نص مسرحي: " ظل وطن اخر" / تأليف :دلشاد مصطفى
(فضاء المسرح منقسم الی مستویات عديدة. منها عالیة و أخری منخفضة. نسمع أنین امرأة، مع اول حزمة ضوء یظهر جسد امرأة راقدة في مكان عال وسط الخشبة . هناک اصوات أخری غیر واضحة. فجأة یخرج شاب من بین ساقي المرأة الراقدة بصرخة ویجلب معە قطعة قماش بيضاء. ینهض الشاب و ینظر الی المكان.. بعد وهلة یبدأ بالکلام).
الابن : هذه لیست أرض الحیاة .. ألم أقل لك، دعیني أری النور في زاوية أخری من هذا العالم الصاخب؟ لن أغفر لک أبدا.
(تخرج عدة رؤوس من فتحات محفورة علی الخشبة وتهتف بحوارات مختلفة)
رأس 1: لماذا یا أمي لماذا؟ کان من المفروض أن أری الدنیا لأول مرة علی شاطئ البحر و بین أمواجە الصغيرة.
رأس 2: من قال لک أني أحب الحياة؟ لماذا فعلت ذلك بي؟
رأس3 : یا لیت ساعة ولادتي و موتي کانت واحدة .
رأس4 : یا لها من مصیبة ! أي شيء یربطني بهذە الخرابة.
رأس5 : لولاك ما كنت لأحبذ شرب نخب هذە المحنة .
رأس 6: کنت في سبات لذيذ، أيقظني شؤم آلام هذا المكان.
(مع کل حوار تصرخ الأم صرخة ألم وتختفي الرؤوس مع نهاية حواراتها)
الابن: (یلف نفسه بالقماش الأبیض) أريد أن أتجه الآن نحو الموت. أن أضع قدمي علی جبين هذە الطرقات المنهكة وأقف علی حافة الحیاة. يا تری ماذا يوجد وراء ذلك الطلسم؟
الأم : لا تذهب، سوف تضیع ..لم یکن والدک مجازفا کما أنت .. ذات مساء ربیعي اختفی و لم نری حتی ظلە . قف و لا تخطو خطوة اخری .
الابن : من ألعن الآن ؟ لم تکن هذە مشيئتي لماذا یا أمي لماذا؟
الأم : انک کنت الامل.. کنا نتطلع بان تکون نور البیت.. کنّا أنا و والدک نستمع الی أصوات حركات نشوئك و ترعرعك بصبر، عندما کنت تسکن في أحشائي کنت تکبر سريعا، کنت علی عجلة من أمرك، حروکا کما الآن، کنت ترید أن تغادر قفص أحشائي سريعا و تخرج لتری الدنیا .
الابن : من قال لک هذا ؟! کان کل حرکاتی و ضجيجي هناک لکي أقول لکم ماذا جنیتم؟ ما ارتكبتم من اثم بحقي؟ عندما کان والدي یضع رأسە لیستمع الی ضربات قلبي، کنت اضرب جدار السجن الذي کنتفیە قبل ولادتي حتی أقول لكم أريد أرضا أخری أولد فیها .. کان من المفروض أن أتعرف علی نسیم الحیاة في مکان آخر ! لماذا فعلتم ذلک معي ؟!
الأم : لماذا فعلوا ذلک بنا ! کنّا مثلک مليئان بالحلم و الامل . کنّا نود أن تنبت براعم الفرح فی أنفسنا بدلا من غابات الالم، ولکن هکذا کان قدرنا .
الابن : القدر ! ترمون کل الكسل و التقصير و غدر البشر علی عاتق القدر . عندما نلف عقولنا و قلوبنا بخرقات الجهل و قصر التفکیر، لا يسعنا سوى أن نقول القضاء و القدر و مشيئة الرب .
الأم : أسس .. أشش .. أسكت ..
الابن : لماذا ؟ ماذا جری ؟
الأم : أسکک .. أسكت .. لا تتكلم (تنزل من الأعلى و تبحث في زوایا المکان، و الرؤوس الموجودة في الحفرات تخرج متتالية لتقول ..أسکت ..أسکت )
الابن : لماذا تریدین إسكاتي ألم تکفوا من قصصكم المرة و الغیر مجدیة . أنا الآن لا أهاب خرافاتكم القديمة و حكاياتكم المذلة أنا أکبرمن ان أحاصر بالوهم، دعيني أمشي فوق جسد هذا المساء المشؤوم .
الأم : أخاف أن !
الابن : ماذا .. من ماذا تخافين؟ هل تجدين مکانا لە. أنظري أي دم حسود یقطر من جسمي ألا تري کل هذە الجروح و الخدوش.. أنظري کم من أعضاء جسدي الذابل تنهمر من وجهي .
الأم : قلبي لا يتحمل کل هذا الألم .. ان لم تکف سوف أنشق الی نصفین .
الابن : ماذا لدینا حتی نخسرە . خرابة بیت قدیم؟ نفایات بیوت الأکابر، أجساد عفنة ترمیها طاحونة هذە المدینة المیتة . دعیني أتسلق هذە الجدران المهشمة و أصرخ باعلی صوتي حتی أوقض الناس من نوم الغفلة هذا .
(تسمع صوت سیارة جمع النفایات، تزمر و ضوء مصابيحها یضيء المکان، کانها واقفة في الأعلى و ترمي النفایات علی خشبة المسرح . تأتي مجموعة شخصيات الی الخشبة تبحث في النفايات وتنصب مائدة طعام من المخلفات الموجودة في النفايات وتصنع من بقایا البلاستیک والزجاج أطباق وأحداق و تبحث داخل ألاکیاس عن بقایا المأكولات. تبدأ المجموعة بالعمل سريعا، بحیث تجد بقایا خبز، طماطم معفنة، نصف خيارة و تضعها علی المائدة. الابن یقف علی رأس الطاولة. أحد الاشخاص يصنع لنفسه طاقية الطباخ من قطعة قماش يجدها في النفايات و یأتی بقدر قدیم مکسور الید و ملعقة خشبية كبيره نصف مكسورة. یبدأ بالضرب علی القدر حتی یعلن وقت الطعام . تجتمع الشخصيات حول المائدة وتنتظر مجيء الام التي تمشي بغنج، و عندما تصل الی رأس الطاولة تشیر بیدها الی الجمیع بالجلوس . تجلس الشخصيات و الطباخ یوزع علیهم الاکل الوهمي) .
الطباخ: حساء السعادة .
الام: لذيذة.
الشخص2: سلة من خضروات الفرح.
الام: نافعة.
الشخص 3: رزمة من خبز الامل .
الام: مليئ بالطاقة.
الشخص4: طبق من حلويات الغد.
الام : طيبة.
الشخص5: وهذە حفنة من كرزات السلام .
الام : ضرورية
الابن : (يصعد المائدة غاضبا و يصرخ) وهم علی وهم . مائدة وهمیة، طباخ وهمي، أکل وهمي، کل أشیائکم مبنية علی الخیال، برج مبني علی رمال الخیال .. أفیقوا یا زمرة المتوهمين لا تخدعون أذهانكم أكثر من ذلك..
(الشخصيات لا تهتم و تستمر علی تناولها الطعام الوهمي، ینزل الابن من المائدة و یأخذ سلة قديمة ممزقة فيها بقایا خبز و یذهب الی مقدمة المسرح و یریە للمشاهدين)
الابن : هذا هو خبز الامل المليء بالطاقة (یضع یدە في جیبە و یخرج بقایا كرزات مأكولة) أنظروا الی كرزات السلام .. تناولوه بالهناء في خرابة عیشکم (حیاتکم).
(تغضب الام و تترک المائدة و تذهب لتجلس في زاوية، یتوقف الجمیع عن الاکل و ينظرون الیها. یذهب الابن الیها. في ظلام الخشبة تبدأ الشخصيات الاخری بلملمة المائدة وتختفي واحدة تلو اخری) .
الابن : مازال یسکن فیک شيئا من غرور الأميرات..أمیرة الخرابات التعيسة.. یبدو هدؤك کبدایة بركان غاضب یتأجج في دواخلك و یقترب من الانفجار.. أعلم انک لا تستحقين هذا النوع من الحیاة ولکن ماذا بیدي.. لست أنا الذي قرر لک أن تعيشيه کذا .
الام : ماذا ترید ؟ لماذا تحکي تلك الحكايات القديمة.
الابن :حتی أذكر العالم أین کنّا و ماذا أصبحنا، کیف ذهب هباء اکل ما عانینە من الأذى و المحن، وأین أدی بنا صبرنا لیروا ما فائدة نضالنا الدؤوب کل تلک السنین من أجل نسخة مزيفة من الحرية.
الام :ضحی والدک بنفسە من أجل ذلک.
الابن :أبي ؟ أین هو؟
الام : لقد اصبح الوطن والدکم .
الابن : (يضحك بمرارة) الوطن والدنا ؟ أین هو ؟ لقد اصبحنا أنا و أخوتي بائعي کل شيء، من الکتب الی حمالات الصدر، من الأحذية الی الطواقي و الکوفیات، من الاقداح الی الشرف ، کل شيء، کنّا نبیع للناس الاحلام الوردية الموجودة بالكتب. یوم نقراء الطالع لطيور السنونو المتجمدة من البرد القارس في أنفاق الاسواق المظلمة. ویوم آخر کنّا نبحث عن خارطة كنوز البلاد المخفیة، كم كنا ضالين بائعي کل شيء.
الام : انک لا تهاب أي شيء سوف تکون سبب موت اخوتک .
الابن : ماذا أهاب یا أمي؟ أبصق علی ذلک المصير الجبان، الموت أشرف. کفاک لوعة بذلک الماضي الخداع، حتی لا یکون مصيرک کوالدنا الساذج .
الام :أنە کان باسلا لکن هذا الوطن لم یسع لأحلامه.
الابن :أم ! و ماذا فعلوا من أجلە ؟ تمثال من الطين . لا تزعلي ان قلت انهم کانوا یعتبرونە مجنونا، من الممکن ان أمسی جمجمتە الملیئة بالشوق تحت صخرة وسط الجبال و لا أحد یبالي. ( یذهب الی الوراء) رجل حالم أتریدینهم أن یسمونە أعظم من ذلک؟، لا أظن يا أماه،(یضحک) ها ها ..لم یصنعوا لە حتی تمثالا من الطین … ها ها
(تذهب الام الی مقدمة المسرح وتقف غاضبة و حزینة ، تنظر الی الافق و تنادي)
الام : یا فارس الفرسان .. أني الی الان اقف في عتبة الباب و أنادي متی تعود .یجب أن تعود یوما و تدخل الی حواری هذە المدینة المنسية حاملا قنديلا مشتعلا و غاضبا و تنادي : عدت لأنبهكم من نار ستلتهمكم واحدا تلو الآخر ، أجلب معک باقة من بنفسج الشوق و عد حتی یقولوا أنە هو الرجل الحالم، عاد علی جناح غیمة ملونة حاملا معە حقیبة هموم الوطن. متی تعود، لقد انقلعت أبواب و نوافذ بیتنا، ها أنا و أبنائك تركنا منسيين في هذە الخرابة. أين انت يا فارس فرسان الغربة؟ هیی،أین أنت ایها الفارس الحالم أین أنت ( یتحول کلامها الی نوع من الشجن)
( یاتی أحد الابناء جریحا ملابسە ملطخة بالدماء، تظهر سکینة كبيرة مغروسة علی صدره، یجتمع الکل ويتبعونه بلهفة دون ان یعملوا شیئا، یرکض الجریح من زاویة الی اخری، یتبعە الاخرون رکضا، و فى کل وقفة یشکلون کتلة تعبيرية تدل تارة علی الخوف و علی الحزن تارة أخری. الی أن یاتي الابن و یاخذە الی زاویة في مقدمة المسرح ویتحدثا لیە.)
الابن :ضربوك ، غرسوا سکینا صدئا في صدرك ؟ قل لي لماذا ؟ هل أعترف علیک النسيم ؟ أو نطق الشجر بالحقيقة الدامغة؟ قل لي من فعل بکذلک؟ أي طير أخبرهم عنک؟ لماذا فعلوا بک هذا ؟ قل، تکلم ! هل قصصت حکایات ملونة للعمیان؟ أم علمت البکم موسیقی النشوة ؟ ماذا جنیت ؟ ما هو ذنبک حتی یفعلوا بک هذا ؟!
(تاتي الام منفعلة في حرکاتها و لکنها لا تستطيع الکلام، تتحرک حول ابنها الجریح و تقف فجأة كالصنم، يقترب منها الابن و یقف أمامها، تتقدم الشخصيات الاخری و تأخذ الجریح ال یزاویة من المسرح لاسعافە)
الابن : هاتي برماد أحدی الحروب و ضعیە علی جرح ابنک .لا تقفي مكتوفة الیدین. لا تهدري السنوات العجاف والصبر و التضحية و العیش في خرابة. ابنک کان في المیدان مع المعتصمين ینادي للحریة واضعا صورة والدە الشهید علی صدرە فخورا، و کان کلە امل بأنە سوف یکون محمیا لأنه ابن البطل الحالم، مزقوا صدرە مع الصورة. ألم تلاحظي بقايا الصورة الممزقة في يدە، لم یبقی شيء من ما تحسبینە مقدسا، لقد دنسوا کل شيء، أصدقاء الشهید البطل، لم يبق لهم سوی أن یطمعوا فيك، و ان لم یفعلوا هذا الی الان اه یا أماه ! لو کان بیدي لکنت ترکت کل هذا و رحلت. ماذا تنتظرین ؟ لم یترکوا لک شیئا یستحق أدنی تضحية، اذهبي و ابدئي الحیاة في خرابة مدينة أخری بلد اخر و أعثري علی بعضا من السكون لک و لابنائک .
الام : ( تبدأ الکلام بهدوء ) أششش..أسکت ..اششش.
الابن : سوف لن تري أي بریق امل في هذا البلد المصمت .الذل و السجن و شعب صامت و مذهول أمام کل الاشیاء. مدینة وقعت تحت شتات البیوتو معارک أصدقاء الأمس و أعداء الیوم. ماذا تنتظرین، املئي حقيبتك اليدوية برائحة البساتين المهملة وابدئي مسيرك نحو درب الصد ما رد و اذهبي .
الام : اسسسس.. أسکت ، لا توقض المواجع و الجروح النائمة في أحشائي.
الابن : اسمعي هذە تفاصيل أخطائنا و رأينا النتيجة و العقوبة (يشير الی الزاویة التي يرقد فيها أخاه الجریح) اسمعي الی تلك التنهدات :
الشخص 1 ( من الزاوية) : ذات ليلة أتی شبح من بین ملایین من الاصوات المضجرة من أقليم النار، و ذهب الی سفح الجبل و بکی أمام فصل عودة المطر ..تصوري ..بکی .
الشخص 2 (فتاة): عندما قررت العشيرة هدر دمي احتسوا نخب الفرح علی جبین موجة مجنونة بللتهم من حسرتها .
الشخص 3: اشتکیت .. أنا الذي اشتکی أمام وقار وردة بيضاء .أشتکیت ذلک الأنين الذي یطرد النوم من أجفاني ساعة السحر .أنا من اشتکی و قلت هناک شجرة انتحرت حرقا ولم تسمح لدموع تلکالغیمة اخماد نارها .
الام : دعوني اضع رأسي علی صدر ذلک الجرح و أبکي .. دعني أبكي و أنوح
(تذهب الی الزاویة التي يرقد فيها ابنها الجریح، یبقی الابن لوهلة ثم یبدأ بالبحث في جیوبە بصمت و هدوء و یجد صورة، یتقدم الی مقدمة المسرح ویقف في بقعة من الضوء و ینظر الی الصورة ).
الابن: عشقتك حزينا.. لا يزال هناک طبع اصابعك علی جرح في قلبي (يترك تلك البقعة و يذهب الی اخری و یتحدث) وأخیرا بشفاه متشققة وقفت أمامها و همست: قبلیني، وقفت وراء جدار کل الحراس الحقراء و همست لها : قبلیني، أحضنیني بقوة، لا يبدو اننا سنری بعضنا مرة أخری، یبدوا أنە اللقاء الاخیر و یجب أن نترک بعضنا (یذهب الی بقعة اخری) همست قبلني، صرخت قبليني، قالت أحضنني، و صرخت أحضنيني بقوة، همست و صرخت بهدوء..و بقوة، صرخت أنا، و همست هی، صرخت، وهمست أنا، نادیت و همست، أنا صرخت، و همست هي .. صرخت و همست ، انها همست و أنا اصرخ (یستمر علی هذا الی أن یسقط باكيا)
( بعد وهلة من التألم يبدأ الاخوة و الاخوات بالهمس هذا ما يجعل الابن یتحرک مع کل همسة و يحاول النهوض)
الشخص 1(يهمس): تعال انظر الی لعب الطفولة.
الشخص 2 (يهمس): انظر كيف جعل الثلج ملامحي بيضاء.
الشخص 3 (يهمس): حشود في الطريق ..تأتي وتبيد كل شيء.
الشخص 4 (يهمس): لا تجلس وسط الطريق كأنك تستجدي الشفقة.
الشخص 5 (يهمس): لا تقف هكذا.. اذهب سوف لا تنتظر كالحیاة أكثر من ذلک .
( الابن یبحث في أرجاء الخشبة حتی یلتقی الام )
الابن : هات یدک .. اتركي تلک الحسرات و الشجن، کفاک ولعاب البکاء لنذهب معا .. اترکي اشتياق الطرقات و
الدرابین والبيوت و المداخل القديمة ، دوسي علی صدر دفاتر ذكريات الطفولة و هات يدك لنذهب .ماذا نترک أنا و انت، عنوان رجل مات غریبا و حفنة من لآلئ الذکریات ، لقد فقد الاثنان معانيهما.. هات یدیک لنذهب ، لا وجود للغد هنا.
الام : في بیتي الموحش لم أکن افکر بالغد أبد ، کنت أمد یدي لقاموس الخیال و أستجدي شيئا من الفرح .مزیج من أحلام الصبا و أفکار العمر. عندما یقترب المرء من الموت یداهمە احساس العجز .
الابن : لنرحل لا شيء یبعث الحياة بقدر الخيال .یحرک فيي احساس الحیویة .حینها أبني لنفسي عالما مليئا بالمحبة و العشق و هكذا أصبح ملكا لا يضاهيني أحدا.
الام : ليس بعد .. لا یمکن ان نترك جزء منا هنا. أتعرف ان الذين يصبحون أصدقاء موت مبهم يبقون أحياء. ظل أرواحهم يجوب غرف و باحة و مخازن البيوت. يبدو لك هذا كبداية حكاية قديمة ولكنه بمثابة سكوني.
الابن: ألا تظني إنك تعبت ؟
الام: لا
الابن : یبدوا علیک التعب
الام : لست کذلک .
الابن :أنا أراک کذلک.
الام :لیس صحيحا.
الابن : بلی.
الام : کلا.
الابن : نعم انە هکذا .
الام : لا ..لا..لا ..لیس صحيحا (تغضب) أنک ترید أن تفرض وجهة نظرك .
الابن : و انک تفرین من الحقیقة بالقوة.
الام : أترید أن تکذبني؟!
الابن :أماە!
الام : تختم جبینی بختم الکذب .
الابن :أماە
الام : أتکسرکلامي ؟!
الابن : كلا.
الام : بل انك تريد ذلك .
الابن : لا لا أريد .
الام :نعم أنە کذلک .
الابن : لا ..لا ..لا ..(یغضب) أنک تریدین أن أقر ما تحبین (صمت)
الام : ألا تری أننا ندور في حلقة فارغة.
الابن : نعم، لنرحل .
الام : الی أي منفی .
الابن :أیا کان سیکون افضل من هذە الخرابة .
(يسمع صوت سيارة النفايات تأتي و ترمي أشياء اخری علی الخشبة الام و الابن يبحثان بین الاشیاء و یتحدثان تأتي المجموعة لتبحث ایضا.)
الام : سنتجمد في البرد و نموت .
الابن : و هنا سوف نجن من القهر .
الام: ستخنقنا الجدران العالیة.
الابن :أفضل من هذا البلد الذى لیسلە اسوار .
الام : تعودت عیناي علی أشجار هذا البلد .
الابن : تعرفينهم من بعد، سترین أجمل منها هناک .
الام : یا بني أكثرنا صاعدين قطار الموت نحو محطات القبور و ان بعضا منا ینزل منە قبل أن یصل و یمکث لوهلة في مفترق الحياة و الموت. ما أخافه أن في تلك الجنة في منفانا الاختياري يصبح الموت حلما صعب المنال.
الابن : ماذا يوجد هنا ؟ كل يوم اريد أن أعود الی الأماكن التي خبئت فيها ذكريات أيام مضت. ورود ، عطور ، ودفاتر الصبا ، قطع من نجوم کلمات العشق . ولکن هذە الخرابة تظللني ، نسيت معظم خرائط الاماكن، رباه الی أین أخطو خطوتي ؟! لقد علقت فی وسط لا يملك غیر الظلال حتی یهبني ایاه.
الام : ولکن ماذا عن هذا الوطن ؟
الابن : أي وطن؟ كفاك سذاجة.. لقد هتكوا عرض الشوارع، أغرقوا المدينة بالدم اثر صرختان. هتكوا شرف الحریة ولازالوا یتحدثون باسمها، انها أزمة وطن يا امي.. ما نعيشها الان ليست الا أزمة وطن .
الام: انهم بهذا یحمون حلم جیل .
الابن : أي جیل ؟! الذین ردوا علی هتافاتهم و أحجارهم بالرصاص .اماه ..لقد ملیء تاریخ هؤلاء بالغدر و الطغیان .لیسوا کما کانوا من قبل ..لا تعيشي کزوجک الحالم ..اترکیهم ..
الام : الحیاة هکذا ..لا یبقی کل كل شيء کما کان . من المحتمل ان الظروف تطلب هذا..لا يمكن أن يتركوا الوطن بيد مجموعة من الأطفال.
الابن : ولکنه یترک بید قاتلي الأطفال .
الام : لدینا أعداء کثر . لذا يجب أن نبقی قلب واحد و ید واحدة .
الابن : لقد ولی زمن تلک الأناشيد یا امي .من یفکر بذلک لعل في اغنية غريبة أو في مأتم يأتي أحد أو التفاتة .
الام :أنا سابقی هنا .. و أنت اذهب و أبحث عن عشقک الذي خسرته.
(یذهب الابن حزینا، الام تبحث بین الاشیاء و تغني بهدوء، یذهب الابن الی المرتفع في عمق المسرح و یقف في بقعة ضوء و یتحدث مع الصورة التي معه)
الابن : أعرف فصولا من الحب البكاء فيها لا يكون سوی فرحا .. أضیئينا فذتک و ألبسي قلادة العاشقة الجريئة و تعالي لنرحل معا.
(یسمع صوت اغلاق أبواب و شبابیک .. وبعد وهلة من الانتظار يترك الابن بقعة الضوء حزينا، فجأة تفتح نافذة، تنزل فتاة من النافذة معها قماش ابيض وتأتي مع الابن للخشبة. تعود الشخصيات للعمل يصنعون طاولة من الخشب والأشياء الموجودة في النفايات. أحدهم يبحث عن ورود، يجد وردا صناعيا مقطوع الأطراف ويضعه في قدح بلاستيكي مكسور ويضعه علی الطاولة. تأتي الأخت وتأخذ الورد ويبدأ الشجار بینهم و لکن بالهمس و الإشارات. أخیرا یصر الأخ علی وضع الزهور. الأخت تأخذ بید الفتاة وتجلسها امام الطاولة ولكن تبقی ملامحها مظلمة. الاخوان یأتون بالابن و يجلسونه و یعطونە مصباح يدوي (لایت)،یأخذە و یوجە ضوئه للفتاة ويتفاجأ بها و من ثم ینهض)
الابن : لا لست حبيبتي. لا.
الفتاة : عن من تبحث؟ أنا هنا !
الابن : ولكنك لست حبيبتي .. أنا ابحث عن فتاة ليست أنت .
الفتاة : بل أنا أم ، أنك تريد أن تتركني و تهرب.
الابن : أ تريدين خداعي ؟!لما لا ! أنه زمن عجیب ، یغیرون ملامح حبيباتنا أيضا وما علینا الا السكوت .و أن حاولت أن تعاند سوف يختاروا لک من تحب و یجب أن ترضی .
الفتاة : هل هي أجمل مني ؟
الابن : لیست العلة كما تقولين .أنا أعشق نوعا اخر من الجمال و لست أنت کذلک .
الفتاة : أنا هنا لسبب اخر ( تقوم و تبتعد)
الابن: ماذا تریدین ؟
الفتاة : جائعة.
الابن : (یضحک بصوت عال . یقف و یبدأ الضحك من جدید . تنظر اليه الفتاة مستغربة وغاضبة. بعد وهلة يتوقف الابن من الضحك) لا تستغربي! ا ما تقولينه قديم جدا.
الفتاة : هل تقصد بأن الجوع قديم أم ماذا ؟
الابن : قولي الحقيقة ! من بعثك وماذا تريدين؟
الفتاة : الجوع أتی بي الی هنا و أنا مستعدة أن ..مقابل وجبة ما ..
الابن : ( يقاطعها) لا تكملي .. هل ترين ذلك الطريق الضيق.. اذهبي من هناك ستجدين آلافا من کبار الرجال یشترون
الفتاة : .(تذهب الفتاة و تبدأ بعرض نفسها ) من الممکن أن یکون هکذا..ولکن لا یهمني من یشتري ..أنا جائعة و مستعدة مقابل وجبة طعام، هل تشتري أیها الرجل الصالح ؟ ألا تشتری أیها الشاب الوسیم ؟ تعال و جرب حظك الی متی ترید ان تبقی باکرا ؟ و ماذا عنک ؟ لا لا لست هنا لأنک سياسي بارع . لم آتي من أجل ذلک ،أنا جائعة و بالنسبة لی لا فرق بینک و بین المعتوه الذي يقفز علی عتبة المدينة باستمرار .هل تشتري أم ستبقی تتکلم ..اه ..لا لا لا أرید أنک تتکلم کثیرا ..هی أنت أیها العزیز اتشتري .. أنا جائعة ..أي شيء .. جائعة .. أتفهمون معنی الجوع و ما يفعله في البشر .. جائعة .. لا تفعل ذلك ..رباه أنا جائعة.. لا تفعلوا بي ذلك ..اجمعوا حجارتكم و أرموها في مكان اخر لست أنا الا مجرد جائعة .. لماذا ترمون علي الحجر .. ماذا فعلت ..لانني جائعة ..
( تمشي الفتاة بصعوبة وکانها تواجه رجما بالحجارة. تذهب وتتغير ملامحها وتبدأ قطرات الدم تظهر علی القماش الأبيض،ینظر الابن الی هذا المشهد مستغربا، جامدا في مكانه الی ان تختفي الفتاة في الظلام.. فجأة يتحرك الابن و يذهب الی زاوية من المسرح یجد ماء و یبدا بغسل وجهه و یدیه کأنه ینظف نفسه من دمها..)
الابن : اذن أنا وحید سوف أرحل وحیدا نحو تلک اللیالي التي غادرها القمر .. لیالی لا تکتب بأي کتاب من کتب التاریخ ..اذهب مثل برکان خافت قدیم ..خافت نحو ظلمة ليل لا يعرف فيها احدا منّا. هناک سأنادي کل رسائل الشوق و الموت من أجل بعضنا البعض و دموع الاشتیاق حتی نبحث عنک معا.
(تظهر الشخصيات من جدید یحملون حقیبة سفر واحدة ، تذهب من ید احدهم الی اخر و یندمجون مع حالة الابن)
الشخص 1 : في ملامح المارة ..
الشخص 2 : في ضفاف الانهار هناك ..
الشخص 3: في المقاهي المضیئة ..
الشخص 4: في كل الاماكن التي لست فيها .
الشخص 5 : يبحث عنك …يبحث عنک …
(یاخذ الابن حقیبة السفر و یذهب الی الام )
الابن : مرة واحدة فقط ..اتركي وهم هذا الوجود..و الوجود الوهمي و اذهبي..أذ بقينا هنا، سيكون نصيبنا الاغتصاب و الحسرة ..لنرحل.. بعد جرح فلذة كبدك ماذا تريدينهم ان يبعثوا لك (يشير الی اخیه الجریح) لنرحل.
الام : اترکوني وأنجوا بانفسکم ..
الابن : صحيح انك أنجبتنا في هذه الخرابة لكن لن نتركك هنا و اذا ذهبنا الی أي مکان ستکونین انت قبلنا هناک.
الام : و لکن أنفاسي لا تکفي لقطع تلك الطرقات .
(الجمیع یقتربون منها و یاخذونها معهم و یتحرکون نحو الاعلی علی شکل قافلة تسیر نحو مكان مبهم .و بعد مجموعة من الحرکات تتعب الام )
الابن : أرفعي راسك وأنظري الی قامة النور.
الام : الذي تسميه خرابة كان جنة بالنسبة لي .لعلي اذهب معكم لابحث عن رفات أباكم في الطرقات .
الابن : محض خيال .سينتهي سحر كل شيء امام الجوع و الخوف و فقدان القیم .
الام : الوطن عزیز .
الابن : حینیک ونفیه الطمأنينة و السكون.. العدالة والنور..اذ اصبح لديه ما لا یحول کونک انسأنا الی قهر و هم .
الام : تعبت و لا استطيع .
الابن : اماه اعرف ما عانيتي ..لم يبق امامنا الا تلك الهضبة . حاولي أن تجمعي قدرا من النفس لها.. بمجرد عبورنا نحو ذلک الميناء سترین الجنة بعینیک . اماه غدا عندما أکبر سأجعل من مقاماتك اضرحة لتاتي الناس لزيارتها من کل ارجاء المعمورة.. تحملي عبء هذا الطريق لم یبقی الکثیر.. تحملي اماه و تعالي معنا .
(تتعب الام و تسقط .. تجتمع الشخصيات حولها و يلفونها بالقماش الابيض و يضعون جثتها علی المنصة التي كانت عليها في بدأية العرض و یقفون حولها .. یبدا المطر بالهطول …)
الابن : في افق بعيد ما بين الارض و السماء يرقص المطر بملابس من الفضة، رقصا يبعث النشوة في أعماق القلب.. انظري يا اماه.. ما أجمل الحياة ما وراء ضباب الحسرة.. افتحي عينيك وانظري.. انظري يا اماه ….انه ظل وطن اخر اراه يقترب منا رويدا رويدا…لا تتركينا هكـذا …اماه انظري لروعة المطر هناك …. انظري يا اماه…
(تبدأ المجموعة بهمهمة حزينة.. صوت المطر و ضوء الافق يخفتان رويدا رويدا.. حتی یاتي الظلام الدامس ..)
(النهايـــــــــــة)
- دلشاد مصطفى/ ربيع 2010