مسرحية ” الا انت – القدس”…مطر المقاومة… خصوبة الأرض/ متابعة: رسمي محاسنة
” الا انت – القدس”..اول مايلفت النظر بهذا العمل المسرحي هو “التوقيت”،في زمن تم اختراق الخاصرة العربية من اهلها، زمن اصوات النشاز الخارجة على تاريخها، الاصوت التي ارتمت في حضن “الصهيوني”، تتزلف اليه “برشوة” التشكيك بالوجود والحق الفلسطيني، وبشرعية المقاومة.
الى جانب التوقيت، هناك المكان، حيث”عمان” على مرمى القلب من” القدس”، وان ال ” لا” الرافضة للاحتلال ماتزال “عقيدة”، وتذهب المسرحية الى فكرة عبقرية، وهي توالد الاجيال، تحمل شكل الرفض المتوهج بالايمان والارادة الى ان يحين يوم التحرير.
المخرجة”د.مجد القصص” تمزج مابين النص” سميحة خريس”، وما بين الشعر” تميم البرغوثي”، حيث التجريب على النص وعلى مفردات العرض، للخروج بمشهدية بصرية، تحكي بوضوح، يتماهى مع وضوح القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية الاكثر وضوحا في العالم، بلوحات اشتغلت بها على الجسد، في ايقاعات فردية وثنائية وجماعية.
تفتح المسرحية على المدينة المقدسة بناسها، وتنوعهم، وحالة السلام التي بينهم،ولانهم ابناء الحياة، تاتي هذه الاحتفالية بالزواج، التي هي واحدة من ادوات المقاومة، رغم الريح السوداء التي تلوث اجواء المدينة، وتعكر صفو اهلها ، بسطوة الاحتلال، لكن مواسم اهل القدس لها مذاقها المعطر بطعم المدن الفلسطينية المحتلة.
هذه عبقرية”القدس” المدينة الجامعة للفرح والحياة والمقاومة، وكما ان شبابها جاهزون للاحتفال باعراسهم، فهم جاهزون ايضا للتصدي للمحتل البغيض، الذي يدخل ليعبث بفرح المدينة،وبعد المقاومة العنيدة يقع العريس بقبضة جنود الاحتلال،ويتم اسره وايداعه السجن.
المدينة و”كما هي فلسطين”، لن تتوقف بها الحياة والمقاومة، فقد مر كثيرون من هنا، وفي لحظات غفلة من التاريخ، كان هنا محتلون، لكن المكان يرفض كل الغزاة، وعلى مدار التاريخ فالمدينة المقدسة “مهوى الأفئدة..ومصنع الرجال”، رجولة بمعناها المطلق التي ليست هي حكرا على الذكور.
“العروس” “اريج دبابنة”،التي تم اسر زوجها ” منذر خليل مصطفى” ليلة زفافها، لم تنزوي، وتتقاعد من الحياة، انما كانت تفكر بنمو “برعم” جديد في شجرة المقاومة، فكانت فكرة تهريب “النطفة” من زوجها الأسير، ولان المسالة ليست قضية خاصة، فان جميع من في المدينة، يعمل على حماية “النطفة” و الاحتفال بنجاحها، لتكون بداية متجددة لبذرة تحمل جينات المقاومة، والسطر الاول في إعادة صياغة التاريخ ،هذا الاحتفال الذي انتهت به المسرحية على ايقاعات تراثية.
انتقت المخرجة “د.مجد القصص” مقاطع من قصيدة” البرغوثي”، لتحولها الى معادل بصري، احيانا ، وغنائي احيانا اخرى بما يخدم الفكرة والشكل للعرض، وكذلك استخدام الجسد” رقص معاصر”، للتعبير عن الحالة العامة، باجوائها النفسية، والارهاصات التي تظغط على المدينة، والارادة الجمعية بالتحرر، واندغام الخاص بالعام الوطني، في تشكيلات ثرية، حيث قدم الفريق اداءا متناغما ومنظبطا، الى جانب الغناء الحي.
كما وظفت المخرجة، مفردات الديكور لاكثر من غرض، سواء تلك المكعبات “المثمنه”، او قطع الديكور في عمق المسرح، بتوظيفها كزنزانة للاسير، او سجن “الاحتلال” للزوجة،ومشهد النهاية كعلامة نصر.واضاءة حاضرة في العرض، يبرز منها تلك الخطوط الضوئية التي ترمز الى محاولات الصهاينة لحفر السراديب تحت المسجد الاقصى.
اما الملابس، فقد راعت سهولة التغيير والتبديل، حيث اللون الاسود رمزا للاحتلال، دون التركيز على الدلالات الصهيونية، كما في مشهد اليهود أمام حائط البراق، لتاكيد دلالة التناقض بينهم وبين المكان الرافض لهم.
موسيقى العرض، لم تكن بذلك التاثير، ولعل المشهد الاخير على ايقاع الفلكلور الفلسطيني، لاحظنا كيف كان لهذه الموسيقى التراثية اثرا على الممثلين، وشحن ادائهم، لاحساسهم بالثيمة الموسيقية. كما ان هناك ملاحظة حول توزيع الحوارات، حيث ان ترديد او استكمال الحوار من قبل فرد من المجموعة مع الاسير” منذر”،لم تكن منسجمة او مستكملة لاحساس الاسير.
اما اداء الممثلين، فهي تجربة مميزة بالاداء للفنان” منذر خليل مصطفي”، وكذلك الاداء الواعي للفنانة “اريج دبابنة” التي تثبت انها ممثلة تمتلك ادواتها بحرفية.وكذلك بقية فريق العمل، حيث الجميع كان يعمل بحب.
المسرحية تاليف الروائية”سميحة خريس”،واخراج “د.مجد القصص”، وتمثيل “اريج دبابنة، ومنذر خليل مصطفى،ونبيل سمور،واني قرليان،وونادين خوري،وعدي طلال،وعكا حمدان،وابراهيم عشا، ومحمد قطان.