"لسه فاكر" … وخيال الممثل الحر ../ نسرين نور
يعرض على مسرح ليسيه الحرية بالإسكندرية ونتاج مبادرة المؤلف المصري العرض المسرحي (لسه فاكر) من تأليف: محمد مرسي وإخراج : سامح الحضري وبطولة نخبة من نجوم الإسكندرية : نادر محسن وأحمد عسكر وإسلام صلاح ومحمد فاروق وبوسي الهواري .
الفكرة الرئيسية للمسرحية تدور حول مهندس خرج لتوه من السجن بعد أن قضى عقوبة بسبب سقوط عقار ما، خرج وحيدا منبوذا ليتذكر الأيام الخوالي منذ كان طفلا وحتى تلك اللحظة .
يبدو النص قاتما إذا ما نظرنا إليه من خلال تلك النبذه المختصرة لكن العكس هو الصحيح إذا ما شاهدنا العرض. فكلا من الممثلان الرائعان (أحمد عسكر، وإسلام صلاح) أضافا روحا ونفسا جديدا وبهجة حقيقية فهما في الحقيقة جوكر العرض ليس لإنهما يقومان بعدة أدوار وحسب ولكن عليهما يقع الرهان بجودة المعروض والانطباع الجيد الذي يخرج به الجمهور من المسرح في النهاية .
أكثر ما يميز النص الصدق، فهو يعرض بعفوية وصدق تجارب (الشخصية الرئيسية) منذ كان طفلا ومراهقا ثم شابا وشيخا ، تلك التجارب التي تتماس في معظمها مع تجارب وحياة معظم الحاضرين من الجمهور لإنها شديدة الإنسانيه فمن منا لم يسأل_ أو تمنى أن يسأل _ آباه أسئلة جنسية أو عاطفيه شديدة الحساسية، من منا لم يحب في مرحلة المراهقة سواء كانت بنت الجيران أو غيرها ومن لم يصدم سواء بالآخر أو بالظروف التي تحول دون اكتمال تلك التجربة رغم سذاجتها، ومن لم يرى (حوده اللول) (صايع المدرسة) وتمنى أن يكن مثله أو في زمرته أو كان من ضحاياه، من منا لم يتعرض للخداع بمختلف أشكاله ومستوياته .
وقد تأثر الكاتب ايضا بما كان يمثل ظاهرة في الثمانينات من القرن الماضي ،فما كان شهر يمر إلا وعمارة حديثة البناء تقع على ساكنيها وينجم عن ذلك قتلى وضحايا ويزج بالمهندس المسؤول في السجن ويتهرب المقاول والشركة من المسؤلية . وقد تكرر ظهور تلك القصة في أفلام تلك الفترة ومن الطبيعي أن يتأثر الكاتب بها والخلل الوحيد أن حالة البهجة والكوميديا في العرض حالت دون التماهي مع تلك القصة الحزينة .
فالراوي كلما ظهر ليربط أجزاء القصة سويا شعر المتفرج بالتململ وتمنى أن ينتهي مما يسرد من ذكريات ليعود لحالة البهجة والمرح التي تنتج عن تجسيد ما يحكي الراوي من ذكريات والتي في حقيقتها من جوكر العرض (عسكر وصلاح) .
كذلك أبدع (نادر محسن) _يجسد البطل في مراحل متعددة_ في دوره واستطاع ببراعة أن يقنعك بأنه طفل ومراهق وشاب وكأن شكله وآدائه قابلان للمط والانكماش. ومما يحسب له أنه لم ينجرف نحو الكوميديا لإن دوره لا يسمح بأكثر مما قدم بالفعل على المسرح وإذا جنح للكوميديا انفرط العقد . ذلك يحسب للمخرج ايضا أنه يتمتع بالوعي الكافي للحيلولة دون ذلك .
أبدعت كذلك متعددة المواهب (بوسي الهواري) في دورها الذي يمثل الحبيبة في مختلف مراحل حياة البطل على اختلاف أسمائها وبيئتها وشخصياتها في كل مرحلة .
أما الراوي أو بطل الحكاية في مرحلة الشيخوخة الممثل المخضرم (محمد فاروق) يحسب له ايضا (رغم كونه كوميديان) عدم إنجرافه للكوميديا ووعيه بمستلزمات الدور الذي نحى إمكانياته الكوميديه جانبا و أبرز مواهبه التراجيديه الرائعة فقد كانت مهمه صعبة حقا أن تجذب إليك جمهور خارج لتوه من مشهد كوميدي ساخن ليسمع قصتك المحزنه .
الديكور للمبدع (وليد جابر) الذي استطاع ببساطه ودون تكلف أن يفصل العالمين عالم الراوي الشيخ عن عوالم أخرى لأماكن وأزمنه متعددة تمثل قصة البطل وقد لجأ لموتيفات بسيطه تعبر عن كل مكان وملابس وإكسسوارات تعبر عن كل زمن .
يحسب كذلك للمخرج متعدد التجارب سامح الحضري إدارته ببراعة للعرض ووعيه بترك الفرصه للمثل أن يبدع ويخرج ما لديه من طاقات، واختياره لممثلين تميز كل منهم في دوره لإن اختياره جاء من الأساس بوعي لإمكانياته التي تناسب الدور .
العرض في مجمله مبهج ويستحق المشاهدة لأكثر من مرة فالحالة التي تخرج بها من العرض تدعوك لتكرارها .