّعِهَم لِـ(الأفْلام والسِّلْسِلات والسَّهَرات الفَنية والفُرْجَاتِ المَسرحية، والمُسلسلات والسِّيتْكُومات والوَصَلاتِ التَّحْسيسيَّةِ المُذاعة والمُتلفزة، والبَرامِج الفنية واللقاءت الفنية والمسرحية، عبْرَ قنواتِ وصفحاتِ ومَواقِعِ التواصل الإجتماعي) وهُو الدوْر الذي كانتْ لهُ أهَميةٌ قُصْوى في تَحْويط مساحات مَلَلِ الالتزامِ بِقَواعدِ الحَجْر الصِّحي لَدَى فِئات واسعة مِن الشعْب المغربي.
حجز الزاوية بالنسبة للدعم العمومي موضوع هذه الزوبعة، هو عدم التزام لجنة الدعم بالترجمة الفعلية لمضامين دفتر التحملات الذي يؤطر دعم المشاريع الفنية والثقافية، وتسلل أصابع بعض المسؤولين بالوزارة لتمرير مشاريع لا تتوفر فيها شروط المنافسة.. وهو الأمر الذي يفرض على وزير الثقافة والشباب والرياضة، التعجيل بإبطال مفعول سياسة مُحيطه في التعامل بأذن من طين وأخرى من عجين، مع الفاعلين الحقيقيين في المجال، ودعوة جميع المتدخلين في القطاع لأجل تجويد خدمات وطرق تقديم هذا الدعم العمومي.