قراءة انطباعية في مسرحية "حمام نسوان" للكاتب علي العبادي / علي حسين الخباز
يحمل النص المسرحي رسالة تثقيفية تهدف الى حمل رسالة توعية للناس وتحريك النفوس من اجل القضية الإنسانية ومسرحية (حمام نسوان) للكاتب علي العبادي حملت العديد من العناصر المؤثرة في بناء النص، كالفكرة التي تناص بها مع الواقع (الحدث الواقعي) مرجعية النص وهم لم يرتكز على الواقع من اجل توثيق الحدث بل من اجل ترسيخ رؤيته عن الحدث بدلالات ترتبط بالقيم والمعان التي لها شأن في حياة الناس، انجز النص عبر شخصيات ثلاثة نسوة والشخصية الرئيسية بطل النص حاضر عبر ضمير الغائب واستحضر المكان (الحمام) وكأنه أراد للتطهير ان يكون مرتكز الفكرة، وامتازت الحبكة بتنوع العناصر عبر الصراع الغير متكافىء، يمتاز النص بإعادة توصيف الواقع وتشخيصه بطريقة جمالية وإنسانية من خلال .
(الأسلوب الاستفهامي)
الذي يعتبر من احد أساليب الكشف، ارتكز عليها النص، مثال ذلك ” المرأة 2:ـ كيف تقتل اليتامى ؟ ” هناك فلسفة تداولية ترتكز على السؤال ، تعبر عن حقيقة الجواب يستثمر الجواب بحركة السؤال وافتراض السؤال المحرك الأساس كسؤال (المرأة 3) ” المرأة 3:ـ من أي طينة خلقت؟ ” المتكلم يخبر المخاطب عن سؤال صريح أو ضمني،” المراة 2:ـ لماذا قتل ؟ ” أي انه يشكل عبر السؤال مضمونه القصدي والتصور الذي يريد ايصاله الى متلقيه ” الأم :ـ كيف لهذا الجحيم ان يستعر في جسد طفل ؟ ” السؤال الاستفهامي يعمل على الولوج الى العمق الفكري ، شظايا أسئلة تجعلنا نقف امام حقائق مثل :
” امرأة 3:ـ لماذا لم يهرب ؟….. أي حمقى هؤلاء ؟…. الى اين ؟…. الى متى ؟…. ماذا لو ؟…
المرأة 2:ـ لماذا هذا الغياب ؟
المرأة 3:ـ أي قساوة اكثر من الفقد ؟ ”
اسئلة معبرة عن أغراض قصدية تبلور لنا بعض المفاهيم المزروعة في جسد الحوار ” المرأة 3:ـ لماذا انت تقيمين العزاء في هذا الحمام ؟ ” وهذا يعني ان بعض الأسئلة متنامية تعطي مقاربات عن المضمون القصدي ، ومنها تمثلت حيوية الشعر. ” مرأة 2:ـ لماذا لاتكوني هميمة في الصمت ؟ ” او نجدها في سؤال ثاني :ـ
” ياترى كيف ستموت ؟ هل ستموت قتلا ؟ ” أو تجدها تسأل :ـ ” ما هذه القسوة ؟ والموجع عندما تكون هذه القسوة الزائفة تنطلق من جماهير بهذا العدد الكبير ، فيأتي السؤال :ـ ” ولماذا بليدة ؟ ” لتصل الى مرتكز حوار الام تطرح قلب الجواب ،” الأم :ـ نحن نقتل نحن ” . وهذا سيجعلنا نسعى للوصول الى اقصى حدود الدلالة الممكنة عبر المقصد الاستفهامي .
(الجملة الشعرية)
باعتبارها استخلاص الخصائص الأدبية للنص تتحول الجملة الشعرية من اللغة الى الصورة انا لا اتحدث عن الفرجة وإنما اتحدث عن تصورات القراءة ، عن تحولات شعرية النص الى شعرية مسرح والتصور هو تحويل المكتوب الى منطوق داخلي يتمتع به المتلقي. ومثال على ذلك الحوار التالي : ” الأم :ـ السكين ترتل الفجيعة في أعماق الروح “.
اختار علي العبادي شعرية الفعل المكبوت للبحث عن النقاء عبر شعرية الصورة ، مثل هذا الحوار : ” الأم :ـ الطعنة الواحدة تشبه الثلاثين كلاهما غياب قسري ” ، شعرية النص تقدم الحدث مجسدا معتمدا على الدهشة ، على جنون الكلمة ، وهذا سر الابداع وسر الجمالية في النص . ما جاء في هذا الحوار : ” الأم :ـ الاستفهامات عورة في حضرة الغياب ، لم يعد لها قيمة ، تصبح عاقرا حتى في تضميد جرح ينزف بين ثناياه الموت “.
تشكل شعرية المسرح عمق الوعي المزيف ويعتمد على قدرة الخطاب الشعري ، الشعرية تعايش الوجدان من خلال قوة الإيحاء. كما في الحوار التالي: ” الأم :ـ في الفقد يصبح كل وقت المرء رثاء “. لكون الشعر يمنح النص المسرحي التوهج وقوة التأثير )الدراما تعمق التأثير الوجداني( صياغة الحوار الشعري فتتطلب مهارة لغوية تمكن كاتب النص المسرحي بما يمتلك من قدرة على تزاوج الحوار مع الحس الدرامي ، وتتطلب الشعرية ادراك واعي بهذه المزاوجة لرفع مستواها الفني والتوصيلي . كما في الحوار التالي : ” المرأة 3:ـ السكين جواب كل الاستفهامات العصية في هذا الزمن الرديء ” .
وهناك بالمقابل متابعة ذكية تخشى طغيان الدراما الشعرية على لغة الحوار الشعري كي لا يطفأ وهج الطاقة الانفعالية لصالح الطاقة التأملية الفكرية ، ولابد من توازن تبيح للفعل الدرامي التجانس فكرا وثقافة . كما جاء في هذا الحوار: ” المرأة 3:ـ في قابل الأيام حين يسأل اهله عن عمره سيقولون استشهد عن عمر يناهز ثلاثين سكينا ” .
(الانزياح وفن التشبيه)
التشبيه فن من فنون الشعرية يبتعد بها الكاتب عن الأسلوب التقريري المباشر ، بينما لغة المسرحية ايحائية تنفتح على التأويل، مما سيخلق الحالة الانبهارية العالية للمتلقي . مثلما جاء في هذا الحوار :
” الأم :ـ انا في خشوع تام مثل شاة ضاع من فضاء رحب لايدري اين المفر ، لكن كل ما يعرفه ان السكين سوف تقبل رقبته ذات يوم ” .
التشبيه ينتج علائق جديدة ترسخ المعنى بصور جديدة ترسخ المعنى بصور جديدة اثر خلق فني مؤثر في ذاته ، رؤية الفنان وقدرته على ابداع نص ناضج يتجاوز لفظه بإيحاءات ثرة . على النحو التالي : ” الأم :ـ ترقص السكين فينا وبيننا وعلينا مثل مهرج احمق ” .
الكتابة بمعناها اللفظي تعطل الدهشة لذلك سعى علي العبادي الى الخروج عن طبيعة الجملة الخبرية السائدة فعمل الى روح الشعرية ، كما في الحوار التالي :
” الأم :ـ وحدها من تحصد الخيبة ، تكن قادرة على قراءة هذا الزيف ، زيف كسكين اعمى لا يعتاش سوى على رقابنا ، وننحر يوميا من اجل لاشيء “. التشبيه بجميع ادواته التي هي نوع من أنواع الانزياح يمتلك قيمة جمالية . كما جاء على لسان الام: ” الأم :ـ نحن لا نصادر حقوق الاخرين مثل الموت الذي صادر حياتنا “.
ويعتبر التشبيه من الانزياح الدلالي الذي يرتبط بالصور البلاغية كالاستعارة والتشبيه والمجاز من اجل خلق الصورة . كما جاء في الحوار التالي: ” المرأة 2:ـ هذه المدن تضيق بنا قسوتها كأنها تنور ساخن لا ينطفئ “، والتشبيه ارتباط امرين بصفة مشتركة احد الموجودين ينوب عن الاخر بأداة التشبيه. مثلما جاء في الحوار التالي : ” الأم :ـ هكذا تمشط الخيبة اعمارنا الى الحد الذي تصبح منه عذبة كالنسيم “.
انجز الكاتب علي العبادي مسرحيته معتمدا على ذروة الأساليب الإبداعية نص رائع يستحق ان نقول لمبدعه احسنت .
علي حسين الخباز