نص مسرحي: "في زمن لا تحلم الامهات" (مونودراما عراقية )/ تأليف: حسين العراقي
( مسرحيه من فصل واحد )
((ام سالم) عراقية في الخمسين من عمرها… وحيدة تعيش بين جدران المنزل.. على جدران باحة الدار. صورة زوجها المتوفي وصورة لولدها الوحيد بملابسه العسكرية..
تدخل تدمدم بكلمات غير مفهومة. تفتح أبواب الغرف بعصبية تصرخ.. امام احد ابواب الغرف الموصدة… تضرب بقبضتها الباب حيث تعتقد ان زوجة ابنها مختبئة وراء الباب).
أم سالم: افتحي الباب والا كسرته، لماذا توصدين الباب؟ افتحي والا .. كسرته..هل تعتقدين اني لا استطيع ان اضربك، ما زلت قوية، حتى زوجك ابني الوحيد الذي ارتضى لنفسه ان يتزوج منك ايتها… اعوذ بالله منك يا لساني.. لماذا لا تخرجين من غرفتك كي ترتبي أمور المنزل؟ ويقولون ان العجائز عدوات كناتهن… وها انت تعصين أوامري..الساعة تجاوزت العاشرة.. وحضرتك لم تستيقظي بعد … ابنة ملوك… يا ابنة الـ….. ( تبكي ثم تسير كأنها نحو سالم وتمسك يديه ) ماذا.لا لا يا ولدي .سأجعلها تغفو يا ولدي على ذراع الفرح .فقط افعلها أنت وقل . فأنا تعبت وكثرة أوهامي .. و
(تصمت)
سالم..-يبعد كل العمام المايفيدون…وبعد كل خال لاذ بسد الاكتار نسونه بيوم طوح حادي الضعون وسمعنه الويد مبعد والضعن سار..انا.. لم انسكَ.. ما زلت انتظر ان يقترب موعد اجازتك لكني لا اعرف موعدها.. يقولون ان الجبهة ساخنة.. والمدافع هُيئت…والبنادق توثبت.. وهامات الرجال شاخصة والامهات بالانتظار.. عند عودتك سالماً ايها السالم سوف لا اقبل أي عذر ولن تنفع معي كلماتك المنمقة، فانت ترفض كل فتاة اعتبرها مناسبة ان تليق بك… يا أبني الوحيد.. ابن من احببت.. اول من احببت وآخر…..الامهات يخفن من الزوجات… ان يخطفن ابناءهن وانا اريد واحدة تخطفك مني، تسعدك وتمنحني حفيداً.. يرطب يباس امومتي.. ستعود .. حتماً ستعود.. عندما غادرتني آخر مرة قلت لا تخافي يا امي ساعود، ساكسر انف الطلقة ان حاولت اختراق رأسي.. وسأبصق بوجه الشظية قبل ان تلامس جسدي. والامهات..يكرهن الشظايا.. والطلقات..الطلقة تعني ان الاولاد غادروا دون عودة.. وانا .. انتظر عودتك. طال انتظاري..وقفت مثل مجنونة في المحطة وأنا اسأل كل القادمين كل الجنود العائدين في قطار الحرب
((إضاءة مقدمة المسرح ويتحول المكان إلى محطة))
أم سالم: هل رأيتم ولدي.. وأنت هل رأيت وأنت وأنت..نعم كانوا يقولون لي كلنا أولادك.. نعم..هم لهم امهات وانا لي ولد.. لم يرجع معهم … ايها القطار الاتي… هل ترجع بي… إلى هناك.. خذني ايها القطار وعد بي صوب الحرب، فأنا أم رسمت على محياها السنوات خطوطاً من صبر.. وضاق الصبر.. وانغلقت ابواب العمر … امام حلم واحد، لولد واحد من حبيب واحد.. اخترت له عروساً… اجمل من قطعة البدر.. لا اريد ان اغني لها..
((يا سرير العروس الوحيدة..
كيف بي..
والحبيب قريب..
والحدود… بعيدة))
اريد اغنية ارقص على كلماتها… اغنية تتحدث عن ولدٍ عاد من الحرب سليماً .. معافى..اريد ان ارقص مثل فتاة عذراء.. ارقص .. ارقص .. ارقص.. حد الاعياء.(ترقص.. الام..وتغني..(عروسك يا بعد عيني جميلة ونورت عيني، وتستمر بالغناء حد البكاء الحاد)) واحلم ايضاً.. بولدك يركض في باحة قلبي .. يمسك جلبابي ويصرخ .. هذه جدتي العجوز.
أم سالم: نعم يا حفيدي يا ابن سالم..أنا..جدتك..ام ابيك وانت.. ابن من… لاشيء في هذا العمر يساوي عمره..
وسنينه..تسع شهور يمرح في أحشائي واللذة تخترق كل مساحات جسدي ..قالت لي القابلة ..أنه ولد ..فولدت ..ولدت آلاف المرات ..
)تصمت)
(تعود مرة أخرى تطرق الباب وتتحدث مع أمرأة وهمية تعتقد أنها زوجة أبنها)
أم سالم: آه .. تتصورين سالم لك وحدك. ليس له أم، سهرت الليالي وعدة الأيام لحظة، لحظة، حتى تراه يكبر، ويصبح رجل حتى تعيش في ظله آه منكن أيتها الزوجات..لا رحمة ولا مودة، تتصورين، أن أم زوجك هي ضرتك . لا . لا بل تتصورينها ، خصمك وأي خصم عنيد ينافسك في كل تفاصيل حياتك .. وفي بعض الاحيان في المنام نعم في منامك أليس كذلك .. تتصوريني كابوس مرعب ..ماذا .. أنا أتدخل في كل شيء ؟.. بل أخاف على ولدي .. من أي شيء ؟.. أخاف منك . نعم . منك فهو ولدي الوحيد هذا كل ما جنيته من الدنيا بعد وفاة أبيه لم يبقى لي شيء سوى سالم . ماذا ؟ ( تحاول ان تسمع بوضوح ) أنت زوجته ..وهل أنا أنكر ذلك.. نعم .. ولكن لا ستطيعين أن تحرميني منه ..عندما تصبحين أم تعرفين ما معنى كلمة أم نعم ستعرفين ذلك . ستعرفين إذ قال . آه .. كم آه سوف تقولين قبله .. لكني أعذرك ألان لأنك لم تنجبي بعد .
أم سالم :أما .. أنا..فقد أنجبت ..ولدا أسميته سالم ..لم يرجع أبدا مع العائدين قاوم .. كل هول الرعب لم يدر ظهره للموت .. عندما .. وقع في ايديهم وهو الذي يكره القضبان .. والاماكن الضيقة! .. لم يصلني خبر…كل يوم.. حين اسمع طرقات على الباب.. ترتجف اوصالي.. وكأن الباب يبعد عني الاف الاميال.. اسير بخطوات ثقيلة صوب الباب افتح على مهل .. على امل ان يأتي احداً ما.. يحمل لي رسالة فيها كلماته.. ابصر فيها صورته وقسماته..
