(ياسر العظمة) في مرايا دمشق/ د. عواطف نعيم
والحق يقال أنا لا أعرف (ياسر العظمة) شخصيا ولم ألتقيه في حياتي رغم تعدد زياراتي الى دمشق الياسمين ولقائي بالعديد من فنانيها وفناناتها ولاسيما خلال مهرجان دمشق المسرحي الذي بدأ ثم توقف ثم عاد الى واجهة الثقافة والفن العربية في العام 2004 ، ومهرجان دمشق يعد واحدا من أهم المهرجانات العربية تنظيما وتأثيرا وحضورا للفن المسرحي لكن تقلبات الحال لم تبق كل ما تم تأسيسه ثابتا، لكني لم ألتق هذا الفنان في تلك التظاهرات الفنية العربية التي احتضنتها سوريا، مع أني كنت أسمع عنه وكنت أشاهده عبر برنامجه ( مرايا )، وبرنامج مرايا هو دراما نقدية ساخرة تقدم من خلالها موضوعات اجتماعية مختلفة تتناول ظواهر ومشاكل تسلط عليها الضوء نقديا بأسلوب كوميدي ساخر، كان الفنان السوري (العظمة) هو الشخصية الرئيسة في كل حلقات هذا البرنامج الدرامي خلال مواسمه المتعددة والتي استمرت لفترة طويلة من الزمن حين كانت الدراما السورية محلية ومحدودة الانتشار لكن (العظمة) ومن خلال حضوره المتميز وقدراته المختبرة ومهاراته في تجسيد الشخصيات المختلفة أستطاع أن يكوّن له أسما ومكانة أدائية تفرد بها عمن حوله من نجوم الدراما السورية وفي هذا اللون الكوميدي الصعب والناجح، في أغلب المواسم التي قدمها الفنان (العظمة) في برنامج (مرايا) الذي ارتبط به والذي جمع كتابا مختلفين يتولون كتابة حلقاته ولعل أبرزهم الكاتب الكبير (عبد الفتاح قليجي) كان (العظمة) يستعين بفنانين سوريين من كلا الجنسيين ويتيح لهم الفرص لتقديم مواهبهم وتأكيد قدراتهم والذين أصبحوا فيما بعد ومن خلال انفتاح شركات الانتاج الخليجي على الدراما السورية ودعمها لاسيما بعد توسع وسائل الاتصال الحديثة وأنفتاح السموات السبع وتعملق السوشيوميديا وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا نجوما بعضهم يتحكم في الدراما السورية ويلج الى العربية، أنزوى وغاب لفترة ليست بالقصيرة هذا الفنان الفطري الجميل صاحب الحضور المؤثر والاقنعة المتعددة عند الاداء، وغابت عن سماء الدراما السورية مراياه؟ ولطالما تسألت وتسأل غيري أين ذهب هذا المبدع العربي ولماذا لا يكون له حضور في الدراما السورية على كثرة وتعدد المسلسلات الدرامية التي تنتج في سوريا باموال سورية أو بأموال عربية ؟ ولماذا لا تتم الاستعانة به من قبل هؤلاء الفنانون الذين ظهروا وتكونوا وعرفوا من خلال وقوفهم الى جانبه في برنامجه (مرايا) ولاسيما أن البعض منهم صارت له شركته الانتاجية الخاصة وعلاقاته الواسعة؟ لكن ذات السوشيوميديا التي كرست لتلميع وأبراز البعض من الاسماء عادت لبث حلقات من المسلسل الدرامي (مرايا) والذي حظى بمتابعة كبيرة من المتلقين الين ملّوا تكرار ذات الوجوه وتملموا من الدوران حول ذات المواضيع التي يغلب عليها طابع العنف والتقليد للدراما التركية والبرازيلية فوجدوا ضالتهم في متابعة البرامج الدرامية القديمة ولاسيما (مرايا) بما يقدمه من حكايا وكوميديا ومهارات أداء، وعلى ذات المواقع في السوشيوميديا برز لنا الفنان الكبير (ياسر العظمة) بعد غياب ليس بالقصير عبر برنامج يحمل أسمه وينفرد في تقديمه وقناة يختص بها وحده، لنكتشف أن هذا الفنان الذي كان يسهم مع الكتاب في وضع الرتوش الكتابية والثيم الدرامية في البرنامج الدرامي الذي يجسد شخصياته الرئيسة، لنكتشف أنه شاعر جميل النظم دقيق الاختيار ضليع في اللغة العربية وتجليات بحورها، ثم لنلمس في تلك الابيات التي أجاد نظمها عتبا رقيقا وحزنا شفيفا فهو يتحدث عن دمشق وعشقها وبين السطور تحس وجعه وخيبته أمام جحود ونكران من كان له الفضل في تعريف العالم بهم ولكنهم حين فاض المال بين قبضات أيديهم وطالتهم النعم تناسوا أساتذتهم وتمركزوا حول ذواتهم وكأنهم مركز الدراما ومرجعها!! ليس من حقي أن ألوم أو أعتب على أحد فهذا الجحود أمر أعتدنا رؤيته ووجوده في كل مكان من أوطاننا العربية وذلك التهميش والاقصاء سلوك سائد لدى العديد من الاسماء الفنية بيننا وحوالينا، لكن الذي أنا واثقة منه أن هناك مبدعون يتواصلون بالعطاء العنيد والارادة الصلبة ولا يحنون رؤوسهم طلبا للمساعدة بل يفرضون حضورهم من خلال قدراتهم المتعددة ومواهبهم الأصيلة، لا أعرف الفنان (ياسر العظمة) شخصيا لكني أحترمه وأفخر به فنانا قادرا على التنوع والتفرد فيما يقدم من أداء درامي جريء وملفت فيه كسر للتحفظات وخروج عن النمط وتنقل متمكن بين الحالات الشعورية والحركية للشخصيات المتعددة التي يجسدها، تحية للفنان الكبير (ياسر العظمة) الذي يذكرنا بممثلين راسخين وكبار في فن الدراما ومؤسسين لها في العراق كالفنان الكبير يوسف العاني و الفنان المبدع خليل شوقي في عفوية الاداء وتلقائية التجسيد وذاك الحضور الساحر الذي يجبر المتلقين على التصفيق الحار ورمي باقات الورود تحت أقدامهم ….
** د عواطف نعيم/ كاتبة ومخرجة مسرحية