نص مسرحي: " صخرة قابيل!" / تأليف: نهاوند الكندي

الشخصيات:
قابيل : في منتصف العقد الخامس
هابيل : يقترب من عمر قابيل قليلاً
ـ الزوجان : عجوزان هرمان.-
 
(ما حدث فعلاً)
صورة سوداوية أثناء الحرب، خرائب وانقاض، خوف وجوع وتشريد، اكداس من القمامة منتشرة في كل مكان، صراعات قاتلة، بكاء اطفال مستمر، عويل نساء، رجال تغلب على صفاتهم الحيرة والقلق، انتشار الأمراض والفقر، صراع بين الأسرة الواحدة، انحلال اخلاقي، تسلط الطغمة الحاكمة، تفكك المجتمع الى طبقات وأسر، عائلات ذات ثراء فاحش، وعائلات ذات فقر حد الموت ، القوي يأكل الضعيف…
المؤلفة

  • ( هنا )

المكان: غرفة ضيقة، لا شيء فيها يثير الاهتمام، تبدو الغرفة في بيت متواضع جداً، لكنها بلا نوافذ، نرى على جدرانها خطوط كثيرة تشبه خطوط السجناء وهم يعدون سنوات سجنهم، كرسيان وضعا في الوسط…
– قابيل وهابيل يجلسان على كرسيين داخل الغرفة…
– قابيل يبدو متعباً، مرتبكاً، حائراً.
– هابيل.. يجلس بهدوء.
قابيل: (يصرخ)  لن، لن……… لن أقتل.
هابيل: لابدَّ أن تقتل.
قابيل: لن أقتلك.
هابيل: لابدَّ أن تقتلني يا أخي.
قابيل: افعلها أنت بدلاً عني.
هابيل: أنا هو المقتول.
قابيل: كن أنت قاتلي، أو نمسح من رأسينا فكرة القتل أصلاً!
هابيل: أرجوك، كن عاقلاً.. خذ صخرتك واضربني بها، كلي ينتظر تلك الصخرة!
قابيل: سأشعل فتيل القتل بقتلك يا أخي.. لذلك لن أفعلها.
هابيل: الجنة هناك وليست هنا.
قابيل: ولماذا لا تكون هنا أيضاً؟
هابيل: لا يمكن.. لابدَّ من القتل يا أخي حتى تستمر الحياة (يصرخ به) خذ الصخرة وسأنتظرك عند الباب لتفعلها معي… (يخرج من الغرفة مسرعاً)
قابيل : (يتأوه من الألم، يحاول النهوض من كرسيه لكنه يسقط، ينادي بصوت خافت متألم) أين أنت؟ (سعال مع تأوه) أين أنت؟ (صوت أعلى) أين أنت؟ (صمت، حزن) كنت اعلم أني في يوم ما سأصبح وحيدا، وتنتهي لعبتي مع السنوات في هذه الغرفة (يسعل بشدة) أين أنت يا أخي؟ لماذا هذا الصمت والهدوء ؟ كأن الزمن قد رفع سيفه ليقتل، حزّ رقبة من ؟ من منا قد مات ؟ أنا ؟ أم أنت ؟ (صوت أعلى متألماً) أين أنت يا رفيق تعاستي وبؤسي؟ تعال لنجدتي (صمت، يتلفت يبحث في المكان) لا تتركني وحيدا ، أأكمل الرحلة من دونك ؟ الى أين عزمت الرحيل؟ (صمت ، ألم) آه من قلبٍ عاش العمر وحيدا، وتمزق بالبؤس غريبا بسبب تلك الصخرة، وعلى غفلة من غربته وجدتك، وجدتك عزاء لي في هذه الدنيا الموحشة ، والآن عاد كما كان (صمت) ووعدك ؟! (بحدة ) ألن تفي بوعدك ؟ وعدك الذي صرعتني فيه، الروح واحدة والجسد واحد، الحياة واحدة والدم واحد ، الحرب واحدة والجرح واحد (ألم) اصبحت الآن أنت ووعدوك هباءً منثوراً، أيها البائس المسكين، خسرت حربك مع الموت، كنت دائما اقول لك: الموت جبان، لا يظهر نفسه أمامك، لا تعطيه ظهرك ابدا، حاذر منه، يأتيك بهدوء من الخلف، لا يشعرك بقدومه (سعال حاد ومستمر) يشطر الجسد نصفين ليخرج الروح. (حزين) أين أنت ؟ لا تتركني أواجه خوفي من الموت وحيداً، ألف مرة قلت لك لأكن أنا المقتول لا أنت ولكنك لم تقبل، فصرت عنواناً عريضاً لنزف الدماء…!
هابيل : (يظهر في الغرفة وهو يحمل صخرة كبيرة) خذها… (يضعها ارضاً)
قابيل : (يحاول رفع رأسه نحو الصوت، سعال متقطع ، ألم ، ينظر له مسرورا) أيها الشقي التعيس (ينهض بصعوبة، يسرع نحوه مترنحا) حسبتك قد عزمت الموت (يرتمي بجواره)
هابيل : (يتأوه) من دونك ؟! لا اظن ذلك (صمت) وأنت هل ترحل من دوني؟ ولكن صخرتك تريدك.
قابيل : دعها الآن… (يجلسه ، يتألمان) واتركك؟ ما اتعسني اذاً.
هابيل : سمعتك تندبني، أأعلنت عزائي؟
قابيل : في يوم ما ستنتهي لعبة القتل، وتسدل الستارة على مسرح الحياة، وينطلق اللاعبون كلا في مسعاه ، ولكن المهم الآن نحن معا، نخوض هذه اللعبة ضد عدو خفي، يباغتنا في أية لحظة.
هابيل : (يتأوه مع بعض الضحكات المتألمة) اصبحتَ حكيماً! شعرت بجسدي قد غاص بوحل الموت، لكن قلبي لم يتوقف عن الخفقان، وجسدي ارتعش بقوة، كانت هناك يداً تسحبني من ذلك الوحل، رغم أن يد الموت كانت غليظة جدا، وتطبق على جسدي بقوة، حتى أنه غرز مخالبة عميقا (يشير الى جراحه وهو يتألم) أنظر الى كل تلك الجروح.. أنها من فعله.
قابيل : لن أدعه يلاعبني بقذارته، لن اكون كالمعصوب العينين معه، سأراقبه بشدة  وألتفت دائما من حولي، لن اعطيه ظهري فهو عدو غادر، ولن احمل تلك الصخرة.
هابيل : (يتأوه) سُنّة سار عليها الأولون، وسيسير عليها الآخرون، لا راد لقضاء الموت وسلطته، ألا من خلقه وأوجده، ماذا يمكن أن نفعل للحد من سطوته؟
قابيل : (بحدة) سأفعل الكثير.
هابيل : وماذا يمكنك أن تفعل ؟ هل تقتل الموت؟
قابيل : سأغير كل خطوطه ومساراته ، سأشبكها مع بعض، حتى يجن ويفقد عقله، هذه اللعبة البائسة التي يلعبها معنا، سأغير قواعدها.
هابيل : (بملل) ماذا تريد أن تفعل؟
قابيل : (بغضب) سأبحث عنهما.. هما قذفاني وسط هذه اللعبة القذرة.
هابيل: أبي وأمي؟
قابيل: نزلا وهما يحتضنان بنادق القتل.
هابيل: لم تكن سوى صخرة.
قابيل:  بندقية!
هابيل : (يحاول النهوض،لا يستطيع ، يتألم) وأين تجدهما ؟ أصبحا من الماضي.
قابيل : (يساعده على النهوض ، يتأوهان) موجودان في كل مكان، هذا جرح عميق، أعمق من هذا الجسد المتألم، إنني أرى صورتهما هناك.
هابيل : هناك أين؟
قابيل : هناك في تلك الساعة اللعينة.
هابيل : (سعال متقطع ، تأوه) أية ساعة لعينة؟
قابيل : الساعة الحميمية.
هابيل : (سعال) حميمية؟
قابيل : (ينظر له، صمت…)
هابيل : (ينظر له، صمت للحظات) ما بك؟ كأنك تبحث عن الساعة الحميمية في جراحات وجهي وكلانا خرجا من تلك الساعة.
قابيل : (ينظر له، صمت…)
هابيل : لا تكن متحيراً هكذا (يتأوه) في يوم ما كل الجراحات ستندمل.
قابيل : (قليلا من الغضب) ألم تكتفِ؟
هابيل : من أي شيء؟
قابيل : (يتركه ، يسحب جسده مبتعدا عنه) من الهروب.
هابيل : (يحاول أن يتماسك دون السقوط ، متألم) الهروب؟! ممن أهرب؟
قابيل :من أي شيء؟
هابيل : (يحاول السير نحوه  بصعوبة ، بغضب) قلت لك.. الهرب من أي شيء؟
قابيل : (يسرع إليه ، يساعده) من هذه اللعبة، من هذا المكان، من هذا الحاضر المؤلم، من تلك الصخرة، دعنا نعود الى هناك.
هابيل : (بملل) هناك أين؟
قابيل : (صمت، حالما) هناك في الزمن البعيد، حيث التقت عيونهما، حيث ساعة الحب بينهما، يتحرقان للعشق الذي يحرق قلبيهما دون دارهما، النظرة الأولى تلهب فيهما الأشواق، الضحكة الثانية تطحن سمعيهما، دون ضرب القنابل، لقاءهما الأول مع الحب، دون لقاء الموت، ثم الهمسة الأولى، ثم الرغبة بشدة، ثم اللهفة بشدة (بحدة) ثم، ثم، ثم، ثم يقيمان طقوسهما السعيدة تحت وابل الحرب، دون أن يعيا.. أن الحب والحرب لا يلتقيان ابدا (صمت) وبعدها ماذا؟ ها أنا وأنت، ومليار من الأجنة، مسوخ لهذا الحب المجند، نحمل بأيدينا الصخور والبنادق… (يبتعد عنه غاضبا) سأثأر لنفسي ولك، ولكل المليار منهما، سأطالب ببري، وسأحجر على قلبيهما, وألعن ساعتهما الحميمية.. تلك الساعة الليلية التي حملت في رحمها العبث, وفي جوِّها العري من كل شيء، حتى السكون، الحب والخوف يقبعان في نفسيهما المتهورة.
هابيل : ( يقاطعه بسعال مستمر)
قابيل : (لا يبال له) بأيِّ ذنبٍ قذفاني وقذفاك؟ أ لعشقٍ مشوه ؟ أم لجسدين عاريين ؟ أم للذة مسروقة من خوف الزمان القادم؟ أم من أجل أن أقتلك؟
هابيل : لا أدري…
قابيل : (مستمر في غضبه، يحتضن جسده المتألم) بأي ذنبٍ قذفاني هكذا دون موافقة مني؟ ألهذا السجن الكبير، أ لهذا الجحيم المستعر؟ سأكشف لهما عن جسدي الهزيل ، المثقل بجراح حبهما المقدس ، والمثخن بطعنات الحروب الملعونة التي لا تنتهي…
هابيل : (سعال حاد مستمر، جسده يرتجف، يسقط ارضا، يصرخ) سأموت، سأموت ، أنها تتمكن مني.
قابيل: من؟
هابيل: صخرتك!
قابيل : (يسرع إليه غاضبا) لا لن تموت، لن تموت، هربنا من الموت منذ أمدٍ بعيد، وسنهرب منه الى الأبد، ولن أحمل الصخرة لقتلك (يساعده على النهوض) انهض ، انهض ، لن ادع اللعبة تنتهي ها هنا.
هابيل:  نحن ضحايا تلك اللعبة يا أخي.
قابيل: قدر لي أن أقتلك في هذه اللعبة!
هابيل: وقدر لي أن أقتل على يديك!
قابيل: وبصخرتي…!
هابيل : (بخوف وألم) صخرتك؟! اتركني، اتركني أنه يلوح بيديه (سعال متقطع) أني أرى الموت يقترب اكثر فأكثر، ها هو يبتسم لي، لا بل يضحك منادياً عليّ.
قابيل : (غضب) قلت لك لن تموت الآن، أنا من سيقتلك لاحقاً كما يؤكد أبي ولكنني لن أفعلها، اتركه يبتسم، اتركه يضحك، اتركه يلوح كما يشاء: لن يأخذك الموت مني، سأقتله، سأقتله، سنرحل معا الى أبي وأمي، سنغير قواعد لعبتهما، سيكون ما نريد نحن، لاكما أرادوا هما، اجلس أجلس يا رفيق تعاستي (يجلسه بصعوبة وتأوه) اجثو على ركبتيك، واضمم يديك الى صدرك، وتوجه بوجهك العبوس وقلبك الثائر وروحك الممزقة، وبهذا الجسد الدامي من دوي الحروب، اجثو بعمق وقدم بين يديك افضل ما تملك من قربان.. زرعاً ، أو ماعزاً ، أو حتى كيانك المحطم (يسأله) أتملك شيئا؟
هابيل : (صعوبة في النطق) في زماني المشؤوم لا املك سوى ( يفتش في جميع جيوبه، يخرج بعض الرز، يضعه امامه في الأرض)هذا هو حصاد عمري البائس ، وأنت ماذا تملك؟
قابيل : (يساعده ، يجثوان معا يسندان بعضهما بكتفيهما ) اجثو على ركبتيك يا صديقي البائس، وتوجه الى الرب، فأني لا املك ألا جراحات الأمس الغابر، سأقدم هذا الجرح بين يديّ ، ولنبتهل للرب معا، ونرى ممن يتقبل.
هابيل : (ينظر له مستغربا) كما فعل أخوينا في أول الحياة.
قابيل:  نحن هما.
هابيل: هما؟
قابيل: سأغير اللعبة ولن أقتلك.
هابيل: لن تقتلني؟ كيف؟ وهذا الكون كيف سيكون دون دمي؟ كيف يعيش دون نزف دماء، دون قتل!
قابيل : قلت لك لن أقتلك، ويمكنك قتلي إن أردت (لا ينظر له ، يتوجه نحو السماء ، يضمم يديه الى صدره متوسلا)
هابيل : (يفعل كما فعل تماما، دون أن ينظر له) كما فعل أخوينا في سابق الزمان؟
قابيل : (يجيبه بغضب دون أن ينظر له) قلت لك هما نحن! (يتوسل) يا رب السماوات.
هابيل : (يتوجه نحو السماء، دون أن ينظر له، يقاطعه) ومن منا القاتل؟
قابيل : لا أريد أن اكون القاتل (يستمر بالدعاء) امنحني القوة…
هابيل : (يقاطعه) ولا أنا أريد أن اكون القاتل.
قابيل : (لهابيل) لن أمد يدي لأقتلك (يستمر بالدعاء) وامنحني الوسيلة يا رب…
هابيل : (يقاطعه) ولن امد إليك يدي لأقتلك.
قابيل : لا أريدك أن تبوء بذنبي (يستمر بالدعاء) واجتاز بنا يا رب سحابات الدخان…
هابيل : (يقاطعه) ولا أريدك أن تبوء بذنبي.
قابيل : (يغضب) لا أريد أن أواري سوءتك (يعود للدعاء) وركام نزيف الزمان القادم…
هابيل : (يقاطعه) ولا أريد أن أواري سوءتك يا أخي.
قابيل : (اكثر غضبا) إنما يتقبل الرب من المتقين، يا رب تقبل منا ما قدّمنا…
هابيل : (يقاطعه) لن أكون قاتلاً…
قابيل: (يصرخ به) ولماذا تريد أن تلصق بي هذه الجريمة وأصبح عنواناً للحروب والقتل والدماء؟ لماذا أكون أنا القاتل وليست أنت؟
هابيل: لأنك أنت القاتل فعلا يا قابيل كما يؤكد شهود العيان.
قابيل: من شهد بذلك؟
هابيل: الغراب!
قابيل: أنا لم أخرج من بطن أمي قاتلاً، أريد لي أن أكون هكذا فكنت، ولكنني لن افعلها، لن أقتلك مهما كان الأمر!
هابيل:  قتلتني وانتهى الأمر.
قابيل:  أنت تتخيلني قاتلاً.. لكنني لم أكن كذلك.
هابيل:  يجب أن تكون قاتلا يا أخي فتقتلني.
قابيل:  يمكنك أن تلعب هذا الدور.
هابيل: لالا.. لا يمكن، أنا دوري في الحياة هو الأخ الطيب.
قابيل: ولماذا دوري هو الأخ الشرير؟
هابيل: لابدَّ من طيبٍ وشريرٍ حتى تستمر الحياة بعدنا هكذا!
قابيل: أنا قابيل هو الطيب.. حتى أنني لا أعرف كيف أواري سوءتك لولا الغراب، لا أعرف معنى الموت، أو القتل، لا أعرف من أخذ بيدي وجعلني أحمل الصخرة وأرميها عليك دون أن أدري، لا أدري فعلاً ما الذي حدث!!
هابيل: أنت هو…
قابيل: لست هو، أنا أعيش الآن.
هابيل: صخرتك.. هي نفس الرصاصات ودوي المدافع والصواريخ التي هدمت البيوت على أهلها.
قابيل : كأن قدري أن احمل الصخرة بيديّ الى آخر لحظة في هذا الكون، كأني سيزيف وهو يحملها على ظهره عقاباً على عودته للحياة بعد أن خدع ملك الموت بالعودة، ولكن زوجته فعلا لم تقدم أضحية بعد مماته، فأيُّ قدرٍ دمويٍّ هذا أن يكون اسمي قابيل يا رب…؟
هابيل : (يقاطعه بهدوء) أنك تائهٌ وحزين، ومفتتٌ من داخلك البشع، الموت يمزقك في صميمك، ويلعب معك لعبة القط والفأر، ثم تدّعي أننا هربنا منه الى الأبد (متألم، يسند رأسه على كتف صاحبه) أي ابدٍ هذا ؟ النهاية لا تأتي أبدا، الفلك يدور، كلما انتهى يبدأ من جديد، كأنك في ساقية تدور بجهدك المعدوم (ينهض يتأوه من الألم) لن أجثو، ولن اتوسل، ولن اقدم القرابين، تكفي أن روحي قربانا منذ أن ولدت (يبتعد، يترنح) أبي وأمي.. لقد دسا سم عشقهما الصاخب بجسدينا الملوثين من درن لذتهما المجنونة ما بعد تلك اللحظة التي طردا فيها، فصرت يا أخي عنواناً على مشانق الطغاة الجبارين، أو تحت ركام الجلادين…(يتوجه لأخيه بغضب شديد ، وحزن ، وألم) وأنت، أنت تريد أن تستعيد رحمها، لتقتل نطفتك وتعيد صياغة هذه القصة كما تشاء، هيهات أن يحصل لك ذلك…(يركع على الأرض متألما حزيناً )
قابيل : (ينظر له، صمت…)
هابيل : (متألماً) اجبني أن كنت قد اخطأت التحليل.
قابيل : (صمت، يطأطأ رأسه) لن اكتفي بتحليك اليائس، المفعم بالخوف من الماضي، سأكون أول من يعود الى أصل الزمان (ينهض وهو ينظر الى السماء) أنظر الى السماء إنها تتغير، لم تكن هكذا من قبل قرن، ولن تكون هكذا بعد قرن، تبوح لنا بأسرارها، تكتب حياتنا بخط عريض، لم نسلكه في يومٍ ما، لكنا نلعنها ونبكي سوء طالعنا (يلتفت له بغضب) وها أنت اسوء مثال لذلك، لا تهرب من الموت، لكنك ترفض الانتحار (بحدة) انهض واترك النحيب على نفسك  واتكأ على جرحك العابث، واترك محيطك المظلم، وارحل معي عبر الزمان، كن حياً، أريدك حياً يا هابيل وليس مقتولاً بصخرة…
هابيل : (يحمل الصخرة بصعوبة) أرجوك.. خذها وافعلها معي، رأسي ينتظر جمال صخرتك ولتبدأ بعدها رحلة الصخور والرؤوس معاً.
قابيل(يأخذ منه الصخرة ويضعها جانباً) أنت تريد أن تكون قاتلاً لنفسك.
هابيل: سيتقبل مني.. أما أنت…
قابيل : (يقطعه بغضب) اسرع يا أخي، فإن السماء بدأت تتغير من جديد، إنها كالأفعى تغير جلدها في كلِّ موسم (يتصارع معه) أنهم يعشقون من جديد ، يتأوهون عشقا باتجاه ساعة حميمية قادمة، أرحام تستعد لنفض اجنتها (يهز جسده بقوة) حرب جديدة تضع أوزارها يكون فيها الناس حطباً، إنها تعزف ابواقها، تدور رحاها لطحن الأجنة، معلنة وصول اسراب من ضحايا العشق الدموي…
هابيل : (ألم وتأوه، يحاول التخلص منه)
قابيل : (مستمر بهز جسده بقوة) ابواب السماء تفتح ، تقبل الرب منا،سمع مناجاتنا وتوسلاتنا، هيا نعبر السنين إليهما.
هابيل : (يحاول التخلص منه) اتركني، لن ارحل معك.
قابيل : (بغضب ، يستمر بالصراع معه) اسرع الوقت يداهمنا.
هابيل : (بألم يتشاجر معه) مجنون، أنت مجنون ، لا شيء هناك ، لن تجدهم في أي سنة من السنين، ارحل وحدك أن رغبت في ذلك؟
قابيل : (يتمسك به ، ويهز جسده بقوة ) هيا لا تقاوم ، نحن معا في كل شيء (غضب) ابواب السماء تغلق من جديد، أعبر السنين الى أبي وأمي…
(يشتبكان مع بعضهما ، الأضواء تختفي وتظهر ، اصوات رياح شديدة ، يموجان ويدوران حول نفسيهما ، يصرخان من الخوف ، يصرخان بصوت واحد ، تختفي الأضواء ، ظلام ، صمت ، سكون…)
 
2- ( هناك )
المكان: في غرفة، في مكان ما في السماء، ولكنها تشبه غرفتهما في الحياة…
ـ نرى قابيل وحده يجلس على كرسي…
قابيل: (مستغربا من المكان، مرعوباً مما جرى له، يصدم مما يرى، يدخل أمامه زوجان عجوزان يرتديان ثياباً قديمةً، يتقدمان نحوه، مستغربان من شكله، يتراجع عنهما خائفاً من هيأتهما، يتحسس جسده، ينظر لهما، ويلمس تقاسيم وجهه وشعره، ينظر لهما مستغربا، لا يصدق أنهما بشران مثله) كأن الجحيم فتحت فاها ونفضتكما، هل أنتما من البشر؟ أم سليلا شيطان؟ من أية طينة خلقتما؟ (يتقدمان نحوه بهدوء، ويبتعد عنهما) من أي أرضٍ ملعونة قطف صلبكما ؟ أ أنتما من صنع الرب أم من صنع الحرب؟! لا يخلق الرب مسوخاً هكذا (مشمئزا منهما) تشوّهت روحيكما، وذلّت معاني وجهيكما، و أحدودب عمودكما الفقري، هزيلة اجسادكم، غير متناسقة اطرافكما، كأنكما لوحة رسام مجنون سكير، رائحتكما عفنة، لا استطيع الاقتراب منكما، أهذا هو العشق الذي فتنكم؟
(ينظران له باستغراب،لا يفهمان ما يقول )
قابيل : في أيةِ مزبلةٍ من التأريخ تعيشان (ينظر حوله) ما هذا المكان البائس المكفهر الخالي من الحياة؟ هل هذه أرض الموت؟ هل يسكن هنا ؟ أين هو؟ (ينادي بأعلى صوته) أيها الموت أين أنت؟ اخرج وقابلني وجها لوجه، اليوم يشتد النزال بيننا، أما قاتلي أو قاتلك (صمت) إنه حتما خائف مني (ينظران له بهدوء وصمت) ما بكما تنظران لي وكأني نزلت عليكما من كوكبٍ اخر، لا تعرفاني صحيح ؟ مستغربان لحالي كما استغرب حالكما؟  لقد نجحتما بجعلي مسخا مشوها مثلكما وجعلتماني طريقاً معبداً بجثث الضحايا فيما بعد (مستهزئا بهما) لا اعرف أأحزن على نفسي؟ أم أحزن عليكما ؟ أكل هذا لأجل العشق المجنون؟ أصبحتما عاريين في الجنة، مغبرين، أشعثين، تهيمان بهذه البرية الموحشة واليابسة، تائهين بلا هوية أو عنوان، تزاحمان الحيوان بأكله، تجتران الحشائش الخضراء واليابسة، ألا بعدا لحالكما…!
(ينظران الى بعضهما متسائلين)
قابيل: (يصرخ بهما) بأي ذنبٍ قذفتماني دون سؤالي؟ لأي عالمٍ بائسٍ مجهول؟ عالم مليء بالمسوخ، مسوخٌ لا معنى لوجودهم، تهيم أرواحهم بالفناء، ضائعة بالفراغ والمشوهين الذين اختفت معاني البشر فيهم، والعجائز المشردين، لا مأوى لهم في قلوب الأدميين، هل جثوتما متوسلين؟ هل قدمتما افضل ما عندكما؟ هل قدمتماني قربانا للرب ؟ فتقبل منكما للهرب من هناااااك البعيد الى هنا؟
(يحاولان لمسه، بحزن ينخفض أمامهما، يتكور على نفسه، يلمسان رأسه، يتفحصان جسده، يشمان ملابسه، يحاول منعهما، يشعران بخوفه منهما، يحاولان تهدئته، يخاطبان بعضهما بلغة غريبة عليه، يحيطان به، تخرج الزوجة العجوز للحظات، يجلس الزوج بجانبه يمسد على رأسه، ينظر له الرجل بحقد وكره شديدين، ثم تعود الزوجة، تحمل بيدها وعاء فخار صغير فيه بعض العظام، ووعاء أخر فيه ماء، تضعهما أمامه على الأرض، تنحني على الوعائيين أمامه، تلعق بلسانها فيهما، لتعلمه كيف يأكل ويشرب…)
قابيل: (ينظر لها بصمت، يرمي بالوعائيين بعيدا، ينهض ويصرخ بها، تجفل منه، تبتعد، تحتضن زوجها خائفة) لست حيوانك الأليف، لست كلب حراسة كهفك المتحجر كقلبك، هل اختلطت عليك الوجوه؟ وضاعت ملامح جنينك، لا تعرفين ما انجبت؟ كلبا أم بشرا عندك سواء (بحزن وغضب)أنا، أنا هو قربانك للحرب، أنا حامل تلك الصخرة الكبيرة التي قاتلت نصف الكون بها، أخرجتني من احشائك، لتتلقفني حرائق الحروب المفتعلة، أنا جنينك الذي جنيتي عليه بعشقك الملتهب، وقلبك المغرم، أنا بيضة رحمك الملعون و(يشبر الى الزوج) نطفة هذا المعشوق البائس، قذفتماني ووليتما هاربين بعد سنين عجاف، دون أن تعيا الى أي مصير تركتماني ومصير هذا العالم من بعدكما… (صمت مطبق من جميع الأطراف ، فقط نظرات خوف ووجل، حديث غير مفهوم بين الزوجين للحظات، يلتقطان حصى الواجدة تلو الأخرى، يرميانه وهو يحمي نفسه، حتى ولى هاربا وهم يتبعانه الى خارج المكان…
 
(في النصف الأخر من الغرفة، اضواء مختلفة الألوان، ساطعة بشكل مبالغ فيه، تفتح وتغلق على انغام صاخبة، الضجيج يملئ المكان ، الضحكات تطلق بشكل هستيري، اصوات مشاجرات شبابية ، صراخ نساء في قمة السكر )
 
هابيل: (يستطلع المكان بتمعن ودهشة) غريب هذا المكان، أنه موحش، كأني عشت فيه من قبل (يحتضن نفسه) وبارد للحد الذي يدعو للريبة (بخوف) ما هذه  الكائنات تتحرك بمؤقت؟ وعداد زمني يتكتك، المظهر بشري، رأس، جسد، أطراف، عينان، أنف وفم  وشعر، كما أنا بالضبط ، لكنهم تائهون، لا يشعرون بمن حولهم، يبتسمون ويبكون في الوقت نفسه، أحياء منزوعو الارادة، قيدٌ يتكتك ليعلموا أنهم تحت المراقبة، في أي جزء من الكون يقبع هذا المكان الغرفة كما يبدو؟ لا شيء فيها يدعو للحياة (يتلفت من حوله، يراقب) أيعقل أن تكون هذه أرض الموت الضيقة؟ ففرض سطوته عليهم! تغشاهم بهيبته، نيّام في كل الأحوال، مغيّبون عن ذواتهم، لا اوجاع، لا آلام، لا بكاء، كأنهم قد تسمّرت مشاعرهم، أنه عالم كئيب، لا يشبه عالمي المشؤوم أبدا، نحن فيه احياء بكل ما يتطلب منا الموت، كل شيء فيه متحرك على الدوام، حتى الليل لا سكون فيه، صراعات منذ بزوغ الفجر، وقتل حتى مغيب الشمس، الكل له وجهته ونصيبه من الموت، الصور المشوشة، دموع الأمهات، وضياع الأبناء، وفزع الآباء، كله حياة، مما يشعرني أني جزء من هذا العالم المشحون (مستهزئا) أما هذا العالم لا معنى للموت فيه… (تقاطعه صوت موسيقى مرتفع، يجفل من الصوت، بحدة) صخب وضوضاء تصمُّ الأذان، عالم شاذ، لا شيء فيه يدعو للحياء (ضحكات نساء) يا للـ العاهرات.. بضحكاتهنّ يسحبن الرجال للعهر دون خجل أو وجل (يتفاجأ) ما هذا ؟ ما هذا ؟ (يخفي وجهه بيديه) استغفر الرب، أنهنّ يمارسن البغاء على الطرقات، وذلك رجل القانون ينظر لهنّ  بشهوة ورغبة (يتفاجأ) ماذا ؟ أنه يمارس العهر معهنّ، لا لا لايمكن أن يكون هذا حقيقي، أنه جزء مختل من العالم، سقطت فيه كل القيم، أين المخرج من هذا كله؟ (صراخ امرأة ، بكاء طفل رضيع) يا للـ الفظاعة، أنه لمشهد تقشعر منه الأبدان، وتستنفر له همم الرجال، يا لـ وحشية هذا المنظر، أمٌ مسكينة خطف طفلها الرضيع من بين يديها وأمام أعين الناس، أي أناس هؤلاء ؟ تجرّدت من ضمائرهم الانسانية، ومن رؤوسهم العقول (مستبشرا) أنها تهرع الى القانون، حتما أنه سينصفها، سيكفكف عنها دمعتها، ويطيب قلبها، حتما أنه سيعيد لها رضيعها بلمح البصر، أو هو اقرب من ذلك (يتفاجأ) ماذا ؟ (صراخ المرأة) لماذا ؟ لماذا هذه القسوة ؟ أنهم ينهالون عليها بالضرب، بهراواتهم، وعصيهم المكهربة، أنهم يسحقونها بأقدام سلطتهم، هل هي الجاني؟ أو المجنى عليه؟ لقد اختلطت أوراق هذا العالم، أنه يسير بالمقلوب، لقد حلت نهايته المأساوية، سيرسل الرب ملائكته الغلاظ، ليمحوا معالم هذا العالم الموحش البارد في اصل الجحيم (يبحث في المكان) أين هو؟ أين أنت أيها المجنون؟ في أي عام تركتني اهيم من دونك يا صاحب الصخرة؟ لا يمكن أن يكون من اعوام الأرض، حتما أنه من الجحيم، من يسكنه أبالسة، شياطين، مردة، لا ليسوا من البشر اكيد، لولا جنون صخرتك ما كنت أنا هنا، أرى بعيني ما كنت لأراه ابدا، كل هذا من صنيعك يا رجل الدم الأول، يا أخي… (يتراجع مذهولا) ما هذه الكائنات التي تقبل عليّ؟ وحوش ؟ حيوانات ؟ كواسر؟ لا أفهم معانيها، أنها تقترب نحوي بصورة هستيرية (يبحث في المكان عن ملجأ) أين اختبئ منها ؟ لا عاصم اليوم منها، وحوش بشرية ، سباع ذات أنياب، العداد يتكتك في عقولهم، تك، تك، تك (يصرخ وهو يتراجع للخلف) لا تقتربوا مني، لا تقتربوا مني، فلست من عالمكم، هذا العالم المتطور المزعوم، والمتخلف بالواقع، عالما يغوص بالرذيلة والانحطاط،  لقد اجبرت على الانغماس فيه، دعوني اعود لعالمي المفعم بالحياة والحركة، حيث الدم السائد فيه، والقانون ذات سوط عذاب على الجنات، والمجنى عليهم على حدٍّ سواء، لا يزال فيه اصوات عاليات، تخيف الطغاة، وأمهات صارخات، وأبناء تائهون ومغيبون، وآباء يعلو على محياهم الموت والانتظار، عالمي كله حياة (صرخات رجال يحملون العصي والسكاكين، يدخلون ليهجموا عليه فيولي صارخا هاربا منهم…)
(قطع)
(نرى قابيل وهابيل كل واحد منهما في جهة داخل الغرفة)
قابيل : (يدخل متعبا، خائفا، يترقب) أية لعنةٍ قد أنزلت نفسي فيها ؟ تحيّرت في أمري، اسرعت خارجا لماضٍ قد أغير فيه وبؤسي وشقائي…
هابيل : (خائف، يترقب) الويل لك، لم ترضَ عن نفسك ابدا، حتى أنك لم تستطع الاختباء منها، كنت اعمى، لم ترَ ما يُخبئ الزمان لأمثالك ، اعتصر قلبك غضبا على رحمها ، لعنتها في بيتها ، ولم تلعن نفسك.
قابيل : (يدور حول نفسه متحيرا) اسرعت لأمي، أتوسل ظلها ، أن تعيدني لأحشائها، لنطفة في عالم الأكوان فتعيد صياغتي من جديد لألعب دور الطيب…
هابيل : (يقترب من نقطة الالتقاء بين النصفين) بحثت عنهما كما اخبرتني، فوجدت هذا جداران الغرفة تعيق بحثي، صرخت ، بكيت ، توسلت ، فصرعني الهوس في الصراخ ، حتى أنه ايقظ الأموات من سباتهم.
قابيل : (يقترب من نقطة الالتقاء بين النصفين) رأيتها تشيخ ، قد احدودب عامودها الفقري ، وشاخ قلبها ، وفقد لسانها النطق ، لقد نست حروفي هي وأبي.
هابيل : أني ابحث عنك لا عنها، قلبك لا قلبها، عن روحك المتهاوية، لا عن صلبه الذي عشق، فيك، فيك أنت، في اعماقك الرخوة تغوص حروفها، لن ينطق لسانها بعد الآن، بل لسانك الذي ينطق، لها، وله، ولك، وللعالم المجنون هذا.
قابيل : أني اسمعك ، أجل اسمعك ، تأن كما أئن ، وتصرخ كما اصرخ ، الخوف لا يعرف مكانا ولا زمانا ، في كل الجهات يسكن الخوف ، في كل القلوب ، وفي كل الأجساد ، وفي كل الأرحام والأصلاب، حسبتني حيوانها الأليف ، وحين خافت مني لعنتني ، وحين خفت منها وليت هاربا.
هابيل : أني اسمعك يا أخي، أجل اسمعك في كهفك الحجري، لا تصرخ فلن يكون لك كل ما تريد، الزمان لا يتغير، ولن يتغير من أجلك، اللعبة تلك التي تلعبها هي هي، كما لعبها اخوينا في سابق الزمان، أخرج (بحدة) اخرج من كهفك المتهاوي، واجثو على ركبتيك، وابتهل للرب، ولا تقدم جراحاتك المتعفنة قرباناً، بل اجثو بكل عمق وسكينة، لعل الرب يرفعك من ذاك الطوفان…
( يهتز المكان من تحتهما كلا على حدة ، يدوران حول نفسيهما  ، صراخ ، خوف ، حتى يعم الصمت…)
 
3- ( هنا )
المكان : أرض قاحلة…
قابيل وهابيل : (يسقطان معا من السماء بقوة،  في الوقت نفسه)
قابيل : (ينهض أولا، مرتعب، مذهولا، يتمعن في المكان، لا يصدق ما رأى ، يسرع لمساعدة رفيقه) لم يتغير الزمان، بل تغير من فيه..
هابيل : (متعب) بل ما رأيت هو العجب العجاب ..
قابيل : قرون ، وقرون ، وقرون ، ولت بها الأزمان ، وحكايات لا تعيها العقول ، لا فرق هناك وهنا ، كلها أزمنة، فقط تغيرت المسميات..
هابيل: (مذهولا ، مشوش الأفكار) افكار لا تحتملها العقول، ولا تستسيغها الأنفس، نسيت فيها من أكون؟ وكيف أبدو؟ والى أين أغدو؟، ذئاب تمشي على قامتين، تغني وترقص على اجساد الفرائس، افاعٍ عاريات بوضح النهار، ماجنات، مخمورات ، منتشات ، عارضات الفاحشة بالمجان ، والحارس عين تنام، وعين على الغنيمة.
قابيل : لم يعد الزمان تصاعديا ، بل في عده التنازلي.
هابيل : ولم يبقَ في الساعة الرملية ألا القليل.
قابيل :اللعبة قاربت على النهاية.
هابيل : (يقترب يسند كتفه على كتف صاحبه) أننا نتجه نحوهم، أنهم ينقبون في الجدار، لم يعد سميكا ، عما قريب سيغزوننا ، وتطحن العظام.
قابيل : (يسند رأسه على كتف صاحبه) اليوم نحن بخير، و بالأمس كانوا بخير، وغدا…
هابيل : (يقاطعه) لم يبقَ لهم الكثير.
قابيل : اجثو يا رفيقي على ركبتيك ، واضمم يديك الى صدرك متوسلا للرب….
هابيل : (يقاطعه بحدة) ونقدم افضل ما لدينا ؟! ونبتهل بعمق وسكينة ؟! ..
قابيل : ( مبتسما) الخطوط الأخيرة قد وضعت ، وخط عليها الأحرف الأخيرة ، وما تبقى ألا همهمة غافلين…
هابيل: لنبدأ من جديد…
قابيل: لن، لن……… لن أقتل.
هابيل: لابدَّ أن تقتل.
قابيل: لن أقتلك.
هابيل: لابدَّ أن تقتلني يا أخي.
قابيل: افعلها أنت بدلاً عني.
هابيل: أنا هو المقتول.
قابيل: كن أنت قاتلي، أو نمسح من رأسينا فكرة القتل أصلاً!
(يتوقفان، يجثوان معا ، يضمان أيديهم الى صدريهما متوجهين الى السماء )

(انتهـــــــــــــــــــــــت)

2002

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت