ريادة الحركة المسرحية في البصرة/ بقلم: مجيد عبد الواحد النجار

للريادة دور مهم في حياة الشعوب، وهذه الأهمية تعطي أحقيّة مشروعة لأولوية صاحب المُنجز الإبداعي، أيّا كان مجال عمله أو تخصصه.
وما شهادة براءة ((الاختراع)) التي تُمنح لصاحب المُنجز من قبل المنظمات والهيئات الدولية المختصة إلا دليل واضح على أهمية إعطاء هذا الدور لمُستحقّيه من قبل العالم.
وكذلك تُثبت هذه الشهادة للآخرين وللأجيال القادمة أنه صاحب أولوية في صناعة أو خلق أو ابتكار هذا المُنجز الذي استحق عليه الشهادة.
ولما كان للريادة هذه الأهمية في العالم أجمع وفي كل المجالات من علوم ورياضيات وشعر وأدب وفن أصبح من الضروري  لمدينة البصرة وهي واحدة من مدن العالم المعروفة أن تهتم بهذا الجانب كونها تمتلك إرثا حضاريا وفنيا وأدبيا كبيرا.
إن البصرة تمتلك الكثير من الشواهد والأسماء في مجال الأدب وبمختلف أجناسه من شعر وقصة ورواية وغيرهما وما (المربد ) إلا شاهدا لم يزل حيا على ريادة هذه المدينة في شعر النثر، الذي كان رائده الشاعر (بدر شاكر السياب).
اما في مجال المسرح فله رواده ايضا, اللذين حاولوا جاهدين ان يضعوا البصرة كما في الشعر والرياضيات وعلوم الفلك, في مقدمة المدن التي تعني بالثقافة والفن.
ولكون المسرح ظاهرة ثقافية ،وفكرية ، واجتماعية ، وأداة فعّالة لتغيير هذا المجتمع عن طريق طرح المشاكل, والثيمات, الاجتماعية, والمفاهيم السائدة, وتقديمها بشكل يُساعد على إيجاد حلول لها من قبل الأخر ، وذلك عن طريق ترجمة شخصيات, ومواقف النص التي خلقها المؤلف من خلال أداء الممثلين وحركاتهم بمساعدة المخرج.لهذا كان المسرح في صدارة اهتمام المثقفين والمبدعين ، كونه لا يمكن النظر اليه خارج إطار المجتمع وبمعزل عن الظروف التي تُحيط به ، والتي تؤدّي في النهاية إلى طبع بصماته العميقة على الواقع المسرحي.
إن المسرح في البصرة ومنذ بداياته في القرن العشرين .. ( ارتبط .. بحركة المسرح العراقي في البدايات … في الكنائس والمعابد كحاضنة للدراما الدينية والأخلاقية والاجتماعية الخيرية ومدارسها الخاصة ..  وكان لها جمعية يحضرها الطلاب لاستماع المحاضرات والنشاطات  الفنية والمسرحية ،  وتمثيل الروايات ؛كرواية ( في سبيل الوطن )  ورواية  ( المغتر على ولده)  ورواية (( آستر)). وكانت الرواية الأخيرة قد مُثّلت في الأعوام (1924و1925و1926) وجمعت ريعا بلغ أربعة آلاف روبية. وقد حضر لمشاهدة هذه الرواية وجهاء المدينة .. اليهود والمسلمين والمسيحيين…
كان الذين يُمارسون الفن بالبصرة شباب ورجال لا يملكون مؤهلات التمثيل وعلمه غير الصوت القوي والجرأة والرغبة ، وكان الرجال يؤدون أدوار النساء بعد تخطيط (كذا) الوجه ووضع ضفائر من الشعر المُستعار .. وكانوا يختارون من ذوي الوجوه الوسيمة والأصوات الليّنة… .)([1])
هذه البدايات (شكّلت بدايات الفرق الزائرة ليوسف وهبي وفاطمة رشدي ومحمود شكوكو، مُضافا لتلك الأنشطة عروض داخل بيوت الشناشيل في محلة (الصبخة الصغيرة ) على ضفاف نهر العشار).
ولكن البداية الحقيقية للمسرح البصري – وهنا اقصد العرض المسرحي الذي كان تأليفاً واخراجاً وتمثيلاً بصرياً خالصاً–كانت في عام 1340 ه، 1922م ،حيث عُرضت مسرحية ( الشاب العصري والشيخ البصري) تأليف محمد أمين علي باشا أعيان عباس*. وهي محاورة علمية وتاريخية وطنية ، والتي خصص ثمنها لمنفعة المكتبة النقشبندية البصرية.
وتوالت بعدها العروض في المدارس ، حيث قدّمت مدرسة التهذيب الابتدائية( الخليل بن أحمد الفراهيدي حاليا) في عام 1925 مسرحية (طارق بن زياد).
وفي عام 1926 قدّمت مدرسة الراهبات الكلدان مسرحية (الصدق والوفاء) تأليف محمد العبد الله ، وفي نفس العام قدّم عبد القادر السياب مسرحية فرنسية مترجمة هي (جزاء الشهامة ) على مسرح رويال سينما .. وكان من أبرز ممثليها: عبد القادر السياب ومحسن علي وصادق عطا وأمين ناصر.
وفي مساء يومي الأربعاء والخميس المصادف 24و25 تشرين الثاني 1926 قدّمت الجالية البريطانية في البصرة مسرحية (الاستفهام The Quieres).
ومساء نيسان 1927 قدّمت كشّافة مدرسة التفيض البغدادية أثناء زيارتها للبصرة ثلاث عروض مسرحية.
وبتاريخ 17 تشرين الثاني 1927 قدمت مدرسة المحمودية في قضاء أبي الخصيب مسرحية (لولا المحامي) تأليف سعيد تقي الدين.
وفي 26 مايس 1928 أقامت مدرسة البنات الأمريكية في البصرة احتفالا .. قدمت خلاله مسرحية (قطر الندى).
وبتاريخ 12 كانون الثاني 1929 قدمت مدرسة السيف الابتدائية في البصرة مسرحية (غفران الأمير تأليف حنا رحماني .كما قدمت المدرسة نفسها مسرحية (دموع وأحلام) .. ومسرحية (المملكة الوطنية) من إخراج عبد الحكيم جاسم مدير المدرسة .. كما قدمت إحدى المجموعات مسرحية ( عنترة) لأحمد شوقي عام 1929
وفي ليلة الأحد 14/1/1929 قدّمت مدرسة السيف الابتدائية مسرحية ((غفران الأمير))
ومثل بقية المدن التي توافد عليها المسرح , كانت البصرة حاضنة , حريصة على هذا الوافد الجديد بان ينموا في ارضا خصبة , بين مثيلاته من ادب وشعر، وعلوم ، وفلك ، وطب ,وكانت الكنائس والمدراس اول الحاضنات للمسرح حيث هيأت له كل مستلزمات العمل, ليصنعوا الحب والجمال في ارض الجمال.
الهوامش:
* محمد أمين باشا أعيان : ولد يوم الخميس 18 صفر 1295 هـ 1878 م في بيت والده في محلة الصفاة في البصرة القديمة ، وتلقى تعليمه في البيت أولا على يد مدرس للعلوم الدينية والعربية ثم أكمل تعليمه داخل المدارس العثمانية في البصرة وبعدها ثقف نفسه بكثرة القراءة ومتابعته .. توفي في البصرة يوم 10 ذو الحجة 1346 هـ 1928 م.
** المؤلف مجهول ، ((مسرحية غفران الأمير هي أقدم مسرحية مُثلت في البصرة)) ، جريدة المرفأ ، العدد 48 ، 11/شباط/1977، ص الأخيرة.
المصادر: 

  • حميد مجيد مال الله ، (( بانوراما مسرحية )) ، جريدة الصباح / ملحق فنون، بغداد ، العدد 1050 ، الأحد 25/ شباط / 2007
  • محمد عبد الزهرة الزبيدي ،((الناقد حميد عبد المجيد مال الله تاريخا آفلا من البصرة)) ، جريدة الزمان الدولية ،(لندن ) , العدد 3946 , 19/3/2008 .
  • عبد الفتاح عبد الأمير مرتضى، واقع الحركة المسرحية في البصرة، رسالة ماجستير غير منشورة ، إشراف: أستاذ فن ، أسعد عبد الرزاق جعفر ، (جامعة بغداد : كلية الفنون الجميلة , قسم الفنون المسرحية , 1989

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت