المسرح المدرسي.. مساحة للإبداع ومصنع للمواهب وتفجير الطاقات/ بقلم: عماد ‬أوحقي

عرفت ‬السنوات ‬القليلة الماضية ضعفا في ‬الأنشطة ‬الموازية ‬داخل ‬المدرسة ‬المغربية. ‬وبعد ‬أن ‬كانت ‬مهدا ‬لتفريخ ‬المواهب ‬الصاعدة ‬ومتنفسا ‬للناشئة، ‬وركيزة ‬مهمة ‬للتكوين ‬المدرسي، ‬باتت ‬غائبة ‬عن ‬عدد ‬من ‬المدراس، ‬ما ‬يفرض ‬التساؤل ‬عن ‬الأسباب ‬الكامنة ‬وراء ‬هذه ‬الظاهرة، ‬وحول ‬إذا ‬ما ‬كان ‬الأمر ‬يعود إلى ‬عزوف ‬التلاميذ ‬عن ‬الاستفادة ‬من ‬هذا ‬التكوين ‬أم ‬أن ‬هناك ‬دواع‬ أخرى ‬أكثر ‬حسما.‬
– أهمية ‬المسرح ‬المدرسي ‬وبدء ‬انطلاقته ‬في ‬المغرب:
اعتمد ‬المغرب ‬منذ ‬فجر ‬الاستقلال ‬سياسة ‬تعليمية ‬وتربوية ‬هادفة ‬تجمع ‬بين ‬ما ‬هو ‬تكويني ‬وترفيهي ‬من ‬أجل ‬خلق ‬أجواء ‬تربوية ‬وتعليمية ‬متكاملة ‬داخل ‬المدرسة، ‬وذلك ‬عبر ‬إدراج ‬الأنشطة ‬الموازية ‬من ‬رسم ‬ورقص ‬وموسيقى ‬وغيرها ‬في ‬صلب ‬التكوين ‬الأساسي.‬
وفي ‬سياق ‬هذا ‬التوجه، ‬تم ‬خلق ‬المسرح ‬المدرسي ‬لتلقين ‬أبجديات ‬أبي ‬الفنون ‬وتحفيز ‬طاقات ‬ومواهب ‬الجيل ‬الصاعد، ‬كجزء ‬مهم ‬في ‬الفعل ‬التعليمي ‬داخل ‬المدرسة، ‬ولأثره ‬الإيجابي ‬في ‬بناء ‬القدرة ‬على ‬الإبداع ‬والانفتاح ‬على ‬ثقافات ‬أخرى ‬وسبر ‬أغوار ‬عالم ‬النصوص ‬المكتوبة ‬قبل ‬أن ‬تتحول ‬إلى ‬أداء ‬بحركات ‬وحوارات ‬تنتشل ‬هذه ‬النصوص ‬من ‬صمتها.‬
وإذا ‬كان ‬العديد ‬من ‬الباحثين ‬والنقاد ‬والمهتمين ‬بمسرح ‬الطفل ‬يرون ‬أن ‬القرن ‬الثامن ‬عشر ‬هو ‬البداية ‬الحقيقية ‬لظهور ‬المسرح المدرسي، فإن هذا ‬النوع ‬المسرحي ‬لم ‬ينطلق ‬فعليا ‬ورسميا ‬بالمغرب ‬إلا ‬في ‬سنة ‬1987م، ‬عندما ت‬قرر في إطار ‬الإصلاح ‬التربوي ‬إدراج ‬مادة ‬المسرح ‬في ‬المنهاج ‬الدراسي ‬ضمن ‬وحدة ‬التربية ‬والتفتح ‬التكنولوجي ‬في ‬السنوات ‬الثلاث ‬الأولى ‬من ‬السلك ‬الأول ‬للتعليم ‬الابتدائي ‬في ‬الموسم ‬الدراسي ‬1987-1988م.‬
ولا ‬أحد ‬ينكر ‬أن ‬للمسرح ‬داخل ‬أسوار ‬المدرسة، ‬منذ ‬ظهوره ‬بالمغرب، وقعا إيجابيا في ‬نفوس الناشئة آنذاك، ‬مازال ‬‬أثره ‬باقيا ‬بما ‬يحمله ‬من ‬قيم. ‬فالمسرح، ‬علاوة ‬على ‬أنه ‬يسعى ‬إلى ‬تكوين ‬المواطن ‬الصالح ‬الذي ‬يخدم ‬مدينته ‬ووطنه ‬وأمته، ‬فهو ‬يرمي ‬إلى ‬تهذيب ‬أخلاق ‬المتمدرس ‬وتأطير ‬ميولاته ‬واتجاهاته ‬الوجدانية ‬وتصحيح ‬سلوكه ‬وتقويمه ‬تقويما ‬إيجابيا.‬
فالمسرح ‬المدرسي، ‬كما ‬يقول ‬الباحث ‬جميل ‬حمداوي، ‬فضاء ‬لاكتساب ‬الذوق ‬الفني ‬والجمالي ‬والترويح ‬عن ‬النفس ‬والابتعاد ‬عن ‬الخجل ‬والقلق ‬والخوف ‬والتحرر ‬من ‬العقد ‬والمكبوتات ‬النفسية ‬العدائية.‬
 
– “اعطني ‬‬مسرحا، أعطك ‬شعبا ‬عظيما” :
‬يرى ‬كثير ‬من ‬المتخصصين ‬أن ‬الإبداع ‬في ‬مجالات ‬الفن ‬باختلاف ‬أنواعها ‬له ‬أثر ‬كبير ‬على ‬سلوك ‬التلميذ ‬الذي ‬يعد ‬أساس ‬المجتمع. ‬فمقولة “‬اعطني ‬مسرحا، ‬أعطك ‬شعبا ‬عظيما”‬ ‬تختصر ‬أهمية ‬أبي ‬الفنون ‬داخل ‬المدرسة ‬وتأثيره ‬الكبير ‬على ‬المجتمع. ‬فالمرء ‬لا ‬يمكن ‬أن ‬يتطور ‬‬دون ‬فتح ‬أبواب ‬الخلق ‬والإبداع.‬
إن ‬المسرح ‬ليس ‬فقط ‬ترفيها، ‬بل ‬هو ‬بناء ‬لمهارات ‬التلميذ ‬التي ‬تستدعي ‬استثمارا ‬معرفيا، ‬خصوصا ‬في ‬بدايات ‬تفتقها، ‬فتهذيب ‬السلوك ‬الاجتماعي ‬لا ‬يتأتى ‬عن ‬طريق ‬التطبيق ‬الحرفي ‬لأفكار ‬أعدت ‬سلفا ‬بل ‬عن ‬طريق ‬إتاحة ‬فرصة ‬التفكير ‬وتطوير ‬ملكات ‬الفرد ‬وفتح ‬مسارات ‬التثقيف ‬والمثاقفة ‬عن ‬طريق ‬إبراز ‬أهمية ‬الفنون.‬
 
– عن ‬إكراهات ‬تعميم ‬المسرح ‬المدرسي:
ولعل ‬من ‬بين ‬بعض ‬الإكراهات ‬التي ‬تعيق ‬تعميم ‬المسرح ‬المدرسي ‬وتحول ‬دون ‬استمراره ‬في ‬أداء ‬أدواره ‬الطلائعية ‬في ‬التنشئة ‬الاجتماعية، ‬وفق ‬العديد ‬من ‬المتخصصين، ‬قلة، ‬وأحيانا غياب ‬الأطر ‬المتخصصة ‬في ‬التنشيط ‬التربوي ‬داخل ‬المؤسسات ‬التعليمية، ‬وقلة ‬التكوينات، ‬وضعف ‬الموارد ‬المالية ‬والبنية ‬التحتية ‬بالمؤسسات (‬عدم ‬توفر ‬مكان ‬للتدريب ‬والعروض)‬، ‬وعدم ‬تخصيص ‬حصص ‬دراسية ‬للتنشيط ‬التربوي، ‬فضلا ‬عن ‬عوامل ‬اجتماعية ‬مرتبطة ‬بنظرة ‬بعض ‬الأسر ‬المغربية ‬للمسرح ‬والفن ‬بصفة ‬عامة (‬خاصة ‬بالنسبة ‬للفتيات)‬، و‬غياب ‬تحفيزات ‬مادية ‬ومعنوية ‬للأساتذة/‬المنشطين.‬

عن: و م ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت