( فلك اسود ) هيمنة الملفوظ على الصورة البصرية ../ حليم هاتف
يعد العرض المسرحي مجموعة من اداءات تشكيلية، بصرية، بمرافقة الملفوظ الحواري ولهذا يجب أن تكون هناك ثمة توازنات عرضية تنطلق من النص إلى العرض معتمدة إدراك وثقافة المخرج، تلك التوازنات من شأنها أن تمنح العرض إمكانية الحضور الواعي في عملية التلقي ما بين عرض ومتلقي، بالمقابل لا يمكن للعرض أن يكون نشاطا لا يحمل صياغة فكرية وجمالية لتنحسر مهمته في تجسيد نص المؤلف والابتعاد عن استنطاق ذلك النص ومشاكسته، وبالتالي فإن المخرج العارف والذي يمتلك مخيلة خصبة لابد له أن يصل إلى نتائج حتمية وفق رؤاه المغايرة والمشاكسة والا ما فائدة أن نشاهد عرض لأحد نصوص شكسبير على سبيل المثال كما نقرأه ؟ في العرض المسرحي ( فلك اسود ) .. تأليف : علي عبد النبي الزيدي إخراج: رياض شهيد تمثيل: حسن هادي .. ضياء الدين سامي .. صفا
هيمن الملفوظ على الصورة البصرية:
وقع المخرج في فخ النص، ذلك النص الذي يحتمل التأويل والقراءة والمغايرة بطريقة مبتكرة معاصرة، تلامس الواقع والمخرج عندما يعكف إلى الاشتغال مؤكد أن هناك استفزازات لنصوص متعددة تنمو عبر مخيلته ورؤاه التي تتطابق مع أفكاره لتشكل بدورها الهاجس الأكبر في مساحة تفكيره لينطلق بعد ذلك في عملية الشروع باختيار النص ومن خلال ذلك النص يستطيع قراءة نص اخر للعرض هو نص المخرج …. في “فلك اسود” أجد أن المخرج وكأنه يرتدي بدلة فضفاضة لا توحي إلى الاناقة وهنا أعني أناقة العرض حيث كان هناك ارباك واضح في صياغة العرض اخراجياً .
لكون النص مختلف ومشاكس كان بحاجة إلى مخرج يحلق في رسم فضاءات العرض ليعالج النص برؤية مغايرة تبتعد عن لغة السرد المملة، ليشكل لنا قراءة جديدة وفق مفهوم المعالجة الإخراجية التي يتبناها .
منذ بداية العرض الأولى نرى أن المخرج تعكز على موضوع (الداتاشو) والتي تصاحبها اغنية عراقية من التراث ( أنا منكَول هواي ) والصور الفوتوغرافية التي تمثل تاريخ له دلالات متعددة في الذاكرة العراقية وهذا بحد ذاته يفسر لنا ضعف المخرج في عملية اختيار المكان ليشكل فضاء العرض المفترض، وإن العرض المسرحي عندما يعالج قضية حتما تكون القضية إنسانية فهي لا تعني الخصوصية بل تأخذ الطابع الكوني وما حصل في العراق مؤكد حصل في بلدان أخرى لذا لا أجد مبرر لتأكيد المكان من خلال تلك الصور والرموز التي تبدو وكأنها مدرسية بعض الشيء، لأنها تؤكد عجز المخرج في خلق فضاء متخيل مرئي يشكل نقطة تلاقي بين النص والعرض لا سيما أن النص كان بأمس الحاجة إلى معالجات إخراجية للاطاحة بهيمنته التي ظلت ترافق العرض حتى النهاية.
كان بإمكان المخرج أن يبدأ العرض بمشهد ينسلخ فيه (عبود) من جسد (بتول) بصورة بصرية تعتمد الجسد بخدعة بصرية ليطيح بنصف ساعة سردية من وقت العرض وهو بذلك يضع المتلقي أمام تساؤلات متعددة وبعدها تأتي الأحداث تباعا، فقد شكل النص (فخ) للمخرج الذي أبدى كل اعتماده على طاقة الممثل والتي كشفت لنا بدورها عن إمكانية الممثلين على الرغم من أن الفنان حسن هادي كان اوفر حظا في عروض سبقت فلك اسود .
أما بالنسبة لاستخدام الصور الفوتوغرافية والمشهد السينمائي عبر( الداتاشو) كانت تشكل عبيء ثقيل على العرض حيث وظفت بطريقة تحيل العرض إلى المباشرة في الأسلوب والطرح وكأنها وسائل ايضاحية أشبه بمسرحة المناهج