بالمغرب: “المسرح والفلسفة”.. محمد القباج ينبش جسور التفاعل بين الفكرة والمشهد
ينبش الكتاب الجديد لمحمد مصطفى القباج ” المسرح والفلسفة..بعض من تجليات صلات وثيقة ” في الجسور التي انبنت منذ العصور القديمة بين التنظير الفلسفي والإبداع المسرحي، تأثيرا وتأثرا.
من موقعه المزدج كباحث في الفكر الفلسفي من جهة وفي تاريخ المسرح من جهة أخرى، يبدو القباج مؤهلا لاستجماع العناصر المشكلة لهذه العلاقة الوثيقة التي تغذت على مدى قرون من اجتهادات الفلاسفة تفكيرا في الوجود والحياة وإبداعات المسرحيين وهم يجعلون الركح بؤرة لتعميق النظر في الأسئلة المؤرقة للإنسان، باختلاف الأمكنة و الأزمنة.
في الكتاب الصادر عن دار أبي رقراق في 282 صفحة، يجد القباج من اللافت للنظر أن الفلاسفة، ومنذ العصر الإغريقي، كانوا وما يزاو لون يتخذون من المسرح ومتعلقاته موضوعا لتأملاتهم و تقييماتهم، وكان اهل المسرح يستوحون مضامين أعمالهم مما يطرحه الفلاسفة من القضايا التي تشغل بال الأفراد و المجتمعات، بل وحتى من خصوصيات المعرفة الفلسفي التجريدية وفروعها التي تتصدرها الميتافيزيقيا و الانطولوجيا و المنهجيات والجمالات والأخلاقيات.
إن ما بين المسرح و الفلسفة من الصلات الوثيقة والمراوحات أخذا وعطاء، يقول القباج في تقديم كتابه: “بثت في العطاءات المسرحية أنفاسا فلسفية، وأصبح لأهل المسرح اقتناع بأنه لا مسرح دون مرجعية فلسفية، وفي المقابل أسهم المسرح في توسيع قاعدة المستوعبين للفلسفات وأنساقها وقد بسطت لهم أفكارها ومفاهيمها وبراهينها، وفكت ألغازها”،
ويقول الكاتب إن بحثه في الموضوع قاده إلى الاطلاع على حوالي مائة كتاب تتخذ هذا التفاعل موضوعا لها، انتقى منها أربعة أسعفته في تبين بعض تجليات الصلات العريقة بين المسرح و الفلسفة. هي منطقة تماس تجعل الفلسفة تبحث في المسرح في الحركات المشهدية كتجسيد حي لللأفكار، ذلك أن الفلسفة وهي تتعامل مع المسرح تنطلق من موقعها كمعرفة تجريدية، على عكس المسرح فهو حين يستوحى من الفلسفة بعض تأملاتها يحولها إلى مواقف حياتية تعتمد بالأساس حضور جسم الممثل فوق الخشبة.
تتجلى علاقات الفلسفة و المسرح في نظر القباج في مستويات عدة، ومرد ذلك أن “المسرح إنتاج مركب، فهو لغوي ومعرفي ادبي وتقني، ويشكل موضوعا للتفلسف بصلة وثيقة. هذا ناهيك عن الأصول التاريخية و الطقوسية والمحفلية للمسرح، ووالتي لها علاقة بالنظرة (الميثية للطبيعة الانسان والتاريخ، أو الفرجة الأولمبية او الظاهرة السقراطية”.
يوضح القباج أنه منذ اللحظة التي انبثق فيها المسرح من رحم الأسطورة و الاحتفال، تجلت علاقته بالقضايا التي شغلت بال الفلاسفة الأول، وعلى رأسها قضية الوجود. المسرح طريق تعبره الفلسفة للظهور والتحقق عبر تجسيدها من خلال اللغة الحوارية فوق الخشبة. تحضر فيها قضايا الوجود والأخلاقيات و الجماليات وغيرها.
إن نجاح المسرح في تبسيط المضامين هو الذي جذب إليه الكثير من الفلاسفة الذين وجدوا فيه الوسيلة الأمثل لتبسيط وترويج أفكارهم وأننساقهم،، ومنحها دفء الحياة ومسحة الجمال. المثالان البارزان هما ألبير كامو وجون بول سارتر، اللذان أنتجا أعمالا مسرحية تناولا فيها مشاغلهما الفلسفية. مقابل تنظيرات أرسطو وهيغل وكانط، ترتسم على المسرح أعمال بريشت وبييكيت ويونيسكو .. المسرحي والفيلسوف قران قديم لأنهما يقتسمان نفس الطموح في الاهتداء إلى الحقيقة.
اختار القباج تحليل أربع تجليات تكشف العلاقة بين الفلسفة والمسرح، أولاها “أرسطو ابن رشد”، والثانية “أرسطو بريخت”، والثالث “مسرح المواقف” والرابع ” مسرح العبث أو دراما اللامعقول”.
ويعزز الكتاب بملاحق تضم نصوصا تأسسية لأرسطو وابن رشد”.