لكل عرض مسرحي نحوه وبلاغته الخاصة / عبد الجبار خمران
أي حديث عن عرض مسرحي وأي نقاش حول مقترح جمالي وفكري إخراجي؛ سينوغرافي؛ أدائي…الخ يجب أن ينطلقا من العرض نفسه والمقترح الجمالي عينه. ذلك أن لكل جسد إبداعي لغته الفنية التي يشترك صناعه في صياغتها. فيخلقون بالضرورة (نحوا) لهذه اللغة الفنية و(بلاغة) لجسد الفرجة… الاشتباك فكريا وذوقيا مع أي عرض يستلزم فهما وتحليلا للغة العرض، وتفكيكا وتركيبا لصيغه الشعرية والبلاغية.. الجملة المسرحية ليست هي الجملة الحوارية.. الحوار عنصر داخل جمل العرض الجمالية والمكونة من حوار وملابس وحركة وإنارة…الخ ونحن نشاهد العرض نمارس فعل قراءة كتابة في فضاء اسمه الخشبة.. أكيد أن هناك تراتبية للعناصر الجمالية المكونة للعرض تفرضها اختيارات المخرج بحسب رؤيته وما يمتلك من مهارات تقنية ومعرفية…
ومثلما هو الحوار عنصر ومفردة جمالية داخل منظومة العرض المسرحي، فالديكور أيضا ليس إلا جزء من السينوغرافيا كإطار عام يحد فضاء الفرجة… إنه عنصر من عناصرها المتحركة داخل الإيقاع العام للعرض الفني منذ بدايته وحتى نهايته… السينوغرافيا ليست كتلا جامدة أو متحركة حتى.. انها كتابة على صفحة الركح… وجماليات السينوغرافيا تتمظهر في مختلف عناصر الفعل المسرحي من فضاء ركحي ودرامي وسمعي وملابس وحركة الاكسسوارات وإيقاع الإنارة وحركة الشخصيات / الممثلين… الخ
والاكسسوارات المسرحية قطع ملحقة بديكور المسرحية.. وتبدأ من أصغر قطعة (كالخاتم الذي تضعه الشخصية في أحد أصابعها) إلى أكبر قطعة تحركها الشخصية / الممثل على الخشبة… والاكسسوار على الخشبة يفكر ويبعث على الأحاسيس بل تصدر عنه الاحاسيس أيضا ويجسد حالات درامية بحسب سياق العرض المسرحي… فنجد الكرسي المهموم، والسكين الغاضب، والهاتف المرعب، والملعقة الهادئة التي تخفي شوكة شريرة، والطاولة المنزعجة والمزعجة، وكاس الماء القاتلة، والمنديل المتواطئ، والمزهرية العاشقة، والقيتارة الحالمة، والقفاز المجرم، ووظيفة الكتاب المفتوح ليست كوظيفته إذا ما كان مغلقا ومهملا في ركن ما… الخ
كل ذلك وغيره من المعادلات البصرية والتجسيدات المشهدية يجعلنا من موقع المشاهد / المتلقي أمام لغة مادية أخضعها صناعها لفعل التمسرح…
اذا أي حديث أو مناقشة حول مضامين العرض الفكرية والجمالية سينطلق من رؤية المخرج المتفاعلة مع رؤية المؤلف والمجسدة في السينوغرافية والمشخصة في الأداء… والانسجام بين هذه العناصر يشكل لغة فنية تصنع المعنى المراد من خلاله إحداث الأثر في المتلقي في المجتمع وفي الزمن أي في التاريخ…
تلقي الجمال يحتم جمالية التلقي التي ستكون دوما محكومة بمنظومة العرض ومن داخل جسد الفرج وليس من خارجها وأي اسقاط للمقولات الفلسفية والفكرية في حديثنا عن اي عرض هو وليد العرض نفسه والفرجة عينها..