(طرقات على الباب)
أم سالم :الباب..طرقات..جاءت الرسالة..مهلاً على قلب أم.. يا من تحمل رسالة ولدها الوحيد دعني اتمالك اعصابي واهدأ قبل ان افقد توازني… سيأتيك قلبي اولاً..يقفز قلبي من بين ضلوعي.. ويقبلك..ايها الساعي الذي يحمل حلم أم .. انهكها الانتظار طويلاً.. (تتجه صوب الباب…تفتحه على مهل) لا احد خلف الباب. لا احد يحمل رسالة.. انا .. اعرف.. ماذا يكتب لي.. سوف يقول.. حافظي على صحتك لحين عودتي.. وانا منذ رحيلة لم اتناول أي عقار.. لم اراجع أي طبيب.. هزمت المرض وسنوات العمر.. لكني لم استطيع ان اهزم لهفتي .. وذلك الشوق الذي يشب في صدري مثل حريق.. لهب من النيران تتصاعد في روحي.. في كل لحظة ..لماذا لا تكتب يا ولدي.. من يمنع رسائل الابناء ان تصل إلى قلوب الامهاب. اعرف ماذا ستكتب لي..(يمة أنتي شجرة طيب بيها الثمر لاح…شاتلله رب الكون ما بيها فلاح) (تصرخ) يا الهي.. يارب الكون.. يا من منحتنا الجنة تحت قدمينا افتح لي ابوب سجن ابني.. واكسر قضبان الاعداء ورده لي سالماً.. ادعوك كل لحظة… ادعوك باسم كل الامهات.. رفقاً بنا.. رفقاً بعبادك يا رب العباد.
(تصمت)
(تطفأ الاضاءه على جوانب المسرح ويضاء وسط المسرح ببقعة حمراء كبيرة)
أم سالم: آه .. ياولدي الحبيب… دعني اضمك إلى صدري آه.. كم كانت تلك السنوات قاتلة لا اعرف كيف مضت وأنت بعيد … سبع سنوات… لم اسمع صوتك، لم اشم رائحتك.(كأنها تضمه إلى صدرها) آه .. ما اقسى الفراق
كان … انتظار قاتل.. كنت اطوف مثل مركب تحطمت اشرعته.. وتحطمت سواريه.. كانت النسوة تقول.. يا لقلبك البعيد عن الحزن وانا .. لا رد عندي سوى ان اتفاخر بك ياولدي واتجرع سم الفراق.(كأنها تحمله على صدرها.. وتلتف حول نفسها) ماذا .. هل تريد ان اقدم لك كشف عن حياتي (صمت وتأمل.. كأنها تبعده عن صدرها وتواجهه)انا في حالة نفسية لا تسمح لي بالتكلم عن نفسي كل ما استطيع ان افعله هو التأمل في وجهك.. يا الهي .. انك هزيل جداً لم يعطوك ما يسد رمقك .. تكلم قل لي كيف كانت معاملتهم … كنت أحس بذلك ..أنا أم ، وقلب الام يعلم ما يجري لولدها… (تبكي) كيف لا ابكيك .. في الحزن.. أو في الفرح الامهات يفقدن اسلحتهن..تكون الامهات عاريات مثل وجوه الاطفال ولا يعرفن كيف يسيطرن على منابع الدمع. تعال .. ايها الغائب.. تعال.. اضمك إلى روحي وقلبي.. طال انتظار القلب اليك….لقد عاد الجميع.. اين انت..انتظرت قوافل العائدين، بحثت في الوجوه.. وشممت رائحة كلا ً منهم على انفراد.. بحثت عن شذى عطرك ايها الولد الغائب .. ياقرة عيني..
من يواري جثماني الثرى..؟ من يمشي وراء جنازتي؟ لقد اجلت موتي.. إلى ان تأتي..
(طرقات على الباب)
صوت : انت أم سالم
(اظـــــــــــــلام)
(تظهر ام سالم وسط مقبرة جماعية تبحث عن جثمان ولدها)
صوت الابن: امي.. قولي أي شيء.. ترتأي .. الا الرثاء!
(صمت) (وهي تنظر إلى قطعة قماش تدل على انها قميص تقبله وتضمه إلى صدرها(
أم سالم: ها انك قد عدت..ها انك.. قد عدت
(اغنية دللول يا الولد يبني دللول )
(تســدل الستـــار)
ملاحظة جد هامــة: هذا آخر نص للراحل حسين العراقي ارسله للفرجة يوم 18 فبراير 2020 لحظة انتهاءه من كتابته. ليغادرنا يوم 21 من ذات الشهر