25 ريختر….. والعتبة المشفرة / د. محمد مهدي المياحي

يختار مخرج العرض ومؤلفه، عتبة نصية، تمثل مفاتيح شفرة الزمان والمكان لحدث مسكوت عنه، أو تقصد المؤلف، بفرضيته النصية، أن يجعل الحدث كما يطرحه المتن الحكائي، منشورا سياسيا، يحمل مزاج حقبة الستينيات الرومانسي الثوري، فهو حدث تمت تغطيته بشكل متقن، يتلقف وقائعه ، ويتابع مساره، من تورط فيه وجدانيا، فتأتي العتبة النصية، للعبور من موقف العادي، اليومي الرتيب، في أيام الرزنامة، إلى يوم الخامس والعشرين من شهر ما، يتأكد طبيعة هذا اليوم باقترانه بريختر مقياس الزلازل، ولكأن هنالك من يصرخ، هل شعرت بزلزال ما في يوم الخامس والعشرين من شهر ما؟ وبالتالي العتبة هنا لا تفضح ولكن تختبر المتلقي، فإن كان ممن شعر بالزلزال، فسيمر مع مسارات المتن الحكائي، ويدخل تجربة الاهتزاز العظمى حتى ينفك من أسره، وتتم ولادته من جديد، بعماد مطهر، معلنا عن مستقبل ما بعد الزلزال. إن العتبة النصية تضع يوما من الرزنامة كمقياس زلزالي، وهو يوم الخامس عشر من شهر تشرين الأول، في تكثيف دلالي للزمان والمكان، والحدث الزلزالي. وبذلك يمكن الاتصال بالمتن الحكائي، وفتح دلالاته التي تشكل اطار الموقف الدرامي، ومحددات المسار، من المفارقة، والفكاهة الوحشية، عندما تتحول ألفة الحانة، وهي مكان الاماسي الدافئة، والخدر اللذيذ، إلى مسلخ دموي، يتخذه الرجل ملاذا هستيريا، في حالة من التجاهل، والارتداد الى الذات، فيعاني ما بين معطيات الواقع صارخ الوحشية، والانتهاك، وما بين تراجع قدرته على الإنكار، وإلغاء معطيات واقع الاستباحة والخراب والدم للمسلخ الذي يعيش فيه.
يقدم لنا المتن الحكائي، الحدث برمزية عالية، وبإطار من التعبيرية المدرسية وقائع مظاهرات تشرين الوطنية، فيقدم الرجل المنكفئ على ذاته، والسادر بالإنكار للواقع، والذي يعيش معاناة عصابه الهائل، ما بين رغبته بالإنكار للواقع المسلخ الذي يعيش فيه، ورغبته الحميمة لاستعادة المكان الأليف للحانة، التي قضى عمره فيها، وهو صراع يسلمه الى الموقف الهستيري، عندما يشتهي أن يذبح ويقطع ويقتل، لينغمر في حمام الدم هذا، وبذات الوقت هو مسكون بحنين مستحيل الى الماضي، والحانة الدافئة. فهو بصراعه هذا غائب ومفقود حتى تبحث عنه المرأة، أما اللقاء فكان باردا ، على حافة الموت والحياة، تلك الحدود الفاصلة بينهما، باهتة الملامح، حيث يتم تصفير الشعور الانساني، فهو لقاء بين شخصيات غائبة، يتم عبر التواصل مع قرين لها، فينفقد التواصل الحواري كقيمة لغوية عقلية، تعبيرية بين الشخصيات، ويكون اشبه بالاتصال المغيب، وهو تواصل مع قرين لشخصية غائبة. وتحاول شخصية المرأة بعد عثورها على الرجل، أن تستعيده من حالة النكوص الجنينية، التي يعيشها ، فمرة تنتشل ذاكرته عبر امسية يحتفلان بها بعيد ميلاده، ومرة رقصة حميمة في الحانة، وأخرى بعناق عاشقين محبين من الماضي، لكن في كل مرة يطل عليهما واقع المسلخ، ليحطم تلك المحاولة، بصوت انفجارات، أو أزيز رصاص جنوني، فيقدم المتن الحكائي ثيمة الصراع ما بين واقع المسلخ الدموي، وأمل المرأة في استعادة الرجل، أي استعادة الحياة. ويتجلى ذلك بالدعوة المباشرة لمغادرة المكان، بمعنى مغادرة واقع الموت والاستسلام، والضياع الذي يعيشه، وتعيشه هي، بوصفها المرأة (الحبيبة). وتنتهي محاولاتها تلك بقذفه خارج الحانة المسلخ، لتضعه في مواجهة مباشرة مع واقع المسلخ، والذي قضى كل عمره بالهروب منه، وإنكاره، ولكأنها تقول له، سأفتح عينيك عنوة، واجعل من بصرك أحد من عيون الصقر، فترى وتتألم وتثور، وتكون. وهو ما رسخه الخطاب المباشر في مونولوجها الذي تختتم به المسرحية.
إن النص جاء في بناء تعبيري مدرسي، حيث تم وضع الشخصيات في حالة ترميز الى موضوعات بعينها، فالمرأة هي الثورة، والروح التواقة الى مستقبل خارج الواقع المسلخ، والرجل حالة الانكار والنكوص، والخوف من مستقبل قد يكون اكثر دموية من واقعه الراهن، ونجد أن احادية الرؤية التي يطرحها المتن الحكائي للنص، هي نتاج الانغمار في إخراج النص المؤلف من المخرج، فلا قدرة للثيمات النصية أن تحقق أي مساحة إزاحة، بما يمكن أن يخلق فضاء لأكثر من رؤية، وهذه من مخاطر أن يقدم المخرج على إخراج ما كتبه من نص درامي.
إن ما تقدم يوصلنا إلى طبيعة المعالجات التقنية لرؤية الإخراج، فالمخرج علاء بسبب هيمنة الفرضية الأدبية التي تقدمها الثيمة النصية، عمل على التجسيد المباشر لها على الخشبة، فجاء المنظر تصويريا، ليحقق القراءة الاحادية للأحداث، بينما لم يغادر الميزانسين ثباته، واستقراره الاستاتيكي، بالإضافة الى الاضاءة التي لم تفارق تقنية العزل التعبيرية، ولم تترك للمتلقي فسحة من الترويح ليشاهد التركيبات للإنشاء السينوغرافي، وبقى المشهد يسير بالحوار وحركة الممثل ذات الصياغة الانفعالية والتي تفترضها المعالجات التعبيرية، غير أنه لم يحقق انتقالا فنيا من ذروة المشهد الانفعالية، إلى المشهد التالي مع المحافظة على الزخم الانفعالي، فلم تستطع المعالجة التقنية بالتوظيف الموسيقي في إحداث هذه الانتقالات الفنية. وهو ما ارهق الممثلان الزوج (ياسر…) والزوجة (زمن…) حيث بدى الاعياء عليهما واضحا، بفقدان التركيز بالحركة، والاجهاد الصوتي، في مشهد الختام, كل هذا نقله لنا المخرج المؤلف من الواقع بمعالجات (قحطانية) واضحة وهنا اقصد تدخل المخرج المؤلف بكل تفاصيل العرض من أداء وانتقالات صوتية وحركة جسدية فكأني اشاهد علاء في ياسر وعلاء في زمن , وهنا نجد علاء قد هيمن على العرض بدكتاتورية خلاقة اعادت انتاج تجاربه المسرحية للمخرج المؤلف بروح ياسر الذي نفذ ما يريده المخرج منه بشكل حرفي ودقيق وكذلك زمن الربيعي هذه التشرينية الحالمة كمخرجها (علاء) لتنقل لنا صورة مريرة فيها من الامل الكثير كذلك هي محاولة علاء قحطان لاستعارة هذه العلامة التشرينية وتوظيفها لإنتاج عرض مسرحي يحاكي هذه الثورة الشبابية الرافضة للظلم والفساد , وهنا يأخذنا ذلك الصوت الملائكي للرائعة د. شذى سالم لتضعنا وسط احداث هذا العرض بطريقة سحرية اخاذة ليكون خاتمتها مسك . لتكن ثورة 25 تشرين هي البداية للوصول للحلم .
 
لا يتوفر وصف.
 
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت