سفينة الزيدي تحت امطار الاستلاب/ تمارا الزبيدي

المسرح حياة من خلاله نستطيع ايصال جميع الافكار والثقافات وما يحصل في الحياة من مواقف وصراعات، فبأمكانه ان يجعل الحياة ممكنة ومبسطة امام انظارنا فهو كالمرآة التي تعكس صورة المجتمع . ومن المسارح التي تقدم صورة واضحة هو المسرح التجريبي الذي يقدم افكار تختلف عن المألوف ويعكس قضايا سياسية واجتماعيه ودينية .
نجد الاستلاب واضحا في هكذا نوع من المسارح. فالاستلاب هو اغتراب الانسان عن ذاته وكيانه الشخصي وضياعه وسط مجموعة من الافكار والمعتقدات حتى يبدأ بالشعور بانه انسان عديم الفائدة . وهذا ما يحدث عندما يكون يمتلك حيزا محدودا من الافكار والثقافة مما يجعله معرضا لكل انواع الاستلاب التي تعددت تسمياتها مثل الاستلاب الديني والسياسي والاقتصادي والنفسي وغيره من انواع الاستلاب . ومن اكثر انواع الاستلاب التي تواجه مجتمعنا  حاليا والذي يتمثل في سلب حرية الفرد من بعض الاشخاص الذين يقومون بسلب افكار وجسد الانسان من خلال فرض افكار تغير افكاره تماما وتجعل منه انسان آخر وهو ( الاستلاب الديني ) ، نلمس هذا بوضوح في النص المسرحي ( لقاء رومانسي ) للكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي . حيث نلاحظ وجود هذا النوع من الاستلاب لاشخاص وضعوا تحت سيادة وشعار الدين والقوى التي تعمل على تدمير انسانيته .
شخصيات المسرحية ( ورده ، حمد ، المصور ) وتدور الاحداث في غرفة صغيرة ، لافته كبيرة سوداء اللون تغطي الخائط كتبت عليعا عبارات دينية ، خزانة ملابس  في الزاويه ) . تدور احداث العمل حول احد الارهابيين الذي سعى ان يصبح اميرا من خلال قتل عشرة اشخاص حتى يكتشف ان الشخص العاشر هي حبيبيته السابقه .
 
حمد : الرحمة .. ان تعالج هذا الكون بالقتل .
وردة : ومن نصبك الهآ واحدآ فردا صمدا .
حمد : لست الهآ … انا رجل قيم .
وردة : من سكين ؟
هنا اصبح مستلب فكريا ودينيا وهذا ما اصبح يسود مجتمعاتنا من سلوكيات لافراد اتخذوا من الدين شعارات يبررون بيها افعالهم السيئة . وهذا كان بسبب التأثيرات التي ادت الى انحراف العديد من افراد المجتمع والسير وراء عقد نفسية ادت الى اصابة قلوبهم بالقسوة اتجاه جميع الناس ، وبذلك اصبحوا مجرد الآت هناك من يتحكم بها فكريا وعقائديا ودينيا مما جعلهم يعتقدون بأن افكارهم هي الصحيحه ويعتبرون انفسهم انقاذا للبشرية من الهلاك وبذلك يقع ( المستلب ) بايدي من ينال من عقله بالكامل وبذلك يجب ان يكون هناك تغيير على المستوى المجتمعي وعلى كل فرد ان يتحمل مسؤولية رغباته والتحرر من القيود التي تجعل منه فردا ناجحا ومتطورا بامكانه اخلاق قدراته الى ابعد الحدود والتخلص من عقدة ( القطيع) والسير وراء من يعتقدون انهم افضل منه ، بذلك نستطيع ان نكون مجتمع متطور فالأنسان ليس بضاعة تباع وتشترى ، وعدم الخضوع الى من يحاول الاستهلاك البشري .
بالاضافة الى الاستلاب الديني والفكري هناك نوع اخر من الاستلاب وهو الاستلاب السياسي الذي ينتج منه استلاب عاطفي واقتصادي على افراد المجتمع ، فالمجتمع هو من يحدد سلوك الفرد ويتحكم به من خلال شخصيته واسلوبه ونمطه ونلاحظ هذا النوع من الاستلاب في مسرحية ( مطر صيف ) التي حاكت معاناة النساء والم الفراق في انتظار شي لن يعود ومأساة الحروب على الافراد . تتحدث المسرحية عن قصة امرأة عراقية تنتظر زوجها منذ 30 عاما ، الذي خرج دفاعا عن وطن حتى اصبح مستنسخا للعديد من الرجال ، فكل شيء في هذا الوطن تغير حتى تشابهت الوجوه والصفات والاشياء . شخصيات المسرحية كانت ( فلانه تبدو في الخامسة والاربعين من عمرها ، فلان يبدو في الخمسين من عمره ) .
فلانه : كم انا مشتاقة لزوجي .
فلان : زوجك ؟ زوجك يقف امام حزنك بكامل بياض شعره .
فلانه : زوجي .. نعم زوجي اسفه .. لقد قلت لهم ان يعيدوك لي شابا ياربي ماذا افعل لقد اكدت لهم ذلك .
فلان ( يضحك ) يعيدونني ، وكيف يفعلون ذلك ؟
فلانه : يفعلون .. قالوا سنصنع لك نسخة طبق الاصل من زوجك .
 
نلاحظ هنا ان المراة والرجل هم نتاج حروب وقلق . ولقد تمثلت الزوجة بالوطن الذي اتعبته الحروب والذي يسعى الى رفض الانقياد والخروج من قوقعة ( الاستلاب ) الذي يسيطر عليه وعلى افكاره . ومعاناة هذا المجتمع اجتماعيا واقتصاديا وفكريا وكل الظروف القاسية التي يمر بها جعلت منه انسان (مستلب) .
هذا النوع من الاستلاب يؤدي الى تراجع الامم مما يجعلهم غير قادرين على الانتاج الفكري والدونية حتى يصبح مستسلما حتى اصبح لا يفكر بعقله بل بعقل غيره كما في الاستلاب الديني ، ويطبق ما يراه الغير لا ما يدين الله به . فنحن الان امام اشكالية في غاية الاهمية من حيث خطورتها على العقل البشري وتجريد الفرد من امكانية التعبير عن ذاته الحقيقة مما يجعل منه ضحية لكل انواع الاستلاب ، فلا بد من التخلص من هذه الافكار والانغلاق الفكري فالثقافة تحتاج الى ان نقوم باساس يعتمد على افكار ومعتقدات تولد من عقول قادرة على التغير والخروج من قاع ( الاستلاب ).
لا يتوفر وصف.

تمارا الزبيدي (ماجستير مسرح / العراق)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت