فيلم (الأراجوز) للجزيرة الوثائقية يزيف الأراجوز المصري وينتهك حقوق الملكية الفكرية/ ا. د نبيل بهجت
عرضت قناة الجزيرة الوثائقية بتاريخ 21/3/2021 فيلمًا عن الأراجوز وحمل الفيلم في كثير من جوانبه تزييفًا لهذا الفن الشعبي المصري وتجاوز الأمر إلى أن تعدّى الفيلم على حقوق الملكية الفكرية والفنية باستخدامه مشاهد وصور من عروض فرقة ومضة و من الفيلم الذي قمت (د.نبيل بهجت) بإخراجه وإنتاجه بعنوان “الأراجوز المصري” -الموجود على صفحة اليونسكو وكان أحد مرفقات الملف الذي قمت بإعداده لتسجيل الأراجوز على قوائم اليونسكو- وهي قرابة 26 لقطة دون إذن أو موافقة مني أو إشارة منهم لصاحب تلك الأعمال مما يُعد انتهاكا لأبسط حقوق الملكية الفكرية وعدم المهنية وغياب المصداقية. ومن خلال دراستي وعروضي حول الأراجوز ومصاحبتي لشيوخ هذا الفن والأرشيف الذي كونته من وثائق امتدت حتى العصر العثماني ومجموعة دمى تجاوزت 400 قطعة جمعتها من عصور مختلفة وأفلام قمت بتصويرها على مدار 20 عامًا وتسجيلات أرشيفية قمت بتجميعها، يمكن أن نقف على الاخطاء المهنية والفنية في هذا الفيلم وهي كالتالي:
(1)البوستر:
استخدم البوستر صورة لدمية من ضمن مجموعتي الشخصية وهي النموذج الذي تستخدمه فرقة ومضة في عروضها، وأمتلك أصل هذه الدمية حيث آلت إليّ من عم صابر المصري “شيخ لاعبي الأراجوز”.
وقد استخدم بوستر الفيلم صورة الدمية دون الاشارة لاسم صاحبها “عم صابر المصري” أو إذن من مالكها أومن الفرقة التي تقدم عروضها بها مما يعتبر تعدياً على أبسط حقوق الملكية الفكرية
كذلك ظهر في الفيلم دمية ذات نحت حديث قمت بصنعها وتقديمها من خلال أحد العروض 2013 في ومثبتة في بوستر الملتقى الخامس للعروسة الشعبية كأحد النماذج المستوحاة من الأراجوز..
(2) التعدي على حقوق الملكية الفكرية
انتهكت الجزيرة الوثائقية قوانين الملكية الفكرية لقرابة 26 لقطة من عروضي وفيلمي الأراجوز المصري دون إشارة أو أذن مسبق أو موافقة من الذين ظهروا في الفيلم لظهورهم فيه هو ما يتنافى وأبسط الحقوق
(3) وسيط العرض:
أقصد به المسرح أو منصة عرض الأراجوز حيث اعتمد الفيلم على الوسيط الأوروبي للعروض المشابهة للأراجوز هناك وهو ما أخرج الأراجوز في الفيلم عن مصريته من حيث الشكل العام فهذا الوسيط/ المسرح المتنقل الذي شاهدناه بشكل متكرر في الفيلم والذي حرص الفيلم على تثبيته أنها منصة للأراجوز هي بعيدة كل البعد عن الأراجوز المصري،حيث ينحصر الوسيط الشعبي في أربعة عناصر (البرفان/ العربة/ الخيمة/ الباردة) وما زال اللاعبون يستخدمون العربة في الموالد والأحياء الشعبية والبرفان في الحفلات المختلفة واختفت الخيمة بموت اللاعب محمد كريمة أما الباردة فاختفت منذ زمن بعيد وما شاهدناه في الفيلم كان أقرب ما يكون للشكل الأوربي وبعيدا عن التصميم الشعبي المصري.
(4) الدمى/ العرائس:
شاهدنا في الفيلم عرائس أراجوز أشبه ببابا نويل وأخرى بلاستيكية دون شارب ذات ملامح طفولية ولا تمثل تلك الدمى الأراجوز التراثي كذلك فإن بعض ما قدمه الفيلم من الدمى المساعدة للأراجوز جاءت مشوّهة وغير معبرة عن مجموعة دمى الأراجوز إذ رأينا ترهل يد الدمى في يد اللاعب.كذلك اختفت من الفيلم النماذج المصاحبة للأراجوز فلم يقدم معلومات عن تلك النماذج أو الأسماء المختلفة أو طبيعة أدوراها داخل النمر فجاء التناول سطحيا وهامشيا.
(5) خلط الفيلم بين بعض اللاعبين الشعبيين وفنانين محترفين ليسوا من حملة التراث الشعبي لهذا الفن، وغيّب الفيلم نماذج ولاعبين شعبيين ما زالوا يمارسون الفن في مختلف أنحاء مصر من حملة التراث الشعبي الحافظين للنمر الشعبية التراثية فليس كل من استطاع النطق بالأمانة لاعبًا شعبيًا، فاللاعب الشعبي أحد عناصر الجماعة الشعبية الحامل للتراث الشعبي بالحفظ والممارسة والمعايشة ولا يمكن اعتبار من يتعلم التكنيك ليؤدي دورا في مسرحيا لاعبا شعبيا وهذا الخلط الفج الذي وقع فيه الفيلم وارتضاه البعض ليحوذ لنفسه صفة ليس له تعدي صريح على الكنوز البشرية الحية وتعمية وتغطية عليهم هذا الخطأ جعل المحتوى الإجمالي للفيلم غير علمي ولا يرقى أن نعتبره مادة توثيقه لتراث الأراجوز المصري الشعبي، فحِفظ التراث وتداوله وانتماء اللاعب للجماعية الشعبية المعروفة والمشهود لهم بالكفاءة أهم ما يميز اللاعب الشعبي وهو ما يفرق بين الشعبي والمستلهم منهوبين اللاعب الشعبي وغيره، والأمر نفسه ينطبق على ما استوحاه الفيلم من مشاهد السينما، وهل يجوز أن نستشهد بها على أنه أراجوز أم لا.
(6) خلا الفيلم من تقديم الأراجوز في بيئاته الحقيقية كالموالد و الحفلات وكانت اللقطات الوحيدة المأخوذة من تلك البيئات من فيلمي الأراجوز المصري، وكان التصوير في مولد فاطمة النبوية 2004. واستخدم الفيلم كذلك لقطات لعروض فرقة ومضة للأراجوز وخيال الظل من تأليفي وإخراجي بدون إذن أو إشارة منهم لصاحبها أو موافقة من الفرقة على ظهورهم في هذا العمل، وهو تعدّي واضح على أبسط حقوق الملكية الفكرية وتخلي عن المصداقية في التعامل مع إبداع المبدعين العرب وهو ما يوجب الاعتذار كأبسط أشكال المهنية.
(7) سعي الفيلم من خلال الإلحاح في بعض المشاهد على صور محدده ربطت الأراجوز بالفقر الجمالي والاجتماعي في الفيلم وابتعدت عن المساحات والبيئات الجمالية التي تستهدفها عروض الأراجوز وإن كانت هذه هي رؤية مخرج الفيلم إلا أنني أذكره أن مصربها من الجمال المكاني والعمراني ما يمكن استخدامه، إذ يضم بعض تلك الأماكن المبهرة عروضًا للأراجوز حتى الآن. وما قدمه الفيلم في بعض مشاهده من أماكن لا يعبّر عن مصر البديعة ولا يعبر عن واقع المساحات المختارة للأراجوز، وأخشى ما أخشاه أن يكونإبراز غيرالجميل توجها.
وأخيرًا فمن خلال خبرتي العلمية والفنية و من خلال ما أمتلكه من وثائق وأرشيف حول هذا الفن أستطيع أن أقول أن الفيلم لم يعبر عن واقع أو تاريخ الأراجوز المصري، ولا يعدّ توثيقا علميا لفن الأراجوز. وأنبه على ضرورة عدم الاعتماد عليه كمادة وثائقية في المستقبل للباحثين والدارسين. ورغم وجود بعض اللاعبين الشعبيين بالفيلم إلا أنني أظن أنه أسيئ استخدامهم داخل الفيلم دون قصد منهمفي عمل خلا من المصداقية لفن شعبي مصري توارثته الاجيال وتم توثيقه كأحد الفنون الانسانية العامة، وأعتقد أن المهنية والمصداقية تحتم على قناة الجزيرة تصحيح تلك الأخطاء.