"مقال افتتاحي" إصدار نص درامي جديد للباحث والكاتب المسرحي (محمد زيطان)
في إطار برنامج توطين فرقة المدينة الصغيرة بالمركز الثقافي، مشرع بلقصيري، و بدعم من وزارة الثقافة والشباب و الرياضة، قطاع الثقافة، صدر حديثا نصاً درامياً بعنوان : “مقال افتتاحي” للكاتب المسرحي المغربي (محمد زيطان). الكتاب من الحجم المتوسط و يضم 116 صفحة.
“مقال افتتاحي” احتوى على مفدمة للكاتب و الباحث المسرحي (محمد بهجاجي) تحمل عنوان: الكائن وأقنعته في نص ” مقال افتتاحي ” لمحمد زيطان
والتي ذكر فيها الآتي:
“يضعنا نص “مقال افتتاحي” لمؤلفه الباحث والمبدع المسرحي محمد زيطان أمام مداخل متعددة لمقاربة دلالاته ومقترحه الجمالي:
أول المداخل يرصد مختلف التبدلات العميقة التي تلحق بالفرد، وهو يتحول منشرط اجتماعي نفسي إلى آخر مختلف، وما يعنيه ذلك من تراجيديا التجاذب بين الصعود و الأفول، أو التسلق والتدحرج… وكل الأشياء وأضدادها، و ما يعنيه أيضا من نوبات تمزق الفرد، حيث يصبح السقوط أعمق معنى، حين تتصدر المشهد شخصيات بعمق روائي يجعلها تحيا الحاضر مسكونة بسيرة ما ضمؤذٍ، يصعب التخلص منه.
حسان البدري (رجل سياسة وأعمال) إحدى شخصيات النص،التي تمثل بعض مناحي ذلك السقوط. فقد عاش سنوات النضال الطلابي ب”مواقف شجاعة”، وبسقف احتجاجي عالٍ، لكنه حين يلتقي بفريدة (مديرة تحرير إحدى الصحف)، بعد ثلاثين سنة من زمن نضالهما الطلابي المشترك، يبدو “كنبي مزيف ينتقل من قبيلة إلى قبيلة مبشرا بحداثة معطوبة. ” ولذلك فهو اليوم متمرغ في وحلا لمصالح المنحطة،لاهث وراء كلآليات الارتقاء بأي ثمن. وحين تسأله فريدة عما حدث، ولماذا تبخر بمجرد الحصول على الشهادة الجامعية، يتذرع بكل المبررات لتجاوز لحظة التساؤل المرتبكة: محنة التشرد ككلب شوارع، ضنك العيش، والعجز إزاء “عقدة” الأمث متحول الإيديولوجيا، فيتقديره، إلى “عاهرة ترقص للعابرين، أودمية إلكترونية غبية”.
هناك أيضا الطاهر الزهراوي (رجل الأعمال)، غريم حسان البدري الذي يستكمل رسم لوحة السقوط دون أن يحضر في النص جسدا. بل يكتفي بأن يكون الظل / الخصم، بحيث يحضر من خلال زوجته (فاتن منصور)، “الفنانة التشكيلية” التي يلتقطها النص في أقصى حالات انهيارها بعد أن انتابتها “صحوة” الاعتراف بجريمة تؤكد أن لا علاقة لها بالفن، ولا قدرة لها على صنع المجاز. بل هي مجرد سارقة لوحات لفنان نيجيري شاب، ولذلك تتحرك في النص كائنا مقنعا بلا بيت ولا زوج، ولا قدرة على التصدي لبرد العالم…ثم تكتمل لوحة السقوط بالنادل، الذي يتحرك عبر النص بمزاج مكيف بلفافات الحشيش، وبهوية منشطرة، فهو “الراقصة منار” التي كانت تعمل سابقا بملاهي ألعاب الحظ (السويرتي). وهو عاشق “هتلر” دون أن يفقه ما يقول سوى أن هي ذكره “بنزعة التفوق التي تضيع بداخله، كما تضيع أيامه في هذه المقهى البئيسة” (؟!).
وهو الذي يسترق لحظات من فضاء المقهى، لكتابة شذرات من سيرته الذاتية في انتظار أن يحقق حلمه بالهجرة إلى ألمانيا، ليهرب من الإهانات التي يلحقها به مالك المقهى، ومن استيهاماته الملتبسة.
الشخصيات الثلاث مرايا لسقوط جماعي، أو لنقل لأفراد من جيل تسقط عنهم الأقنعة تباعا،فيما تقف فريدة (رفيقة حسان في الجامعة) كشاهدة على ذلك السقوط، رافضة الانخراط في حفل التنكر للمبادئ التي تربت عليها. ولذلك رفضت تلقائيا كتابة مقال افتتاحي دعم الحسان في معركته ضد الزهراوي، لأنها لا تقبل أن تعير قلمها لأحد، أو تنتهك أخلاقيات المهنة، وانطلاقا من ذلك تتقاطع الشخصيات معرضة كل ثقوبها للضوء.
يفضي بنا المدخل الثاني إلى رصد دلالة أن تجري كل وقائع النص داخل مقهى سميت “الحافة”، حيث تلتقيك كل الشخصيات دون أن تغادرها تماما. إن المكان في هذا النص يقتات من معاني وكلمات الشخصيات ذاتها ليصبح اسم “الحافة” تأشيرا على مكان، وعلى معنى السقوط والانهيار الذي تؤول إليه شخصيات النص. من هنا يتبلور هذا التضاد في وظائف المكان: المقهى تحمي الشخصيات من الناس والكلاب والمطر والفضيحة، وتعريها في الآن ذاته، بعد أن تسقط عنها الأقنعة والشعر المستعار ونفاق المعاني والكلمات. المكان يضيء كذلك زوايا من العلب السرية الشخصية، تخص موضوعات السياسة والحب والخيانة والدسائس… ثم يعتم جزءا من نتوءات تلك العلب. وهو ثالثا فضاء ألي فوعد او نيفي نفس الوقت، حيث يتجاور الرقص والضحك المرمع الاستنطاق والمطاردة. وفي تقديري فإن هذا التحول في الوظائف هو ما يمنح المعنى لدينامية المكان، ويطور بالضبط دلالات “الحافة” التي يقيم على مشارفها.
أما المدخل الثالث، فيتم عبر وضع النص في سياق تنوع مسارات الكتابة المسرحية، التي يعرفها مشهدنا المسرحي في السنوات الأخيرة، والمتميزة بتنوع المصادر والمرجعيات. ويهمني منها هنا مسار التوجه قصدا نحو مسرحة اليومي، انطلاقا من شرائح أفراد من الفئات الوسطى، حيث التصدع الداخلي لا يتمظهر فقط في العلاقة مع الذات وانتمائها للمحيط العام، بل يشمل كذلك الأسرة والعلاقات داخل فضاء المهنة. ويتعمق التصدعب التوزع بين رغبا تفردية وجماعية ليسأقلها الانجذاب نحو المال و الجاه و السلطة.
لأجل ذلكا عتبرنا هذا “المقال الافتتاحي” مسْرَحة موفقة للسقوط، حين يفضح سيرا مهمشة، تقوي من أثرها الدرامي لغة وصور ذات نفس شعري، ويصوغها بناء يفتح بهدوء ورصانة كل إمكانيات القراءة والتأويل. ولأجل ذلك أيضا تتأكد بالنسبة إلينا فرادة النص، وتميز إضافاته سواء بالنسبة إلى المسار الإبداعي للمؤلف، أوبالنسبة إلى مشهدنا المسرحي المغربي والعربي“.
محمد بهجاجي