المخرج والقيادة / عبدالصاحب ابراهیم امیری
إنَّ المخرج الجيد هو مهندس ناجح قبل أن يكون مخرجا للعمل الفني. والمهندس المعماري الناحج هو الذي يعرف أصول اللعبة الهندسية، یعرف كيف یختار نوعية وكمية المواد اللازمة مع جملة من المحاسبات الدقيقة العلمية في ثقل وموازنة البناء كي يستطيع أن یعرف بدقة متناهیة مقدار ما تتحمله قاعدة البناء، وأن لا يحاول أن يوجد ثقلا في أي زاوية من زاويا البناء والإ سقط البناء بالكامل والمخرج الجيد هو الذي يستطيع أن يسيطر على أدواته في العمل الواحد،(الممثل الديكور _الماكياج المؤثرات الصوتية_ والموسيقى _الإنارة) وحتى أصول اللعبة الإخراجية، يبدو للعيان أن مشكلة المخرج تكمن دائما في السيطرة على الممثل، أما بقية العوامل فتسهل السيطرة عليها حيث إنها تكون ثابتة، أي إنه یتفق بشأنها مقدماً مع المسؤول عنها، إنه بعد أن يرسم خطة عمله ويسلمها للمخرج لا يستطيع أن يضيف أو يطرح منها شيئا.
الإ إنَّ الممثل وعندما تتم المواجهة (اللقاء) بينه وبين الجمهور، قد تصدر منه أفعال يريد بها تسليط الأضواء عليه (وهذا ما نشاهده بوضوح في المسرح التجاري ومسارح الشباب) وإذا سرق الممثل الأضواء فإنه سيؤدي بالنهاية الى نتيجة سيئة للغاية، لذا فان من أهم واجبات المخرج هي السيطرة على العمل المسرحي، وإن ظهوره جاء بالحقيقة لهذا الغرض، حيث إننا قبل أن نعرف المخرج في العرض المسرحي، كان الممثلون يتنافسون فيما بينهم في الأداء واللباس، وهذا التنافس، كان يؤدي بالنهاية الى التناقص والإلتباس وضياع العمل الفني، لذا نحن نرى أن حركات وأفعال الممثل وخلال التمرينات العديدة تدرس، ومن ثم تثبيت علی نسخة الإخراج، وعلى الممثل أن يؤدي هذه الحركات لا بطريقة آلية بل بفعل الإرادة المقابلة الناتجة من فعل وكلام الممثل المقابل يقول المخرج الفرنسي جيلبير روفيير وأنا أستعد لمباشرة التدريبات على أخراج مسرحية (العزيزات المضحكات) للکاتب المسرحي الفرنسي (موليير) وضعت تصورا جسدت فيه بالورق المقوى أجساد الممثلين محددا مواصفاتهم وعند مباشرتي للعمل تطبيقا، وأثناء التدريبات إكتشفت أن كل ما وضعته في التصور كان ضياعا للوقت لان الممثل ليس قرقوزا أو قطعة ديكور لكي تحدد موضعه على مساحة ورقية، وهذا مايؤكده (بيتربروك) في كتابه (المسافة الفارغة) نحن نتفق مع المخرج جيلبيرروفيير، فالممثل قبل ان يكون ممثلا هو إنسان من لحم ودم، قرر أن يؤدي شخصية إنسان آخر مرسوما على الورق، ينزع ثوبه ويرتدي ثوب الشخصية، أما إننا نترك الممثل يؤدي العمل كما يريد فهذا مالا نتفق به مع روفيير، فالشخصية هي التي يجب أن تحدد مكانها من وعلى الخشبة لا المخرج، فالمخرج يجب أن يعي الشخصية ويعرف مكانها على الخشبة ويناقش الممثل في ذلك ويتفقان على المكان المحدد وفق الخط البياني والحركي للشخصية.
فالمخرج المسرحي هو في الحقيقة صاحب السفينة وربانها في العرض المسرحي لا الممثل، وهو الذي يخطط تحرك الممثلين ضمن المجموعة الواحدة والمخطط له سلفا، بحيث تظهر لنا بوضوح نقاط الذروة وأن الجمالية الزائدة في إنتخاب الاكسسوار والديكور وحتى الملابس وعدم ملاءمتها مع الأحداث قد تؤدي الى موت اللعبة المسرحية، والمخرج المسرحي الناجح هو الذي يستطيع التغلب على العمل المسرحي بحيث يظهر وكأنه وحدة متكاملة.
والمخرج المسرحي الجيد ليس الذي يأخذ أكبر الروائع العالمية ويعيش في دائرة من المحدوديات الضيقة، ولا ینظر حتى لحظة واحدة لهذه المحدوديات التى قد تصرعه في النهاية.
لنفترض إنَّ المخرج المسرحي قام بهذه المهام كلها، فهو قد اختار النص الجيد ودرس كل الامكانيات الموجودة واستطاع أن يصرع الأزمة (أزمة المخرج) ويجعلها في صالح العمل المسرحي .
بقيت لي كلمة واحدة أود أن أهمس بها في إذن هذا المخرج وهي:
– أنقذ عملك المسرحي قبل أن يتناوله قلم الناقد .
إنَّ كل مخرج وقبل أن يعرض عمله المسرحي على الجمهور، يعتقد في البداية أن عمله هو المولود الاشقر المحبوب الذي لانظير له .إذ إنه بعد أيام من العرض المستمر، والاستماع الى آراء الجمهور والنقاد وأهل الفن يشعر أن هناك فجوة أو فجوات لم يلتفت أليها خلال التمارين، وحتى أن أحد الممثلين حاول مرار أن يذكره بذلك الا أنه لم يع اهتماما لرأي ذلك الممثل.
لذا ولكي تنقد عملك قبل الآخرين ، وقبل العرض النهائي باسبوع أدع أعضاء فرقتك ، وقسم من أهل الفن الذين تثق بهم وتحترم أفكارهم الى عرض خاص ، وبعد العرض حاول أن تستمع الى آرائهم دون أن تقدم مذكرات دفاعية وادرس تلك الآراء بعناية ودقة ، وبعد ذلك ستجد فجوات عملك واضحة أمام ناظريك ، وإذا أقتنعت بتلك الآراء والملاحظات تُقوُّم ما تراه صحيحا ومناسبا ، وإن لم تقتنع ، أعرض عملك كما تراه .