التكــثيف الســردي / أحمد طه حاجو

قراءة تحليلية في كتاب ( مسرحياتي للأطفال ) للكاتب ( جاسم محمد صالح )

 
مجموعة النصوص المسرحية التي تضمنها كتاب ( مسرحياتي للأطفال ) للكاتب ( جاسم محمد صالح ) تُعد من النصوص التوعوية التربوية التوجيهية ، إذ أنها استهدفت الفئة العمرية المحصورة بين ( 8_16 ) سنة ، احتوى الكتاب على ( 16)ستة عشر نصاً مسرحياً ، بالإضافة الى القسم الاول الذي ضم مجموعة قراءات تحليلية ونقدية حول تجربة الكاتب .
الثيمة الاساس التي اعتمدها الكاتب هي الحيوانات ، إذ انه جعل ابطاله هم من الحيوانات ، وهنا يكون الكاتب قد أشار وفرض بطريقة وبأخرى الى المخرج الذي ينوي أنْ يخرج أية مسرحية من مسرحياته بنمطٍ وطراز الزيِّ الذي ينبغي اعتماده في العرض المسرحي ، كما أنّ هذه الثيمة كانت موفقة في الاختيار من قبل الكاتب ، لأن المرحلة العمرية المستهدفة تكون اكثر تعلقاً في تلك الشخصيات المتحركة امامها واكثر تأثراً فيها ، لأنها ستكون مميزة وجاذبة الى حدٍّ كبير للجمهور .
اللغة :  سلسة ومبسطة وملائمة مع الفئة العمرية ومتوافقة مع طبيعة الشخصيات من الناحية السايكولوجية من جهة ، واثرها الدلالي بالنسبة للطفل المتلقي من جهة أخرى، كما ان الكاتب لم يستخدم الكلمات البلاغية التي تجعل الطفل يسأل ويستفسر عن معناها ، فجاءت معبرة عن صفات تلك الحيوانات التي ورد ذكرها سلفاً في كتاب ( كليلة ودمنة ) لـ ( ابن المقفع ) ، وهنا كان اختيار ثيمة الكتاب بقصدية ، وذات فائدة عبر تعريف الاطفال بصفات البشر من خلال صفات الحيوانات .
الافكار العامة لغالبية النصوص كانت ذات قيمة كبيرة بالنسبة لتلك الفئة العمرية ، فهي مفيدة وتدعو الطفل الى رؤية الاحداث والتعلم منها ، لان الكاتب وضع التسلسلَ حركياً منطقياً مراعياً فيه التسلسل الدرامي وفعله وتأثيره على استيعاب الطفل ، من حيث النمو التصاعدي للحدث متوصلاً  للذروة ثم الهبوط وصولاً الى الحل .
 الحكمة : كانت حاضرة في جميع النصوص ، لا سيما انها كانت طاغية ، فلا يوجد نص بدون هدف طاغٍ ، نراه يتحرك ويسير مع الاحداث منذ البدء ، وهنا نستطيع ان نضع هذا الكتاب ضمن الكتب التربوية التعليمية التي اخذت على عاتقها بناء المجتمع ، فنرى ان النصوص تعالج الواقع بكافة ارهاصاته بتقنية مبسطة ولغة محببة وافعال مليئة بالدهشة والاغاني والانسيابية الجاذبة لوعي الطفل .
اما التقنية الكتابية المستخدمة في تلك النصوص فكانت متنوعة ومثيرة للوعي والخيال عبر المتغيرات داخل النص الواحد ، فنرى ان النص الواحد مليء بالأفعال ويبتعد عن السرد ، فالكاتب اعتمد على التكثيف السردي وابراز مديات الفعل الدرامي ، واستخدام الاثارة عبر خلق اسئلة متعددة تثير الطفل لدى تفرجه على العرض المسرحي .
الحبكة الدرامية في النصوص الواردة في هذا الكتاب ، كانت ذات شدٍّ ودراية منذ بداية النص وحتى النهاية ، فالأحداث كانت مترابطة وان أي ردِّ فعلٍ داخل المتن والحوار كان ذا قصدية ومترابط بما قبله وما بعده ، مما ادى الى وضوح وبروز الهدف الاساسي لنص دون تعقيد ، بالرغم من أنّ هناك بعض النصوص كانت ذات رمزية سياسية وتعبر عن الواقع الحالي ، كما ان النصوص جاءت متلائمة مع سايكولوجية الطفل ومراحل نموه العقلي في مرحلة صباه ، من حيث توجهاته واهتماماته وميوله المزاجية ورغابته التي ينصب معظمها على الاكتشافات واللعب وغيرها .
النص الاول كان بعنوان (بيت للجميع) وبلغ عدد شخصياته الرئيسية اربعة وهم كل من (الدب ، الارنب ، القرد ، الثعلب) وكان محوره هو التعاون وكيفية غرس هذه الحالة في نفوس الاطفال ، عبر بناء الحيوانات  الاربعة لبيت يحميهم من برد الشتاء وحر الصيف ، ولم يستطيعوا ان يشيدوا ذلك البيت ، الا من خلال تعاونهم بعد ان تخلوا عن الانانية وحب الذات ، فالروح الجماعية من اهم القيم التي ينبغي ترسيخها في نفوس الاطفال ، لان العمل الجماعي سيفتح آفاق الاطفال في مرحلة طفولتهم وينمي قدراتهم ، من خلال اكتسابهم الخبرات الخارجية ، كما ان النص يرمز الى عملية البناء بصورة عامة ، بناء البلد او بناء مشروع او اي نشاط مستقبلي .
النص الثاني حمل عنوان (الاحتفال الكبير) ويتمحور هذا النص على ابراز حالة المواجهة وعدم الاستسلام وتحكيم العقل ، من خلال ثلاث شخصيات وهم (الكلب ، الغزال ، الارنب ، الاسد) عندما يحاولون التجهيز للحفل الكبير وفجأة تأتي إليهم (الغزال) وتخبرهم بان هناك اسد يمنعها من شرب الماء من (البئر) فيفكر الجميع في خطة للنيل من ذلك الاسد الشرير عبر اخباره واستفزازه بان هناك اسد اقوى منه داخل (البئر) فينظر الاسد الى الماء بأسفل (البئر) فيرى نفسه فيتصورها اسد آخر فيقفز الى اعماق (البئر) وبهذا يتخلصون من شروره ويعودون وهم فرحون ويمرحون ويحتفلون .
اما النص الثالث فكان بعنوان (الفئران الثلاثة) ، يُركز هذا النص على ضرورة التفكير في ما وراء الاشياء وسماع رأي الاخ الناصح ، فالنص يؤكد على هذه القيم عبر ثلاث شخصيات وهم فئران يعيشون في بيت واحد ويفتح احدهم الشباك في فترة المطر والرياح دون سماع لرأي الاخرين ، ويتسبب ذلك الفعل في مرضه ومضايقة الآخرين .
النص الرابع حمل عنوان ( الذئب والأصدقاء الثلاثة ) وتتلخص فكرته على  الحث  بالتعاون بين الاصدقاء  في حالة  تعرضهم لأي شرير قد يصادفهم ، وجسد هذه الفكرة اربع شخصيات وهم ( كلب ، وقنفذ ، ارنب ، الذئب ) ، حيث يسخر منهم الذئب كونهم صغاراً وضعفاءَ لكن عندما اتحدوا وكل منهم اظهر قوته الخاصة به ، شعر الذئب بالرعب منهم وانتصروا عليه .
النص الخامس وعنوانه ( الفأر الصغير ) وملخص فكرته ان ثلاثة فئران جالسون في منزلهم في فصل الشتاء فيقوم الاخ الاصغر بالخروج من المنزل فيحاول اخواه أنْ يمنعانه فيرفض الاستماع لهما فيخرج ويشتد عليه الهواء البارد فيصاب بالرشح والزكام فيعود نادماً ويؤكد لأخوته بانه سيسمع كلامهما في المرة القادمة . امتلاك ما لدى الغير دون وجه حق ، اذ ان النص يبين ذلك من خلال صديقين وهما ( الجرذ والقنفذ ) وثالثهما الحكم الغادر بهما وهم ( الثعلب ) ، حيث انهما يتفقان على التعاون في زراعة ارض وتقاسم محصولها .
اما النص السادس والذي حمل عنوان ( الصديقان ) يؤكد النص على ضرورة التخلي عن الانانية وتوزيع المحصول بالتساوي لكنهما يختلفان ويطالب الجرذ بحصة اكبر من حصة ( القنفذ ) فيطلب الجرذ ان يحتكمان عند ( الثعلب ) فيحكم بينهما بحكم باطل اذ انه يسلبهما جزءاً كبيراً من حصتهما ، وعند اكتشافهما ذلك يسرعان في رفض قسمة ( الثعلب ) ويضعانه في كيس ويربطانه فيه ويأخذان حصصهما ويتقاسمان  بالتساوي .
والنص السابع كان عنوانه ( القفص ) وملخص النص ان هناك ارنبين صغيرين يتجولان في الغابة ، فيشمان رائحة غريبة ، لكنهما يبحثان عن مصدر الرائحة ، فيعثران على ( ذئب ) محبوس في قفص ، فيطلب ( الذئب ) منهما انْ يفتحا القفص ويطلقا سراحه ، فيظل ( الذئب ) يتوّدد لهما حتى يفتحان القفص له ، فينقض عليهما لأكلهما لكنهما يستخدمان العقل ، فقد سأله احد الارنبين هل انت اكبر ام القفص ، فيجيب ( الذئب ) بانه اكبر ، فيطلب منه احد الارنبين الاثبات فيدخل الذئب الى القفص ، فيقوم الارنبان بغلق الباب عليه ويحبسانه مرة اخرة ويمضيان ، وهنا تتجلى الدعوة لتحكيم العقل في الظروف التي قد تواجه الطفل في الخارج ، ومهما كانت الظروف فعليه استخدام ذكائه وعقله في حل جميع الازمات التي قد يتعرض لها وعليه ان لا يستسلم لليأس .
النص الثامن حمل عنوان ( الاصدقاء الطيبون ) في هذا النص التجسيد الواضح لتقنية ( التغريب ) عبر هدم الجدار الرابع وادخال طفلة من بين الجمهور لتكون جزءاً من العرض المسرحي فتثير الاسئلة وتناقش الشخصيات المتحركة داخل العرض ، وهنا يكون اداء الطفلة محرضاً لبقية الاطفال من المتفرجين الى الانتباه والمشاركة والتيقظ ، كما اننا نرى اثارة للخيال من خلال جعل حوار للشجرة مع الحيوانات الطيبة ، وهناك صراع عادةً ما يدور بين الخير والشر ويجسد الخير مجموعة من الحيوانات الاليفة مثل ( البلبل ، الديك ، الحمامة ، الشجرة ، الطفلة ) ويجسد الشر كل من ( الذئب ، الغراب ) .
اما النص التاسع فكان بعنوان ( أصدقاء الشمس ) وتتلخص فكرة النص حول مجموعة من الاصدقاء الطيبين وهم كل من ( الغزال ، العصفور ، الديك ) وهم يجسدون الحب والتسامح والالفة  بالتعايش في الغابة ، كما نلاحظ اثارة للخيال عبر جعل ( الشمس ) تتكلم ويكون لها حواراً ، ومن خلال حوارها نستشف اهميتها في الحياة وفائدتها للزراعة والرؤيا ، وينشأ صراع  بينها وبين مجموعة من الاصدقاء الاشرار وهم كل من ( القنفذ ، الغراب ، الثعلب ) فيقومون بسرقتها واخفائها في الغابة في مكان معزول ومن خلال الاحداث والتلعثم بالحديث من قبل ( القنفذ والغراب والثعلب ) يكتشف الاصدقاء ( الغزال والعصفور والديك ) بان الشمس قد جرى لها مكروه بسبب هؤلاء الاشرار ، فيتابعونهم  حتى يكتشفوا مكان ( الشمس ) فيقومون بفك رباطها واعادتها للحياة لتنثر النور والضياء عليهم ، وهنا نرى ان النص يركز على ضرورة تحكيم العقل والعمل بروح الجماعة من اجل احقاق الحق وانقاذ المظلوم وهي ( الشمس ) ويمكن تطبيق تلك القيم في الواقع الحالي ، عبر عكسه على مجريات الامور ، كما ان المبالغة في اثارة الخيال للطفل عبر جعل الشمس تخطف وتتحدث ، قد تحقق دهشة وترقب ، وهنا تكون عملية زج القيم الصحيحة في مكانها الصحيح  ، فالطفل يحتاج  الى طرق اقناع مغايرة  لتحقيق فعلها بصورة سريعة .
النص العاشر ( حكاية الفتى لبيب وما جرى له مع التاجر الغريب ) الشخصيات الرئيسية في هذا النص هم ( الصوت 1 الخير ، الصوت 2 الشر ، الفتى ، التاجر الغريب ) وهناك شخصيات ثانوية مثل ( ام لبيب ، ابو لبيب ، رجل ، حاكم ، كورس من الاطفال والرجال والنساء ) ملخص هذا النص ، ان رجلاً غريباً يدخل الى مدينة ويستغل طيبة اهلها فيطمع بهم ويلجأ الى الغش والخداع والمكر ، ويعمل على استغلال ( الفتى لبيب ) فيقوم بخطفه وحبسه في بيته لكن بفعل ذكاء ( لبيب ) يستطيع ان يوجه من خلاله رسالة الى اهل المدينة بانه محتجز في بيت ( التاجر الغريب ) فيتوجه الناس الى بيته وينقذونه ، ان النص يدعو الاطفال الى التفكير والانتباه دوماً ، لان الحياة مليئة بالشر والاستغلال ، وعليهم دوماُ الاحتكام للعقل وعدم الاستسلام بأحلك الظروف ، كما ان سماع اصوات الخير والشر ، كانت مثيرة لمخيلة الطفل ليقوم بالتفكير الصحيح ، واختباره ايضاً وزجه في مكان الخيار ، لان الاصوات تتحدث بصورة متعاكسة احدهم ينصح للخير والاخر للشر لكن باسلوب منمق ، وهنا على الطفل ان يحتكم للعقل وان لا ينفذ كل ما يسمع من نصائح ، لان اغلب النصائح قد تكون مغلوطة وليس في صالحه ، وعليه ان يسمع نصائح اهله والمقربين منه فقط .
النص الحادي عشر ( أطفال الغابة ) ملخص هذا النص هو ان مجموعة من الاطفال يلعبون ويغنون في الغابة وفجأة يدخل عليهم ( الساحر ) ويمنعهم من اللعب لأنه يتضايق من اصواتهم وفرحهم ، فيكون بينهم مشادة ويتصاعد الصراع والتهديد والوعيد من قبل الطرفين ، ثم يأتي ( انكيدو ) وهو صديق مقرب من ( الساحر ) ويطلب منه الساحر ان يطرد الاطفال ، وبالفعل يعمل على تهديدهم وطردهم وضربهم ، فيستنجدون بـ ( كلكامش ) فيدخل ( كلكامش ) وينشب صراع بينه وبين ( انكيدو ) فينتصر ( كلكامش ) ويشعر ( انكيدو ) بالندم لأنه ادرك بان الاطفال لا ذنب لهم سوى انهم يلعبون ويمرحون في الغابة ، فيقوم بالنيل من ( الساحر ) ويلحقه الى خارج المسرح .
ان هذا النص يوجه فكر الطفل الى البحث عن قصة ( كلكامش وصديقه انكيدو ) والتي تعتبر من الملاحم التراثية للعراق ، والتي حملت مضامين وقيم مهمة حول الخلود والصداقة والتضحية ، عبر تسلسل احداثها ، فاختيار تلك الشخصيات وتضمينها في النص ، يحمل دلالات فكرية وتوعوية ، تسهم بشكل كبير في بناء شخصيات الاطفال ، من خلال ما سيطلعون عليه لدى قراءتهم لهذه الملاحم الهادفة .
كما أنّ النص ( الثاني عشر ) والذي حمل عنوان ( الحمار الذي وجد عملاً ) ويتحدث النص حول ( حمار ) ثائر على وضعه الحالي ويريد ان يعمل عملا آخر غير عمل نقل الاحمال والاثقال لأنه متعب ،  فيواجه السخرية من قبل جميع الحيوانات في الغابة ، لان الواقع هو ان لكل حيوان عمله الخاص ، والحكمة التي اراد ايصالها النص الى الاطفال ، هي ان علينا ان نحب عملنا وتخصصنا ، وعلينا ان لا نفكر تفكيراً شاذّاً ،لأنه لا يتحقق ، فهناك المنطق الذي يحكم الاشياء وعلينا تقبله .
النص ( الثالث عشر ) كان بعنوان ( القرد والصياد ) ملخص النص هو ان هناك ( قرداً ) يحاول ان يقلد الاسد ويتمنى ان يصبح اسداً فيثير السخرية من قبل جميع الحيوانات التي تراه في الغابة وهم كل من ( الدب ، الارنب ، الثعلب ) و( الصياد ) ايضاً ، اذ انه يتمنى المستحيل ، حتى يقع في المهالك والاحراج بسبب ما يتمنى ، والفكرة التي يحاول ايصالها الكاتب ، هي ان لكل منا شخصيته ومهاراته التي وهبنا اياها الله عز وجل ولا بد من استثمارها خير استثمار ، ولا يتم ذلك الا بتحكيم العقل والاستشارة من قبل الاهل والاقارب  ، كي نطور من مهاراتنا المفيدة ، لا ان نتذمر مما نحن فيه  أونتمنى صفات غيرنا ، التي من المستحيل ان نكتسبها ، لا سيما الخلقية منها .
اما النص ( الرابع عشر ) فهو بعنوان ( الصوت الجميل ) وهو يشابه النص الثالث عشر بعض الشيء من ناحية التمني  لفضائل الآخرين ، ففكرة النص تتلخص بان هناك غراباً معجباً بصوته المعروف لدى الجميع ، لكنه يصر بان صوته هو احسن  من جميع الاصوات ، واجمل من صوت العصفور ، فيقوم بالسخرية من اصوات الجميع في الغابة حتى انه يعمل على تحكيم الهدهد بينه وبين العصفور والحمامة حتى يظهر الحق ، فالصفات الموهوبة بالفرد هي واقع ويجب التعايش وفق مستواها مهما كانت ، ولا بد من العمل على تغيير الرؤية للحياة والنظر لها من عدة زوايا من اجل تجميل الحياة التي نعيشها وفق ما لدينا .
النص ( الخامس عشر ) فقد حمل عنوان ( التاج الذي يبحث عن ملك ) وتتلخص فكرة النص بان هناك سلحفاة تعيش في غابة تعمها الفوضى والصخب ، فتفكر بطريقة لضبط الحياة في الغابة ليسود الهدوء والوئام ، فتتوصل بان تصنع تاجاً لتحفيز الآخرين على تغيير من نهجهم وغرس حب القيادة بهم والانضباط ، فتذهب الى حداد وتقص عليه فكرتها فيرحب بها ويصنع لها تاجاً مرصعاً بالياقوت ، فتأخذه وتجمع الحيوانات في الغابة وتطرح عليهم فكرتها فيتقدم اغلب الحيوانات ، وكل واحد منهم  يستعرض مهاراته المشهور بها ، مثل الارنب والدب والقرد … الخ . لكنها ترفض  اعطاؤهم التاج بسبب رؤيتها العميقة لصفات القائد ، فالقائد له صفات لابد من ان تتوفر به ولا تجدها عند هؤلاء الا بالأسد الذي كان يستحق ان يكون قائداً للغابة ،  لما يتمتع به من وقار وهدوء وقوة وحكمة في القرارات ، والهدف من هذه الفكرة هو ان يكون علينا ان نعرف حسن الاختيار وان لا نتعجل في منح ثقتنا وان لا نجامل في اختياراتنا ، لأننا إن اخترنا الشخص غير المناسب ، سندفع ثمن اختيارنا نحن .
اما النص السادس عشر والأخير فقد حمل عنوان ( الغراب الابيض ) وهو نص يتحدث عن الصراع الازلي بين الخير والشر ، بين المحبة والكراهية التي يتمتع فيها بعض البشر، عبر حوارية بين مجموعة من الحيوانات وهم كل من ( الفراشة ، واللقلق ، الطاووس ، الغراب الابيض ) فالهدوء السائد في الغابة وجمال الطبيعة والجميع مستمتعاً في وقته ، وفجأة يظهر الغراب ويتهجم عليهم بالكلام الجارح الذي يفصح عن غباء وقلة دراية وذوق بالأمور ، فيسأل الطاووس من اين حصلت على الوان ريشك الملون فيخبره من الشمس اشتريتها منها ، وهنا يستهزأ الطاووس بالغراب الابيض البليد فكرياً ، فيكون الغراب سخرية للجميع بسبب غبائه وانعدام وعيه ، وهنا يكون النص داعياً للتزود بالمعرفة بصورة غير مباشرة ومحفزاً للطفل المتلقي بان لا يكون بنفس صفات الغراب الابيض البليد ، وعليه ان يكون ذا وعي وفكر حاد وذكاء ، وايضاً يكون محاوراً جيداً في حال تعرضه للسخرية من قبل شخص كشخصية الطاووس .
ان النصوص الستة عشر التي احتواها الكتاب ، هي نصوص توعوية كما اسلفنا ، وتضمنت العديد من الوسائل التحريضية للطفل ، التي تستفزه الى التعلم وحب المعرفة والبحث ، اي انها كانت محفزة لخياله تارة ً ، ومحفزة لإرادته تارةً اخرى ، كي يتحرك ويتنبه للحياة بصورة دقيقة ، لان الشر موجود في كل مكان وعليه ان يكون يقظاً ، وان لا يستسلم بل عليه ان يطوع الظروف لصالحه.
ان الكاتب ( جاسم محمد صالح ) تميز في هذا المنجز الادبي المسرحي الضخم ، لأنه ضمّن  كتابه المنوع في العديد من القيم الجمالية والرمزية بالإضافة الى الافكار وتقنيات المعالجة وايضاً التقنية الكتابية التي استخدمها ، فكان عبارة عن بستان منوع بما لذ وطاب من النصوص الثرية ..
 
لا يتوفر وصف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت