مسرحية "مخدة" وكسر أفق التلقي / د. حليم هاتف (العراق)

يشكل العرض المسرحي افقا للتلقي الذي كان معلوماً في الطروحات القديمة / أرسطو وفن الشعر، وآليات كسر وتحطيم أفق التلقي المعاصرة ونظرية التلقي والقارئ الناقد والقارئ المتعدد والقارئ الضمني عند ( هانس روبرتياوس) ، وما هو غير ذلك من أفاق عملية  تلقي العرض المسرحي ، ومن خلال ذلك يضيع فعل التشخيص ليحل أفق التأويل وهو ما يمكن أن يرفع الغطاء عن محتويات غير مرئية ومسكوت عنها ، لذلك فأن عملية القراءة والتلقي تتحدد أبعادها الجمالية والثقافية وفق زمنية العرض وأحداثه المتعلقة بالواقع الراهن وقد يكون الواقع القديم حاضراً ، وهذا ما ترَكزَ في مسرحية “مخدة” بكل ما تعنيه من أفق مقروء وأفاق غير شاخصة بفعل لعبة التلقي بين العرض والقارئ التي اشتغل عليها المخرج ، اضيف من تجربتي منطلق هذه التجربة وهو النص …
لا يتوفر وصف.
النـــــص :  
ماذا وأنت تشاهدُ عرضاً مسرحياً مونودرامياً وأنت القادم بجهوزية المتلقي الواعي والمدرك الذي يعيّ هذا المصطلح ( المونودراما )  والعارف بهِ تماماً، وأنت تنتظر خطبة لشخص واحد بشكل مطول  وهذا الشخص هو المسؤول عن ايصال كل المعاني والرموز والدلالات بمساندة عناصر العرض التي يتبناها خطاب النص وهنا أعني نص المؤلف وهذا الأمر يعد أمراً بديهياً لمفهوم المصطلح ( الموندراما )، في العرض المسرحي “مخدة ” تأليف الكاتب المسرحي ( سعد هدابي ) اخراج ( منتظر سعدون ) والذي قدم على قاعة النشاط المدرسي في الديوانية، نتوقف لقراءة هذه الظاهرة ونحن نتسأل ونشتبك بتلك التسأولات عن هذا العرض الذي يبتعد كثيرا عن مفهوم ( الموندراما ) ونضع بعض الاسئلة؟؟؟ هل قدم لنا المخرج عرضا مسرحيا موندراميا وفق مفهومنا للموندراما ؟ لا سيما قدم العرض أمام نخبة كبيرة من المشتغلين بالمسرح ، نعم كان نص المؤلف موندراما لكن نص العرض ابتعدَ كثيراً عن مفهوم الموندراما وهذا ما لا يتساوق مع مفهوم العرض المونودرامي حيث أن نص العرض لا يتماشى مع معطيات المفهوم شكلاً ومضموناً لا سيما أن هناك تجارب مسبقة اكتسبها الجمهور من الجنس الذي ينتمي اليه النص وهذا بدوره يطيح بنص المؤلف ليهيمن نص المخرج والذي لم يعد نصا موندراميا، كونه خارج مفهوم المصطلح، والموندراما هي العمل الذي يعتمد على شخصية واحدة تحمل مناجاتها الى الجمهور من خلال الأداء المشترك مع بقية عناصر العرض لكن ما حصل في مخدة هو حضور لثلاث شخصيات هما ( الاداء الحركي للممثل الذي اعتمد لغة الجسد الذي جسده الممثل ( نوفل خالد)  والاداء الذي اعتمد الكلمة المنطوقة المتمثل (مصطفى الهلالي)  وكذلك المايم الصوتي الذي استخدمه المخرج وهو يرافق العرض في بعض الانتقالات ) وهذا ما يؤكد هجنة الجنس الموندرامي التي اتصفت بالتداخل والتعدد والاختلاط .
لا يتوفر وصف.
الاخــــــراج : 
لم يكن هناك خيار أمام  المخرج ( منتظر سعدون ) الا أن يغادر المخدة بسردياتها الكبرى التي شكلت لنا محطات كثيرة في حياة كل فرد ، احلامنا ، ذكرياتنا ، لا بل ضمائرنا التي تحاسبنا يوميا عن كل فعل  تجاه مواضيع كثيرة ، منها الماضي ، الحاضر ، الناس ، الوطن ، الطفولة ، الام ، الاب ، الحروب … الخ من تلك الذكريات وهو يستعين بطريقة ذكية وحاذقة بالصورة والعلامة واللغة الجسدية للممثل ليطيح بتلك السرديات من خلال تلك الصور التي تحمل دلالاتها الرمزية عبر لغة الجسد الذي يتحول الى جسد رائي ومرئي جسد باث ومرسل للخطاب الانسان يذلك الخطاب الكوني الذي يغيب ملايين الكلمات المنطوقة عبر الصور والعلامات والشكل السينوغرافي المتحول طيلة فترة العرض وهو يحمل دلالاته وفق عملية اشتغال اعتمدت الترميز الذي ساهم  في رسم صور متعددة لمنظومة العرض المسرحي ، أراد المخرج (منتظر سعدون ) أن يحول سرديات النص الى لغة مغايرة عبر تلك الدلالات التي تمثلت بالأشرطة والالة التي استخدمها الممثل في ادائه الجسدي وكذلك السايك الخلفي والتي كان لها الدور البارز في تشكيل منظومة العرض المسرحي ( مخدة ) بعين مخرج واعية ومبصرة، كما ساهم المخرج بكسر أفق التوقع لدى المتلقي في هذا العرض ليخرجنا من علة الموندراما التي اتصفت بالمناجاة والتشكي ليستعين بالشكل السينوغرافي الذي هيمنت فيه  الصورة والعلامة، لكنه سرعان ما يعود الى لغة الحوار المنطوق والتي يؤديها الممثل بالطريقة البكائية المتوارثة والنحيب، مما جعلها تشكلُ عبأ على جماليات سيميولوجيا العرض .
لا يتوفر وصف.
التمثيـــــــل:
هيمن الأداء التمثيلي الذي أعتمد لغة الجسد للعرض المسرحي “مخدة ” والذي تمثل بالتكنيك العالي الذي شكل حضورا كبيرا للممثل الشاب ( نوفل خالد ) وهو يمتلك مرونة جسدية استطاع من خلالها  أن ينقل العرض الى مساحات تأويل  أوسع تمثلت بالحركة والايماءة  التي شكلت صور العرض ، هذه الايماءات التي كانت تمثل الرفض للواقع والتمرد على كل اشكال الحيف، بل ذهبت الى اكثر من ذلك حيث أخذت الدور التحريضي والرافض الى قتل الاحلام  لتشكل هي الاخرى علامات تحمل دلالاتها المتعددة عبر مشاهد متعددة داخل العرض المسرحي، في حين أن الاداء التمثيلي للممثل (مصطفى الهلالي) رغم أنه بذل جهدا كبيرا لكنه لم يصل الى مستوى المعاني والرموز التي خلفها الاداء الجسدي  والذي هيمن على  أدائه كممثل  اعتمد الكلمة المنطوقة النواح والتظلم وطريقة الاداء المكررة التي رافقت الشخصية منذ ظهورها الاول حتى نهاية العرض  رغم التماعات ( مصطفى )  في جوانب اخرى من العرض، يبدو أن المخرج أراد للشخصية أن تكون هكذا .
لا يتوفر وصف.
السينوغرافيا :
جاءت السينوغرافيا مكملة للأداء الجسدي للممثل ، حيث  الأشرطة والسايك الخلفي الذي أسس لها المخرج لتنصهر مع الاداء في رسم صور العرض وفق بلفونية عالية، فقد شكلت بعداً جمالياً في كل محطة من محطات العرض التي اتسمت بالتعدد والتنوع الادائي الذي ساهمت فيه بالخروج من الشكل الكلاسيكي للعرض، حيث التشكيلات الصورية التي تبناها العرض في رسم صورة جمالية تحمل دلالاتها الرمزية العالية، رغم انها اتصفت بالتناص، والتناص هنا ” عملية تشكيل وبناء لنص العرض الناتج من افاق عديدة فنص العرض هنا ليس متكون بذواته وانما بذوات اخرى فالناتج حتما يكون لسلسلة من التحولات النصية التي تنصهر وتتمازج فيما بينها بحيث تتسلل الى المبدع بطريقة لاشعورية وهو يشكل نص العرض المفترض ” .
لا يتوفر وصف.
العرض المسرحي ( مخدة ) من العروض المهمة التي افرزتها المرحلة  بكل تداعياتها الوبائية والتي لا زالت ترافق حياتنا اليومية، حيث استطاع العرض أن يعيد لنا ذاكرة التلقي وجماليات فعل التقي وفق منظومة عرض مسرحي مدروس ومحسوب ايقاعياً وصورياً غاب فيه التنميط الادائي ليكتسب صفة التعددية الأدائية  كواحدة من اليات هجنة الاداء التمثيلي في عروض مسرح ما بعد الحداثة  ، وهذا ما جعل من نص العرض يحمل طابعاً هجيناً حيث انصهرت النصوص الادائية المتعددة مع نص المؤلف لتشكل لنا جماليات الهجنة بتداخل تلك النصوص  والتي أدت بدورها الى غياب جنس النص الموندراما.
 
 
 
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت