“سالب واحد” عرض المسكوت عنه/ علاء الجابر
عرض سالب واحد الذي قدمه طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية بالأمس عرض مصنوع لاقتناص الجوائز، وسيحصد بعضها بالتأكيد.
عرض يحاول من خلال نص معد بعناية ان يلامس قضية حساسة مسكوت عنها على المسرح وتتعلق بالاعاقة الذهنية المصحوبة بالاعاقة الجسدية وما تجره من صعوبات كبيرة على محيط الأسرة.
تناول المخرج عبد الله صابر هذه القضية بمحاور متعددة انصبت في اولها لخلق علاقة تأثيرية على سينوغرافيا العرض فسرت حالة التوهان العقلي والحالة الجسدية للطفل من خلال الإضاءة التي تزامنت مع حالات الصرع والغضب والقسوة. واكدت الألوان المختارة لقطع الديكور على سوداوية محيط الأب والأم وتشتته، والضغوطات التي انهكته من خلال الأسلاك المتشابكة وقطع الديكور المتناثرة وزحمة الاكسسوارات الأبي تلتف حول عنق الاب والام كما المشانق.
وعلى الجانب الأدائي استخدم المخرج بذكاء اسلوبا نمطيا واقعيا في تجسيد الحالة لأنه الأقرب والأسرع تأثيرا وكسبا لعواطف المتلقي اكثر من الأداء الداخلي الذي يحفر بالعمق النفسي فهو في تكنيك الأداء الحركي النمطي للمعاق سيجسد الحالة ويخلق اشباعا عاطفيا ونفسيا المشاهد ، لأن الأداء النمطي الكلاسيكي سيخلق ارتباطا إنساني وجدانيا يحدث سريعا لدى المتلقي – وهذا ما حدث بالفعل – دون أن يتاح للمتلقي حتى الواعي التفكير بأن ذلك الأداء ما هو الا استنساخ كامل للواقع وتلك ليست وظيفة المسرح بل هي حالة تتناسب والأعمال التلفزيونية وما عزز ذلك التوجه (التلفزيوني) المقاطع الغنائية التي اقحمها المخرج لتفسر المفسر وتعيده لكسب مزيد من الشحن العاطفي، مثلها مثل الراوي (الفتاة) التي كانت مقحمة على العرض ومفسرة لما لايحتاج إلى تفسير، حتى لو قصد منها كسر الإيهام الذي لم يكن متناسبا والمنهج الإخراجي الواقعي الذي كان محافظا عليه من خلال العلاقة الأسرية الثلاثية، كما أن استخدام الفتاة الراوي كمعادل موضوعي للحالة التي تركزت على الشاب منذ البداية، شتت فهم المتلقي واربكه دون أن يكون لها سببا مرجعيا او ضرورة لسيمياء العرض.
وان حاول المخرج ان يعالج ذلك بالأداء الجسدي والدلالات الإشارية واللفظية التي اسبغها على شخصيتي الأم والأب فبدا اكثر اقترابا لروح المسرح وطبيعه.
كما حاول المخرج بذكاء ان يكسر ثقل الحالة المأساوية للعرض عن طريق إدخال عنصر الكوميديا من خلال شخصية المدرس والطبيب والكاهن وكان موفقا إلى حد كبير باقتناص ممثل موهوب ذو حضور طاغ استطاع ان يخلق حالة كوميدية عالية، لكنه كان بحاجة إلى تشذيب وتفكير أعمق في استخدام المفردات لأنها عبرت في بعض الأحيان مسحة الكوميديا لتصل الى حالة الاستهزاء بأصحاب تلك الحالات تحت وطأة غلبة الكوميديا.
هذا العرض ورغم نجاحه الجماهيري الملحوظ الا انه مثله كثير من عروض الطلبة ورغم انها تحمل أفكارها الحداثية الخاصة وتتخذ منهجا اخراجيا معاصرا الا انها لاتستطيع التخلص عادة من الافراط في تجسيد العناصر على الخشبة وهذا ما نراه غالبا في الكم الهائل غير المستخدم ولا الدال من قطع الديكور والإكسسوارات على خشبة المسرح الذي وصل حد التخمة، إضافة لإضاءة النيون الملونة المبهرجة التي أحاط بها مقدمة منصة العرض فخلقت تشتيشا بصريا للمتلقي.
كما أن التغريب في ملابس الام والاب لم يكن مبررا منسجما مع بقية الأزياء الأقرب للواقعية في عرض واقعي.
ومع جمال بعض القطع الموسيقية الا ان الاغراق في استخدام الموسيقى مع كل حركة وأنفعال بدد مساحة الصمت وحالة التأمل المطلوبة لهكذا عرض. كما أثر على العرضة تكرار إدخال الغناء سواء كان له حاجة درامية ام لم تكن مادام هناك طالبة لديها صوت حلو فلماذا لا نضيفه إلى العمل من وجهة نظر المخرج.
كما أن التفكير في القفلات الأدائية المتتالية او البلاك يكون غالبا على تلك العروض الطلابية بحثا عن المزيد من التصفيق والصراخ المزعج من زملاء فريق العرض وهي سنة ترسخت بقوة للأسف الشديد وافسدت متعة المشاهدة في عروض الطلبة تحديدا ومنها هذا العرض الذي كان بحاجة لفترات الهدوء والمعايشة النفسية بدلا عن حالة الصخب التي أحدثها حماس الطلبة.
عرض سالب واحد. ورغم كل الملاحظات التي طرحناها عرض فرجوي بامتياز، ذو إيقاع مشدود، وقدرات ادائية عالية لأغلب فريق العمل، ونص مشاغب جرئ لمحمد عادل الذي استطاع أن يقتحم به منطقة شائكة صعبة – وإن كنت أتمنى ومن باب الإنصاف ان يكتب على نصه إعداد بدلا عن تأليف لانه معد عن رواية (أين نذهب يا بابا ) لجون فرنيه ، ومخرج ذكي يجيد استخدام أدواتها لذا نجح في شد المتفرج له منذ لحظة البداية وحتى النهاية ولايعيبه ابدا بعض الملاحظات – من وجهة نظرنا- من ان يقدم عرضا لافتا ناجحا سيبقى في ذاكرة المتفرجين ويكسب رهان الجوائز حسبما أعتقد وخاصة ممثله الأول أحمد عباس.
فريق العرض :
التمثيل: أحمد عباس. سالي سعيد. حسام حافظ. محمود عبد الرزاق. يارا المليجي. مصطفى رشدي.
الموسيقى: أحمد حسني
الديكور: عبد الرحمن خالد
ازياء :نوران علاء
استعراض : مي رزيق.