بالمغرب: مسرحيتا قف وجوع الكبار تتألقان بمهرجان مسرح مراكش الثقافي/ عبد الرحيم محلاوي

على خشبة مسرح دار الثقافة الداوديات بمراكش نظمت فرقة مسرح مراكش الثقافي الدورة الأولى لمهرجان مسرح مراكش الثقافي يومي 30 و 31 يوليوز 2021 بمناسبة عيد العرش المجيد ، تحت شعار : “الجائحة بين الضغط النفسي والإبداع الفني” ، بدعم من عدد من الشركاء
وعرفت الدورة الأولى من هذا المهرجان مشاركة عدد من المسرحيات ، قدمت منها في اليوم الأول مسرحية : “قف”  لمؤسسة التفتح للتربية والتكوين محمد الغزواني بمراكش ، و “زنزانة البوح” لفرقة مسرح مراكش ومسرحية “عبث” لفرقة سوارت شيشاوة
بينما في اليوم الثاني تم تقديم مسرحية “جوع الكبار” لرواد الخشبة من خريبكة .
وسوف نركز في هذا المقال حول عرضين الأول والأخير من هذه التظاهرة ، أي مسرحية “قف” تأليف وإخراج عبد المجيد أدهابي وتشخيص منى الحجازي ، موسيقى عز الدين الدياني ، التي تعالج موضوع زواج القاصرات حيث حاول المؤلف/المخرج أن يطلعنا على وجهة نظر الفتاة التي وجدت نفسها مقبلة على الزواج في حين أنها لازالت طفلة محتاجة للحنان ومتابعة دراستها وممارسة اللعب شأنها شأن باقي الأطفال في عمرها ، فيضعها والدها أمام الأمر الواقع حين يقبل اقترانها بشيخ لم تبق في عمره غير أيام بحيث يموت يوم كتابة عقد الزواج ، ما يعني أن والدها لم يفكر في عاقبة أن تترمل وهي طفلة صغيرة السن وما قد تعانيه من معاناة نفسية واضطرابات سلوكية ، بحيث في مشهد من مشاهد المسرحية الذي يرتكز على مفارقة لها أكثر من دلالة حيث تقول الممثلة أن الناس يبكون عند الموت لكنني فرحت بموت الشيخ الذي كان سيكون زوجي بمباركة والدي .
وقد استطاع العرض أن يناقش معاناة البنات من خلال الصراع بين الأم والأب وكذا بين البنت بأسئلتها البريئة مع أبيها ، وقد استعمل عدد من التقنيات المسرحية التي ساعدت العرض على تنويع اللعب الدرامي كخيال الظل وتقمص العديد من الأدوار من طرف الممثلة الوحيدة التي قدمت المسرحية ، وكان للسينوغرافيا المختزلة دور كبير في إبراز التعبير الجسدي للممثلة التي تفوقت على نفسها من خلال أدائها الرائع رغم صغر سنها .
فهنيئا للأستاذ أدهابي الذي أضحى يتطور من مسرحية لأخرى ويكتسب الأدوات القادرة على خلق المتعة البصرية بجانب المتعة السردية أو الأدبية .
أما العرض الثاني فهو مسرحية “جوع الكبار” لرواد الخشبة من خريبكة . أعده الأستاذ عبد المجيد أدهابي نفسه عن مسرحية “كوميديا الأيام السبعة” للكاتب العراقي علي عبد النبي الزايدي وقام بتشخيصه كل من عبد الرزاق ولد عامر ، كرم لمراني ، عبد الإله بعلواش ، كما أبدع السينوغرافيا احمد أمين الفاضلي وتفنن في الإضاءة جواد احديدو ، فيما كانت الموسيقى من اختيار الفنان يونس بوجنويت والمحافظة العامة لمهدي حداد .
فهي من نوع الكوميديا السوداء التي اعتمدت على الكثير من الرموز ، فالعرض يدور حول عجوز وحفيده يعيشان في منزل فقير يأتي إليهما غريب يدعي انه من سيعمل على تحسين وضعيتهما وانه سيعيش معهما لبعض الوقت وسيرفع تقريرا عن ذلك إلى المسؤولين ، لكنه يدعي أن كلبه مات بالمنزل ولابد أن يفرض على أهل المنزل حدادا على روحه وهو إما السجن أو الامتناع عن الطعام ، فيقبلون بالإمساك عن الطعام لمدة سبعة أيام وبعد قضائهم سبعة أيام من القهر والألم والاستعباد يعود الغريب ليجبرهم على الإمساك لسبعة أيام أخرى لان الكلبة ماتت حزنا على زوجها الكلب وينتهي العرض لكن الألم والقهر لا ينتهي .
فالغريب استطاع أن ينفد إلى عالم الجد والحفيد الروتيني ليخلق شرخا في تلك العلاقة ويكشف عن خباياها ، يعرضهما للضغط ليكشف معدنهما الباحث عن الخلاص ولو بالاستسلام والخنوع لأية قوة كيفما كانت ، دون محاولة للتمرد عليها حتى رد الفعل كان في الحلم فقط .
فرمزية الحفيد الذي يمثل المستقبل متدبدب ، أما الأم رمز الوطن فهي هاربة ضائعة والغريب هو رمز للاستلاب الفكري الغربي ، فكيف للغريب أن يفرض سيطرته على منزل لا يملكه ويفرض قوانينه الخاصة داخله
فالنص مكثف ومحكم بتعدد القراءات الممكنة ، خاصة وان عالمنا العربي يعيش حالة التدخل في شؤونه الداخلية ، وإذا كانت الاختيارات الموسيقية موفقة في خلق جو البادية المغربية وكذلك السينوغرافيا التي كانت معبرة موحية ساهمت في إبراز الجو العام للعرض الذي يمثل الفقر في أقصى تجلياته ، فان الإخراج لم يستطع أن يفكك بعض التأويلات التي طرحها النص وينفتح على قضايا العالم العربي أو أن يربط النص بالواقع المعيش ، مما خلق نوع من الرتابة في آخر العرض ، وعلى العموم فان عرض “جوع الكبار” كان موفقا في تقديم هذه الفرجة المسرحية من طرف جمعية تبدع من عرض لآخر وتتطور نحو الأحسن فمزيدا من التألق .
هنيئا لجمعية مسرح مراكش الثقافي على نجاح مهرجانها الأول وشكرا لكل من ساهم في تقديم هذه الباقات من الفرجات المسرحية في ظل هذه الظروف التي فرضت على الكل التحلي بالتدابير الصحية والتباعد بعد إغلاق دام أكثر من سنة ونصف .