المخرج السينوغرافي…وتكامل العرض المسرحي/ الباحث : مجيد عبد الواحد النجار
عندما نتحدث عن السينوغرافيا، لا بد ان نتطرق الى عناصر العرض المسرحي، لأنها الكيان البصري والموضوعي لها، يكمل بعضهما البعض، فعناصر العرض المسرحي هي التي يشتغل عليهما مصمم السينوغرافيا، ويوظف ما اكتسبه من علم لصالح العرض المسرحي، وهذا يلزم مصمم السينوغرافيا ان يكون فنانا تشكيليا، ومعماريا، مثقفا ثقافة عامة بالمسرح وفنون العمارة والموسيقى والاضاءة والمناظر المسرحية؛ حتى يستطيع لم شملها على خشبة المسرح؛ من اجل بث رسائل العرض المسرحي، وذلك بتوظف جميع هذه العناصر. المسموعة والمرئية، مثل المنظر والعمارة، والاضاءة، والزي، والاصوات، والموسيقى، والمؤثراتمؤلفة كانت ، او مختارات من أصوات جاهزة او موسيقى عالمية([1]).
بمعنى اخر ان السينوغرافيا تعمل على تنظيم عناصر العرض المسرحي، بعد صهرها مع بعضها البعض واتحادها في بوتقة واحدة، لتشكل مشهدا منسجما هارمونيا، في ايقاعات متباينة ومتفاوتة في الطول والقصر في نسق واحد، تنتج عنها رسالة بصرية وسمعية تتجه الى المتفرج، واذا وجد عائق او خلل في عدم وضوح هذه الرسالة ، فهو يعود بالتالي الى خلل في مفردات الصورة واخلال في التوازن والانسجام([2]).
ان مهمة مخرج السينوغرافيا ليس بالمهمة السهلة – وهنا أقول مخرج لان ادواته التي يعمل بها ليس اقل من أدوات مخرج العرض فهو مسؤول عن فضاء العرض المسرحي بأكمله، وهو مسؤول عن اتحاد هذه العناصر وتقديمها بشكل جمالي لكي تخدم الممثل – بل عليه يقع الثقل الكبير في جمع هذه الصور وتحويلها الى لوحة تشكيلة معبرة، يتحرك بين طياتها جسد الممثل وروحه من اجل ان يمنح المتعة والفائدة للجمهور، وذلك عندما يضع كل شيء معبرا ويبتعد عن العشوائية في التصميم والبهرجة التي لا تتوفر فيها شروط العرض المسرحي الجمالي، يركز على مجموعة من الصور السيميائية، الناطقة بكل شيء، ولكن ليس بالعلن بل اشغال ذهن المتفرج فيها وإمتاعه.
ان فن المسرح (ليس هو التمثيل او المسرحية، الخط او اللون، المشهد او الرقص، بل هو يشمل كل العناصر التي تتألف منها هذه الأشياء: الفعل هو روح التمثيل، الكلمات هي جسم المسرحية، الخط واللون هما قلب المشهد، والايقاع هو جوهر الرقص)([3]).
ان جميع العلامات السيميائية يضعها المؤلف في نصه، كمبثوثات، او رسائل للمتلقي، وهي عملية تدوير للواقع الذي من خلاله انبثق النص المسرحي، ليأتي بعد ذلك المخرج المسرحي ليفكك جميع الشفرات والعلامات الذي وضعا المؤلف في نصه، لقراءة النص بعيدا عن قراءة المؤلف للواقع وإعادة كتابته وتحويله من نص ادبي الى نص عرض، بعدها يأتي مصمم السينوغرافيا – المخرج السينوغرافي – ليشفر نص العرض برؤية جديدة وعناصر جديدة مادية. تنفذ هذه الشفرات بواسطة عناصر العرض المسرحي، السمعية ، والبصرية ، علما ان جميع هذه العناصر لا تكفي لأرسال المبثوثات والعلامات بدون الممثل ، فالممثل هو الأداة التي تقوم بتوصيل أفكار النص ورؤية العرض الى المتفرج الذي صمم العرض كله من اجله ولأجله ، ولا يتم ذلك الا من خلال النظر ومشاهدة الممثل(الأداة التعبيرية) الذي يفعل طاقات بصورة ظاهرة وخافية تتحقق ضمن سياقات الظهور والحضور، لتشكيل الصورة وهيمنتها من خلاله مع عمل السينوغرافيا في منطقة القراءة البصرية، ويجري تلقيها والتفاعل معها على هذا الأساس، ومن خلال هذا تبرز عدة انطباعات مؤثرة في المتلقي([4]).
ان التأثير في المتلقي لا يأتي بالعمل العشوائي ،وغير المدروس ؛ من اجل إيصال مفاهيم وعلامات السينوغرافيا ، والتي عادة ما تكون مشفرة وذات معاني كبيرة، والتي تدفع المشاهد الى تأويل كل هذه العلامات ، اذن لابد ان يكون هناك دائما تصميم وفق ضرورات العرض الفلسفية والجمالية والتقنية ، وتنسجم مع قراءة الفنانين للواقع الذي يعيشون فيه ، حتى لا تكون الأشياء غريبة عليهم ، وتتعارض مع أفكارهم ومعالجاتهم لهذا الواقع ، عندما تكون السينوغرافيا بمستوى أفكار جميع العاملين في العرض المسرحي ، يكون التأمل في العرض ويكون الانسجام في عناصره ويكون جميلا في تقديمه .
وهذا يقودنا الى ان التكامل المسرحي الذي هو الأهم في نظر المخرج المسرحي وهو الذي يشغله من اللحظة الأولى لاختيار النص والتخطيط لتقديمة للمشاهدين، وهو يدفعه بالتالي – التكامل المسرحي- الى معرفة عصر العرض المسرحي واسقاطاته على الواقع من اجل رسم المخططات السينوغرافيا مع مصممها ، من اجل خلق عرض جمالي يستقبله المتفرج بوعي وادراك. ومن اجل هذا يجب ان يكون المخرج مثقفا ثقافة عالية بكل ما موجود على خشبة المسرح وما يحيط بها من اضاءة والوان ومؤثرات صوتية وان يكون له معرفة عالية بتصميم الديكور والازياء ، هذه الثقافة تجعله متمكناً من قيادة العرض بصورة صحيحة، اذن على المخرج ان يكون فناناً ، شاملاً ، وعارفاًبأدواته التي يعمل بها ، والتي تعينه بتقديم العرض ، وهو متمكن أيضاً من تحريك هذه الأدوات او هذه العناصر على خشبة المسرح . هذه العناصر التي تملأ الفضاء المسرحي بالحياة ، والتي ويقوم بتنسيق معانيها وجمالياتها المخرج المسرحي والسينوغرافي، وكل هذا يتم لتحقيق غاية او هدف رئيسي هو تقديم عرض جمالي للمتفرج فيه من العلم والمعرفة والثقافة الكثير .
اذن فالسينوغرافيا هي:عميلة تشكيلية تتحد فيها جميع العناصر السمعية ، والبصرية ، فمن المؤكد ان هذه العناصر تحتاج من يجعلها تتظافر او تتناسق فيما بينها وذلك بدخول الممثل ، فالممثل المحرك للعناصر السينوغرافيا ، التي جاءت جميع العناصر لتدعم حضوره وتسهم في ابراز الأداء من الناحية الجسدية ، والتعبيرية ، وهو بمثابة الكتلة الحية الفيزيقية ، اذا قورن بالمثل الأخرى الجامدة التي لا تتناسق في فضاء العرض([5]).
وليس بجديد اذا قلنا ان السينوغرافيا فن وعلم معقدين ، فيتفق المعنيون انها فن لأنها تعتمد على التصوير ، والنحت ، والزخرفة ، والعمارة لتحديد الفضاء، وهي علم لأنها تستخدم التكنلوجيا من خلال استخدامها لأجهزة المؤثرات والصوتيات والأجهزة المرئية ، مثل العارضات السينمائية وعارضات الصور(السلايدات) في احداث الأثر الفني المطلوب ، فاصبح المكان ترجمة بالشكل والحجم والمساحة لعالم النص.
ان التكنلوجيا اثرت تأثيرا إيجابيا في التخطيط للسينوغرافيا ، بحيث تمكن المصمم من تخيل العلامات ورسمها بطريقة تصل الى المشاهد بأكثر جمالية ويسر، فهذه الإنتقالة الكبيرة التي ادخلها العلم كان مصمم المناظر المسرحية يعجز عن وضع مخططات تناسب مخيلته ، بل كان يضع المخططات وفق الإمكانيات المحددة والميسرة لديه، امام دخول العلم الى المسرح، فقد اصبح كل شيء مهيأ امام المصمم ، بدءا من عمل الماكيتات وتطبيق العمل على الحاسوب قبل عرضه على الجمهور، فبإمكان المصمم أيضا ان يضع الألوان المناسبة ، والاحجام المناسبة، وبإمكانه تغيرها بسهولة من اجل الوصول الى التصميم الأمثل للعرض المسرحي، وأصبحت السينوغرافيا متنوعة حسب تنوع المدارس والاتجاهات الأدبية والمسرحية اذ يمكن الحديث عن سينوغرافيا واقعية، وسينوغرافيا طبيعية، وسينوغرافيا بيوميكانيكية، واخرى فنطاستيكية، وكروتيسكية، وشاعرية، وكذلك سينوغرافيا واقعية سحرية، او رمزية، او سريالية، وأخرى تكعيبية، وأخرى تجريدية، وهناك سينوغرافيا تراثية، وأخرى فارغة او صامته، وأخرى سوداء، وأسطورية مثيولوجيا، وطقوسية دينية، ووثائقية تسجيلية، وأخرى جسدية كورغرافية، او رقمية الكترونية([6]).
وعليه فان مصمم السينوغرافيا، او المخرج السينوغرافي لا بد ان يقيم علاقة بين الاشكال في الفضاء المسرحي، شريطة ان تكون هذه العلاقة ذات أسباب منطقية ، ويكون هدفها ارسال جميع الرسائل التي بعث بها كاتب النص ، وحورها وأسقطها مخرج العرض على واقعه الاجتماعي الاني المعاش ، بواسطة الممثل الذي تدرب على كل المعطيات الموجودة بالنص والتي أضاف لها المخرج قراءات جديدة ،واجتهد مصمم السينوغرافيا بتأثيث فضاء العرض بما يساعد بأرسال هذه الرسائل ، او ممكن القول مساعدة الممثل بأرسال جميع هذه الرسائل بوعي وادراك ، وجعل المتفرج يتفاعل معها كونه المعني بكل هذا ، وعلى السنوغرافي ان يثبت من خلال العرض ان أهميته لا تقل عن أهمية المخرج وذلك من خلال التكامل بين الصور المرئية والصور السمعية والتناسق فيما بينهما ، لخلق علم جمالي متحرك يعبر عن المعنى الكلي للعمل الدرامي . وهذا يحتاج من المصمم ان يمتلك وسائل التعبير الخاصة به ، وان يتمتع بثقافة عالية ووعي كبير من اجل تفكيك النص وإعادة رسمة ، أي تحويله من السرد الى الصورة والصوت واللون ، من خلال الإضاءة والمؤثرات والمناظر المسرحية والموسيقى ، وان يعمل بانسجام تام مع الفنانين العاملين في العرض المسرحي ، وان يكون روح التعاون والتفاهم السمة الغالبة في العمل.
الإحــالات:
[1]) د طارق العذاري، ))تطبيقات السينوغرافيابين العلمية والعشوائية في العرض المسرحي ((، مجلة الخشبة،)بغداد( ، مركز روابط للفنون الادائية،العدد الأول، السنة الأولى، 2013،
[2]) ينظر: جواد الحسب، عناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي، الحوار المتمدن، 11/3/2011.GOOGLE
[3]) اريك بنيتلي، نظرية المسرح الملحمي، المصدر السابق ،.
[4]) جواد الحسب، المصدر السابق، google
[5]) المصدر نفسه .
[6]) ينظر: د عائشة حلمي،دراسات عن فنون السينوغرافيا، المصدر السابق، الهيئة العربية للمسرح، الاحد / ديسمبر/ 2018.