المخرج عادل عبدو يستحضر عبق “زقاق المدق” باسقاطات روح الحاضر/ بشرى عمور

تقدم، هذه الأيام ابتداء من الساعة الثامنة مساء، على مسرح البالون بالعجوزة / القاهرة، مسرحية “زقاق المدق” المأخوذة عن الرواية التي تحمل نفس الاسم للأديب العالمي نجيب محفوظ. رؤية درامية وأشعار: محمد الصواف. إخراج: د.عادل عبدو، تشخيص كل من: دنيا عبد العزيز، وبهاء ثروت، ومجدي فكري، وبثينة رشوان، وكريم الحسيني، وشمس، وأحمد صادق، وسيد جبر،  وعبد الله سعد، وحسان العربي، ومراد فكري، وأحمد شومان، ومروة نصير، وعصام مصطفى هاشم، وسيد عبد. المشاهد السينمائية: ضياء داوود. وتصميم أزياء: مروه عودة الرحمن، وإبراهيم الغنام، وهاني عبد الهادي. إنتاج قطاع الفنون الشعبية الاستعراضية بقيادة الفنان الدكتور عادل عبده.

لا يتوفر وصف.

مقارنة الإبحار إلى عالم “زقاق المدق” ما بين الرواية والسينما والمسرح:

ولد النص الأصلي:”زقاق المدق” من رحم الرواية التي حولته إلى نص وصفي دقيق ومفصل لمكان دمجت فيه أمكنة مختلفة قاسمها المشترك ضيق الآفاق ولزمان حدد في الغروب الذي يترواح بين الاسترخاء و البوح ، مما فرض استدعاء شخصيات تتميز بملامح و عادات وهواجس مخنوقة  تثوق إلى التحرر من كل تجليات الاستبداد (الفقر/ الاستعمار/ الروتين/ ..) .

وللعودة إلى ملامح الأولى ل ” زقاق المدق” فهي رواية نشرت عام 1947. اتخذت اسمها من أحد الأزقّة المتفرّعة من حارة الصنادقية بمنطقة الحسين بحي الأزهر الشريف بالقاهرة  وتدور أحداثها في أربعينات القرن العشرين والحرب العالمية الثانية وهيمنتها على العالم عامة و مصر خاصة. مسلطة ضوئها على شابة جميلة صغيرة السن كبيرة الطموح الذي سيتحول للطمع المميت الذي سيدفع ثمنه خطيبها (عباس) على يد أحد الضباط الانجليز، (حميدة) اسم متعارض مع الصفة التي فردت لها أكبر مساحة في الرواية.

وفي سنة 1963 ومن إنتاج رمسيس نجيب و إعداد: سعد الدين وهبة. بطولة شادية و صلاح قابيل ويوسف شعبان، تناول المخرج السينمائي حسن الإمام “زقاق المدق” فكرة انعكاس الطمع على صاحبه وما هي النتيجة المحتومة التي تنتظره، فقام    بتغيير النهاية من مقتل عباس لحلو إلى مقتل حميدة والتي كانت نهاية مرفوضة من البعض معللين أن حميدة نتيجة مأساوية لمجتمع متفكك يخضع لهواجس متراكمة فرضت عيه يالاكراه.

وفي سنة 1995، قدمت التجربة السينمائية الثانية التي حملت عنوان:”زقاق المعجزات” من طرف المخرج المكسيكي خورخي فونز بيريز، وبطولة : سلمى حايك و إيرنيستو غوميز كروز، وبرنو بشير. وشهدت هذه  النسخة تعديلا يتلاءم و النمط الاجتماعي المكسيكي مع الحفاظ على النمط الاصلي للراوية. كما تم تحويل إلى فيلم آخر بايران، دارت أحداثه في طهران تحت مسمى “كافه ستاره/ مقهى النجمة”.

لا يتوفر وصف.

اما على مستوى المسرح، ففي سنة 1958 تم إعداد الرواية للمسرح من طرف امينة الصاوي وقام بإخراجها كمال ياسين وكانت من بطولة كل: فاطمة رشدي، و عبد المنعم المدبولي،و سهير المرشدي، و محمد رضا. و بعد 26 سنة وبالضبط في عام 1984 قامت فرقة الفنانين المتحدين برئاسة المخرج حسن عبد السلام بإعادة عرضها كانت بطولته الفنان صلاح السعدني ومعالي زايد، وعبد المنعم مدبولي، ومحمود شكوكو.  وبعد مرور37 سنة، وفي السنة الماضية (2021) ارتأى إنتاج قطاع الفنون الشعبية الاستعراضية بقيادة الفنان الدكتور عادل عبده خوض تجربة الاشتغال على ذات الرواية، لكن بشكل مختلف،

لا يتوفر وصف.

على مستوى الإعداد / الرؤية الدرامية:

لمدة سنة كاملة قام محمد الصواف بقراءة متعددة للرواية و الغوص في اعماقها التاريخية والجغرافية و الاجتماعية، وتحليل كل شخصياتها، ليتحول إلى الخطوة التالية المتمثلة في المشاهدات المتكررة للفيلم السينمائي لذات الرواية ليستخلص إلى الفكرة/ الزاوية التي شدته كمبدع يرغب في إضافة نوعية للنص الأصلي من جهة، ومن جهة أخرى تفرده ببصمته الفنية. والتي تجلت في قراءة جديدة تتلاءم و المرحلة الراهنة مرتكنا على بنا و حبكة مختلفة كتغييره في النهاية مع الاحتفاظ بنفس الشخصيات لكن وفق أبعاد أخرى تتوافق مع الطرح الجديد وكذا متحررة من المألوف ( أبطال الفيلم). ففلح (الصواف) في الحفاظ على روح نجيب محفوظ لكن بتشكيل أحداث مرتكزة على الجوانب الإنسانية، فجاءت كل الشخوص محور الأحداث، بتصرفاتها و تطلعاتها الشرعية واللاشرعية المسايرة لكل الأزمنة  والأمكنة سواء بدلالتها و رموزها، جعلها تتلون وفق المطلوب الآني. فهناك اسقاطات حاول الصواف ملامستها مع مراعاة اختلاف الزمن، كالاتجار بالبشر و أعضاءهم (القوادة/ خلع أطقم أسنان الموتى والأحياء)، و أحلام الهجرة، وانتشار المخدرات و خيوط اللعبة السياسية وكواليسها وتقويض التماسك الاجتماعي خصوصا أثناء مرحلة الانتخابات التي تستباح فيها كل القيم و…. . فحقق بذلك توليفة مكنته من خلق تواصل ذا أبعاد دلالية حولت العالم المادي المباشر إلى آخر ذاتي إبداعي الأقرب إلى المعايش في تقديم حالة السعادة و الترفيه والتثقيف و المتعة  سواء لصناع العرض أو الجمهور، حارصا على القيمة الفنية التي تبنها العمل كطرح وفرجة ومدى احتوائه على رسائل ـ توصيات ـ  إنسانية فقدت في زمننا الاستهلاكي وأظن ان هذا هو رهان الصواف الذي سعى إليه ليفصح عن سر استفزازه و شغفه إلى رواق “زقاق المدق”.

لا يتوفر وصف.

المتعة البصرية بمساحيق طبيعية تجمل الراهن:

أن تشتغل عرضا مسرحيا تم الاشتغال عليه سابقا بكذا صيغة و التخلص من آفة المقارنة فهذه مجازفة كبيرة، و أن تختار خشبة بفضاء شاسع فالواجب أن التسلح بالمغامرة, والمعروف ان لمسرح البالون خشبة اعدت خصيصا لتقديم اعمال ضخمة ذات طابع استعراضي في المقام الاول، خصوصا أن البعض يعتبر أن هذه الخشبة تعد مقبرة لأعمال مسرحية عادية. لكن المخرج د. عادل عبدو بحرفية شديدة و تناول واع لما يقدم استطاع  حل تلك المعضلة وقدم المعادلة الصعبة ليطوع النص الى عمل استعراضي كبير حوى كل عناصر الفرجة المسرحية  والابهار والمتعة السمعية و البصرية. وفي تغييره لنهاية العمل بابتعاده عن الجو القاتم الذي يتمثل في الموت أحد البطلين يكون فلح في إدخال السرور إلى وجدان الجمهور الذي يسعى إلى فسحة الأمل.

12 لوحة استعراضية، تخللت العرض، ما بين الفردية و الثنائية والجماعية سواء ذات طابع شرقي أو غربي أكانت من أداء راقصين أو ممثلين توظفت بشكل درامي محكم، لانها كانت تشكل مد تواصلي بين خيوط الحكاية. ايضا كانت للحركات السيرك دلالة، لان الحياة سرك مفتوح و مكشوف.

لا يتوفر وصف.

ارتكن د. عادل على تقنيات حديثة لجذب الجهور بمختلف مشاربه الثقافية وانتمائه المسرحي و فئاته العمرية ، خصوصا المرحلة الشبابية التي لديها معلومات جد بسيطة عن فترة الأربعينيات, فاستطاع  تقريب صورة المكان بنقل تفاصيل جغرافيته الخارجية وكذا الداخلية من خلال استغلاله للشاشة بمشاهد سينمائية و كرافيك وخدع مسرحية (وصف الجدران والأرضيات والسقوف والزخرفة والمحلات و واجهتها…) كما استحضر ملامح و لوازم وهندام و مهام كل الشخصيات (ساكنة الزقاق وعابريها) بشكل مفصل ومقنع (اكسوسورات وملابس). مما أضفى على العرض سمة الوثائقية ( النوستالجيا).

 

الأداء / التشخيص… السهل الممتنع:

توفق المخرج (د. عادل) من جرد شخصية حميدة كفلك محوري و جعل البطولة مفتوحة لكل الممثلين/ الشخوص، تحس انه نحث كل شخصية واستخرج منها الغير المألوف، فمثلا منح مساحة لدنيا عبد العزيز أن تبدع بصوتها و رقصها و تقدم (حميدة) مختلفة. زعزع هدوء وحلم (عباس/ بهاء ثروت) بحركاته وتفاعلاته خاصة لحظة رفضه توبة حبيبته التي هاجر الزقاق من أجلها وكيف أصر على صوت كرامته. كريم الحسيني الذي غير جلده من الهادئ للمارد، تقمص الحكمة و الرزانة لأحمد صادق/ عم كامل بائع البسبوسة، و تحرره من هيمنة المقارنة بينه وبين الممثل الراحل (عبد الوارث عسر) خصوصا لحظة توهجه بمونولوج يختزل جروح عميقة شرخت حياته ويسعى جاهدا إلى عدم معايشتها حتى للآخرين. الحضور المميز لكل من بثينة رشوان وشمس و ومجدي فكري و….. حيث استطاع أن يتملص من تلابيب الرواية و الفيلم دون أن يتبرأ من قرابتها، فنحث لكل شخصية إطارها وترك الفرصة للمشخصات حرية الإبداع.  ليتوفق الجميع من تقديم فرجة استعراضية استقطبت جمهورا غفيرا في عز النوة و خنقة الامتحانات.

لا يتوفر وصف.

 

ملاحظــة: المقالة سبق ونشرت بمجلة “مسرحنا”العدد: 754

https://www.gocp.gov.eg/Masr7na/articles.aspx?ArticleID=54439

May be an image of 4 people and text

اقرأ بالعدد 754 من مسرحنا
الغلاف
” مخرجو نوادي المسرح: نتمنى إقامة المهرجانات الاقليمية في موعدها – في حفل تأبينه مسرحيون : فهمي الخولي عاشق الفن والحياة -زينب منتصر، ولاء فريد، عايده عبد العزيز، جلال الشرقاوي .. وداعا رفاق مسيرة الإبداع
أخبار ومتابعات
“حلم جميل” ينهي عروضه بطنطا وبورسعيد وسط اقبال جماهيري كبير
تحضيرات لاستقبال ايام الشارقة – ياسمين عباس
مهرجان بغداد الدولي للمسرح يعلن عن دورته الثالثة – ياسمين عباس
دور الأراجوز في المسرح .. ندوة للمركز القومي لثقافة الطفل – متابعة جمال الفيشاوي
في حفل تأبينه مسرحيون : فهمي الخولي عاشق الفن والحياة – متابعة رنا رأفت – ياسمين عباس
تحقيقات وحوارات
مخرجو نوادي المسرح: نتمنى إقامة المهرجانات الاقليمية في موعدها- تحقيق رنا رأفت
بعد حصوله على المركز الأول في التاليف بالمجلس الأعلى للثقافة .. هاني قدري: لا يوجد أزمة في التأليف وانما في التعامل مع المؤلف- حاورته رنا رأفت
نقد :
بشرى عمور تكتب : عادل عبده يستحضر عبق »زقاق المدق«.. باسقاطات الحاضر
ملف العدد
د. عمرو دوارة يكتب : وداعا رفاق مسيرة الإبداع وبعض قوتنا الناعمة
نوافذ
احسان الخالدي يكتب : “ديسكو” بأضواء كاشفة .. قراءة هيرمونوطيقية بمسرحية سامح مهران
عبد الغني داوود يكتب عن كتاب : اشكاليات تاصيل المسرح العربي لمحمد المديوني 2-3
روحية عبد الباسط تكتب : العباسة تدق ناقوس الإبداع
أحمد عبد الفتاح وعرض لكتاب مسرح اللاجئين الميلودراما وفقدان الحداثة تأليف ماثيو باكلي 2-2
د. سيد علي إسماعيل يكتب العلاقات المسرحية والفنية بين مصر وتونس 23 .. معركة صحافية بين أمينة نور الدين و زكي طليمات
لقراءة الموضوعات بالتفصيل تابعونا على رابط الموقع الالكتروني للجريدة
https://www.gocp.gov.eg/Masr7na/Default.aspx

عرض أقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جميع طرق الربح مع كيفية الربح من الانترنت