الوسائل التعليمية اشتغالاتها وتطورها / مجيد عبد الواحد النجار
كانت الوسائل البصرية هي الوسائل السائدة في بادئ الامر ، وقد أخذت هذه الفترة مدى أوسع وأطول اذا ما قورنت بالوسائل ألأخرى التي اتت بعدها ، وهذا يرجع إلى أسباب أهمها العقل البشـري، والثقافة التي كان يحملها، ومدى قدرته على ألتطور، لان بدايات البشـر كانت بسـيطة، حتى بطموحاته وإمكانية تطوره، لم يفكر الانسان القديم بتطوير الأشياء بالسـرعة التي نحن فيها ألان، بل كان يخضع للصدف وللحاجة التي كانت هي الأساس في اكتشافه للأشياء، ولذلك عندما استعان بالحواس كانت بالنسبة له قفزة نوعية في تطوير استخدام الوسائل ألتعليمية، ولذلك أول ما فكر به استخدام العظام دون غيرها، لم يفكر بالمعادن أو الزجاج أو أي مادة أخرى لأنه لم يكتشفها بعد، لذا اكتفى بالعظام التي اثار مخيلته لعب الاطفال بها ، كما ورأى البعض يستخدمونها في تخطيط بعض الأشياء للدلالة عليها،بالإضافة الى استخدامات اخرى كثيرةٌ طبعاً ، ولكن بعد كل هذا تمكن من تطوير وسائله بصورة أسهل ويسـر، لكونه تقدم بالتفكير ودخل مجال التطوير واعتبره من المهام الأساسـية لتقدمه.
ونتيجة هذا التطور قام الانسان بفتح المدراس لتعليم الأطفال ،واستخدمت الوسائل من اجل توضيح المواد الدراسـية.
فقدتأسست مدارس الاحد الدينية بعد السيد المسيح(ع) ، وكان الأطفال يذهبون أليها مرة في الأسبوع في أيام الآحاد، ليتعلموا القراءة والكتابة، وكان (كونتليان) QUINTILIAN يعلم في أحدى هذه المدارس، وكان أول من استخدم طريقة التعليم باللعب، حيث قام بنحت العظام على شكل حروف وأعطاها للأطفال يلعبون بها ويتعلمون أسماءها([1])،كما طالب كونتليانالمعلمين باستعمال اللعب وجميع الافكار الممكنة التي تساعد في تسهيل تعلم الحروف وأسمائها في الوقت الواحد،لكنه لم يكن يقصد من هذه الطريقة هي التسلية، أو اللهو، ولم يكن قد استخدم هذه الوسائل اثناء درس الرياضة ، بل أراد ان يتعلم الطالب أثناء اللعب بما يريد منه معلمة، وهذا يُشبه إلى حد ما المسـرح المدرسـي المعروف لدينا الان ، حيث يقوم التلميذ بالدور الذي اسند إليه من قبل معلمه، وطبعا هذا الدور هو جزء من الدرس ، مادة الدرس المنهجية ، الذي يريد المعلم تعليمهم إياها، وما ألهو والتسلية إلا تحصيل حاصل لهذه العملية، وتعتبر أيضا من أهداف التعلم.
كما امر حمورابي بنقش شـريعته على مسلة تصور الإله، وهي تعطيه مقاليد الحكم لإقناع الناس بذلك، وتعد هذه من الوسائل التعليمية([2])، كما كانت الكتابة الهيروغليفية، تشكل بمجموعها وسائل تعليمية، لأنها تتكون من مجموعة صور، وهي بهذا اقرب ما تكون إلى مادة التربية الفنية([3])، وذلك لان الوسائل التعليمية تؤدي إلى نقل المعلومات ، والأفكار ، والمهارات الفنية للتلميذ او الى المستمع بشكل سـريع وتطوير قابلياته في كسب المعلومة وحفظ مادة الدرس.
كما كان((الحسن بن الهيثم (956ـ 1039م) عالم البصـريات يعتمد الاستقراء والقياس والمشاهدة والتجريب والتمثيل في دراساته حول انكسار الضوء))([4]).
من خلال ما تقدم نصل الى إن الوسائل التعليمية بدأت مع المجسمات من خلال تدوير بعض الموادـ مثل العظام ، واعتمدها الكثيرون الذين مارسوا التعليم في مختلف أشكاله ليعاد بعد ذلك استخدام الرسوم التوضيحية كما فعل أصحاب الكهوف برسمهم الحيوانات والطرق والمناظر التوضيحية لأصدقائهم، وهم يسـردون عليهم قصة الصيد وما شاهدوه من مناظر وماسـي خلال قيامهم بصيد ذلك الحيوان، وقد امتاز ((أبو عبدالله الإدريسـي (1099ـ 1166) (…) بخرائطه التي رسمها ليوضح مواقع البلدان، قد فتح المجال أمام استعمال الرسم المصور والأطالس، أدوات توضيح للمعارف المجردة))([5])، وهذا دليل على إن وسائل الإيضاح لم تستخدم لتعليم الطفل فقط ، بل لإرشاد الكبار وتعليمهم أيضا، مما يدلل على أهمية الوسـيلة التعليمية للجميع.
مع بدايات القرن العشـرين ، تأسست بما يسمى مدارس المتاحف، عن طريق اقامة المعارض المتنقلة، وتوزيع الصور، والسلايدات، والأفلام، والرسومات، واللوحات، ووسائل تعليمية أخرى، وقد تم فتح أول مدرسة متحفيه في سانت لويس عام 1905 ، وفي عام 1908 استعمل مصطلح التعليم المرئي ، كما ويعد جهاز الصور المتحركة، اول جهاز استخدم للتعليم البصـرية في المدارس ، وفي عام 1970 تم طبع أول كتالوج للأفلام التعليمية([6])،هذا يعني أن المعنيين بالتعليم وبتطوير الوسائل التعليمية ،من خبراء واساتذة وباحثين ، عملوا على ان تكون الوسائل شاملة وعامة باستخدام جميع الوسائل والطرق من اجهزة الكترونية ، او مواد اولية ، من اجل رفع كفاءة وقدرات المتعلمين واكتساب الخبرة بسـرعة وسهولة ، وهم يدركون الحاجة الملحةإلى إيجاد أسلوب جامع مانع يستخدم كافة الأساليب والتقنيات التربوية من اجل رفع القدرات العقيلة للمتعلم.
وهنا يتضح مما سبق إن هذا الأسلوب الجامع الذي يستخدم كافة الأساليب والتقنيات التربوية، هو المسـرح ، حيث يوجد فيه اللعب والتسلية والتعليم، من خلال استخدام تقنياته، من اللقاء وتمثيل وديكور وأزياء وإنارة، واكسسوار ،حيث عندما يقوم الممثل بإنجاز كافة تقنيات العمل المسـرحي يكون قد تعلم بعمل واحد وفي درس واحد ومن خلال مادة دراسـية واحدة الكثير، وهذا يقودنا إلى التعريف الذي يقول بان ((الوسائل التعليمية هي أجهزة، وأدوات، ومواد، يستخدمها المعلم لتحسـين عملية التعليم والتعلم، وتقصير مدتها، وتوضيح المعاني، وشـرح الأفكار، وتدريب التلاميذ على المهارات، وغرس العادات الحسنة في نفوسهم وتنمية الاتجاهات، وعرض القيم، دون إن يعتمد المدرس على الألفاظ والرموز والأرقام وذلك للوصول بطلبته إلى الحقائق العلمية الصحيحة والتربية القومية بسـرعة وقوة وبتكلفة اقل))([7]).
اذن لابد ان نشير الى إن من بين المهارات التي تتطور لدى الطالب فيما إذا استخدم المسـرح المدرسـي كوسـيلة إيضاح، تطوير قابلية الإلقاء، وتصحيح النطق، وزيادة الوعي الثقافي والصحي، والتعليمي، كما يطور الذكاء لدى التلميذ وينمي الذاكرة ، لذلك كان إدخال الوسائل التقنية المختلفة إلى المدارس يمهد السبيل إلى ظهور فروع جديدة من المعرفة،وهذا يثبت النظريات التي تأكد بان الطالب يتعلم عندما يكون مشاركا وفعالا، فهو يتعلم من حصيلة تمريناته، بمعني ان المشاركة الفعالة للطالب في التمارين او الفعل المراد أقامته في الدرس يكون اكثر تأثيرا عليه ، فعادة ما يتماها التلميذ مع ما يفعله اثناء اللعب وعندها تكون المنفعة مضاعفة وسريعة ، وطبعا الفائدة لا تكون خاصة بالتلميذ بل تصل الفائدة للمعلم الذي يتخلى عن دوره كملقن او ناقل للمعلومات ، ويتحول الى شخص مراقب ، ومتابع ، ومشرف ، ومحفز للفعل البذي يقوم به الطالب ، فهنا يتحول الطالب من مستلم للمعلومة الى الباث لها ، او المرسل لها ، وبنفس الوقت ، هو المستلم للمعلومات دون القصدية من ذلك ، لان اللعب هو الاساس المهيمن على بث المعلومات ، فمن خلال اللعب تشتغل جمع حواس التلميذ ، التي تكون منشغلة باللعب وبحفظ المعلومة وارسالها.
وحتى تكون البداية صحية ، واكثر ايجابية لابد من التركيز على رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، وذلك كون الطفل لا زال في مرحلة النمو الجسمي والعقلي، وهذا يسهل عملية التعليم والتعلم بسهولة تامة، لكون الطفل في هذا العمر يستلم من الأخر أكثر مما يعطي، فهو يقلد اغلب الحركات التي يراها ويحفظها، وفي اغلب الأحيان يحولها إلى لعبة، إذا ما قدمت إليه سمعيا وبصـريا وحركيا، حيث((تشير بعض الدراسات إلى إن نسبة المعرفة من خلال حاستي السمع والبصـر تصل إلى حوالي 98%))([8])، لهذا فان الوسائل التعليمية تعمل على تسهيل العملية التعليمية وتطورها، لذلك لم يتخلى عنها المعلم او المدرس في توصيل مادة الدرس ، فقد تعددت الوسائل وتطورت منذ البداية الحقيقية لاستخدامها ، بدءا من الصبورة والصور ، وانتهاء بالسينما ، لذلك اختلف البعض في تسميتها لكنهم لم يختلفوا في مدى الفائدة التي تنتج عنها ، فاطلق عليها البعضتسمية الوسائل التعليمية واخر وسائل إيضاح ، ومنهم من اطلق عليها الوسائل البصرية ، ومنهم من اطلق عليها الوسائل السمعية ، ووصل البعض الى تسميتها بتكنلوجيا التعليم .
ان هذه التسميات هي وسائل إيضاح بحد ذاتها من اجل التعريف بالأمور التي تساعد التلميذ على فهم ومعرفة المعلومات والدروس بطريقة سـريعة وسهلة، فقد أخذت تسمية الوسائل البصـرية كون الوسائل التي تستعمل يجب إن يراها التلميذ إمامه وهي تؤدي غرضها في التعليم، وكذلك تسمية الوسائل السمعية التي تعتمد على حاسة السمع وهي عبارة عن صوتيات مثل المسجل أو المذياع.
بالنتيجة يجب إن تكون الوسائل التعليمية ، أي شيء يستخدم لمنفعة التلميذ على حدا سواء لان الغاية الاساسية من استخدامها هي منفعة التلميذ وتسهيل المادة المطلوب تعليمها له، وهذا يدفعنا للاعتراف بان
المسرح هو الوسيلة الانجع في تحقيق كل ما يصبو اليه المعنيون ، والباحثون في شؤن الطفل ، وكذلك الباحثون في شان التعلم والتعليم ، لان المسرح فيه اللعب ، الذي يود الطفل الانشغال به ثم الحركة (الفعل) و الحوار(الألفاظ)، وهذه مجتمعة تؤدي بالتلميذ الى فهم المادة من خلال العرض المسـرحي او الاشتغال به .
وقد تنوعت الوسائل التعليمية من اجل الأهداف السامي التي تسعا اليها إلا وهي سـرعة التعليم ،وثبات المعلومات في ذهن التلميذ ،فبدأتالمرحلة الاولى بالمجسمات ، ثم مرحلة التمثيليات ،وبعدهامرحلة الرحلات والمعارض والصور المتحركة.
وقد صنفت الوسائل التعليمية من خلال وجهات النظر لبعض المفكرين والباحثين ، الى اصناف مختلفة ، تؤدي كل منها اغراضها واهدافها المعلنة والمخبوءة ورائها ، في تعليم التلميذ والطالب على حد سواء ، وكذلك الفائدة تشمل المرسل للمعلومة ،المحاضر او المدرس او المعلم ، فقد صنف برتس الوسائل التعليمية كما يأتي:
- 1) الوسائل السمعية البصـرية المتحركة كأفلام الفيديو
- 2) الوسائل ألسمعية ألبصـرية ألثانية، كالشـرائح الناطقة
- 3) الوسائل ألسمعية شبه ألمتحركة، كالتلغراف والتلكس
- 4) الوسائل ألمرئية ألمتحركة، كأفلام الصور ألصامتة،
- 5) الوسائل ألمرئية ألثانية، المواد ألمطبوعة
- 6) الوسائل ألسمعية كالمذياع والهاتف([9])
وقد صنفها (((هنري ويبريد) إلى ثلاث فئات، ألتكنلوجيا التربوية المعقدة(…) مثل أشعة الليزر، ألتكنلوجيا التربوية المتوسطة(…) كاستخدام التلفاز المفتوح والمغلق، ألتكنلوجيا التربوية العقلانية(…) تتميز بالبساطة))([10]).
إن الباحثين والمنشغلين بالوسائل التعليمية متفقين جميعهم على أهميتها بالنسبة للمتعلم، لكنهم لم يصنفوا الوسائل وفق الفئات العمرية، تفصيلا دقيقا، فمثلا ما هي الوسائل التي تستخدم للفئة العمرية لتلاميذ رياض الأطفال، وما هي الوسائل التي يستفيد منها تلميذ المدارس ألابتدائية، أو طلاب المتوسطة والإعدادية، وهل يحتاج طلاب الكليات إلى الوسائل التعليمية، كون عقولهم أوسع نطاق وأكثر فهماً، ام انهم لا يحتاجون لها كونهم يستطيعون تخيل الاشياء، وتمكنهم من المقرنة والمقاربة مع الاشياء الاخرى التي تؤدي الى فهم الموضوع المطروح للنقاش، كما إن التدريس في الكليات يختلف عن التدريس في الابتدائية والثانوية، كون التدريس في الكليات يعتمد بنسبة كبيرة على ألطالب، وما الأستاذ الجامعي إلا هو مفسـر ومشـرف ومترجم للأمور الغامضة لدى طالب الجامعة.
اذن لابد من القول ان الوسائل التعليمية كانت حاجة ملحة في التعليم منذ ان استخدمها الانسان في الكهوف، لشـرح وتوضيح الحالات التي مربها اثناء الصيد او اثناء ترحاله من مكان الى اخر، مرورا باستخدام العظام لتعليم التلاميذ، وصولا الى التقنيات التي جاءت نتيجة الثورة الصناعية في القرن الثامن عشـر، واستغلالها لصالح التعليم، حيث السـينما والتلفزيون والداتا شو- عارض الصور- ومن ثم الوصول الى التقنيات الرقمية التي استعملت في اكثر مدارس العالم، وكانت النتائج ايجابية لصالح الطالب في سـرعة استيعاب التلميذ لمادة الدرس.
الإحــــالات:
[1]) د. محمد محمود الحيلة، تكنلوجيا التعليم بسـين النظرية والتطبيق، (دار المسـيرة للنشـر والتوزيع، عمان، 2004)
[2]) ينظر: د. محمد محمود الحيلة، تكنلوجيا التعليم بسـين النظرية والتطبيق ، المصدر السابق
[3]) ينظر: شوق اسعد سعد الدين، التربية الفنية، دار دجلة(عمان)،2014
[4]) شوق اسعد سعد الدين، التربية الفنية ، المصدر السابق
[5]) هاني جاسم، ((الوسائل التعليمية المعلم الجديد))، المصدر السابق
[6]) د. محمد محمود الحيلة، تكنلوجيا التعليم بين النظرية والتطبيق، المصدر السابق،
[7]) د. محمد محمود الحيلة، تكنلوجيا التعليم بين النظرية والتطبيق، المصدر السابق
[8]) خير شواهين، وكامله عبيدات، وشهرزاد بدندي ، المسـرح المدرسـي.. في العلوم ومهاراتالتفكير، المصدر السابق
[9]) ينظر: المهندس امجد قاسم،(( الوسائل التعليمية وتقنيات التعلم وأنواعه وتطورها))، المصدر السابق
[10]) المهندس امجد قاسم،(( الوسائل التعليمية وتقنيات التعلم وأنواعه وتطورها))، المصدر السابق.