د. رياض موسى سكران: جائزة القصب حافز للإكتشاف والتأثير في فضاءات المسرح العربي/ حاورتـه: بشرى عمور
(جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي)
أيام قرطاج وجائزة القصب تمثلان قيمة رمزية عالية في فضاءات المسرح العربي
أعلنت الأمانة العامة لجائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي, عن استكمال إجراءاتها لإعلان التتويج لدورة عام 2021 بعد أن توقفت العام الماضي بسبب توقف مجمل النشاط الثقافي والمسرحي جراء تفشي فيروس كورونا.. يذكر إن الجائزة أصبحت تقليدا سنوياً راسخاً, وتطمح الكثير من الشخصيات والمهرجانات والفرق والمؤسسات بأن تحظى بها أو تكون من نصيبها. وقد توج بها في الدورة الأولى عام 2018 كل من الفنانة المسرحية التونسية زهيرة بن عمار والفنان المسرحي التونسي رؤوف بن عمر, وفي دورتها اللاحقة عام 2019 تم تتويج الكاتب المسرحي عبد الحليم المسعودي بالجائزة, وجرت العادة أن يتم التتويج في حفل ختام واحدة من التظاهرات الدولية الكبيرة التي تقيمها تونس وهي أيام قرطاج المسرحية..
الجائزة تمنح تقديراً وتثميناً لمنجز أو دور شخصية مسرحية عربية أو مؤسسة فنية أو هيئة أو فرقة,تكون قد حققت فعلاً ومنجزاً وتميزاً في تطوير وارتقاء الذائقة الجمالية وفتحت فضاءات جديدة لأجل ديمومة الحراك الجمالي في مجمل فضاءات المسرح العربي..
وللجائزة هيئة إستشارية وأمانة عامة يضم في عضويته شخصيات ثقافية وفنية أكاديمية عربية راكزة ولها منجزات مؤثرة في خارطة المشهد الراهن في مجمل مستويات صناعة الخطاب المسرحي وجمالياته..
عن بعض المفاصل الأساسية الجوهرية لملامح عمل الأمانة العامة للجائزة, نتحاور مع الناقد الدكتور رياض موسى سكران الأمين العام لجائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي وعن طبيعة مهمته وماذا تعني بالنسبة له:
الناقد الدكتور رياض موسى سكران (الأمين العام)
د. رياض: أعتز بمهمتي مع كبار الشخصيات العربية في إدارة وتنظيم عمل لجنة جائزة تحمل اسم (صلاح القصب) عراب مسرح الصورة في الوطن العربي, الذي فرض تجربته وحضوره في الميدان المسرحي من خلال قراءات إخراجية ومقاربات تطبيقية ضمن معادلات كيمائية الصورة التي تتفاعل على وفق معايير جمالية خاصة بسياقات الدلالة والتعبير في فضاءات مسرح الصورة ولغته الجديدة التي دخلت الى القاموس المسرحي بقوة, فضلاً عن البيانات المسرحية التي أصدرها, وهي بيانات بالغة الأهمية إذ رسمت خطوط الخارطة التي تتحرك على أساسها مسارات فلسفته واتجاهه المسرحي المغاير لكل الأنماط التقليدية والأساليب المعتادة, كاشفاً عما يريد وما يسعى الى تحقيقه من خلال هذا التوجه المسرحي الذي يتماهى ويتحاور مع ثقافة المستقبل رافضاً التقليد والتكرار, مما جعل من تجربة صلاح القصب تجربة متفردة وثرية استقطبت أجيالاً من المسرحيين العرب الذين يحملون هواجس التجريب وقلق المغايرة ويحلمون بالمغامرة والبحث عن كل ما هو جديد ومحدث, فكانت تجربة القصب تمثل حقلاً ثرياً يمد مريديه بما يحلمون ويذكي فيهم روح المغامرة والبحث والتجديد, وأزاح عنهم كل هواجس التردد والخوف من التعاطي مع عوالم بديلة لم تكن من العادة أن يتعاطى معها العرض المسرحي من قبل..
الفرجة: وما الشروط التي تعتمد في منح هذه الجائزة..وكيف تمنح..؟
د. رياض: هدف الجائزة مرتبط عضويا بشروط منحها, فهي تمنح تقديراً وتثميناً لشخصية مسرحية عربية متميزة قدمت عملاً أو مجموعة أعمال وتجارب متميزة حققت تفاعلاً وأثراً, أو مؤسسة أو هيئة ثقافية أو فنية أو إدارية, حققت حضوراً وتميزاً في الإرتقاء بالذائقة الجمالية وفتحت فضاءات جديدة لإستمرارية الحراك المسرحي العربي والتواصل في المنجز, ويتم الترشح للأمانة العامة للجائزة عن طريق أحدى المؤسسات أو الهيئات الثقافية أو الفنية أو الفرق المسرحية, أو قد يتم الترشح بناءاً على مقترحات وتوصيات أعضاء الأمانة العامة مسنداً بما يدعم هذا الترشيح من وثائق تؤكد حجم وأهمية المنجز المتحقق.
فالشرط الأساسي الذي يعتمد في الترشح وفي قرار الأمانة العامة النهائي في منح الجائزة هو الإبداع والتميز في الحضور والتأثير الفاعل للمنجز الذي يفتح فضاءات جمالية ترتقي بالثقافة المسرحية العربية, فقد يكون الإختيار فرقة مسرحية أو قد تكون هيئة ثقافية أو قد تكون شخصية مسرحية مؤلفاً أو مخرجاً أو ناقداً أو ممثلاً, فالتميز والأثر الإبداعي والقيمة الجمالية تفرض نفسها بقوة على القرار وعلى رؤية أعضاء الأمانة العامة للجائزة وبالتالي منح الجائزة.
الفرجة: كيف يتم تقديم الترشيح ؟ هل هناك استمارة او ترشيح مباشر ام اللجنة هي من تختار الشخصية/ المؤسسة/ الهيئة/ الفرقة المسرحية؟
د. رياض: لا.. لأن الاستمارة تستخدم عند الحسم عن طريق نقاط المفاضلة في حين نعتمد نحن على مداولات وطروحات وتقييمات السادة أعضاء الأمانة العامة مع رأي المستشارين للاتفاق على الترشيح.. وعند اقتراب لحظة الحسم يتم عرض ما تم التوصل إليه على الدكتور صلاح القصب وهو يحترم كل قرارات اللجنة ويقف أمام هذه القرارات باحترام عالي..
بعض الفرق المسرحية العربية تقدمت للترشح للجائزة لكن أعضاء الأمانة العامة وجدوا أن منجز ودور هذه الفرق لا يرقى الى المنافسة مع ترشيحات أخرى من قبل أعضاء اللجنة. لكننا ندرس ونتداول ونناقش كل ما يردنا من ترشيحات ومقترحات وذلك ينطبق حتى على بعض الشخصيات المقربة من تجربة صلاح القصب والتي سبق لها وأن عملت واشتغلت في تجاربه المسرحية فأعتقدوا انهم بذلك أقرب إلى الترشيح للجائزة، والحقيقة هي أن المعيار الأساسي هو الإنجاز المؤثر الذي خلق حالة من التواصل وترك أثرا فاعلا ومؤشرا ومؤثرا في الحراك المسرحي العربي.. وهنا تقف الأمانة العامة للجائزة على مسافة واحدة في التعامل على وفق نفس المعيار وتطبيقه على الجميع بنفس الروحية..
أما عن دوري، فأنا أحاول أن أمسك العصا من وسطها، وأحاول أن أكون آخر المتحدثين لسببين، الأول.. احتراما للمقامات العالية للسادة أعضاء الأمانة وهم علامات كبيرة في المشهد المسرحي العربي، والثاني يرتبط بطبيعة عملي التنظيمي في اللجنة، على أن كل الأمور كانت تجري بانسيابية عالية واحترام كبير لكل الطروحات منذ الدورة الأولى سنة 2018 والدورة الثانية 2019 ونحن الان انتهينا من ترشيحات الشخصيات المكرمة في هذه الدورة بعد توقف اضطراري بسبب الجائحة..
لحظة تتويج الفنانة زهيرة بن عمار والسفير العراقي في تونس والدكتور صلاح القصب
الفرجة: وما هي الإمتيازات التي يحظى بها الفائز بهذه الجائزة..؟
د. رياض: يزيد الحاصل على هذه الجائزة فخراً إنها تحمل اسم (صلاح القصب), هذا الأسم الذي قاد بوصلة الذائقة الجمالية للمسرح العربي عبر أعماله المسرحية وبياناته وتنظيراته لمسرح يحاكي منطق العصر ويؤسس لثقافة المستقبل, وهذا بحد ذاته يشكل طموحا وأمنية للكثيرين في الحصول على الجائزة, كما إن التتويج بالجائزة يمثل إعترافاً وخلاصة لموقف وقرار لجنة تضم عدداً من كبار الشخصيات المسرحية العربية.
فضلاً عن ذلك فنحن الآن في الأمانة العامة قد إستكملنا ملف تسجيل الجائزة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ضمن برامج حفظ حقوق المبادرات الدولية المقامة بشكل دوري ضمن تجمعات وملتقيات مسجلة ومعترف بها دوليا وبإشراف شخصيات لها حضور وإنجازات مؤثرة في أحد أشكال التراث الثقافي, أي إن الجائزة ستأخذ حضورها بين الجوائز الدولية المسجلة رسمياً في اليونيسكو, وهذا ما يعزز من مكانة الفنان المسرحي العربي ويدعم جهده ومشروعه من أجل تحقيق إنجاز يرتقي بالحياة ويخدم الأنسانية..
الفرجة: بماذا ستتميز الدورة الجديدة للجائزة عن الدورات السابقة..؟
د. رياض: لكل دورة طبيعتها الخاصة وظروفها ونكهتها المتفردة, وهذه الدورة كانت مميزة عن الدورات السابقة بوجود عدد من المستشارين لعمل لجائزة وإبداء المشورة في بعض مفاصل الجائزة, بناءاً على مقترح أعضاء الأمانة العامة, وهم أيضا مجموعة لامعة من المسرحيين العرب, هذه النخبة من المستشارين أسهمت في خلق روح جديدة في عملنا, إضافة الى وجود أعضاء الأمانة العامة, وتواصل الجميع في الحوارات والمناقشات بشكل مستمر..
الفنان التونسي الرائد رؤوف بن عمر أثناء توشيحه بقلادة الجائزة
الفرجة: وهل إن أيام قرطاج المسرحية مكاناً لإعلان هذه الجائزة هو خيار أم قرار..؟
د. رياض: لأن منصة قرطاج تتمتع بقيمة رمزية عالية في فضاءات المسرح العربي, فقد آثر أعضاء الأمانة العامة للجائزة أن تعلن في دورتها الأولى عبر منصة هذا المهرجان وقد توجت بها شخصيتان مناصفة هما الفنانة التونسية الرائدة زهيرة بن عمار والفنان التونسي الرائد رؤوف بن عمر, وشاءت الصدفة أن تأتي الدورة الثانية بتتويج شخصية تونسية أيضاً بالجائزة وعلى منصة قرطاج ذاتها, وهو الكاتب المسرحي الدكتور عبد الحليم المسعودي, ولأن الهيئة المديرة لأيام قرطاج متمثلة بالدكتور حاتم دربال رئيس الهيئة قد فتح ذراعيه لإحتضان هذه الجائزة وتقديم كل الممكنات لدعم عمل الأمانة العامة للجائزة, وصار التتويج بالجائزة ضمن بروتوكولات حفل ختام المهرجان, فكان الواجب الأخلاقي والعرف الدبلوماسي أن يتعامل أعضاء الأمانة العامة بالمثل, فكان القرار أن تكون منصة قرطاج هي الأفضل عربياً لإعلان جائزة صلاح القصب للإبداع المسرحي العربي, حتى وإن كانت الشخصية التي تحظى بالجائزة شخصية عربية غير تونسية.
هذا الحراك الإيجابي تمخضت عنه الولادة الرسمية للجائزة وإعلان إنطلاقها في أهم وأكبر المهرجانات المسرحية العربية, وهو مهرجان قرطاج المسرحي الدولي, في ختام الدورة 20 لسنة 2018
كما إن تفاعل إدارة مهرجان قرطاج الدولي للمسرح الحالية متمثلاً بالسيدة نصاف حفصية رئيسة لجنة تنظيم الدورة 22 كان إيجابيا لدرجة عالية مع الجائزة, وتعامل القائمون على إدارة المهرجان كجزء من تقدير كبير واعتزاز من مسرحيي تونس بإسم وشخصية الدكتور صلاح القصب ودوره الكبير في تشكيل الذائقة المسرحية العربية ولما قدمه من منجز حاضر ومؤثر في رؤى جيل من المسرحيين العرب, فقد كانوا حريصين على تواصل واستمرار هذا التقليد البروتوكولي الذي يمثل قيمة معنوية عالية ودافعاً للمسرحيين العرب نحو فضاءات التجديد والمغامرة والإكتشاف.
الفرجة: هل معنى ذلك إن الجائزة حصرا للمسرحي التونسي..؟
د. رياض: بالعكس, الجائزة متاحة لجميع المسرحيين العرب, وليس هنالك ما يمنع منح الجائزة لمن يستحقها ضمن شروطها الفنية ولائحتها التنظيمية, سواء كان أردنياً أم مصرياً أو تونسي أو من أي بلد عربي, فالجائزة ليست مناطقية أو محلية مقيدة بحدود جغرافية أو بيئية معينة, إنما هي كما يوضح عنوانها (..للإبداع المسرحي العربي), وأنا شخصياً كأمين عام للجائزة وناقد مراقب للمشهد المسرحي العربي, أرى إن المسرح العربي يضم نخبة لامعة من المبدعين المؤهلين لهذه الجائزة وغيرها.
د. أحمد حسن موسى يوشخ الكاتب عبد الحليم المسعودي..
الفرجة: كلمة أخيرة..
د. رياض: شكراً لدورك الإعلامي الكبير في رصد مستجدات الحراك المسرحي بما يضيء زوايا العتمة في مشهدنا الراهن, فقد كنت مرافقة وداعمة لمسيرة الجائزة منذ اللحظات الأولى لولادتها, كما لا يفوتني أن أشكر الأخوة والأصدقاء الإعلاميين وفي مقدمتهم عبد العليم البناء وماجد العابد لدورهما المهني..