صلاح السعدني …خيانة نص المؤلف ونص المخرج/ د محمود سعيد
صلاح السعدني خليط من طبقات الشعب المصري مزيج متناغم ما بين الإنسان الشعبي البسيط والفيلسوف العميق هو ذاك الأسمر صاحب القامه المتوسطة ..لو نظرنا لتكوينه الجسدي وحاولنا قراءه مشهده الفني لوجدنا العجب… في مرحله البدايات في مسلسل “لا تطفيء الشمس” للمخرج نور الدمرداش في الستينيات هو ذالك النحيل صاحب الأنف المعقوفه والوجه الرفيع الباسم دوما …حتي في أشد اللحظات مراره. هو ذالك المسكون بالشجن والفرح الأمل والبؤس فاتحا فمه بشكل مستمر وكانه دوما يستعد لالتقاط صوره ما مع انه لا يهتم بتفاصيل الصوره، بل لا يهتم بتفاصيل النص كلا من نص المؤلف ونص المخرج…دوما ما يصنع لنفسه نصا مغايرا مستقلا هو مستمع جيد جدا لكلمات المؤلف ومتفهم بدرجه عاليه لرؤي المخرج الا انه صلاح السعدني ولأنه لا يصلح ابد الانجاز دوره التمثيلي الا عندما يؤدي الدور من داخله هو يخترق ذاته ليخرج لنا ذواتا اخري متنوعه. هو يجيد لعبه الخيانهخيانه نص المؤلف ونص المخرج يخون ليخرج لنا الابرع والاهم يخون ويتامر كي ينتج لنا ابداعا مميزا.
يمثل السعدني مدرسه الاداء المنضبط المتحكم في درجه الانفعال مستخدما الوجه كاداه اساسيه للتعبير علي ان يلعب الصوت الدور الاخر شديد الاهميه ومن منا ينسي تعبيره في ليالي الحلميه (قااااي ….. جاي ي) عندما يتلقي الهزيمه تلو الاخري من عدوه اللدود سليم البدري مستفيدا من مدرسه ستانسلافسكي خاصه منهجه اللحظه النفسيه الخلاقه فالغضب المصاحب للوجه لا يبدو فقط في الوجه بل في لعبه الجموح جموح الجسم والاندفاع مؤديا بفهم داخلي للشخصيه عبر لفتاته الحاده وضحكاته العاليه وصوته العريض الواسع الذي يتسع للمشهد داخليا وخارجيا..
لدرجه ان صلاح السعدني من عينه محمود مرسي وعادل ادهم وزكي رستم تلك النوعيه التي تخرج أجود ما في الممثل الذي يؤدي امامه السعدني مدرسه تنتج لنا ابرع الادوار الخاصه به مع اجبار وارغام مشروع للممثل الذي يؤدي امامه بأن يصل لاعلي درجات الاجاده خاصه ان الواقف امامه هو السعدني صاحب الوجه الصلب واضح المعالم المفعم بقوه الاراده
النص الثالث …. يكتب صلاح السعدني نصا ثالثا مابين نص المؤلف ونص المخرج يلعب الشخصية وكانه يكتب الشخصية في ذهن المتلقي هو يشبه مصطلح أدب التمثيل أو هو تمثيل الادب راسما شخصيته بشكل منهجي عبر مراحل متطوره نحو هدف ملموس عبر اضافه مقولته الخاصه من خلال لعبه البيان والبديع في إطار بلاغي شديد الاهميه بعيدا عن الترهل لذالك كثيرا ما كان صلاح السعدني عمله غير مستحبه لهواه التهريج الفني والاسفاف وهذا يفسر قله تواجده الفني بشكل عام مقارنه بابناء جيله
التجسيد السعدني…. دوما ما يستخدم النظره الظريف هو البسمه الخبيثه مشوحا بكلتا يديه في وضع هازل وصوت جهوري مسموع هو سليمان غانم في ليالي الحلميه ذالك العمده خفيف الدم طيب القلب ابن البلد الشهم وهو حسن ارابيسك النجار الفنان الذي يلعب دوما دور صوت الحق ونصره الضعيف وكشف الخبيث بسرعه ومكر وعنف احيانا، مستخدما شفره التحول والربط ما بين الحياه والتمثيل إذ نادرا ما يختلف التمثيل لديه عن اللا تمثيل فهو يمشي علي رؤيه اذا اردتان تمثل يجب عليك الا تمثل.
هو في حاله صراع مع الحياه يتفوق عليها ويجبرها علي الإنصات لرؤيته وتفسيره للاشياء عبر وجه بل عبر العديد من الوجوه والتي تم اختصارها في وجه واحد فالعين شخصيه والانف شخصيه والفم شخصيه وهكذا يتكون وجه السعدني من مجموعه متنوعه من الشخصيات.
ان ملامح السعدني فيها دفء الموده الأمر الذي ينقل للمتلقي ثقه، فيما يقول صلاح السعدني في بساطه ويسر. استطاع أن يجسد ملامح عصره تجسيدا حيا ناطقا في ظل موهبه غنيه فياضه
صلاح السعدني ورحله المسرح … بدا كغيره من زملاء جيله في مسرح الجامعه كهاوي في أدوار بسيطه الي ان بدا لعبه اخري أكثر تطورا في ادوار جيده في مسرحيات الناصر صلاح الدين و ثوره الموتي في الستينيات الا ان رحله السعدني مع المسرح ليست كبيره مقارنه بالتليفزيون والسينما… لكن تبقي الملك هو الملك اهم وابرز الأدوار المسرحيه لصلاح السعدني، وهي من اهم كتابات سعدالله ونوس المسرحيه ..خاصه لعبه التخفي وهي لعبه مسرحيه اتقنها سعدالله ونوس بشكل كبير وكررها في أكثر من عمل لديه .. ولم يجد المخرج مراد منير غير صلاح السعدني الذي يجيد التخفي والتلبس داخل نفس الشخصيه وكانه يستنطق ذاتا اخري بل ذواتا متنوعه من الداخل والخارج ليبدع السعدني في هذه المسرحيه بشكل خاص بين محمد منير مطربا وفايزه كمال استعراضا واداء والثلاثي الماكر حسين الشربيني ولطفي لبيب وعلي حسنين وكان المسرحيه كان لابد لها من مجموعه من الممثلين ممن يجيدون التنكر والتخفي خلف الكلمات والمواقف.
ويذهب السعدني لدخان ميخائيل رومان ومعه مراد منير مخرجا أيضا ويبدوا أن صلاح السعدني ومراد منير حدث بينهم توافق فني إذ وجد مراد منير ضالته في عم صلاح السعدني الممثل الماهر الماكر. لم يستمر صلاح السعدني بالمسرح كثيرا لكن رحلته ليست سهله هي تحمل الكثير والكثير من التميز والرقي
صلاح السعدني …تعدد الأصوات ووحده الرؤيه …. لا يمكن قراءه صلاح السعدني بعيدا عن محمود السعدني اظرف رجال عصره الكاتب الساخر المعجون بحب الناس هنا تكون صلاح السعدني في مدرسه اخيه الاكبر محمود السعدني مدرسه السخريه والكاريكاتير والقفشات اللاذعه بطعم ومراره الواقع
ومن لعبه الرفض حاول صلاح ان يدخل في إطار القبول وصراع الاضداد بشكل مميز داخلا عالم الفن محملا بارث خفيف ومميز من جلسات محمود السعدني ورفاقه وكتاباته أيضا ولكن اصر صلاح علي التحول من الهامش الي المركز من مجرد مستمع ومتابع الي مشارك وفعال في اللعبه الفنيه لتبدا رحله السعدني في اصوات متنوعه ووجوه كثيره لكن الرؤيه واحده لدرجه ان تحول صلاح السعدني الي محورا يدور في فلكه شتي الشخوص وثيق العلاقه بين الذات الكاتب هو الشخصيه الرئيسيه ان متلقي صلاح السعدني يدرك للوهله الاولي انه امام شخصيات متنوعه امام مشهد كرنفالي في ظل اقنعه يلبسها للشخصيه يخرج من داخل الشخصيه شخوصا اخري منفصله ومتصله في ذات الوقت.
كثيرا ما نلمس قاسما مشتركا بين تقاسيم الرأس وبين الوجه المتنكر في شخصيه صلاح السعدني في شكل سليمان غانم أو حسن أرابيسك أو سفروت أو وكيل النيابه في الغول أو ربما هو الاعرج لا هو الاخرس لا لا هو الابن في أبنائي الأعزاء شكرا مادام خلف أسوار الجامعه فالحلال يكسب حتي لو كان تحت الصفر أو لعدم كفايه الادله عبر قضيه عم احمد وبرج المدابغ في زمن حاتم زهران يصعد الغول والعملاق والمراكبي والزمار والوحش والاشقياء وصولا الي فتوه الناس الغلابه وهكذا الايام من جسر الخطر اليابناء العطش الي ابناء ولكن والاخوه الاعداء أو هي الضحيه لكن الكل في ساقيه الي يعدي النهار حتي لو كان الزوج اول من يعلم ويحيا سنوات الحب والشقاء في حلم الجنوبي وقصر الشوق هي رحله لم تكن ابدا حصادا للشر بل هي ملحمه الحب …. تلك وجوه واصوات السعدني وزياده
صلاح صاحب القضيه صاحب المصداقيه لا بعد مدي يجبرك علي الانصات له ومعه،
هو دوما موغلا في الدور يستنطق المجهول من المعلوم والعكس يقلب الأدوار بتمكن ومرونة من قمه الغضب الي قمه الضحك من الياس الي الامل هو جمع بين المتناقضات هو جموح كخيل وهادئ كثيرا أيضا
يذكرني اداء صلاح السعدني دوما بمسرحيه رحله جسد للكاتب لاوندهاجو حيث تذكيرنا بقصه الخلق خلق الانثي من ضلع الذكر بشكل مجسد عبر حاله بصريه حيث انبثاق احدهما من الاخر ووفق لعبه الجروتسك وفق رؤيه ميخائيل باختين إذ يسمح للجسد أو الانسان بالتحرر تماما من سلطه اي شكل من أشكال الواقع القائم علي التمايز هذا الواقع الذي يتحكم داخل الحياه الاعتياديه، ومن الاعتياد الي الدلالة الثانية حيث الإشارة إلى العالم الخارجي للنص بما فيه من بشر وعلاقات ومثل وسلوك، عالم تعامل معه النص على نحو ما وحاول تنظيمه وتنسيقه وتأليفه وتقديمه في رموز تحيل إلى كل هذا الصخب الذي عايشه منتج النص، ذلك الممثل المبدع الذي استقبل ما يدور حوله وتفاعل معه واحتواه في ذهنه ووجدانه وأدخله إلى برنامج موهبته ليعالجه ويستخرج منه قطعة من الذهب
فالعمل الإبداعي من هذه الزاوية يحمل دائماً قيمة مزدوجة، القيمة الأولى أنه كائن له وجوده الذاتي بمعزل عن أي شيء آخر ويستمر حضوره ممتداً في أفق التاريخ مخاطباً أصحاب الرؤى الجمالية للتفاعل معه، والاخري هي قيمة صلاح السعدني داخل وخارج الشخصيه ذلك الممثل الذي بني اسوار مملكته الإبداعية عبر فعل الخيانه والتآمر علي نصي المؤلف والمخرج لينتج لنا نص ابداعيا ثالثا يسمي بـ صلاح السعدني
د محمود سعيد