الخوف والضياع في مسرحية ( سنجار f.m)/ د.طالب هاشم بدن
رؤية نقدية في ما كتبه المؤلف عمار نعمة جابر
إستوحى الكاتب المبدع ( عمار نعمه جابر ) – الناصري الولادة – إسم مسرحيته ( سنجار ) من تسمية جبل سنجار الواقع شمال العراق. وهي إنتقالة واضحة ومتميزة في مجموعته التي أطلق عليها (إنتباه ) إذ إن المتتبع لمسرحياته يجد إنه مقل في عدد الشخصيات وقد صب جل إهتمامه على الفكرة التي حاول من خلالها تجسيد أهداف مسرحيته بأقل عدد ممكن من الشخصيات. فمسرحية سنجار ما هي إلا بلورة وباكورة إنطلاقة لمكان عصفت به أوجاع الزمن المر في وقت كان قد نعم بالاستقرار والطمأنينة منذ سنين إلا إن يد الشر طالته وأخذت منه مأخذاً .
تقع حوادث قصة المسرحية بعد إحتلال (داعش) للموصل وسيطرتهم على قضاء سنجار وما تبعها من حوادث جمة كادت أن تأكل الاخضر واليابس في دراما مشهدية متصاعدة الاحداث. إذ إختار كاتبنا شخصية طفل في تجسيده الصورة الفنية الدرامية لمجمل الاحداث وأطلق على هذا الطفل تسمية (كنو) الذي رسم من خلاله خريطة طريق تنامي الصراع، بعد أن يهيم في طرق جبلية وعرة متخفياً هارباً من سطوة عدولا تعرف هويته وانتماؤه وصولا إلى قمة جبل سنجار ومن خلال تلك الرحلة يصور الكاتب مراحل الخوف والهلع والضياع التي عاشتها الطائفة الآيزيدية التي تقطن هناك آنذاك على وجه الخصوص من جماعات بربرية قدمت من خلف الحدود لتمارس أبشع صور الجريمة والفساد والقتل فارضة قوتها على الضعفاء، إذ يتجلى في هذا الصراع غير المتكافئ عنصر الشر المتمثل بداعش والضعف الآيزيدي الذي لا يقوى على المواجهة والذي يجد مصيره مشرداً مغتصباً في مشهد رهيب يصاحبه سيل من أصوات الرصاص ممزوجاً بصراخ وعويل من كل جانب، ويبدو إن الكاتب تعمق في البحث عن حقائق ومشاهد لتلك الحوادث المتداخلة وكأنما شاركهم تلك الفواجع عن قرب بوصفه يمتلك خيالاً خصباً ورؤية درامية أطلقت له العنان في تصوير ما دار من حوادث حتى صار عارفاً بصياغة مادته الابداعية على وفق تسلسل حداثوي فيه من الاثارة والتشويق ما يجعل المتلقي يعيش في بحبوحة الصراع ويندمج وينشد إلى ما يقع من ظلم وحيف على الانسانية متجرداً من كل مذهب وعرق وكأنه جزء من الاحداث، إذ إن مشاهد العنف بدت واضحة ونتلمسها من خلال النص المكتوب بلغة سلسة خالية من التعقيد في وصف الفعل الدرامي ولم يخرج المؤلف عن حلقة الصراع الذي جاء مبكراً منذ إنطلاق أول حدث في المسرحية كاشفاً عن ثنايا ما يريد قوله في بناء عشوائي متصاعد يكاد يفصح عن تعقيد التركيب المشهدي بشكل مضطرب تمثل في دخول الملثمون وهروب الالاف من الناس وقتل بعضهم بوحشية مقيتة ، وفي صورة تركيبة تميز الكاتب في تداخل القتل مع أصوات الصلوات في إشارة إلى الزيف والخداع الذي حملته صفة الارهاب وهم يستبيحون الدم باسم الله وينادون باسم الله ويتضرعون باسم الله ، وهي مفارقة حدثت وتحدث تحت ذرائع واهية لا تمت للدين الاسلامي بصلة ؛ بقصد إيهام المتلقي بالعدالة الزائفة التي إنكشفت أقنعتها وبان معدنها الحقيقي في استخدام المراوغة باسم الدين الاسلامي تحديداً على الرغم من إن الدين جاء بتعاليم واضحة في تحريم قتل النفس إلا بالحق ، غير إن القاتل ينشد باسم الله عند القتل وعند التوجه إلى الله وهي إزدواجية وتضارب في النفس البشرية المريضة . ومن الملاحظ إن الكاتب صاغ مسرحيته على وفق كتابة مسرحية المونودراما في إعتماده شخصية ( كنو) الطفل التي تقوم برواية ما دارمن حوادث محاولة خلق حوار إفتراضي مع شخصيات مثل ( طاووس ، الراديو ، الكتاب المقدس ، الحقيبة ). بطريقة دراماتيكية عبر توظيف أدواته الابداعية في اختيار الاوقات المناسبة وزمكانية الحدث في التعبير عن خلجات نفسه المعذبة، خالقاً علاقة مع تلك الاشياء التي يريد إيصال فكرته من خلالها .
إن الرسالة التي أرد الكاتب إيصالها تتجلى في الموت ،على صيغة سؤال : لماذ كل هذا الموت ؟ .. من المستفيد من كل هذا الموت وإلى متى تقدم القرابين ؟… وإلى متى تسقط وتتساقط أرواح لا ذنب لها سوى العيش بسلام … إذ إن مثل هكذا تساؤل نراه قد كثر في النص المسرحي على لسان ( كنو ) الطفل المعذب وهو يخاطب الام الغائبة ، وبعض من الاقتباسات التي تعزز قوة النص المسرحي التي إقتبسها الكاتب من الكتاب المقدس وقد أشار إليه في مقدمة مسرحيته . إضافة إلى شخصية طاووس التي شكلت الاله المنقذ والذي لا دور له في نفس الوقت ، وهي مفارقة أخرى أرد الكاتب أن يضفيها على حوادث النص المسرحي ، ويمارس الكاتب أسلوب الاسترجاع عن الماضي عبر توظيف قصة نبي ألله نوح وارتطام سفينته بجبل سنجار وتوسل الاطفال الابرياء بتركهم أحياء ، وهنا يمارس ( كنو) نفس الدور ويطلب من سنجار انقاذه وأهله من هلاك محتوم يمر به وخوف أخذ من نفسه مأخذاً وهي معالجة درامية دأب الكاتب على تناولها في ربط الحوادث وإبراز صور متعددة من الصراع . إذ في أحيان كثيرة يلجأ كاتبنا المبدع إلى وضع مفارقة تتفاعل من خلالها حوادث المسرحية كاشفاً حقائق تكاد تكون غير منطقية تجلت في ( القاتل والمقتول في الجنة ) إذ كيف تكون وسائل الاقناع وما هو الهدف المنشود منها وهل هناك استيعاب للعقل البشري لما يطرح ويجري على أرض الواقع من تناقضات وكيف اقتنع القاتل بأنه على حق والمقتول لا حول له ولا قوة وهل يلتقي الظالم والمظلوم في نفس المنزلة والمكان عند الله ؟.. إذن أثارت مسرحية (سنجارFM ) عدة تساؤلات وقضايا أراد من خلالها الكاتب خلق بؤرة من الصراع الذي وضع المتلقي في بحث عن حلول ، ولم يغفل المؤلف عن الصلوات المتكررة التي ينشدها الملثمون الدواعش عند قتل الابرياء كقربان سار على تقديمه للالهة الذين حللوا وجوده وعبادته إذ لا يمكن أن يجتمع ألله مع القتل .
وعلى الرغم من محاولة الكاتب إنهاء مسرحيته بشيء من اللامعقول عبر ارسال طائرة هليكوبتر لتلقي على ( كنو ) صندوق يحتوي خارطة وبوصلة وجواز سفر في إشارة إلى الهجرة ، إلا إنه يرى التمسك بأرضه وأهله لينتهي به المطاف إما مقتولاً أو مع أمه التي بقي مصيرها مجهولاً حتى نهاية المسرحية وهي التمسك في جذور بلده وناسه وأرض أجداده .
*الرابط ادناه لمسرحية ( سنجار FM ) للقراءة والاطلاع :
https://ammarnemajaber.com/%d9%85%d8%b3%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d8%b3%d9%86%d8%ac%d8%a7%d8%b1-fm/
د.طالب هاشم بدن