في سماء (ابدأ حلمك)… طيور الشرقية تحلق بين أبيض وأسود/ محمد الروبي
كما توقعت وتمنيت، لم يخذلني أبناء الشرقية. فهاهم يهدوننا عرضا مبهرا كما سبق وأن فعل أقرانهم من أسيوط والفيوم في سياق المشروع الأهم لمسرح الثقافة الجماهيرية (ابدأ حلمك). وكما تمنيت جاء عرض الشرقية يختلف عن سابقيه وإن سار معهما على النهج والهدف.
في عرض الشرقية (أبيض وأسود) قدم أحمد طه – المشرف على المشروع والمخرج – رؤية تشي بفهمه لطبيعة المحافظة التي يعمل بها. فهاهو يختار من بين مبدعينا علامة من علامات المسرح المصري وابنا من أبناء المحافظة يوسف إدريس، ليقدم له رائعته (الفرافير) بمعاونة معد فاهم وواع هو الشاب فادي نشأت. فقد حرصا معا على أن تكون (الفرافير) هي الإطار العام الذي يقدمان من خلاله إبداعات الشباب الشرقاوي من غناء ورقص وتمثيل. لذا جاءت اختياراتهما لمونولوجات وديالوجات (الفرافير) وفق تقطيع ذكي يخدم الهدف الذي استهدفاه والذي عنوناه بعنوان مغاير (أبيض وأسود) بما يحمله العنوان من دلالة لكل تناقض وتزواج في الحياة (فرفور وسيد، وجه وقناع، ولد وبنت و…).
منذ اللحظة الأولى سيخطفك العرض للدخول في أجواء هذه الثنائيات، بدءا من الملابس (أبيض وأسود.. وأسود وأبيض) مرورا بتشكيل الفراغ، وصولا للأداء الفردي والجماعي.
وكما حرص طه على اختيار فرافير ابن الشرقية لتكون قوام الفن التمثيلي، حرص على أن يبدأ عرضه بغناء شرقاوي آخر هو عبد الحليم حافظ، مفتتحا بـ(بالأحضان) ثم بـ(صورة) ثم (احلف بسماها وبترابها)، ومن هذه الافتتاحية يدخل مباشرة إلى عوالم عرضه الذي سيظل يتراوح ما بين منولوجات الفرافير الدالة وما بين أغاني ورقصات تصنع معا جديلة تغمرك بأحاسيس مطعمة بفكرة أن الحياة ليست فقط أبيض وأسود، وأن حصارنا داخل هذه الثنائية هو سرّ تراجعنا، وأننا (كشباب) سنتمرد على هذا القفص بالفن وبالعلم وبالوحدة.
في عرض (أبيض وأسود) سيبهرك شباب الشرقية بقدرات أدائية تشي بكم التدريب الذي مارسوه على أيادي مدربين متخصصين والأهم مؤمنين بالفكرة ومهمومين بالوطن. سيبهرك أيضا أحمد طه حين يجعل الديالوج الواحد يؤديه أكثر من ثنائي وبطرق مختلفة؛ بل وأحيانا بأصوات نسائية، فالهدف ليس فقط صنع عرض مسرحي جميل (وهو كذلك بالفعل)؛ ولكن الهدف الأسمى هو استعراض قدرات هؤلاء المتدربين على فنون الأداء المختلفة والشخصيات المختلفة، لذلك جاءت المشاهد التمثيلية تتقاطع مع اختيارات غنائية راقصة ليصنعوا معا جديلة تتضافر عناصرها بهارمونية تسير باحتراف على حبل إيقاع لا يختل.
الآن، وبعدمشاهدة نتاج ثلاث محافظات على التوالي، يمكننا القول إن هذا المشروع هو مشروع وطني يجب الحفاظ على استمراره وتدعيمه، فمنه ستخرج للنور كوادر مسرحية تثري مسرحنا المصري بشكل عام؛ بل وستغير شكل ومفهوم مسرح الثقافة الجماهيرية. ولنا أن نتخيل أن محافظة بها أكثر من خمسين ممثلا وممثلة كيف سيكون شكل المسرح بفرقها (قومية، وقصر،وبيت)؛ بل كم مخرجا منهم تعلم وتدرب شهورا طويلة على أيادي متخصصين سنرى إبداعه الخاص قريبا؟
شكرا مرة أخرى وليست أخيرة لكل من فكّر ورعى وساهم بدءا من وزيرة الثقافة الفنانة د. إيناس عبد الدايم، مرورا برئيس الهيئة د. أحمد عواض، والفنان هشام عطوة نائب رئيس الهيئة، والفنان أحمد الشافعي المسئول عن الأنشطة الفنية للهيئة. شكرا للمدربين الذين آمنوا بالمشروع وأخلصوا له ولم يبخلوا بجهد في استنبات شتلات فنية ستطرح قريبا ثمارا مختلفة ألوانها. وشكرخاص للفنان أحمد طه الموهوب المهموم. وننتظر بقية المحافظات.