مسرحية الهيدوف: دراسة نقدية بقلم الدكتور طالب هاشم بدن .
للكاتب الجزائري : محمد الكامل بن زيد
- التعريف بالكاتب :
محمد الكامل بن زيد كاتب جزائري شغل منصب مدير عام مجلة رؤى الثقافية التي صدرت عن إتحاد الكتاب العرب الجزائريين ، له مؤلفات متنوعة عدة في مجال القصة والرواية والمسرحية . كتب رواية قصر الحيران ، الجنرال خلف ألله مسعود وغيرها .فيما كتب للمسرح ( القطة لولو ) وعدة مسرحيات للفتيان.
أما في نصه المسرحي ( الهيدوف ) فقد بدأ بعبارات من بضع كلمات للاديب التشيكي كافكا، والذي يعد من أهم أدباء القرن العشرين، واصفاً في هذه الكلمات الحياة بأنها حرب ومفصلاً تلك الحرب مع النفس والظروف والحمقى الذين خلقوا هذه الظروف .
- فكرة المسرحية :
من خلال ما قدمه المؤلف المسرحي محمد الكامل بن زيد في مسرحية الهيدوف المونودرامية، تتجلى فكرتها في صراع الذات البشرية مع نفسها ومحاولتها خلق علاقة مع المحيط الذي غلب عليه طابع التطرف والاضطراب في تداخلات العالم الغريب، إذ تمثلت شخصية الهيدوف في إنها شخصية تعاني مكابدات وصراعات الحياة وتلطخ ماضيها بوصمة عار بقيت حجر عثرة في طريقها وهي لا تساوي حذاء دفع ثمنها طوال حياته. إذ بقي الهيدوف وهو كاتب في الخمسين من عمره على صراع دائم مع ما لحق به من آهات نتيجة زلة شباب وصفت على إنها عار ارتكبه في أولى كتاباته جعله يدفع ثمناً باهضاً على الرغم من إنه ثمن بخس. وعندما تخلص من ذلك الحذاء وخلعه ظن إنه أدرك حريته وذهل على إثرها بعد كسر المرآة التي ظلت تذكره بماضيه، وأسرع في تقديم أوراق ما كتبه إلى صاحب دار النشر إلا إن عنصر المفاجئة بقي يلاحقه عندما رفض صاحب الدار أوراقه بحجة إن الزمن تغير على ما يكتب والقراء إختلفت ذائقتهم ولم يستسيغوا ما جاء به، وبقي الهيدوف في دوامة ما بين الماضي والحاضر وما بين الحرية في خلع حذائه وما ترتب عليه من عار لصق به في قدميه واعاده إلى ارتداءه نسبة إلى عودة الزمن وواقعه المرير .
- الشخصيات :
في طبيعة الحال إن بناء المسرحية المونودرامية يعتمد على ممثل واحد، غير إن العلاقة التي أوجدها مؤلف النص الدرامي هي إن الشخصية الواحدة استطاعت أن تحلق علاقات متعددة مع شخصيات وهمية أو مبتكرة جسدتها نفس الشخصية وبنت معها علاقة ترابطية. فالصوت شخصية تنوعت في تفاعلها وعلاقتها مع الشخصية الرئيسة المتمثلة بالهيدوف إذ جاء الصوت الجهوري القادم من خارج الغرفة ليضفي على المنظر أجواء الخوف والرعب والضياع في نفس البشر منبهاً إياهم على الحذر من العبث بأوراق وضعت على الارض والتي ربما هي أعمارنا وأوراق تمثل اجساد البشرية على شكل قبور مكتوب فيها رموز دلالية . ويأتي صوت الحجارة ذو تأثير مهم من أجل إيجاد مادة تفاعلية اراد من خلالها المؤلف اظهار مساوئ ابناء جلدتنا من البشر ، إذ اعتمد مجموعة من الايحاءات والدلالات التي تثير الخوف والرعب واضفاء غرائبية مشهدية على بناء الاحداث والانتقاص من البشر . فيما تأتي شخصية الهيدوف أفضل من باقي الناس في تركيبها وتعاملها مع المحيط فضلاً عن تحملها مشاق وعناء الزمن ورفض صاحب دار النشر لكتاباته . وتأتي شخصية الصبي كتجسيد حي لماضي الهيدوف وهي صورة ناطقة لما مر به وتذكير لما صار عليه تجسدت في حواراتها وردودها وهي حلقة ربط بين الماضي والحاضر . فيما جاءت شخصية الشيخ العجوز المرحلة التي صار عليها الهيدوف ومرآة لما هو عليه الان ، وما عليه إلا ان يدق مع نفسه ولا يعيد أوجاع الماضي العالق في ذهنه وعليه أن يكمل طريقه بصدق وإباء . وفي شخصية صاحب دار النشر بداية نهاية الحوادث ورفض كل ما من شأنه عودة العار على الرغم من رفض صاحب الدار ما قدمه الهيدوف من منجز مكتوب غير ان حجة صاحب الدار في ان زمن الهيدوف ولى وعزوف القراء عن هكذا كتابات صادقة إشارة واضحة ومهمة في ان زيف المجتمع صار أكبر مما يكتب من أصدق مع نفسه وبالتالي لا ماكن لغير الكتابات المتسخة بحبر شاذ .
- البناء الحبكي :
بنيت المسرحية على وفق تصاعد هرمي لها بداية تجلت في معانة الهيدوف كشخصية مونودرامية حاولت التأقلم مع واقع متهرئ أحالها إلى ركوب الخطيئة التي لم يفصح عنها المؤلف ، إلا إنها بقيت شاخصة في ثنايا النص المكتوب حتى صارت لوثة عار ونقطة تحول في بناء حركة الحبكة، إذ كلما حاول التخلص منها دخلت عليه بقوة وأعادت أوجاعه، وربما وجدد الكاتب من الحذاء نقطة تحول في تركيب البناء الدرامي وهو ترميز للحرية المفقودة التي تلاصقت معه حتى في نومه يحلم أن يستيقظ يوماً ويتخلص من حذاء بقي ملازماً لقدميه وما أن تخلص منه حتى أحس بالانجذاب إليه وسار البناء الحبكي في هذا الاتجاه في بداية ووسط وخاتمة أحالته إلى مجموعة من الاستلاب اللاارادي حتى خلص إلى عقدة وحل غير منطقي في العودة إلى ارتداء الذل بعد تخلصه منه .
- الصراع :
من الصعوبة بمكان تحديد بداية الصراع في نص مونودرامي ،غير أن في نص بن زيد يبدأ الصراع عبر سلسلة من التداخلات النسية ومعاناة ايجاد ما يبرر غفران زلة طيش شباب ومحاولة تعويض ما فاتها بعد مضي زمن غير إن لعنات الزمن بقيت شاخصة تصارع النفس البشرية وتلاحقها بحذاء ظل ملازماً لها ورائحة كريهة لا تفارق قدميها ،وفي تأزم حركة الصراع نرى المحاولة في التخلص من الحذاء ونزعه وتأتي بداية الانفراج في الازمة عبر كسر المرآة وقذف الحذاء التي تعد بداية الحل ، وعلى الرغم من حدوث الانفراج والحل في تلك الحركة إلا إن المؤلف أعاد الباس شخصيته الحذاء وكأنه يحيلنا إلى الرضوخ والعبودية التي لا تقبل أن تفارق تلك الشخصية فتكون حركة حبكة الصراع واضحة غير معقدة ومفهومة تعبر عن عقدة الحياة .
- الزمان والمكان :
لم يحدد مؤلف النص الدرامي زمن وقوع الحوادث وتطورها ولربما ترك ذلك بسبب إن مثل هكذا حوادث لا تحاط بزمن معين على الرغم ان مؤلف النص حاول جاهداً ربط شخصية الهيدوف في معطيات عدة منها الصبي الذي مثل ماضيه والشيخ العجوز الذي مثل حاضره لكن بقي زمن وقوع الحوادث سائباً مع تنامي حركة النص الدرامي .
أما المكان فهو أيضاً لم يعره إهتماماً بوصفه بدى هلامياً غير واضح المعالم ومن غير الممكن تحديده .
وبقي أن نذكر ان دور المؤثرات المصاحبة مثل الاصوات والضجيج وما تبعها من تداخلات ما هي إلا اضافات حاول من خلالها المؤلف الدرامي إعطاء الجانب السمعبصري دوراً في اغناء النص بأجواء تبعث فيه الحياة والحركية في تجسيداته الدرامية .